أرشيف التصنيف: د. مصطفى الضبع

أمومة. قصة: دكتور مصطفى الضبع

لم يكن ضيق الوقت مشكلتي الوحيدة، التفاصيل التي لم يعد يتسع لها الوقت، محاولات السيطرة على حماقات الآخرين، كنت أحاول نفض كل ذلك والتركيز في مشوار الغد: رحلة عمل إلى مدينة قريبة تستلزم السفر اليوم لأكون هناك مبكرا، المشوار ليس هينا قرابة خمسمائة كيلو متر أقطعها بالسيارة وحيدا أخطط لكثير من المشروعات القادمة، لكن السيارة خذلتني حين اكتشفت تعطل المكيف في بلد يستحيل الحياة فيها بدونه.

لم يكن هناك من يستعان به، خيار واحد بدا متاحا للوفاء بموعد الغد، الاستعانة بسيارة من خلال أوبر أعرف أن الرحلة ستكون مكلفة ولكن ….

تخففت من كثير مما خططت لحمله، و طلبت سيارة فكانت الاستجابة أسرع مما أتوقع ، لم أتفحص السائق ، كان كل همي قطع المسافة حتى المقصد .

خرجت للطريق أنتظر ، وحين وصلت السيارة فوجئت بها سيدة أربعينية ، حين رأيتها رحت أحدق في التطبيق والسيارة ولما لاحظت ارتباكي أشارت لي ألا خطأ هناك ، ترددت قليلا أين أركب ( تعودت أن أجلس بجوار السائق تجنبا لشعوره بالتعالي عليه ) ، حسمت الأمر بقولها : يمكنك الجلوس في الأمام على ألا تنازعني سلطة القيادة أنتم الرجال ، وغمغمت بكلام لم أتبينه وراحت تؤكد كونها خبيرة وتفضل القيادة وجربت كثيرا من وسائل التأمين والأمان و….

خلال الطريق كنت أراجع أوراقي وتفاصيل الموعد، تصفحت بريدي، تابعت بعض أخبار الأصدقاء، واتصلت بوالدتي أتزود من اطمئنانها للحياة، بدا صوتها ضعيفا وهي تدعو لي كعادتها، وتستجدي كلماتي للاطمئنان عن كل التفاصيل، ولما أخبرتها أنني في طريق سفر قالت بكل يقين : ربنا يسلم طريقك، وحين هممت أن أخبرها أنني في سيارة تقودها امرأة تراجعت كيلا أستفز قلقها .

حين أنهيت اتصالاتي كان الطريق لم يزل طويلا ، ولما كنت أدرك خارطة الطريق كنت أنبه السائقة لما هو قادم لكنها كانت تتذمر بالقدر الذي جعلني أدرب نفسي على الصمت .

أخذتني الصحراء فجربت الاسترخاء ورحت أفكر في كتابة نص عنها ، تأرجحت السيارة أو خيل لي ذلك رحت أحذرها من مناطق الخلل في الطريق لكنها زجرتني بعيونها فغادرت اللحظة عائدا إلى ماقبل السفر .

أغمضت عيوني ورحت ألملم حواسي لاستيعاب التفاصيل، فلم أشهد ماحدث كل ما أدركته أن السيارة تنحرف مندفعة للصحراء صاعدة هضبة حتى قمتها ثم زاحفة من الناحية الأخرى ، وصرخات السائقة تقلقل الرمال، حتى إذا استقرت كانت تنشج بالبكاء، وهي تصرخ أنها لم تخطئ وووو…

كانت تحملني المسؤولية ( لا أدري كيف) ، وكنت أحاول إفهامها إنني لست المسيح الذي يتحمل أخطاء البشر ، ربما قمت بهذا الدور سابقا ، ولما لم تحاول الفهم تركتها تنازع ذئاب الصحراء العواء .

التزمت الصمت لمراجعة الموقف ، سيارة مغروسة في الصحراء ، أبوابها تستعصي على الفتح ، وجسم تتزاحم فيه الرضوض والسجحات ، لم يكن هناك دماء فقط آلام موزعة على جسمي بعناية فائقة .

