أغنيةٌ جديدةٌ للحب. قصة: محمد علي إبراهيم

                                            

                                 كانت الشفتان متعانقتين فى عنف شديد – وكانا هنا : هما الولد الذى هو أنا و البنت التى هى هى – و الشارع كان يبدو عاديا تماما إلا من حرارةٍ خفيفةٍ انتابت بقعة أسفلت الشارع التى يقف فوقها الحبيبان ………..

منذ افترق الولد الذى هو أنا – دائما يداهمنى شعور لذيذ حين ينفصل أنا الأنسان عنى أنا الراوى ؛ أشعر أننى نصفان ؛ نصف يعيش و نصف يرى –  و مأوى – مأوى هو اسم البنت … هكذا تقول الأوراق الرسمية – و البرد ينخر فى عظامه و أيوب لم يكن – ظاهرا – يهتم بأسباب الفراق ؛ فقط البرد كان يؤلمه و كان فى الفراش مع زوجته – التى كان يودها كثيرا .. لم يحبها قط ؛ لأن أيوب يرى الحب كالروح ؛ يأتى مرة واحدة و حين يرفع يبقى الجسد – تسقط عينا مأوى على عينيه ريحا عميقة فتحيله إلى بركان ثائر , و كانت أرضه سعيدة جدا برجلها .

ترقد الزوجة – والبركان أحال و جنتيها تفاحتين بغير أوان , تحلم بأطفال ربما سيأتون – بجوار نصف زوجها ؛ النصف الاخر كان هناك يحلق بعينى صقر وديع يبحث عن مأوى  …

كان الراوى يسرق أيوب أحيانا فيبدو أيوب كلص شريف يسأل عن مأوى :

قالوا أنها تزوجت وقالوا سافرت …. منهم من يقسم أنه شاهدها فى باريس ومنهم من قال أنها كانت منتصبةً بأسفل قدمىّ نصرالله وبالطبع منهم من ذهب بها إلى العراق .

كان أيوب لا يرفض أىَ إجابة وكان لا يكره سوى أن يسمع بموتها , وحين يرى جوليا روبرتس أو ميرفت أمين كان نصفه الاخر يقفز كعلامة استفهام خلف سؤال وحيد ” أما آن لمأوى أن تعود ؟!! “

  • يالك من نصف عجيب .. كانت معك و الآن تبحث عنها …. وخلسة ؟؟؟؟
  • لاتقل لى مأوى أخطأت  …  أعرف أنه من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ..

حوار لا ينقطع تكراره ويتظاهر أيوب بأنه سيقتل نصفه الراوى / أنا حتى يصفى الفؤاد , ولأن قلبه رائق-  بالفعل – يتركنى ….

أشعر أحيانا أن أيوب يتلذذ بتعذيب نفسه بتركه لمأوى وكنت أعتقد أنه يفعل ذلك من أجلى , أنا متأكد أن أيوب يريدنى يقظا , مشتعلا

( أشعر أننى أهم عنده من مأوى ؛ وهذا بالطبع يسعدنى ولكن – حقيقة – ليس دائما )

الزوجة التى عادت بعد عناء كثير بخبر حملها كانت تحلق فى فضاء السعادة و أيوب كان فرحا ودعا الله – مخلصا – أن يمنحه أنثى فيسميها مأوى ؛ سيستطيع – وقتها – أن ينطق باسم مأوى دون حرج وسيبدأ معها رحلته الجديدة ….

كان يخدعنى ؛ فلن يذيب جليد القلب إلا مأوى الحقيقية , وكانت بطن الزوجة تعلو فأزيد فى طيرانى عاليا أبحث عن مأواى ….

الصراع الذى صار عنيفا بينى – أنا الذى لا يعيش سوى بمأوى – وأيوب – الذى استسلم لبطن زوجته ؛ راسما لنفسه أحلاما عقيمة مع مأوى الجديدة التى قد تأتى أو لا تأتى – كان يقتلنى ؛ وكيف له أن يعيش بلا مأوى ؟!!!!!!!

كنت أجوب البلاد بحثا عنها و أيوب الذى صار غريبا تماما كان يتقوقع بجوار قناة الجزيرة و العرق يتصبب منه عنيفا و حين أبدأ فى محاصرته بأسئلتى كان يغلق التلفاز ويذهب لبطن زوجته ….

رأيت مأوى فى مصحة للأمراض النفسية , كانت مكتئبة وغريبة وقلت لها أين كنت وقلت لها ماذا أصاب الغمازتين القاتلتين و قلت لها ذهبتِ فذهبَ الشعرُ ووحيُه وحين رأيتك أرى الشعر يموت وكانت صامتةً تماما فقلتُ لها ذهبتِ عن أيوب فذهب هو عنى فرفعتْ رأسها فانطلقت خصلات شعرها كليلٍ رومانسي عاصف إلى الخلف فأزاح النقاب عن وجه قمرى لا يموت وقالت : أيوب ؟!! … أيوب من ؟؟؟؟؟

…….. أنا أيوب من يحدثكم , لا أعلم أين ذهب هذا النصف المشاكس , أنا من أضاع مأوى ، كنت أحب الحياة فأحببت من يموت من أجلها و مأوى كانت رقيقة ورائعة بما يكفى لكى تحبنى ولكنه ……..

