السد جاك

قصة د سيد شعبان


إلى صديقي في العالم الافتراضي:
‘ينشر الضباب أبخرته فيغطي سماء المدينة من حولنا، تنعدم الرؤية تسري التفاهة في كل مكان، تستطيع أن تصفها بكراهية الحياة، ساهمت وسائل العصر في جعلنا أقل اهتماما بعواطفنا، أشبه بآلات نجري دونما كابح؛ صراع فقد جدواه، مات الإنسان بنقائه داخلي!


يملأ الضجيج المنعطفات والأزقة”
هذه رسالته إلي صباح اليوم؛ فمن عادتي تصفح هاتفي؛ لا أدري لم اختصني بتلك الكلمات؛ لم ألتقه؛ أتواصل معه كل آونة عبر صفحة العالم الافتراضي، مثل كل الأصدقاء؛ تحية عابرة، إعجاب بكلمة كتبها؛ يبدو الناس هنا أكثر تهذيبا؛ يظهرون الجانب الأقوم في سلوكهم؛ لا تدري أيكون مجرما أم حكيما؛ الكل يغلف منشوراته بأخلاق فاضلة.
نتخيل عبثا أننا في المدينة الفاضلة.
أهملت متابعته طيلة اليوم؛ يشغل المرء نفسه بهموم معاشه، حين قبضت راتبي الذي تقلص كثيرا هذه الأيام، يقولون : موجات التضخم تزداد هيجانا كلما ازداد اهتم الناس بشراء أدوات الزينة؛ هذه تشبه مقولة” ماري أنطوانيت”: ليأكلوا جاتوه بدلا من الخبز!
أسعار أجرة المواصلات فوق طاقتي؛ أقصد مطعما وأتناول رغيفا محشوا بحبات فول باهتة، أدفع خمسة جنيهات، ما تزال معدتي خاوية، أكمل طعامي نصف كوب ماء تتراقص فوقه ذبابة، لا يهم؛ أخرج متوجها صوب الجريدة؛ مهنتي التقاط الأخبار من أفواه صانعي الحدث..
دخلت من الباب؛ توجهت مباشرة إلى مكتب رئيس التحرير؛ أخبرني العامل:
يبدو منشغلا بحادث خطير؛ لقد اختفى ” جاك” ولم يعثر عليه السيد “م” بكل تأكيد لن أبوح باسمه الحقيقي؛ هذه جريمة لا تغتفر؛ قد تكون عقوبتها القتل؛ أو بتر الأصابع، ولعل ما حدث مع مأمون زميلي كفيل بأن يجعلني أكثر تهذبا؛ علي أن أنشغل بمهنتي؛ وضع أنفه في أخبار السيد ” م” كان يحرر كل يوم خبرا عن حرمه؛ تسهر حتى الصباح في حفلات راقصة؛ لدى الجهات الرسمية تسجيلات لما يخفى عنه، حتى يقال إنه يعاني من عجز مستمر.
حتى دارت شائعات في حي جاردن سيتي؛ الهوانم هنا مثار لحكايات تثير الغثيان؛ لم أصدق أن جاك يرتكب هذا الجرم الشنيع.
إنه وديع يهش في وجهي بل ويظهر حفاوة؛ يقطع بنطالي ويظهر سوأتي لاضير؛ تضحك من هذا زوجة السيد ” م” إنه لا ينام؛ يسهر ليعد لنا وجبات اليوم؛ من ملصقات تحافظ على بقائنا هنا لا هناك!
غاب ” جاك” ذلك الوديع الذي لم ينزو على صديقته ميري منذ ثلاثة أيام، كان في حالة مزاجية سيئة للغاية؛ وﻷجل أن نرفه عنه؛ أحضر له السيد”م” جوقة العزف القومية؛ لاشيء يبخلون به عليه؛ لا ينام لأجلنا؛ هل فعلا السيد ” جاك” مهتم بنا؟
تساءلت في نفسي؛ كثيرا ما أجري معها حوارا؛ حين لا أجد أحدا يمتلك الوقت الكافي ليدلي فيه بحوار؛ أعده ليكون سبقا صحفيا، أدير أنا الحوار.
بدوت تافها، نظر إلى السيد رئيس التحرير في غير اهتمام؛ أشاح بيديه؛ ثم تفضل علي بكلمة؛ ابحث عن السيد جاك، لا تخبر أحدا بهذا.
من فوري- وﻷني مواطن صالح- لبست ثوب مخبر سري؛ بالطو أسود، نظارة سوداء؛ علبة لتلميع الأحذية السوداء؛ وبالتأكيد راديو لونه أسود، عند مدخل الميدان العتيق؛ تتناثر الحكايات؛ يتحدثون عن جريمة في المبنى الراقي، يذكرون أن سيدة وجيهة؛ أتت رفقة كلب” وجيه” في هذه البلاد يكرمون الأشياء، كم يبدون متحضرين!
تتحرك شهيتي إلى كتابة ذلك في صفحة الحوادث المثيرة، نحن نعاني برودة الأخبار؛ لو حدث وكتبت: امرأة تفر بحثا عن الحب!
لن أذكر السيد ” م” بسوء؛ فحياتي رهن بأن يغضب علي الرجل الذي يدير دفة العالم، لن يلتفت أحد لمثل هذه السخافات، تبدو السيدة مصابة بنوع من الجنون؛ لن أثيره بأخبار تبدو مغرضة؛ يحبها، سينسى لها ذلك الهروب الكبير، الشكر ل ‘جاك’ كم يسعد قلب السيد وحرمه..

أضف تعليق