..تقديس الخرافة ..بحثا عن الأمل قراءة في قصة قدس الأقداس للكاتبة جمال حسان


مرفت يس


عندما يغيب الوعي يكون تقديس الخرافة هو الملاذ. في نص ” قدس الأقداس“قدس الأقداس” .. ” للكاتبة : جمال حسان القصة تحكي عن خمسة شباب لكل منهم أحلامه الكبيرة التي تصطدم بالواقع فيصبح الهروب هو الحل المسيطر على تفكيرهم


تبدأ القصة بمفتتح كلاسيكي شاعري .. كتيمة كلاسيكية تستخدم مدخلا للحكي على غرار كان ياماكان ويحكى أن ….
ثم ننتقل لمدخل للسرد قدم دلالة – وهى الخريف إشارة الوشوك إلى دخول مرحلة جفاف الأحلام والقلق من ضياعها في ظل واقع مأزوم لشبابنا الذين تصطدم أحلامهم وطموحاتهم به ، ينتقل السرد إلى الحديث بضمير المتكلم مقدما مفتتح سردي آخر تعريفي بشخوص القصة كما يحدث في بداية المسرحيات خمسة شباب يبحثون عن حل لأزماتهم بالهروب وقصدت لفظة الهروب …من آسر الواقع وعدم تكيفهم معه وحالة الاغتراب التي يعانون منها
” خمسة شباب مثل الورد نبحث عن هروب مؤقت من زحمة المدينة العابسة وبرودة روحها الصادمة لنا. غير قانعين بأنفسنا أو ماحولنا والسماء لاتمطرذهبًا أو خططًا مفرحة. نحفظ كل حواراتنا المتابعة للشأن العام حرفًا حرفًا ونتذكرها بقلوب واجفة تتنسم غربة ما، تدفعنا بعيدًا عن كل مانحب.”

فمن هنا كان التفكير في الهروب من و جهة نظرهم هو الحل الأمثل وخصوصا أن الكاتبة قدمت مبررا آخر لتفكيرهم وهو أنهم غير قانعين بأنفسهم . فمسألة إنعدامهم للثقة بأنفسهم جعلت أفكارهم مشوشة وغير قادرين على حسم أمرهم.
فيبدأ التساؤل المعتاد عن جدوى الحياة وعبثها والبحث عن عالم مثالي يستطيع أن يحيا فيه الإنسان تتطرق الكاتبة لنظرة الشباب المعتادة أيضا في التفكير في الهجرة كخلاص لمشاكلهم التي يعانون منها في مجتمعاتهم العربية ..بدأ كل واحد من أبطال القصة يخطط للهجرة للمكان الذي يظن أنه يناسب توقعاته وأحلامه .
أحدهم مهندس يخطط للهجرة لأستراليا ، والثاني طبيب يخطط للهجرة إلى نيوزلندا التي يتصورها أرضا تشبه الجنة بغاباتها الواسعة ومزارعها العامرة بأطيب أنواع الماشية وخاصة الخراف في إشارة للمكان الذي يناسب طموحاته كمتدين يحفظ الأحاديث ويحلم بالجنة والطعام وتلبية الرغبات والشهوات
وثالث مهندس في علوم البرمجيات مايبقيه في بلاده ويجعله يرجىء قرار الهجرة هو حبيبته التي ترفض الهجرة معه. وأخر يفكر في بريطانيا. رغم حسمهم الأمر بالتفكير في الهجرة؛ إلا أن عدم ثقتهم بأنفسهم التي أشارت لها الكاتبة؛ جعلتهم خائفين من المجهول، بحاجة لمن يقدم لهم المساعدة فيلجأون إلى من يستطلع لهم الغيب. هنا نكتشف أن هؤلاء الشباب رغم فرص التعليم التي حصلو ا عليها ، لايزالون يفكرون بعقلية بدائية ، تلك البدائية الكامنة في مجتمعاتنا ولا نستطيع الفكاك من أسرها فعند أول مشكلة أو أزمة تقابلنا نكتشف أننا لازلنا خاضعين لجهل مدقع يعمي أفكارنا . فيخرج البدائي الكامن داخل عقول هؤلاء الشباب يتبادر إلى تفكيرهم اللجوء لمن يستطلع لهم نبأ الغيب ويكشف لهم طالع أيامهم القادمة ؛ بحثا عن الأمان المفتقد وعن شعاع ضوء يسيرون خلفة خوفا من المجهول ، فيجدون ازدحاما عند العرافة وجموع من البشر؛ من يبحث عن حل لسداد دينه ومن تبحث عن حل لزيجة .كل هذه الجموع رغم تفكيرها البدائي فإن مبررلجوءهم للعرافة هو البحث عن الأمل لمواجهة الكوارث والمشاكل التي تعترض حياتهم ؛ الأمل الذي ظل حبيسا في صندوق باندورا ليظل البشر متعلقين به ليمنحهم إحساسا بأن القادم ربما يكون أفضل ؛ وهو الأساس نفسه الذي يتركز عليه عمل العرافين ويستخدمونه لخداع من يلجأ لهم باللعب على مشاعرهم وأحاسيسهم وإيهامهم بمستقبل أفضل
لتنتهى القصة برجال يقيدون العرافة البكماء إشارة هنا إلى أنها لاتستطيع أن تقدم لهم أية حلول فهى أيضا تعرضت للسرقة وتركها ساعدها الأيمن وهرب والمفارقة العجيبة أنه في ظل التكنولوجيا والتقدم الحضاري إلى أنه هناك ارتداد للتفكير الخرافي في العالم كله ويزداد بازدياد الخوف وانتشار الأمراض والحروب، نجد معالمه تظهر في برامج تستضيف العرافين ومواقع منتشرة على النت ، واعلانات للمنجمين بالصحف والمجلات تقدم تنبؤات بالمستقبل ، التي تمثل أملا لليائسين ، ووسيلة دفاعية ضد الخوف الذي يتمكن منهم .فننتهي إلى أزمة أكبر هي السجن في دائرة الوهم وتقديس الخرافة بديلا عن عملية إيقاظ للوعي والتفكير في حلول جادة للمشاكل التي تواجهنا

أضف تعليق