شذا الخطيب

ما بين احتفال سيد الوكيل ، و”لا” مصطفى أمين وسورة يوسف

شذا الخطيب

رابط القصة

احتفال.قصة: سيد الوكيل

يدهشنا سيد الوكيل في استخدامه للرمزيات في طرحه لعمله الإبداعي ، كيف لو كانت قصة قصيرة مليئة باللغة المكثفة والوصف المختزل للكثير من المعاني عبر رموز يخفي وراءها ما يريده أن يوصله للقارئ.

قصة احتفال في المجموعة القصصية( أيام هند) ارجعتني إلى رواية ( لا ) لمصطفى أمين وسورة يوسف، وهذا التشابه ما بين شخصية بطل الاحتفال، وما بين شخصية عبد المتعال محجوب، وشخصية يوسف.  كل من عبد المتعال محجوب ويوسف سجن ظلما بسبب امرأة . سرد قصته مستوحي منهما فكرته، فدمج ما بين شخصية يوسف وشخصية عبد المتعال محجوب .

عبد المتعال محجوب الفاقد لهويته واسمه تحديدا، والفاقد لزوجه التي وجدها في النهاية في أحضان رجل أخر تحتفل بعيد ميلاده . لم يطلق سيد الوكيل أسماء على شخصيات قصته ما عدا اسم البطل ( يوسف )  لكنها ألتقت مع  شخصيات رواية (لا ) عبد المتعال محجوب الزوج ، خديجة الزوجة ، حافظ سري الزوج الثاني لها .

العزاء دلالة على الموت  كما الاحتفال دلالة  على الفرح ، هدفهما التجمع لسبب ما على سفرة واحدة، ينصتون لقارئ أو مغني مهما اختلفت المسميات أو الأسباب فهو تجمهر حول أمر معين, السواد مقابل الألوان، البكاء  مقابل الضحك، القرآن والدعاء مقابل الغناء والرقص .

نحن أمام حالة متوفية لا تعترف أنها توفيت، لم تعتد بعد على عالمها الجديد ، ما زالت تتشبث بحياتها. يفتح صفحة جريدة قديمة عطبة عليها رائحة عفن، لم يلحظ الرائحة لكن زوجته نبهته بها لأنها سبب وفاته. وهو ما زال ضمنيا يرفض فكرة الموت، يجلس يحل كلمات متقاطعة يسأل : كيف لا يعلم متى ولد ؟

 الإنسان يعلم تاريخ ميلاده ، ولكنه مؤكد يجهل تاريخ وفاته ، أنه امام مربع الكلمات المتقاطعة ، تقاطع حياته أبيض وأسود  .البياض كفنه والأسود التابوت الذي ضمه . يعلق نتائج( رزنامة ) في ثلاثة أماكن  الحائط ( شهادة الوفاة ) الجيب ( التقرير الطبي ) المكتب ( محضر الدفن )

يدخل وحده إلى الحمام كما يدخل الانسان القبر وحيدا عاريا راميا كل همومه خارج الحمام أو الحياة، يصفى ذهنه في الحمام يحاول أن يفكر بروية، يتأمل حياته، يغسل اوساخه في حياته، ويغسل قبل تكفينه في الحمام ، وكما قيل في الموروث أن الميت يعلم ولا يفعل، والحي يفعل ولا يعلم . الكلب والقط . رمزية الحيوانات الاليفة التي تعيش في البيت والتي تتمتع بحاسة قوية تعرف من خلالها وفاة الانسان، وأيضا قدرتها على رؤية الملائكة أو الشياطين، ما لا يقدر عليه الانسان رؤيته أو الإحساس به، إضافة أنهما من أهم الحيوانات المعروفة التي قدستها الحضارة الفرعونية والتي عاصرها نبي الله يوسف

