سقط الشيخ. قص: فهد العتيق/ السعودية

سقط الشيخ

سقط الرجل فجأة مثل بيت قديم . سقط الشيخ إبراهيم الذي كان يركض في حارات وشوارع الرياض القديمة حافيا . سقط أمام بيت أبن جمعان . كان قادما من سوق الحمام في حراج أبن قاسم كما قال رفيقه . افترقا هو ورفيقه في مدخل الحارة قبل المغرب بقليل ، ولا أحد يعرف ما الذي جرى لكي يسقط هكذا فجأة بلا مقدمات ودون علم أحد من عشاق حكايات المليونير الحافي وصاحب أول دكان في العالم يجمع بين البقالة وتأجير وبيع البيوت القديمة في مكان واحد . حملوه الى بيته فنام عدة أيام دون فائدة .

أحضروا الطبيب الذي فحصه وقاس ضغطه ثم حقنه بمصل وسأله بعد ذلك: بماذا تشعر الآن. وكان الطبيب يبتسم، أغمض الشيخ ابراهيم عينيه وقال بصوت له رائحة المـوت: أشعـر كأني أريد أن أنام.

وكانت الحارة التي فقدت روحها وناسها تدور في رأسه مثل مسرحية متعددة الشخوص والأحداث. أما شيخ المسجد فقد نزع ثياب الرجل وصب على جسده ماء الزعفران واستمر يقرأ الآيات حتى أصابه الإعياء، لان الرجل المريض لم يكترث لشيء، وكل ما فعله وهو راقد أن ألقى نظرة على وجه الشيخ وكانت نظرة اندهاش، ثم مال بوجهه عنه ونام . حتى ارتفعت رائحة الحزن والغضب في الحارة وأخذت تفوح وتكسي الجدران بأثرها الرمادي الغامض، فقال الناس أشياء كثيرة عن الحياة وغضب الله، أما الشيخ فقد خرج من بيت المريض يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

وهكذا ظل الرجل نائما ، وكان كل ما عليه أن يتقدم في العمر. أما أولئك البؤساء زوجته وأطفاله وأقاربه وأصحابه فقد أسلموا أنفسهم الى بكاء صامت، لان الشيء الذي لم يحدث من قبل، وما لم يكن محتمل الحدوث صار يجري الآن أمامهم مثيرا في أنفسهم أسئلة غامضة وحزن.

أضف تعليق