حذرتها من الخروج لأنني أدرك طبيعة المكان وكونه مليئا بالهوام وفي مقدمتها العقارب والثعابين، لكنها أصرت على الخروج ولما لم يستجب لها الباب راحت تبكي نادبة حظها العاثر ويقينها المتعثر.

بدت الصحراء موحشة، وحين قررت استخدام الجوال لم أجده، ربما طار من النافذة أو تحطم، وقد فهمت منها أن جهازها لم يعد يعمل بكفاءة.

شعرت بالعطش الشديد فلم أسألها عن الماء، كأنني نفضت القلق أو تخلصت منه للأبد دخلت حالة من الاستسلام المريح، طلبت منها أن تتركني لأفكاري ربما أجد حلا..

استغرقني الظلام تدثرت به مستسلما لأفكاري، أغمضت عيوني إمعانا في الابتعاد ( تماما كما أفعل حين أريد النوم هروبا من الواقع) ، لم أكن أدرك الحالة ، ولم أشعر بشيء سوى أنها تلمسني ، هامسة حمدا على سلامتك ، حملقت فيها فابتسمت ، متى جاءت و كيف اهتدت لي ، لم أسألها ، فقط كانت تمنحني بعض دفء أمومتها ، وتحكي لي عن رحلتها مع والدي الذي رحل منذ سنوات ، عن جدي وعن حبه للعلم ، عن الرؤيا التي رأتها حين كنت جنينها السابع: قبيل ميلادي جاءها والدها وأعطاها كتابا استبشرت خيرا ونذرتني للكتب .

ألقيت إليها كل هموم السنين وغدر الأيام وغلاء الحياة وتبدل الأجيال وسقوط الأخلاق وووووو

ربما غفوت أو دخلت في حالة من الإغماء ، كانت السائقة مازالت تبكي ، وكانت تستقطبني حالة من الهدوء تمنيت أن تطول.

(إلى روحها ” بنت الشيخ عبد الحليم فريجة ” وقد رحلت في مثل هذا اليوم منذ خمس سنوات)

آباء وأمهات للسرد العربي. بقلم: سيد الوكيل

طرقت الدراسات النسوية الحديثة أبواباً عديدة، وأحدثت حفائرها  في غياهب التاريخ القديم والحديث ـ معاً ـ بحثاً عن صور مشرقة لنساء أسهمن في صياغة تاريخ السرد العربي، وهي إسهامات ظلت محدودة نتيجة لممارسات التهميش والإبعاد التي مارستها ذكورية الثقافة على المرأة، ومن ثم كان أحد أهم أهداف الدراسات النسوية، ليس فقط إجلاء صورة المرأة بين ركامات التاريخ الثقافي، بل التأكيد على حيازة  المرأة لموقع متميز فيه.  وإذا وضعنا في الاعتبار إيمان النسويات بقداسة مهمتهن في تصحيح وضعية المرأة عبر قراءة التاريخ من وجهة النظر الأخرى أو المسكوت عنها، سنعرف سر الشغف لدى الكاتبات لطرق أبواب  الماضي، بحثاً عن لحظات مضيئة ولو عابرة يكون للمرأة  فيها حضور مؤثر في مسيرة الحراك الثقافي.

 وعلى أي حال، فهذا موضوع يحوز شغفاً في الثقافة العربية عموماً، باعتبارها مهمشة في مقابل مركزية الثقافة الأوربية، أما وإن يكون الأمر متعلقاً بثقافة النساء المهمشات أصلاً  في محيطهن الاجتماعي، فإن الأمر يبدو أكثر إلحاحا للتأكيد على إشراقات نسوية في تاريخ الثقافة العربية.

استمر في القراءة آباء وأمهات للسرد العربي. بقلم: سيد الوكيل

كنزي..قصة:د. مصطفى الضبع

في فندق قديم عثرت عليه في غرفة أسطورية، ناعما كان ، تغريك نعومته ألا تغادره ، وربما لا تفكر فيما سواه ، بدا لي أنه أسطورة ، قريبا من نافذة تطل على سد مائي كبير ، للوهلة الأولى لم أفكر أن له مالكا آخر فمثله لا يفرط فيه عاقل ولا يهمله من له قلب .