يخرج من  الحمام  للبحث عن هويته الضائعة وتاريخ ميلاده يذهب إلى البدروم يلتقي باثنين سجلا  اعماله في الملفات، وهما ملك اليمين، وملك الشمال، وقد امتلأ صدره بالتراب والعطن كرائحة الجريدة التي انتهت تاريخها من وقت وفاته . فكانت الجريدة هي آخر ما قرأها الراحل قبل وفاته . وحاول الكاتب أن يدخلنا في مشاهد وشخصيات عديدة حتى يخلط ما بين الواقع والخيال ما بين الموت والحياة في البدروم . وهذه حالة المتوفي الذي لم يدفن بعد . يذهب إلى المقهى حيث النادل يختار زبائنه بنفسه ( ملك الموت) فلا داعي أن يناديه، وأن عليه أن ينتظر دوره كما ينتظر الجميع . انتظار يوم وفاته الذي لا يعلمه أي انسان كما يعلم يوم مولده الذي أصبح يطالب به، وتحديدا الان في كل مكان حتى في التسجيل في مواقع التواصل على النت . وأن محاولة الاحتجاج أو الانتحار سوف يسقط حقه بالمتعة أو بدخول الجنة أو شرب الشاي أو شرب خمر الجنة . وكما قال له صديقه  أننا جميعا نقول نفس الحكاية، أي جميعا يمرون بذات التجربة التي مر فيها . الموت وما بعد الموت . وتجاهل ملك الموت أو النادل له بمعناه أنه في الأصل شخصية متوفية.

وهو في الطريق الزراعي يشم هواء نقيا راكب السيارة أي انه ما زال في التابوت ينقلوه إلى منطقة المقابر حيث أن السيارة ترمز دائما إلى الانتقال من مرحلة الى أخرى أو من عالم إلى أخر. لم يصله خبر وفاة أبيه لأنه توفي قبل أبيه، وكما سأله والده:  يوسف، هل عدت؟ أي العودة من الغياب لأن الشخصية كانت غائبة ومفقودة عن والدها كشخصية النبي يوسف الذي كان غائبا ومفقودا عن والده   . وعرف أخيرا اسمه ( يوسف ) من والده  لأنه من الطبيعي أن يعرفه وخاصة هو من سماه  . وفي  قوله  له ( تأخرت كثيرا ) أي أنه توفي قبل وفاة أبيه كثيرا  . وشجرة الصفصاف من الأشجار التي ترمز للحزن وللعزاء في بعض الاساطير القديمة لذلك كان الاب بجلس تحتها حزينا على ابنه وابيضت عيناه كيعقوب عليه السلام حزنا على ابنه يوسف  . الذي لم يعثر على جثته إلا بعد سبع سنين من وفاته ،وهي مدة سجن سيدنا يوسف

والقابلة رمزية الولادة  اسمها أم حياة . حياته التي توفيت منذ فترة طويلة . وزوجته تحتفل بعيد ميلاد زوجها الجديد ويكرر الكاتب قوله:  لكنك تأخرت كثيرا .  أي أنه توفي منذ فترة طويلة . وهذا يظهر على وجه حياة الذي رآه ميتا على هيئة جمجمة .

وفي النهاية  هو ما زال مصرا على الاحتفال . لأنه توفي ولم يدفن واعتبر مفقودا لذلك لم يجد من يأخذ عزاءه، وزوجته لم تحبه كما يجب حتى أنها تزوجت غيره، وتحتفل معه، ولم تظهر أنها تذكره ، لأنها قتلته مع زوجها والقته في منطقة بعيدة، ولم تكتشف جثته إلا بعد سبع سنين، وهي تحتفل بأنها استطاعت التخلص منه والزواج من حبيبها كما فعلت خديجة مع عبد المتعال محجوب التي فقط اكتفت بسجنه، ونعيه الكاذب والغاء هويته وهذا لوحده قتلا له . ويظل صاحبنا في متاهة ما بين البحث عن حقيقته هل هو ميت أم حي هل هو عبد المتعال محجوب أو هو جرجس بطرس أم يوسف . تائه لا اسم له ولا هوية ولا وجود. . لأنه قتل ظلما لم يقتص من قاتله ( زوجته). وكما يقال في الاساطير الروح تظل تائهة حتى ترتاح بعد الاقتصاص من قاتلها. وعاد إلى ذات المقهى في انتظار القصاص من قاتله وفي انتظار يوم وفاته الحقيقي الذي كان من المفترض أن يموت فيه إذا لم يقتل.

رأيان حول “ما بين احتفال سيد الوكيل ، و”لا” مصطفى أمين وسورة يوسف”

  1. لديك إنصات مدهش لآليات عمل الرمز في النص، كما أني أحسدك كونك قرأت زوية ( لا ) لمصطفى أمين، فأنا شخصيا لم اقرأها، فليس لدي ثقة في الصحفيى عندما يكتب إبداعا، أما ملاحظتك عن توظيف حكاية ( يوسف ) في النص فقد كنت اقصدها فعلا وعلى وعي بها. تقديري واحترامي لوعيك النقدي الجميل دكتورة شذا.

    Liked by 3 people

أضف تعليق