نخلة الغريب

قصة : نبهان رمضان

إنطلقت سيارة الميكروباص و هو يركب بجوار السائق و لا  يجاورهما أحد يمعن في الطريق كأنه يريد أن يتذكر شيئا ، أو يبحث عن شئ. عندما وصلت السيارة لمكان ما سأل السائق قائلا : مش كان فيه هنا ساقية ؟

—:ايوة يا استاذ فعلا………

اندثرت و تلاشت و لا تبدي سوى جزء من الجزء العلوي الذي كان هدف الصبية عندما يتسلقونها في الماضي و بشق الأنفس يصلون له  .أصبح الآن تحت الأرض. هز رأسه بأسى و حسرة .

ربما مبادرة الرجل بسؤال فتح شهية السائق للثرثرة و دفع باب الفضول حتى انفتح على مصراعيه .

—:واضح من سؤالك أنك ما جيتشي هنا من زمان ؟

  • :ده صحيح
  • :ممكن أعرف إنت من بلدنا ؟
  • :كنت
  • :ممكن أتعرف لو مؤاخذة
  • :أنا عبده والدي كان موظف بوستة زمان عندكم
  • :ياه كان من زمان قوي أكتر من عشرين سنة.انا كنت معاك فى المدرسة الابتدائى قبل ما تسيبوا البلد

انطلق السائق في الثرثرة و لم يكترث الراكب بما يقوله و لا يصدر منه أي رد فعل سوى أن يهز رأسه و عينه على الطريق و أحيانا يقطع سرد السائق عن الماضي بسؤال عن أحد معالم الطريق التي تبدلت أو اختفت . واصل السائق حديثه قائلا  :فاكر يا أستاذ عبده لما اتراهنا كلنا ميين يطلع لأعلى الساقية اللي كنت بتسأل عنها و انت صممت تطلعها للآخر و مقدرتش تواصل لحد ما وقعت فيها و لمينا البلد كلها علشان نطلعك منها.

الراكب يواصل هز رأسه مع ابتسامة خفيفة.

وصلت السيارة لمقرها الأخير و هبط الركاب و ظل عبده لدقائق داخل السيارة تتملكه الحيرة أين يذهب ؟

  • انتبه السائق لحالته عرض عليه المساعدة لكنه رفض قائلا : هامشي في أي إتجاه و رجلي هاتوديني إلى حيث تريد .
  • سار فى أحد الاتجاهات و لا يدرى الى أين المصير ؟ يمعن النظر في وجوه كل من يقابله ربما تعرف عليه و لا سيما عندما يقابله شخص في مثل عمره دون جدوى لأنه ترك تلك القرية و هو صبي.
  • سار  حيث حقول القرية و ذلك المكان الظليل عندما رآه شعر باشتياق و حنين . غاص بين الأشجار و النخيل حتى وجد تلك النخلة العالية دار حولها عدة لفات و تحسس جسدها الصلب كأنه وجد معشوقته بعد غياب طويل . جلس أسفلها و راح في شرود لدرجة أنه لم يشعر بأحد حوله و لا يكترث بمن حوله . تارة ينظر إلى السماء و تارة ينظر إلى الأرض.

غابت الشمس و حل الظلام و مازال على حالته تلك.

  • لاحت شمس يوم جديد و تسلل شعاعها خجلا من بين أوراق الشجر الكثيف .دبت الأرض بأرجل من يعمرها من جديد و مازال عبده أسفل تلك النخلة لكنه مطأطأ الرأس لأسفل لا يحركها.

اقترب منه أحد الفلاحين ارتاب في جلسته تلك مناديا بصوت معتدل : يا أستاذ لم يعره اهتماما أو التفاتا.

زاد من صوته مع نغزة خفيفه لكن لا رد و لا نظرة .التف حوله جمع من الناس  . مسكه أحدهم و هزه بعنف و لم يصدر منه أي رد فعل صاح أحدهم قائلا : إنا لله و إنا إليه راجعون .

أطلق سكان تلك القرية على هذه النخلة لقب نخلة الغريب . أصبحت مزار لكل من تاه ولدها أو غاب عنها زوجها وما كان عليها سوى أن تبيت ليلة  كاملة أسفلها . في مثل هذا اليوم من كل عام يقام مولد نخلة الغريب

أضف تعليق