استمر في القراءة كنزي..قصة:د. مصطفى الضبع

سيد الوكيل وقصصه القصيرة: د. مصطفى الضبع  

ترقـيـنات نقدية

1-

د. مصطفى الضبع

في قصص سيد الوكيل، سوف يشغلك أبطال لا تخاف عدم معرفتهم ، فهم أنت ، وأنا ، والآخرون ، يحملك من البداية إلى عمق الأشياء والشخصيات ، دون أن  تشعر بالغربة .

مع قصصه أنت أمام الكثير من عناصر الفن التى يمكنك أن تتحاور معها أو أن تتوقف لديها ، والقادرة على أن تعكس سمات الموهبة لدى الكاتب .

وإذا كانت مجموعته الأولى ” أيام هند ” تكشف عن  موهبة الكاتب ، فإن المجموعة الثانية ” للروح غناها ” تكشف عن نضج الموهبة ، وظهور طاقات دلالية تتناسب ونضج الكاتب ، وتقدم بطاقة إبداعية تأخذ مكانها بقوة لتمنح صاحبها شهادة ميلاد لمبدع على وعى خاص بإبداعه .

تتعدد الجوانب الفنية الدالة فى المجموعة بحيث يمكن للمتوقف عند بعضها أن يكتشف  بسهولة جوانب فنية لها قيمتها فى سياق النص الذى يمنحك الفرصة أن تقيم معه حوارا مثمرا .    

استمر في القراءة سيد الوكيل وقصصه القصيرة: د. مصطفى الضبع  

فنتزة الواقع في قصص شريف عبد المجيد

د. مصطفى الضبع

شريف عبد المجيد كاتب مصري ، شاب،  قاهري ، له مشروعه الثلاثي المتبلور في ثلاثة أضلاع تمثل مشروعه الإبداعي :

المسرح :

  • كونشيرتو الزوجين والراديو – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2003.
  • حشو مؤقت – دار النسيم للنشر والتوزيع – القاهرة 2014.

التصوير والكتابة التسجيلية :

أقام أربعة معارض فردية للتصوير الفوتوغرافي ، وله ثلاثة كتب في التصوير، تعتمد مادتها على أحداث الواقع  :

  1. أرض . أرض ، حكاية ثورة الجرافيتي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2012.
  2. الحرية جاية لابد ، جرافيتي الأولتراس – دار نهضة مصر- القاهرة 2012.
  3. مكملين، حكاية ثورة الجرافيتي 2– الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2013.
  4. سيوة ظل الواحة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2015.
استمر في القراءة فنتزة الواقع في قصص شريف عبد المجيد

طرائق السرد القصصي عند ” سيد الوكيل “. د. مصطفى الضبع.

المقال الثاني

د. مصطفى الضبع

حيثما تراه للمرة الأولى لا تشك مطلقا أنه شخصية من شخصيات  ماركيز أو جورج أمادو فى قدرتها على تجسيد الكثير من المعانى ذات الطابع الإنسانى.  ويظل الإحساس  مسيطرا عليك حتى بعد أن تكتشف ابن البلد الأصيل الكامن هناك فى أعماقه.

وعندما تتعامل مع قصصه وروايته الوحيدة لا يختلف الأمر كثيرا، فأنت تتابع شخصيته تتحرك فى أعماله كلها. شخصية دالة متعددة الأبعاد. حتى إذا ما تابعت كتاباته النقدية اكتشفت نبعا جديدا من الأفكار الجديرة بالدراسة.

إنه سيد الوكيل القاص والروائى و الناقد، صاحب:

أيام هند – مجموعة قصصية – ط1

للروح غناها – مجموعة قصصية 1997.

فوق الحياة قليلا – رواية 1997.

مدارات فى الأدب والنقد (نقد ) 2002.

وهى أعمال لا يعبر عددها المشروع الإبداعى لسيد الوكيل حيث تتدخل عوامل متعددة تقف دون قدرة طرح مشروع الكاتب كاملا أو دون تقديم ما أنجزه الكاتب بالفعل. ومنها عوامل النشر. وملابسات العمل المؤسسى. ولكنها قادرة على عددها هذا أن  تقف  فى منطقة متميزة قادرة عن الكشف عن قدرات المبدع. والناقد.

