مش النظرية.. قصة بدون مؤلف

 

أرسلت الكاتبة نور صلاح هذه القصة،  في بداية عام 2019  وكانت لا تعرف من كاتبها،

نشرت بالموقع لعلنا نحظي بمن يدلنا على كاتبها، وحتى الآن لم يظهر كاتب لها

نعيد نشرها قبيل نهاية العام لعل وعسى

بركاتك يا بابا نويل

 

  مش النظـــرية  

_  يا دكتور مغاورى .. أنا لازم أعيش الحالة .. وإلا كيف أكتب وكيف

أعيش إرهاصات البطل .. لابد أن أنغمس تماما فى شخصيته حتى

استطيع التعبير عنه .. هل قرأت روايتى الاخيرة , لقد كنت صادقا تماما

فى كل ما كتبت  , لأنى عشت الحالة من طأطأ الى السلامو عليكم .

_  وعليكم السلام يا سيدى ورحمة الله وبركااااته  .. ؛؛

.. ألح البعض بضرورة ذهابى الى طبيب نفسى .. فلما اعترضت بشـدة .

قال أحدهم وهو يعدل نظارته الطبية  السميكة .

_  انت عارف إن كل كتاب اوروبا  يذهبون دوريا الى طبيب نفسى .

لماذا ؟؟ .. قلت لى لماذا وسوف اجيبك فوراً .. الدكتور النفسى هناك

يعدل المزاج الذى انحرف . بعض الوظائف قد تحتاج الى تقييم نفسى قبل

وبعد واثناء العمل . عندنا ذهابك الى طبيب نفسى وصمة عار سوف

تلصق بك لا محالة . وسيكتب صحفى مبتدئ خبرا فى أول صفحة . انك

مجنون … وسوف تستضيف البرامج الليلية طبيب نفسى للتعليق على

الحالة . وربما اعاد اتحاد الكتاب النظر فى عضويتك . عندنا سوف تكون

منبوذا منبوذا يا ولدى … أنا لا أقول هذا كي اخيفك لا سمح الله . فأنت

مثقف وتملك من الوعى ما ينبئك أن كل هذا محض هراء . وأن الصحة

النفسية والبدنية ســواء … أذهب الى الدكتور مغاورى , وتأكد أنه

سيكتم الخبر ….. إنه صديقى .

.. بالامس رجعت الى البيت متأخراً . لما فتحت لى الباب ورأتنى أمام

عينها .. باعدت بين شفتيها وأمسى فاها مفتوحا تماماً .. انها علامة من

علامات الدهشة الكبرى .. صرخت كأنها تستغيث من أمر جلل وشبطت

فى صدرى حتى كادت أن  تخنقنى , وبرقت عينيها واتسعت . ؛؛

_  الله .. ؛؛ …. فيه ايه يا زينب …. أنا ابراهيم . ؛؛

_  براهييييم مين . ؟؟؟

_  ابراهيم جوزك يا زينب … الله …. ؛؛

_  وايه اللى لابســه ده يا راجل .. وايه العمة دى .. وهدومك عليها بقع

دم …. تكونش قتلت قتيل . ؛؛

_  هأ هأ هأ هئ هئ هئ … لا قتيل ولااا حاجة يا زينب .. ما انتى عارفه

انى با اكتب قصة المعلم كرشه الجزار . وعايش الحالة أديلى اسبوع .

وكل يوم أدخل عليكى بكيلو لحمة .

_  يادى الفضايح يا ولاد . هو انت كل ما تكتب قصة لازم تعيش الحالة

الله ؛؛ طب افرض انك حا تكتب عن واحد حرامى ولا تاجر مخدرات ولا

قتال قتله … ؛؛

_  لااازم اعيش الحالة يا زينب … دااا قدرى .. اذا كان موليير بتاع

فرنسا نفسه عمل كده … طب تعرفى جارسيا مركيز .. كان بيعيش الحالة

وقعد ييجى ميت سنه فى سجن انفرادى … طيب خدى دى كمان . نجيب

محفوظ . كان بيقعد على البوظة … أه تصورى . اصله كان بيكتب اولاد

حارتنا .. اسكتى يا زينب أما احكيلك حكاية تفطس من الضحك .