…….. أنا مأوى التى كانت بنتاً عادية جداً حتى ذابت كفى بين يدى أيوب الذى لا يرى الحياة دون نضال و كنت لا أفهمه أحياناً وحين قبّلنى لأول و آخر مرة لم يكن يقبلنى و حسب ؛ كان يلعق لسانى بلسانه فى جنون …

كنتُ أقبلها حتى يجرى كل ما جرى على لسانى فى دمها وحين انتهيت كنت مدهوشاً لانتفاض جزئى السفلى ( يصر أيوب على انكار شهوته لعيون مأوى وأنه عشقها لأحساس خفى داهمه بأن مأوى هى بذرة التكوين الأخيرة ) ولكنى الحقيقة أقول لكم لقد كنت أراها كل مرة فأعيد اكتشاف معنىً جديداً للأنثى …

لم أتفهّم أيوب بالشكل الكافى وكان يحب العقل أكثر منّى وببساطةٍ شديدة ترك أيوب سنوات العشق و ترك لسانه متعلقاً بلسانى وذهبْ !!!!

يالك من أيوبٍ أحمق , ما إن تظاهرتُ بتركه حتى اعترفَ بفجيعته ؛ ليذهب المثقفون و المبدعون جميعاً للجحيم ، ومأوى – التى بدأت تشرق من جديد قليلاً قليلاً – لم تكن قادرةً على كره أيوب , ولسانه الذى تركه بلسانها بدأ يجرى فى دمها …

كانت – فى البدأ – تريد أن تُرضى أيوب الغائب وحين ذابت فى مظاهرات الرفض اكتشفت معنىً جديداً للحياة .

قالوا : هى جان دارك الجديدة ، و أيوب الذى كان متقوقعاً داخل كتبه يئس كما يموت الثوار وذهب إلى زواج عقيم – لم يمنعه من نسيان حبه الوحيد أو متابعة العالم بين حين و آخر – وكان يوماً عادياً فى فضائية الجزيرة و رأى مأوى مسحولةً مجرورةً من شعرها – و محمد منير يغنى ” لما النسيم ” – فرأى أيوب التاريخَ كله ممرمغاً فى التراب وبين أحذية جنود الأمن المركزى ورأى لسانَه يأخذ مأوى للجحيم

… مأوى التى تخطت حد الخرافة تُعَذّب وأنت من صنع مأوى تهرب و تحاول أن تنتظر الوليد الذى قد يأتى أو لا يأتى ….

مأوى التى أنهكها التيار الكهربائى فى مقابر أمن الدولة – اللذين لم يستطيعوا بالطبع كمخلوقات بدائية أن يفهموا مأوى , التى كانت صادقةً تماماً معهم ؛ كنت أريد أن يأتوا بأيوب ؛ لكى أجد وقتاً كافياً لأحبه من جديد – بدأت تصاب بنوبات صرع فألقوا بمأوى المجنونة فى مكانٍ يليق بالثائرين .

الزوجة التى صارت سعيدةً جداً بحملها و بأيوب الجديد داهمها قلق غريب يليق بامرأة مصرية و أيوب يخرج مرتدياً قميصاً قديماً بعد أن قضى الليل يعيد كيّه عدة مرات وكان يتحاشى تماماً النظر لبطنها

….

كان الطريق طويلاً لعينيّ مأوى و الحياة تجرى فى عينيه مشاهداًمتداخلةً , وكيف سيكون اللقاء ؟؟؟؟؟؟

كانت الشفتان متعانقتين فى عنف شديد – وكانا هنا : هما الولد الذى هو أنا و البنت التى هى هى – و الشارع كان يبدو عاديا تماما إلا من حرارة خفيفة انتابت بقعة أسفلت الشارع التى يقف فوقها الحبيبان , و أيوب – وقتها – كان عارياً تماماً من زوجته ومن بطنها التى ستنجب بنتاً رائعةً تماماً وكان لا يستطيع أن يميز نصفه العلوى عن السفلى وكنت لا أستطيع فصل نفسى عنه ( يقول المسيح قبل أن يُرْفَع : حين يصبح الواحد إثنين فيصير الإثنان واحداً , أكون أنا ) وكانت مأوى جاهدةً و مخلصةً أن تكبح جماح نفسها فأعادت اللسان إلى فمى

وقالت : اذهبْ إلى زوجتك ولا تسمى ابنتنا مأوى واتركنى إلى حيث يأخذنى لسانك الذى هو فى دمى .. كم أُحبك ……..

أضف تعليق