فى قصصه القصيرة أنت أمام نص هادئ. بسيط. لا يشغلك بتعقيدات النص. ووعورة الأسلوب. وتهويمات القص المستحدث. وإنما تشغلك الحكاية فى روحها البسيطة. الشفيفة. ويشغلك أبطال لا تخاف عدم معرفتهم. فهم أنت. وأنا. والآخرون. يحملك من البداية إلى عمق الأشياء والشخصيات. دون أن  تشعر بالغربة.

مع قصصه أنت أمام الكثير من عناصر الفن التى يمكنك أن تتحاور معها أو أن تتوقف لديها. والقادرة على أن تعكس سمات الموهبة لدى الكاتب.

وإذا كانت مجموعته الأولى ” أيام هند ” تكشف عن  موهبة الكاتب. فإن المجموعة الثانية ” للروح غناها ” تكشف عن نضج الموهبة. وظهور طاقات دلالية تتناسب ونضج الكاتب. وتقدم بطاقة إبداعية تأخذ مكانها بقوة لتمنح صاحبها شهادة ميلاد لمبدع على وعى خاص بإبداعه.

تتعدد الجوانب الفنية الدالة فى المجموعة بحيث يمكن للمتوقف عند بعضها أن يكتشف  بسهولة جوانب فنية لها قيمتها فى سياق النص الذى يمنحك الفرصة أن تقيم معه حوارا مثمرا.

استمر في القراءة طرائق السرد القصصي عند ” سيد الوكيل “. د. مصطفى الضبع.

سيد الوكيل، يرسم عالمه في “لمح البصر “. د. مصطفى الضبع

د. مصطفى الضبع

أبريل 30, 2019

د. مصطفى الضبع ، أستاذ  ورئيس قسم النقد الأدبي بجامعة الفيوم

سيد الوكيل قاص وروائي وناقد مصري  تضعه تجربته في الطبقة الأولى من كتاب الرواية خاصة والمبدعين عامة (الطبقة التي يقرأ مبدعوها أكثر مما يبدعون فتأتي أعمالها متميزة، خلافا لطبقة تقرأ قدر ما تكتب فتاتي أعمالها مذبذبة المستوى، وطبقة أخرى تكتب أكثر مما تقرأ فتأتي أعمالها ضعيفة لا يعول عليها ولا تحقق حياة )، يجمع سيد الوكيل بين وعيين أساسيين تقوم عليهما تجربته: وعي المبدع صاحب التجربة، ووعي الناقد صاحب الرؤية وهو ما تؤكده قائمة أعماله التي جاءت استجابة لتجربة عميقة تقوم على أساس من الفن الجميل وليس مجرد البحث عن كتابة سهلة إعلامية الطابع، سطحية المستوى، ضعيفة التأثير:

له أربع مجموعات قصصية تضعه في مكانة تليق به بين كتاب القصة القصيرة ممن حرصوا على كتابتها :

– أيام هند – نصوص 90 – القاهرة 1990.

–  للروح غناها – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1997.

–  مثل واحد آخر – طبعة خاصة – القاهرة 2004.

– لمح البصر – روافد للنشر والتوزيع  – القاهرة 2014.

وله روايتان ضمنتا له موقعا متميزا بين كتاب الرواية من أبناء جيله :

فوق الحياة قليلا – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 1997.

شارع بسادة – الدار للنشر – القاهرة 2008.

وله كتابان نقديان تحددان رؤيته النقدية وتكشفان عن مجال عمله في مقاربة النصوص:

مدارات في الأدب والنقد – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2002.

أفضية الذات، قراءة في اتجاهات السرد القصصي – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2006.

وله عمل يجمع بين السرد القصصي والسيرة الذاتية:

الحالة دايت (متتالية في سيرة الموت والكتابة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2011.

