تخاريف، قصة: سامح إدوار سعد الله.

نعم كنت أريد أن أكون قيمة . ولكن ماذا أفعل و أنا لا أملك مالاً و لا علماً ولا حتى نفوذ فكيف أذن أصنع مجداً و ليس معي ما يؤهلني لذلك ., لكن كل ما كنت أملكه هو عقل، كل ما يصفني أو يمتدحني به الآخرون لأجل رجاحة عقلي, رغم أن الكسل جعل منه شيئًا عديم القيمة كالمعلق على أحد أرفف قطعة من أي قطع الأثاث, ولكن حاولت كثيرًا جلي الصدأ عن هذا المخ ، لكن دون جدوى, فلم تأتني فكرة واحدة أخطفها وأنجح بها، هكذا العمر يجري، ولكنني كلي ثقة أنه سيأتي يوما أفوز فيه بفرصة يستطع بها نجمي, محلقًا في سماء عالية. وجاءت الفرصة؛ ذات يوم، وأنا عائد ليلاً من إحدى المقاهي، وجدت حقيبة سوداء, اندهشت، ولم تطل دهشتي، لم أفكر كثيراً فهي فرصتي، ولن تعود، لم أفحص الحقيبة، ولم أفكر لحظة ما بداخلها, و لكن كل همي وفكري أن أعود بها سريعًا للبيت وحينها أعرف ما بداخلها, و بينما أنا في طريق العودة مسرعًاً أحاول عبثاً توقع ما بداخل الحقيبة وكلي يقين أن بها كنزًا ثمينًا. وصلت البيت، ودخلت شقتي، كانت بالبيت القديم في حارة لا تخلو منها رائحة عفنه طوال اليوم، قررت أن أشتم رائحة الهواء الممزوج بالنسيم النتن. أغلقت بابي بإحكام، ولو هبت ريح الخريف لطار معها حيثما تشاء الرياح، لم يكن باب، ولكنه سترة خشبية، أدخل غرفتي، وأفتح حقيبتي، صدمت، كانت صدمة كادت أن تودي بحياتي؛ نعم لم أجدا مالاً ولا ذهباً ولا جواهر، ولكن كانت أوراق, كانت صدمة، ولكن ما زاد الهموم همًّا عليّ غدًا أن أبحث عن صاحب هذه الأوراق، وأعطيها له, تفحصت الأوراق سريعًا، كانت مكتوبة بلغة أجنبية ، زاد تعقيد آخر؛ كيف أستدل على صاحبها دون سؤال؟ لكن عليّ أن ألقي الحقيبة في أكوام الزبالة العظيمة أو أعيدها كما كانت بالأمس. مددت جسدي المهزوم على الأريكة، وأخذني التفكير؛ ليس بالحقيبة ولكن بحظي العاثر الذي لا يريد أن تهيئ له فرصة أن يفوز أبدًاً, و لا أريد غيرها ؛ تعبت من التفكير وأخذني النوم بعيداً إلى أقصى حدود النوم، لم أعرف إن كنت قد نمت أم مت! بعد الفجر الثاني استيقظت من نومي وطيلت هذين اليومين لم آكل شيئًا, ذهبت لأجد شيئًا يؤكل؛ لم أجد شيئًا سوى الخبز مع كوب شاي، أكلت كثيرًا فلم أخرج من أول أمس، ولكنني أشبعت جوعي، وخرجت إلى الصالة، وفتحت التلفاز لأشاهد فيلما حتى أُسلي وحدتي، تذكرت الحقيبة وابتسمت، ذهبت إليها، ولكنني وجدتها مفتوحة بدون الأوراق، فاندهشت كثيراً، أين ذهبت محتويات الحقيبة؟ لحظات حتى تداركت الموقف، ووجدت الأوراق مبعثرة في كل الغرفة. ضحكت وكأن هذا شيء ذ و قيمة ما كنت أجده، جمعت الأوراق الواحدة تلو الأخرى، وقعت بيدي ورقة تقول (لا تكن عنيفاً مع نفسك، صالحها، وتعامل معها، لا تيأس، عش يومك بهدوء، أحب الآخرين وإن لم يحبوك هم، تلقائيًّا تجدهم اقتربوا منك, لا تصنع لنفسك تمثالا تعيش أنت بداخله، وربما تكون أنت على حق أحياناً ولكن ليس دائما ) تابعت القراءة في باقي الأوراق، وأعدت تنظيم الأوراق، وقراءتها بعناية صفحة تلو الأخرى، كانت رواية ربما لكاتب مغمور لم يسمع عنه من قبل, و لم يقرأ هذه الرواية من قبل، أعجبت بها جداً، وجذبتني الرواية؛ حاولت الوصول إلى صاحب الكتاب المنسوخ باليد، عبثاً أن أصل إليه، فلم يكن الكتاب مفهرسًا، ولا اسم لصاحب الكتاب . احتفظت به، وعدت يومًا إلى المكان الذي وجدت فيها الحقيبة، وسألت عن شيء فقد هنا من قبل؛ حقيبة أو ما شابه، لم يجبني أحد، ذهبت إلى المناطق المجاورة، وسألت: هل فقدت حقيبة من أحد بمثل هذه الأوصاف؟ لم يجب ولم يستدل على شيء إطلاقًا، و صارت الحقيبة ملكًا لي بمرور الأيام وكذلك الرواية، وتمر الشهور وأعلن عن الفائز بالجائزة المقدمة من كبرى المؤسسات العربية ،عن فوز رواية بجائزة عظيمة باسم (تخاريف) وعلقت نشرات الأخبار على صاحب الرواية الذي لم يتقدم إلى الآن لتسلم الجائزة؛ و تمر الأيام كثيرة، وينزل إعلان آخر: إن لم يصل صاحب الجائزة لاستلامها تعتبر الجائزة لاغيه. وأخيراً سألت عن مكان المؤسسة، ونجحت في الوصول إليها. كان من شروط الجائزة أن يقدم صاحب العمل النسخة بخط اليد، بالإضافة إلى وصل استلام العمل المقدم، كانت فرصتي سانحة؛ معي الرواية المنسوخة بخط اليد، و لكن أين الوصل؟ عدت إلى كنزي القديم، بحثت عن الوصل المذكور، نعم وجدته، ووجدت برفقته علبة صغيرة الحجم، وشكلها غريب، وليس ما اعتدنا عليه. نحيتها الان جانباً, وأخذت الوصل، وأعددت عدتي؛ لكن هذا الخط ليس بخطي! أجلتها يومًا آخر، وكتبت الرواية كما هي بحذافيرها كما هي، وانتهت. ذهبت إلى مقر المؤسسة لاستلام جائزتي، كانت تنتظرني مفاجآت كثيرة . الأولى: وجدت الآلاف ينتظرون أخذ الجائزة، حاولت الهروب؛ فأنا لص، لكنني دخلت فى منتصف المعمعة، واستحالت العودة . جاء دوري، ما اسم صاحب الرواية؟ نسيت، رتبت كل الأمور، ونسيت الاسم، لكنهم سألوا عن الرواية، ودخلت على أني صاحب الاسم، كلنا بالخارج رتبنا كل الترتيبات اللازمة للنصب والاحتيال لأخذ ما لا نستحق. لكنني كنت أنا الأقوى؛ لأن معي الإيصال، و قرأت الاسم جيدا وصورة البطاقة. حزن مدير المؤسسة، وكاد أن يلغي الجائزة، لكنني نجحت في الفوز بها. عندما سألني عن التأخير، أجبتهم بأني كنت متعبًا رقيد الفراش؛ وأخذت الشيك، وتسلمت الجائزة، وأخيرًا كتب لي أن أعلن ميلاد انطلاقي، وسنحت لي الفرصة كي أحلق عاليا، حقا كانت من نصب واحتيال؛ لكنها كانت فرصتي! وأقسمت: سوف أعالج الأمور فيما بعد عندما تحين الفرصة. لكن كانت المفاجأة الثانية بانتظاري؛ خرجت من المؤسسة، فقابلني شخصان لم أرهما من قبل، وقصوا عليّ كل شيء قد فعلته منذ محاولاتي الاحتيال على المؤسسة إلى تسلمي الجائزة. وعندما سألتهم: ماذا تريدون مني؟ قالوا: خذ الهدية والشهرة وأعطنا الحقيبة. لكن ما جدوى الحقيبة؟ وقد أخذت منها الرواية والإيصال، لم يبق شيء ذو قيمة، لكنهما أرادوها؛ و عليّ أن أعطيها لهم لأنهم كانوا مسلحين. لكنهم طلبوا مني أن أحضر الحقيبة دون نقاش، خاصة أن الناس بدأت تنظر لهم بريبة؛ فتركوني أرحل، ولم يستطيعوا دخول الحارة التي استقبلتني كزعيم فاتح ومنتصر همام، كان لتوه على شاشات التلفاز. كان هذا هو حلمي، نعم ليس في هذه الحارة البائسة، ولكنهم رحبوا بى ترحابًا حارًا لم أشاهده من قبل، حاولوا أن يبقوا معى كثيرًا ولكن ضيوفي كانوا جاحظين وغاضبين. وعدتهم بحفل كبير في الحارة مع وجبة عشاء فاخرة ليلاً؛ لأجل هذا أعتقوني . صعدت إلى شقتي المتهالكة، أحضرت حقيبة وعدت لأنزل بها، وأعطيهم حقيبتهم مسرعا، لأبدأ حياة جديدة مع الأدب والمال، فهل يستقيم الاثنان معًا؟ و بينما أنا ذاهب إليهم، استوقفتني رجلي بإشارة من عقلي، يريد أن يعرف ما بداخل الحقيبة. لكن هناك جموعًا بالخارج سوف تراني، ولن تتركني هكذا؛ وعلى الجانب الآخر أشخاص آخرون يسارعون في طلبي. تراجعت على الفور، وقررت الآن أن أفتح الحقيبة، وأفحصها فحصًا كاملًا. فتحتها، وأخرجت العلبة الصغيرة، وفتحتها، فوجدت أنبوبة زجاجية بها سائل أحمر، تأكد ت على الفور أنه الزئبق الأحمر؛ هذا كنز عظيم. وجدت كذلك في جيب الحقيبة برديات أثرية؛ نعم كانت ثروة لا تقدر بمال حقًّا، لكن ماذا لو تسلل الأشخاص أعدائي؟ سوف ينتهي كل شيء! يقتلونني، وبدون ثمن؛ علي التفكير سريعًا، وأخذ قرار بسرعة. و نزلت الشارع معي الكنز، وطلبت من أهل حارتي مرافقتي إلى أكبر فندق، سوف أكرم كل أهل الحي، وتكون تلك مكافأة نجاحي بالمسابقة؛ والحقيقة أني أردت حمايتهم. نادينهم: تعالوا، شاركوني أفراحي وسعادتي؛ أنتم أهلي و ناسي، وبكم تكتمل فرحتي. حملوني على الأعناق، وخرجنا جمهورا كبيرًا كأنها مظاهرة من الحب و المودة، مررنا بين أعدائي؛ و لم يتجرأ أحدٌ على مواجهتي. دخلت إلى الفندق، ودخل الجمهور، كان أصحاب الفندق قد عرفوني، رحبوا بي، حجزت غرفتي عندهم، طلبت عشاء للجمهور، وأكلنا سويًّا، شاهدت ابتساماتهم وعيونهم الشاخصة لي؛ منهم من فرح لي بقلب راضٍ، ومنهم من أكل دون وعي، أكل لمجرد الأكل، ومنهم من رمقني بألم وكأنهم استكثروا النجاح عليّ؛ و لكنها طباع البشر. انتهى العشاء، وانصرفوا بسلام، وصعدت لغرفتي وكلي خوف ورعب، أعرف أن يومي قريب، ربما غدًا سوف ينتقمون مني. دارت عجلة الأيام، ذهبت إلى قسم الشرطة، وطلبت الحماية وتوفير سكن؛ ألفت قصة واقعية لأنال حماية الدولة, أرسلت البرامج التلفزيونية فى لقاءات كثيرة جدًّا نجحت رجاحة علقي؛ لم يكن الأمر صعبًا أبدًا، أول ظهور يحتاج لمزيد من الشجاعة والطاقة وعدم الخوف من الكاميرات، وبالفعل نجحت، قلت كلامًا كثيرًا من الواقع والأوهام والباطل. زاد ثقلي؛ أصبحت لي كلمة، وحصلت على أول المناصب، وكنت لا أحتاج لشيء، كنت أسلك طريقي بقوة، نجاح تلو نجاح؛ لكن كانت تخيفني دائمًا مقولة مشهورة (ما بني على باطل فهو باطل) كنت أخاف يوم أن تدمر مشروعاتي، ويسقط نجمي، وتزول شهرتي. تمر الأيام، فكرت كثيرًا أن أختفي عن أعين الجمهور، وأكتفي بما صنعت وربحت؛ لكن كان فجر اليوم الجديد ينتظر مفاجأة ثالثة وصدمة عظيمة. جاءني هاتفٌ من مكتب عظيم، نعم اختاروني ممثلًا للشعب؛ لكن ماذا أفعل؟ وماذا أصنع؟ خبرتي قليلة في هذا المجال. دخلت وأعانني الرب، ونجحت، وكنت زعيمًا تحت قبة هذا المكان؛ نعم طالبت الجميع طلبت محاسبتهم، وكنت أنتظر انتهاء الفترة حتى أعتزل كل شيء، وأهرب بحياتي، فقد شعرت الآن أني حققت كل شيء؛ لكنني وجدت المهام والأعمال تسند لي كل يوم أكثر وأكثر، فنسيت كل شيء، وأخيرًا قررت أن أهرب في عطلة بعيدًا عن أعين كل البشر، ذهبت إلى البحر وإلى أغلى الأماكن في البلاد ؛ كان مكتظًّا بالبشر، وقلت: أين الفقراء إذن؟ ذهبت إلى المقابر، ووجدتهم إلى الآن ينام الأحياء بجوار الأموات؛ انطلقت إلى الغابات حيث الوحوش والحيوانات الأليفة، وجدتهم في صحبة، ولم يعد افتراس ولا قوى ولا ضعيف, و قد اندهشت، لكنهم رفضوا وجودي بينهم؛ ومنها انطلقت إلى الصحاري، حيث لا بشر، وقليل من الوحوش، فأقضي يومين فقط أراجع أفكاري، وتدبير أموري، لأنها رغم كل ما وصلت إليه، إلا أنني لم أشعر باقتناع تام، رغم ما بذلت من مجهود، تأمر نفسي بكثير واجتهدت كثيرًا. و لماذا إلى الآن لم أحرز أي شيء إطلاقًا؟ لماذا يحالفني الحظ إلى الآن؟ ماذا لو تحقق حلمي هذا؟ ولكن ما أنا متأكد منه أن أحلام اليقظة التى أعيشها أنا لا تتحقق أبدًا، وعلي الآن العودة إلى منزلي البعيد فى الحارة العتيقة لأشتم رائحة الزخم القديم.

أضف تعليق