وصية …قصة : ناهد الطحان

   عرفته قويا تتملكه رغبات وأفكار فوقية لايهنأ الا اذا هنأ الجميع ولا يسعد إلا بسعادتهم ، وعندما تزوجته شعرت أن السعادة عرفت طريقها الي ، قال أحدهم لي يوما: احمدي ربنا عليه ، وحمدته لأنه يستحق ، دائما ما كنت أتهاوي  في نوبات الهلع انزوي أردد ألا منجي ، ولكنني كنت دائما أحمد ربي عليه وأشعر بدفئه الي جواري فأزداد قوة واتزانا .

بالأمس طوقني بذراعيه قال إنه يستطيع أن يهمس للنجوم فتسقط تحت قدمي ، وصدقته ، لأنه بالفعل قادر علي ذلك ، هكذا زرع حديقته الصغيرة في البلكونة حيث نقطن ، أزهارا من كل الأنواع قدمها لي في عيد ميلادي  ،شعرت بالنشوة وارتقيت السماء ، لكنه فجأة انتزعها من بين يدي ليقبلها ويعلن أنها ربما تكون آخر ما يقدمه ..

واليوم قالها بدون مقدمات : سأعلن لك وصيتي ، التفت وأنا أحمل أكواب الشاي الساخنة لأضعها أمامه ، وصية ! .. أيهم لقد أمليت علي الكثير وانصرفت ساخرة ..

لقد أصبح في التاسعة والخمسين من عمره يعاني الضغط ، أعلم أن جده مات في التسعينات فلماذا يريد أن يعتصرني  اعتصارا  ، شدني من يدي مهمهما : ألا تريدين أن تستمعي لوصيتي ؟ أغمضت عيني وكأنني علي استعداد : أنا لا أريد سوي سماع الحكايات قبل النوم كعادتي ، ضحك : لأنك صغيره علي سماع الوصايا ، نعم مازلت صغيرة رغم أنك سمعتي مني حكايات تكفي الصغار والكبار ، أومأت : اذا القي علي وصيتك علي الفور بشرط أن تمنحني حكاية جديدة .

قال بصوت شجي وقد تحشرج فجأة وكأنه أصبح معلقا بين السماء والأرض ، أتعرفين ما أنجبت منك ؟ كل ما أنجبت ؟ ، قلت بصوت جاد : نعم أنجبنا ثلاثة أبناء ، همس مرة أخري بل أنجبنا ملايين الأبناء ، أخبرته أني لا أعرف عنهم شيئا ، أدركت وقتها أنه بدأ الحكاية.

أنجبنا زهورا وورودا  في حديقتنا كنت أعتني بهم طوال السنوات الفائتة رغبة في المزيد من الأبناء ، ضحكت : وماذا في ذلك ؟ نعم كنت ترعاهم وتدفعنا لرعايتهم معك بل كنت تصرخ فينا لو نسينا أن نفعل في أحد الأيام ، قال : نعم ، فلتدفنيني معهم ، اندفعت : ماذا تقول ؟ ! ، هل جننت انهن زهورا ولسن أكفانا  أو أمواتا ، ضحكت : يبدو أنك تعاني اليوم من تخمة ما بعد العشاء ، فلتسترح ولنؤجل ماتريد .

أريد أن أدفن في تربة زهوري ولأكن جزءا منها ولتكن جزءا مني أهذا كثير علي ؟ .. أريد أن أكون دما ولحما لها .. أهذا كثير عليها ؟  .. أريد أن اشعر بقطرات الماء وبلورات الهواء في دمي .. أريد أن ألتحم مع أنفاس زهراتي فابقي أطول وقت ممكن أرتوي شمسا وحياة .

فتحت عيني غاضبة وقد أدركت : لا .. هذا كثير ، تريد أن تحتل البلكونة كعادتك لتضع فيها كتبك التي ملأت الشقة  فلا تصلح الا لك .. أنت تعرف أن شقتنا صغيرة فكيف تريد أن تحتل البلكونة إنها أنانية منك .. لا لن اسمح بذلك أبدا ، أغمض عينيه- وراح في سبات غريب لم أدركه وقد انقطع صوت أنفاسه ، ناديته فلم يجب أدركت حينها أن حكايته وربما وصيته قد انتهت ، تحجرت الدمعات في عيني ولم أعد أري شيئا  …

حاصرتني البرودة اقتربت من البلكونة كي أغلق زجاجها فسمعت صوت أقدامه ، أصابتني رعشة صممت علي الدخول ، سقطت دموعي  حين وجدته ، فقد كان هناك يروي زرعه كما يفعل كل يوم …

رأيان حول “وصية …قصة : ناهد الطحان”

أضف تعليق