ينتمي الوكيل للكتاب الذين وقفت أعمالهم الأولى أعتاب الألفية الثالثة، بدأ الكتابة في الثمانينيات وتحقق له الانتشار في التسعينيات وتأكد نضج مشروعه بداية الألفية الثالثة، والذين ينتمون لهذه المرحلة ومرت أعمالهم بالمراحل نفسها يمثلون جيلا يحقق تفرده من تجاوزه أيديولجية الجيل السابق ومشكلاتها فلا هو جيل اليسار الذي عاني من تعقيداته ولا هو جيل الانفتاح الذي عانى مشكلاته، ولأن الوكيل يعد نموذجا لهذا الجيل  الذي  قرأ السابقين بعمق واستوعب تجربة المشهد الروائي مخلصا لتلمذته لنجيب محفوظ محتفظا بمسافة تخص الكتابة وتتحقق عبر قراءة محفوظ لا ادعاء تلمذته بالاقتراب منه أو منح النفس صك الحديث عنه أو باسمه.

يقول تعبيرا عن رؤيته للكتابة “فالكتابة هكذا، ليست تعبيرا عن الحياة.. بل هى طريقة من طرائق عيشها. ليست ردا لفعل ما، بل هي الفعل نفسه”(سيد الوكيل: الحالة دايت )، وهو ما يجعل من نصوصه مجالا للحياة.

إذا كانت مجموعته القصصية الأولى ” أيام هند ” تكشف عن  موهبة الكاتب، فإن المجموعة الثانية ” للروح غناها ” تكشف عن نضج الموهبة، وظهور طاقات دلالية تتناسب ونضج الكاتب، فيما تؤكد المجموعة الثالثة “مثل واحد آخر ” عمق التجربة وقدرتها على تقديم كاتب حريص على خدمة مشروعه عبر العناية بتفاصيل التجربة ومن قبلها العناية بالخلفية المعرفية للتجربة عبر مشروع قراءة واسع المجال يقوم على عمادين أساسيين: قراءة السرد ومكاشفة نماذجه العليا، وقراءة السينما عبر مقاربة نماذجها ومتابعة مراحل تطورها ، وتأتي المجموعة الرابعة لتقف بمشروع الكاتب عند منعطف تجربة جديدة لا تشي بالقدرة على التشكيل فحسب وإنما تقدم نموذجها الخاصة بالقدرة على التخييل عبر التقاط تفاصيل يدرك المتلقي واقعيتها غير أنه لا يخطئ التعامل معها فنيا ممررة بوعي كاتب يعرف كيف يشكل نصه معتمدا طرائق خاصة في رسم النص.

تتآلف إلى حد كبير نصوص المجموعة القصصية عند سيد الوكيل مما يجعلها مجموعة من التوائم المتقاربة،   تبدو للوهلة الأولى متبعة طريقة / طرائق محدودة فى إنتاج دلالتها ، ولكن سيد الوكيل يعمد للتنويع فى مجالات القص عبر المجموعة الواحدة، وهى أولى علامات الحرص على إبقاء المتلقي على درجة اهتمامه إلى ما بعد نهاية القراءة التي ليس معناها نهاية التلقي بالطبع، وهو ما يتكشف عبر نصوص المجموعة الرابعة ذات الطابع الخاص من بين مجموعات الكاتب.

تضم مجموعته الجامعة بين تقنيات السرد القصصي وطريقة سرد الأحلام ” لمح البصر ” تسعة وثلاثين نصا قصصيا تميل جميعها للقصر(كثير منها لا يتجاوز نصف الصفحة ) ، معبرة عن عنوانها الأخير الذي تصدر المجموعة ” لمح البصر “، ذلك التعبير الذي يجعلها تقارب مساحات مكانية في لحظات زمنية سريعة تناسب سياق الحلم وطرائقه وتجعل من النصوص لحظات تتجاوز الوعي بالزمن إلى الوعي بالحدث من حيث هو مخزن استراتيجي للرمز أولا ولإنتاج الدلالة النصية ثانيا ودليلا على منجز السارد وقدرته على تقديم حدث شيق، جذاب، دال ثالثا.

فعناوين النصوص بوصفها عتبات لا تحيل إلى النص بقدر ما يحيل إلى العالم خارجه وخاصة تلك العناوين التي تتشكل من معان مجردة في معظمها : لمح البصر – اللعبة – شغف الطريق – قلق الأربعين – ساعة العمر – حق العودة – الدليل.

