عاشق العصور الوسطي..بقلم د. رضا عبد الرحيم

د. رضا عبد الرحيم

بدأ أمبرتو إيكو حياته باحثأ فى دراسات السميوطيقا-علم

يدرس أنساق العلامات والأدلة والرموز، سواء أكانت طبيعية أم صناعية- فى القرون الوسطى ثم ذاع صيته كاروائى بعد صدور روايته الأولى “أسم الوردة” عام 1980 م – كان وقتها فى الثامنة والأربعين من عمره – وهي رواية بوليسية غير تقليدية تدور أحداثها في دير يعود للقرون الوسطى.ولتصبح حدثا عالميا فى مجال النشر إذ بيع منها أكثر من عشره ملايين نسخة. لتعرف الشهرة طريقها إليه ،وتسعى الصحف إلى مقالاته الثقافية ،وبات إكو يُعد أهم كاتب إيطالى على قيد الحياة وقتئذ وحتى رحيله يوم الجمعة الماضية عن عمر 84 عاماً. وقد في منزله بشمال إيطاليا.

ولد إيكو فى مدينة أليساندريا عام 1932م.وكان لجده لوالده والذى يعمل فى مجال الطباعة أثرا كبيرا على شخصيته،حيث ورث عنه فضوله الكبير للمعرفة إزاء العالم ،كما ورث منه كنزا نفيسا من الكتب.

يقول عن فترة شبابه والتى عايش فيها الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب ضد الفاشية فى ايطاليا أنه كان يكتب كتبا كوميدية  ولكنه لم يمتلك الشجاعة لعرضها على أحد ،كتبها لنفسه وكانت كما يقول :رذيلتهُ السرية.

وقد عمل فى التليفزيون الإيطالى الرسمى عام 1954م.بعد شهور قليلة من البث التليفزيونى  الأول.وهو نفس العام الذى حصل فيه على إجازة في الفلسفة من جامعة تورينو عام 1954م. عن بحث بعنوان القضية الجمالية عند القديس توما الأكويني. ثم وجه اهتمامه بعد أن أصبح عام 1961م. أستاذا للجمالية في جامعة تورينو إلى الشعر الطليعي والثقافة الجماهيرية، وبعد ذلك تخصص في علم السيميائيات والأبحاث المتعلقة بنظريات الأدب، ومنذ عام 1975 أصبح أستاذ جامعياً في علم السيميائيات بجامعة بولون. وأثناء هذه المسيرة ألف أُمبرتو إيكو مجموعة من الأعمال الروائية التي لفتت الانتباه وطرحت الأسئلة.

 من أهم مؤلفاته النقدية:

العمل المفتوح، والبنية الغائبة، تاريخ الجمال، و العلامة تحليل المفهوم وتاريخه، والسيميائيات وفلسفة اللغة، وحدود التأويل، وست رحلات في أدغال السردية، والقارئ في الحكاية. أما في مجال الرواية فقد نشر روايته الأولى اسم الوردة التي قضى في كتابتها خمس عشرة سنة. عندما نشر أُمبرتو إيكو رواية اسم الوردة كان نجاحها العالمي مفاجأة بكل المقاييس. فلم يسبق لشخص متخصص بأحد أصعب العلوم الإنسانية الحديثة أن أنتج عملاً أدبياً مهماً. وأصدر في فترة لاحقة روايته الثانية بندول فوكو، كما أصدر عدة روايات: جزيرة اليوم السابق، باودلينيو، اللهب الغامض للملكة لوانا، مقبرة براغ.

وتتميز إهتمامات إيكو بأنها على قدر كبير من التباين فهو عاشقا لعصر القرون الوسطى ولا يراها كما يراها الآخرين عصور ظلام ،بل زمنا متوهجا وتربة خصبة نبتت منها النهضة،هى فترة إنتقال وميلاد للمدنية الحديثة والنظام المصرفى والجامعة وفكرتنا الحديثة عن أوربا بلغاتها وقومياتها وثقافاتها .كما أنه عاشقا للتاريخ ،ويؤمن بما آمن به شيشرون :أن التاريخ أستاذ الحياة ،أما اللغة فيؤكد إكو أننا نُعد بشرا بقدر ما نحن قادرون على إنتاج اللغة.كما أنه وبحكم عمله بالتليفزيون كان مهووسا به ومع هذا نجده يذكر حرصه على إنتقاء المادة التى يشاهدها قائلا:لست بلاعة لأى شىء.فأنا لا أستمتع بمشاهدة أى نوع من التليفزيون.أحب مشاهدة المسلسلات الدرامية وأكره البرامج التافهة.

حصل إيكوعلى خمس وثلاثين دكتوراة فخرية من جامعات العالم ،وعلى الرغم مما سببه له الأدب من فخر ومجد شخصى بقدر ما نالت من سمعته فى العالم كمفكر جاد ،كما أنه قضى بسبب موقفه من الكنيسة أوقاتا عصيبة ،حيث قالت صحيفة الفاتيكان إن روايته “بندول فوكو مليئة بالتجديفات ،والتدنيسات ،والأكاذيب المضحكة ،والقاذورات وأن ما يجمع ذلك كله معا ليس إلا الغطرسة والتهكم.وربما بسبب هذا الموقف لم يحصل على جائزة نوبل فى الآداب.

وفى حوار له  بجريدة “باريس رفيو” نشر فى صيف 2008م. والذى يرى كاتب المقال ضرورة حتمية فى إظهارالدور الحيوى للثقافة فى حركة التاريخ قديما وحديثا ،حيث  أكد  إيكو على أن الثقافة دائمة التكيف مع الأوضاع الجديدة .ربما سوف تكون هناك ثقافة مختلفة،لكن ستكون هناك ثقافة.بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية كانت هناك لقرون فترة تحول جذرى –لغوى وسياسى ودينى وثقافى-هذه الأنماط من التغير تحدث الآن بسرعة تفوق السرعة القديمة عشر مرات ،ولكن أشكالا جديدة ومثيرة سوف تستمر فى النشوء، والأدب سوف يبقى.

أضف تعليق