قصتان : بقلم / محمد عبدالقادر التوني

1 ـ  المفتاح

وفجأة؛ تغير حالها وغطت السذاجة كل تصرفاتها ؛ عندما طرق فارس الأحلام بابها؛ فأصبحت وجهاً واحداً !  رغم أنها مراوغة بارعة في وصف الأشياء والأشخاص ومعرفة دواخلها ! حتى أن الناس يحارون في أمرها ويتساءلون والدهشة تكسو وجوههم : كيف تتملص من شخصها في حالات الإبداع ؟ هل يلبسها شيطان الشعر؟ ! لم تتخيل يوماً أن تترك البيت الذي ترعرعت فيه ولم تعرف غيره !  وأسرتها أيضاً ؛ كانت تسعد برناته المتكررة التي تهاجمها من تليفونه المحمول .. يوقظها من نومها ، يحكى لها عن أوجاعه وقلقه ؛ فتقابله بسيل من العاطفة حتى يهدأ ، يلعن الفلوس ويلعن الظروف التي تباعد بينه وبينها ، اكتسبت منه حب السهر، فأصبح ليلها كنهارها حتى أنها أخلت ببرنامج تعلم الطهي الذي أعدته لها أمها ، ومرت الأيام ، وعقد قرانها ، كانت ليلة مؤلمة قطعت فيها شوطاً كبيراً في السفر إلى قريته وهى في فستان زفافها ، وعلى عتبة البيت كانت حماتها في انتظارها وفى يدها كوباً من الحليب تعبيراً عن السلام وأملاً في حياة سعيدة ، أوصد الزوج باب الشقة وأمسك  بالمفتاح في يده وأخذ يحدق فيه باستغراب ؛ كأن بينهما عداوة ! ثم بصق عليه وألقى به بعيداً ! عرك أنفه بشدة وجلس ثم أشعل سيجارته وأخذ منها نفساً عميقاً ونفخه في وجه الزوجة الذي يطل عليه من المرآة التي تقف أمامها ! فابتسمت والخجل يكسو وجهها ظناً منها أنه يداعبها ، لكنها أصيبت بدهشة كبيرة وتسلل إليها شيء من خوف عندما فاجأها بسؤاله : وماذا بعد؟!؛  أهذه هي اللحظة التي أنتظرها ؟!   إنها لا تختلف كثيراً عن قصيدة أعيتني ولادتها ! وأعياني تتبع نشرها ؛ فلما نشرت ؛ فقدتُ الإحساس حتى في المطالعة ! . 

2 ـ جسد آخر

أجمل ما في الأمر أنها أنثى ؛ وأجمل ما في أنوثتها قوامها وذوقها في اختيار ملابسها، الجميع يتوددون إليها ويحاولون الاقتراب منها والتحدث معها أو الاستماع إليها بل والتلصص عليها أحياناً لرؤية وجهها عندما ترفع غطاءه دون تحسب؛ ومدخلهم المباح من وجهة نظرهم هو انضباطها وقوة شخصيتها وكثيراً ما مدحوها أمام الأخريات والآخرين من زملاء العمل الذين يتسمون بضعف الشخصية !  وكانت هي الأخرى بين الحين والحين تخلع القفاز من يدها ويكون كل كلامها إشارات بكفها وأصابعها التي تنم عن خصوبة عالية بلا شك؛ فتكون كزهرة يحوم حولها النحل ولا يجرؤ أن يثبت فوقها !  أصبحت أكثر شدة في التعامل مع الأطفال الذين تقوم على تعليمهم حتى أنهم كانوا يخافونها ويخشونها ويلتزمون الصمت في  حضرتها ! وفجأة ؛ عزفت عن كل جميل وتخلت عن كل الأشياء عندما مات والدها ؛ وتشبثت بثوبها الأسود الذي بدا أكثر حظاً من كل ثيابها في الالتصاق بجسدها لفترة طويلة ؛ وتنظر ردود الأفعال عليها من ثقب في غطاء وجهها، الزوج المسكين الذي يحسده كل من رآها من الناس؛ وقع أسيراً في قبضتها ويضبط أنفاسه وفق إرادتها وبرغم ذلك لم تمنعه الغربة في بلاد بعيدة من العودة إلى بلدته ليشاركها أحزانها، وبعد انقضاء أياما العزاء وعودتها إلى بيتها؛ انتظر الزوج أن تفعل معه ما تفعله كل نساء الدنيا مع أزواجهن؛ لكنها رفضت بشدة وعنفته ! لأنها ترى أن الخطب عظيم وموت الوالد برهان؛ فنظرت إليه بكل تجبر وبهدوء أمرته بالسفر مشترطة عليه ألا يعود قبل عام من الآن؛ فاستجاب المسكين دون تردد ولملم  أذيال الخيبة وعاد منكسرا إلي غربته ؛ وقبل مرور العام بشهر وهو سعيد باقتراب الأجل ؛ جاء الخبر بموت عزيز آخر ! . 

أضف تعليق