في قصته “خالص العزاء ” رغم أن النص يقوم على مشهد عزاء “زوجة وزير الداخلية ” فإن صيغة العنوان لا تقف عند حصار النص فيها أو لا تكون مجرد نقطة عبور إلى المتن بقدر ماهي عبور للعالم الذي جاء العزاء تمثيلا (رامزا) له، فخالص العزاء ليس للفقيدة أو فيها وغنما لعالم تكاد تفاصيله تكون مبثوثة في النصوص جميعها، حيث العالم يتشكل من شخصيتين (السارد وصديقه ) بوصفهما شاهدين على العالم غير مشاركين في صنعه أحيانا كثيرة، وبوصفهما نموذجا للعلاقة القائمة بين اثنين في مواجهة العالم المضاد:

لذا تأتي القصة عابرة للمشهد المرسوم وقافزة عليه: ” انتصب سرادق العزاء مهيباً أمام مسجد عمر مكرم، وفي مقدمته صورة كبيرة للمرحومة زوجة وزير الداخلية، كان وكيل الوزارة يتلقى العزاء في مقدمة صف طويل من موظفي الوزارة، فيما وقف مدير مكتبه يوزع بطاقات خضراء على المعزين، إذ عليهم أن يسجلوا فيها اسم السورة التى يرغبون سماعها من المقريء.

رأيت المقريء في نهاية السرادق، يتربع على كرسي مذهّب مكسو بالحرير الأخضر، وأمامه عدد من تلك البطاقات الخضراء، ثم رأيتُ خادم السرادق في قفطان أبيض نظيف يتجه ناحيتى، أخذ بطاقتي وأشار لي أن اتبعه، فمضيتُ خلفه صامتاً بما يليق بجلال الموت.

قادني إلى المقعد المخصص لي وأمرني بالجلوس فقلت له أننى لم اكتب في بطاقتي شيئاً بعد.

يبدو أنه لم يسمعني فكررت كلامي بصوت أعلى، لكنه لم يرد، فقط مضى في اتجاه المقريء ووضع بطاقتي بجوار البطاقات الأخرى.

وقفتُ لحظة مندهشاً ومحتجاً، حتى أحاطتني نظرات المعزين مستنكرة ارتفاع صوتي، فجلست صاغراً على المقعد المخصص لي، عندئذ التفت إليّ جاري وهمس:

ـ ألم تلاحظ أن المقرئ كفيف؟؟”

النصوص في مجملها تمثل مجموعة من الروافد التي تغذي نهرا متدفقا ليس من صنع السارد وإنما هو من صنع القدر ويكون دور كل سارد أن يقدم روافده لخدمة هذا النهر الكبير

توظيف القطار في القصة القصيرة

د.مصطفى الضبع

فى أحد جوانبها تنبع بلاغة البليغ من قدرته على أن يختار ألفاظه ، وأن يوظفها توظيفا جماليا فى سياق فنى ، ولايتوقف ذلك عند الشاعر الذى يوصف دائما بالبلاغة وإنما هى سمة قارة فى الأديب الذى يحسن إختيار لغته ، والعناصر التى يشكل منها خطابه الإبداعى ، ويظل مبدأ الاختيار واحدا من أهم السمات التى تميز المبدع الذى يعتنى ( أو عليه أن يعتنى ) باللغة الأدبية كما أن المبدأ نفسه يبقى مقياسا من المقاييس التى تميز الأديب عن غيره ، فى قدرته على أن يختار الأشياء والعناصر التى يشكل منها جغرافية نصه ، ويعطيه الطعم الخاص به .

