أرشيف الأوسمة: خالد عبد الغني

الجنس وانحرافاته في شارع بسادة بقلم د.خالد عبدالغنى

 

         قدم سيد الوكيل في شارع بسادة معالجة للجنس وانحرافاته المختلفة بشكل أوضح ما تكون في عمقها ودلالاتها النفسية والاجتماعية وما يترتب على ممارسة تلك الإنحرافات من مشكلات دفع ثمنها شخصيات الرواية في مصائر مأساوية تعبر عن الأسى الإنساني بوجه عام. فيقول المؤلف في أحد حواراته الصحفية :”خلق الإنسان ليجمع بين النقيضين في خلق واحد وفضله على جميع ما خلق . والجنس هو التمثيل الأبرز لتماهي المقدس والمدنس، فهو الوسيلة التي اختارها الله لعملية الخلق لتكون دالا قويا على وجوده وقدراته ، ولكن الإنسان هو الكائن الوحيد الذى ارتقى بالجنس من الأداء الوظيفي لمجرد التناسل وحفظ النوع ، إلى الأداء الجمالي ليصبح الجنس فعلا خالصا لذاته، وفى هذا الارتقاء نوع من التقديس، وهو معنى صوفي يتجلى في لحظة التوحد الحقيقية بين الثنائيات المتضادة ، الروح أو الرجل والمرأة أو المقدس والجسد والمدنس.    

         منذ البدء يجب أن نقر بأنه لا ينبغى فهم الجنس كونه مجرد حاجة بيولوجية حيوانية قائمة فى ذاتها وفى معزل عن حياتنا النفسية، فالجنس له مكانه الطبيعي باعتباره وسيلة رئيسية تنفذ فى كل ناحية من حياتنا للأنس والمتعة وكرباط لا بديل ولا مثيل له للجمع بين الذكر والأنثى فى نفس واحدة.

       فالإنسان كائن جنسى إلا إنه نصف كائن فالأصل الروسى لكلمةsex   معناه أيضا  نصفhalf  منقسم وناقص يسعى إلى أن يكون كاملاً والجنس يحدث انقسامًا عميقاً فى الأنا  التى هى بطبيعتها ثنائية الجنس فهى ذكر وأنثى معاً، وإذا ما نظرنا إلى مفهوم الجنس  فى التحليل النفسى نجد أنه لا يدل فى التجربة والنظرية على الأنشطة واللذة المتوقفين على عمل الجهاز التناسلي فقط بل تدل كذلك على سلسلة من الإثارات والأنشطة، الفاعلة منذ الطفولة والتى تمد الشخص بلذة لا تختزل إلى مجرد إرواء حاجة فسيولوجية أساسية مثل التنفس والجوع ووظائف الإخراج.. الخ، كما أنه يوجد على شكل مكونات فيما يطلق عليه اسم الشق السوي من الحب الجنسي.