.. كنت أكتب عن موضوع .. وجاءنى احدهم بسيجارة خدرتنى واشعلت

افكارا غريبة داخل رأسى . واشتهيت المانجا فجأة .. فقمت على فورى

وركبت السيارة وتوجهت الى السوق . حتى وصلت الى مشنة فلاح

عليها حبات مانجو رأيتها رائعة , فنزلت اشترى . وأنا بين الميزان ودفع

الحساب . اذ بالرجل يضحك بملئ شدقيه … فاستغربت … فلما ناولنى

الكيس فشخ ضبه مخرجا ضحكة سميكة …. فتعجبت ولم يسعفنى رد .

وحين وصلت الى البيت وفتحت أمى الباب .. اطلقت ضحكة مجلجلة

انتبه لها من فى الصالة …. فتعجبت .. ولما دخلت اذ بهم يضحكون

بحرارة …. حينها اشفقت علي أمى ونبهتنى أننى ارتدى الروب على

فانله ولباس .. وان عينى عليها كحل وشفتاى عليها احمر . فقد كنت

اعيش حالة مقززة مع احد ابطال قصة كنت أكتبها …. الله . ؛؛ برخت

عمل كده يا زينب … شكسبير ذات نفسه كان بيمثل يا زينب . وحنروح

بعيد ليه ….. برنارد شو … كان بيشرب خمرة . تصوووورى . ؛؛

_  لااااه .. انت تروح لدكتور نفساوى . بلا برخت بلا نيلة . ما تخليك

فى الشــعراوى يا براهيم . يمكن يكون أرحم . ؛

_  هأ هأ هأ هااااااى … هوه انتى فكراه شيخ بصحيح .. دا راجل كاتب

على باب الله . وبيعيش الحالة مثلى تماما  .. دا كاتب غويط جداا . الله .

با اقولك نجيب محفوظ نفسه كان بيقعد عالبوظة … الله ….. جرى ايه

يا زينب .. ؛؛

_  ويمين النبى ما انا قعدالك فيها يا ابراهيم … ؛؛

.. كلهم ضدى …. واجمعوا على ضرورة ذهابى الى الدكتور مغاورى قبل

ان تشتد الازمة … وكنت قد عزمت ان اكتب فى موضوع سياسى مهم

جداا . وكنت قد بلورت الفكرة واعددت العدة ورسمت الشخصيات

والاماكن فى رأسى . واصبحت جاهزة تماما للنزول على الورق فى أى

وقت .. واعتقد انهم رأوا ان الكتابة فى السياسة سوف تؤدى الى هلاكى

لأنى اكتب بصدق . والصدق لا يتماشى مع السياسة . انه يؤذى صاحبه .

هاهم يحبطونى ويشككون فى صدق ما اعتقد . انى لابد وحتما ان اعيش

الحالة . حالة بطل قصتى الذى ارويه دمى وروحى وكيانى . حتى يصبح

جزءا منى يتحرك ويقول .. انه الصدق فى الكتابة التى اضعنا عمرنا فيها

_  يا استاذ ابراهيم .. لازم تقعد عندنا شوية . علشان نعمل فصل بينك

وبين ما تكتبه . بينك وبين ابطالك . مش كونك انك كاتب انك تروح تعمل

معايشة على ارض الواقع يا استاذ ابراهيم . ؛؛

_  يا دكتور مغاورى .. برخت عمل كده … ونجيب محفوظ كان بيقعد

عالبوظة .. آى والله .. ؛

_  بلا برخت بلا نيلة …. انت بتجيب الكلام ده منين . ؟؟ ؛؛ ومين اللى

قال ان  نجيب محفوظ كان بيقعد عالبوظة علشان يكتب الحرافيش

طب ايه رأيك علشان نجيب محفوظ بالذات حا احولك عالعباسية .

وحا اكتب فيك تقرير وارفعه لاتحاد الكتاب .. والمجلس الاعلى للثقافة .

_  لااااه .. كده حتحرمنى من الندوات والمؤتمرات والعربيات والموتيسكلات … ؛؛

.. الصباح فى الحديقة منعش جداا . مازالت قطرات الندى مسترخية على

اوراق الشجر  وتتبخر فى هدوء تام ليبقى رحيلها العلوى سرا من اسرار

الطبيعة .. الأجواء رطبة . حتى الكراسى تحتفظ بمسحة برد طرى .