استمر في القراءة توظيف القطار في القصة القصيرة

سيد الوكيل يرسم عالمه في ” لمح البصر”: د. مصطفى الضبع

أبريل 30, 2019

د. مصطفى الضبع ، أستاذ  ورئيس قسم النقد الأدبي بجامعة الفيوم

سيد الوكيل قاص وروائي وناقد مصري  تضعه تجربته في الطبقة الأولى من كتاب الرواية خاصة والمبدعين عامة (الطبقة التي يقرأ مبدعوها أكثر مما يبدعون، فتأتي أعمالها متميزة، خلافا لطبقة تقرأ قدر ما تكتب فتاتي أعمالها مذبذبة المستوى، وطبقة أخرى تكتب أكثر مما تقرأ فتأتي أعمالها ضعيفة لا يعول عليها ولا تحقق حياة )، يجمع سيد الوكيل بين وعيين أساسيين تقوم عليهما تجربته: وعي المبدع صاحب التجربة، ووعي الناقد صاحب الرؤية وهو ما تؤكده قائمة أعماله التي جاءت استجابة لتجربة، عميقة تقوم على أساس من الفن الجميل وليس مجرد البحث عن كتابة سهلة إعلامية الطابع، سطحية المستوى، ضعيفة التأثير:

له أربع مجموعات قصصية تضعه في مكانة تليق به بين كتاب القصة القصيرة ممن حرصوا على كتابتها :

استمر في القراءة سيد الوكيل يرسم عالمه في ” لمح البصر”: د. مصطفى الضبع

الأشياء وتشكلاتها في القصة القصيرة. د. مصطفى الضبع

د. مصطفي الضبع

تملأ الأشياء الكون منازعة الإنسان وجوده، وكما إنها تفتح أمامه مجال الابتكار فإنها قد تمثل عائقا يصل حد التحدي، وإذا كان الحكي يتخذ من الإنسان مادته الحيوية فإنه لا ينتزع الإنسان من محيطه دونما اعتماده في بيئته التي تتشكل من كم هائل من الأشياء.  تظل الأشياء على حيادها في الواقع حتى يأتي الفن ليجعلها في سياق قادر على إخراجها من حياديتها ، فهي تقيم حوارا صامتا بينها وبين الإنسان ، وفيما بينها وبين بعضها البعض ، فالأشياء تستمع للإنسان ولكنه لا يستمع لها ،  هي تعبر عن كثير من طبائعه وأحواله ، فمنها ما هو قادر على الإشارة إلى حالة الإنسان الاقتصادية سواء نوعها أو كمها أو حضورها أو غيابها ( [1] ) ، ومنها ما هو قادر على الإشارة إلى حالته النفسية  (  [2]) .

استمر في القراءة الأشياء وتشكلاتها في القصة القصيرة. د. مصطفى الضبع

مهام ثقيلة (في عالم سيد الوكيل القصصي)

د. مصطفى الضبع
ليس الإعجاب الخاص أو العلاقة الحميمة التي تربطني بقصة مهام ثقيلة هي العوامل الدافعة لاختيارها ، فالقصة يتوافر فيها من الإمكانات الفنية ما يتيح لها أن تكون اختزالا دالا على عالم سيد الوكيل ، كما يمكنها أن تضع في يد المتلقي مجموعة من المفاتيح التي يمكن الاعتماد عليها في سبر أغوار عالم الكاتب .
وأما العناصر التي تجعل من القصة تقوم بدورها /أدوارها الفنية فتتلخص في :

استمر في القراءة

إضاءات للسرد المعاصر.. أحمد والي، المتنصت بشغف

بقلم: د. مصطفى الضبع

كان للمصادفة دورها فى اكتشاف أحمد والى، هدانى تصفح بعض مواقع الإنترنت إلى مجموعته المتميزة “المتنصتون” التى فرضت نفسها على عالمى ليلة كاملة لم يكن من السهل  مقاومة سحر الحكايات المكانية تلك المرتبطة بمنطقة محددة (القرية المصرية) بوصفها مركزا لانطلاق التجربة السردية، سيكون عليك بداية إدراك التفاصيل فى ارتباطها بمنطقها المكانى، وبعدها ستجد نفسك ملزما بما وراء النص من تأويلات ودلالات تطرح نفسها فى لحظة ما عبر أسئلة النص ومساحات التناول فى قدرتها على خلق عالم من الجمال المؤطر بالمتعة.

استمر في القراءة إضاءات للسرد المعاصر.. أحمد والي، المتنصت بشغف