     ومن ثم فلم تأخذ الوظيفة الجنسية حقها فى التنظير الكافى لفهم دورها الإنسانى الجديد وهو دورها فى توثيق التواصل بين البشر ، أساسآ بين الجنسين ، دورها كدافع تجاوز هدف التكاثر، ودورها كلغة دالة لها ما تفيده وتحققة هذا على مستوى التنظير، أما على مستوى الممارسة فإن الإنسان عبر مراحل تطوره وحتى وقتنا هذا؛ راح يمارس هذا الدور وينظمة ويبرره ويشكله ويغلفه ويكشفه ، ويخفيه ويظهره  فى محاولة الإنسان لكى يؤكد وجوده إنساناً من خلال حضور الآخر. كما يعد الجنس من المفاهيم التى لم يتم الاهتمام بها ودراستها دراسة كافية على المستوى النفسي قبل ظهور التحليل النفسى ولكننا نجد أن أكثر ما تكون دراستها فى الحقل الطبى الفسيولوجى ولما كان لفرويد أثر كبير فى الكشف عن بناء الحياة النفسية للإنسان عامة وعن مفهوم الجنس بصفة خاصة حيث كشف لنا عن جانبين للحياة الإنسانية هما الجانب البيولوجى للجنس من حيث هو حاجة والجانب الإنسانى من حيث هو رغبة. ولقد كشف فرويد عن الكثير من مشاكل الجنس وأن يقدم فى إيضاح مشاكل المرض النفسى ولعل أهم ما فى حدسه هو إلغاؤه للحدود المصطنعة للجنس وقصره على التناسل، فبرفع هذه الحدود بدأ تاريخ الفرد يتصل، لقد أصبح من الميسور أن ندرك السلوك الراشد فى ضوء أصوله الطفلية وأن نلم بمعنى الطفولة ، كما استطاع أن يكشف فى الجنس أمراً بديهياً لقد كان الجنس مرادفاً للتناسل وكان التناسل محكاً للنشاط الجنسى لذلك حار الإنسان فى نشاطه التناسلى.  فالطفل رغم عدم نضجه التناسلى يبدى سلوكاً جنسياً لا تخطئه العين. والراشد المنحرف تناسلياً لا يبدى فى سلوكه الجنسى مظاهر تناسلية محطماً بذلك هو والطفل قاعدة فهم الحياة الجنسية ، وعند مقارنة الدفعة الجنسية لدى الكائنات الحية وارتقاءها فقد أوصلنا إلى ثلاث نقاط واضحة كشفت عن قانون عام لفاعلية هذة الدفعة وهو أنه كلما ارتقينا فى السلم الحيوانى تأخر سن البلوغ والنضج الفسيولوجى ومن ثم فأن فعل التناسل يتأخر. ويتعقد شكل اختيار الموضوع الجنسى /الجنس الآخر/. وبعدت  الصلة بين الهدف الجنسي / التناسل، وبين النشاط الجنسى / اللذة. وإذا كان التحليل النفسى قد أقام نظريته فى مراحل النمو النفسى ابتداء من الوظائف البدنية فى تتابعها الزمنى عبر النمو إلى المراحل النفسية التى يجتازها الإنسان على التعاقب، فقد تحولت الرضاعة والتغذية  إلى المرحلة الفمية، كما تحولت عمليات الإخراج من تبول وتبرز إلى المرحلة الشرجية وبالتالي فقد تحولت العملية التناسلية إلى ظاهرة الحب والعشق العاطفى.

         تحدثت الرواية عن الجنسية المثلية و تناولته بين صور الجنس المختلفة لأنه حالة موجودة في الحياة، ولكن الرواية لا تحتفي به بقدر ما تنشغل بعذابات أصحابه كحالات إنسانية لاتستطيع أن تتصالح مع الآخر ولا حتى مع نفسها، أنها أكثر درجات الاغتراب الإنساني شراسة . هكذا كان سمير وهدان أحد شخصيات الرواية ، كانت أمه تقدم الذبائح للولي ، تبكى وترجوه أن يهبها ولدا بعد أن أنجبت سبع بنات ، وعندما رق الولي لحالها بدل جسد البنت التي في بطنها إلى ولد ونسى أن يبدل روحها ، فخرج سمير إلى الحياة بجسد رجل وروح امرأة .

        فمثلاً : “ذلك الفتى الذي يمشى فى السوق ، ويصدم مؤخرته بالفلاحين فى الزحام ، لـه روح سمراء ونحيلة ، والفلاحون لفرط سذاجتهم يعتذرون له ، وسيضحك الخبيرون بالسوق وحيل خولات البندر، وربما يشيعونه ببعض السباب والبصق ، يغالون فى ذلك ويلتفتون حولهم ليتأكدوا أن أحداً رآهم وهم يفعلون ذلك . سيتبادلون ابتسامات وغمزات لها معنى ، وسيتحدثون من فوق ظهور الحمير وهم فى طريق عودتهم ، وسيشعر الواحد منهم بالفخر وهو يحكى كيف فهمها وهى طايره. لكن الأكثر شباباً منهم أو أولئك الذين لم تصبهم البلهارسيا بأورام البروستاتا ، ستدق قلوبهم. إنهم خائفون . ويتمنون لحظة ، لو أن الله غفل عنهم . غير أن الفتى المعذب لا يعدم واحداً على الأقل أفلت من عيون الملائكة .أو زاغ منهم لبعض الوقت ، هو لا يفكر أن يذهب به إلى أرض أبى خليفة فالعيال الشياطين يلعبون هناك طول النهار ، وصبيان مدرسة الصنايع يعرفونه جيدا ، وليس بوسعه أن يصحبه إلى المقابر كالمرة السابقة ، إذ أن حارس الجبانات هناك ، ذلك العجوز المقزز يعرفه جيداً ، ولن يفوت تلك الفرصة ، وهو مهما كان ، يكره أن تمس مؤخرته يد اعتادت تجوس فى جثث الموتى”