والهواء المنعش يدخل الروح فيبعث فيها الروح .. كأنه يجدد الحياة .

من يجلس على المقاعد يتأمل . أو يبدو وكأنه كذلك . فهو مشرئب النظر

وعينيه هائمة فى لا شئ … والمتجولون على الحشيش الندى بدوا كأنهم

غارقين فى بحر الطبيعة العظيم .

وكنت أجلس على منضدة . وأمامى أوراقا وقلم . وعلبة سجاير وولاعة

وفنجانا من القهوة . لم يأتنى الالهام بشئ أكتبه .. فبقيت الاوراق بيضاء

من غير سوء يومان …. جربت ان اكتب دون ان اتعايش مع ما اكتبه

خاصمت شخوص نصى وحولت رأسى عنهم . ولم تفلح الرواية .

.. كتب لى وصفة دواء مر . وبرشام ملون .. وقال وهو يغادر .

_  طول ما هذا اعتقادك . ستبقى هنا تحت الرعاية .

وعندما رفعت بصرى لمحت ظهره قبل ان يختفى بين الممر … لا شئ

اصعب من حالة انت تعرفها . ولا تستطيع لها حلا .. ؛

.. جاءت اخيرا …. وفى يدها كيس والاخرى كتاب … خطواتها بطيئة

وعلى وجهها مسحة حزن قديم تجدده فى اى وقت . وكأنها جاءت لزيارة

ميت . ملابسها القاتمة لا تلائم هذا الصباح .. عندما اقتربت شعرت

بذبذبات وكان الجو سيتكهرب . وجهاز الصدمة سيلتف على رأسى لا محالة .

_  ازيك يا ابراهيم .

_  بخير .. الحمد لله .

_  هوه الدكتور قال حاجة .. ؟؟

_  ابداا ما قلش حاجة . ؛؛

_  يوه ……. أومال قاعد هنا ليه ؟؟ ؛؛

_  ابدااا .. با اعيش الحالة يا زينب … اصلى حا اكتب رواية عن مجننـ

عنننن … عننن مجنــ …… ؛ آى والله يا زينب .

_  بلا زينب بلا نيلة ….. والختمة الشريفة ما انا جيالك تانى يا براهيم .

_  حتى انتى يا زينب . ؛؛

  

رؤيا وتقديم \  نورهان صلاح .

.. هذا النص ليس له صاحب .. رأيته كالقط الليلى يتجول بين الصفحات

لا يعرف له كتاب  يسكن اليه . ولا عنوان …. وما أن رأنى حتى علق

بى ولم يفلتنى . حتى قرأته .. وأعطانى سره . فقررت أن أكتب عنه .

لا يهمنى صاحبه . ولا اسمه . فليذهبا الى الحجيم . فالنص هو السيد . ؛

.. كل ما يكتب هو نصا بالضرورة .. وكل ما يحكى هو قصة بالضرورة

ايضا . وهذا النص جديد فى فكرته . جديد فى طرحه . سهل فى سـرده

عباراته محددة متوازنة مع روح النص . متماشية مع موسيقى الايقاع

النصى بلا خلل ولا نشاذ . محبوك القص . ورغم تنقلاته المجازية

السريعة لم يفقد حنكته ولم يفقد لغته الشجية السهله ذات الرنة .

نص ساخر جدااا . دون أن يصرح . مضحك جداا . دون هرج .

نص له دلالات وتأويلات . عن حالة الكاتب الذى يعيش حالة ابطال

قصصه . فيضيع بين الجنون والخبل . اوهام الكتابة الصادقة . واوهام

الكتابة الفارقة . التى لم يتوصل اليها كاتب بعد .

فى جمل رشيقة وعبارات انيقة فيها مرح ساخر . أقدم لكم ما وجته

تائها يبحث عن كتاب يتدفئ بين صفحاته . ؛؛

نورهان صلاح

فكرة واحدة بشأن "مش النظرية.. قصة بدون مؤلف"

أضف تعليق