         كما تحدثت الرواية أيضا عن الاستمتاع الذاتي – الإستمناء – وهو انحراف أيضا من انحرافات الجنس حين قال السارد: “وتطير ذيل الفستان الواسع بقدر الريح ، وتكشف كل الشموس والأقمار، يكون هذا من فعل الشيطان ، لكنها بنت رومانسية فعلا ، صحيح هى شهية ولكن بلا وهج كزهرة قرنفل ، ومباغتة بلا ارتعاش يسكن جسمها ، ثم أنها لا تشبه صوفيا فى شيء ، لكن الشيطان هيأ للولد ذلك حتى يعيش فى الغواية ، فنهداها طالعان بلا تفجر، وما فى عينيها حزن وليس شهوة ، ولو انسحبَ الآن إلى حجرته المحوية ورأى صورتها التى علمه الشيطان كيف يرسمها لتأكد له ما أقول . النهود لها إيماءاتها الخاصة جداً . حتى أنها لا تتشابه فى الصور، وجميعها تغمره بالشهوة، فيضع المنقد بين فخذيه ، فإذا زلزلته سعفة الوهج ، يفكر طويلاً فى مصير حيواناته المنوية حين تقفز فى النار”

      وتناولت الرواية من ضمن ما تناولت قضية التحرش الجنسي كما في حالة ذلك الشيخ حيث يقول السارد :” أما شيخنا الصغير ، فسوف يختفى تماما .هو ـ فى الحقيقة ـ كان مهيئا للاختفاء ، سيحدث هذا بعدما اتهمته صاحبة البيت بالتحرش بابنتها القاصر ، طبعا فضيحة ، كان يحتاج لفضيحة حتى يشعر الناس به ، فضيحة ستجعله حديث الناس لبضعة أيام وكأنهم فوجئوا بوجوده بينهم . سيختفى تماما ، لكن الناس ستذكره كثيرا ، كلما مرت فى شوارعهم بنتا بعيون شقيه ، ونهدان لعوبان ، لابد اتعبا الشيخ الصغير كثيرا قبل أن يمسك بهما ” .

            كما عرضت ف تركيز شديد للجنس بين على و”مارسا” ونهايته حيث قتله زوجها :” الشيطان هذا .. كان كامناً لعلى ومارسا تحت السرير ، وهو الذي قال لناشد على كل شئ ، ودله على سر جرح فى شفة على ، والخدوش الطويلة فى ظهره ، وشرب معه ثلاث زجاجات عند شنوده ، وشنوده أيضاً شرب معهما ، وكان فى الحقيقة مندهشاً ، فناشد لا يشرب نهاراً”.

            وأوضحت ما كان بين على وزينب من مواقف وخيالات جنسية فيقول السارد ”  ترسل الريح فى ذيل فستان زينب القصير أصلاً، أن اذهبي يا زينب لأم على ، واطلبي منها غربالاً ضيق الثقوب ، أن دعي أصابع علىّ تتسلل تحت فستانك . هكذا تمس النار فخذيها مساً رقيقاً ومرتعشاً ، فلا تقول زينب شيئاً ، فقط تغمض عينيها وتختلج لما تصعد النار إلى شفتيها. “

      وذكرت الرواية البغاء كما في حالة سيدة ألاجا :” إن يوم السوق هذا يوم خير فعلاً. فهؤلاء عشاقها القدامى ، تجار المواشي الذين ضاجعوها واحداً واحداً “.

       كما اشتملت الرواية على أشكال أخرى كثيرة من الانحرافات الجنسية لتؤكد أن الجنس هو المكون الأساسي للإنسان وأن الغواية كانت وما زالت موضع الاختبار الحقيقي منذ أن عرضت على آدم وحواء إلى نهاية الحياة على الأرض ، وبفهم الجنس في حياة الإنسان يتم فهم الكثير عنه وسيد الوكيل في روايته شارع بسادة يؤكد وبشكل أدبي إبداعي ما تقول به نظرية التحليل النفسي .