إنكسار الشخصية في رواية(من ثقوب الليل ينحدرون) لرجاء الفولي, بقلم / محمد عبدالقادر التوني ..

ـ مما لا شك فيه : أننا أمام حقيقة لا نقاش فيها ولا جدال ، وهي : أن القصة امرأة ، ولنا في جدتنا ” شهرزاد ” قدوة حسنة . وكما جاء في الرواية : ” يحتمون بالحكايات كما لو كانت تعويذة طاردة للأرواح الشريرة التي تطل من شقوق الجدار الطيني ” . إنها المرأة الريفية الصعيدية في انكساراتها ، وفي قدرتها على خلق الأمل في نفوس الأبناء ، رغم الوجع المتراكم والطابق على الصدور .

ـ وكما بقول المثل : ( لا تعايرني ولا اعايرك ، الهم طايلني وطايلك ) ، والمثل الآخر القائل : ( كل حزينة تبكي بكاها ) ، كان لكل النساء في الرواية وبلا استثناء ، نصيبهن من الانكسارات ، سواء كن من الطبقات الفقيرة ، أو من الطبقات الغنية على السواء ! .

ـ فنجد في الطبقات الفقيرة : ( حياة ـ سرية ـ سنية ـ بخيتة ـ أم الخير … إلخ ) .

وفي الطبقات الغنية : ( سناء ـ الهانم الكبيرة أو ملك هانم ) .

ــــــــــــــــ

وإذا كان للنساء نصيبهن من الانكسارات ؛ فإن الرجال قد أخذوا أيضاً نصيبهم من الانكسارات وزيادة ، وأيضاً كانت فيه الطبقات الفقيرة والطبقات الغنية على السواء .

الطبقات الفقيرة مثل : ( النوبي ـ عبدالصبور ـ هبابة ـ الريس صابر … إلخ ) .

ومن الطبقات الغنية : ( محمود الورداني ـ عصام أخو سناء ـ حسنين العبيط ) .

ـــــــــــــــــــــــــــ

فقد استطاعت الكاتبة في روايتها ” من ثقوب الليل ينحدرون ” ز، أن تصور للقارئ شكل القرية الصعيدية في صورتها الأولى ( الخام ) ، في فترة زمنية كشفت عنها الأحداث وحددتها في بداية القرن العشرين ، مثل : ( الطوفان ) الذي تسبب في غرق القرى النوبية ؛ فصورت لنا الرواية هذا الحدث المؤلم من خلال حكايات ” بخيتة أم الوبي ” التي حطت في هذه القرية هي وولدها بعد نجاتهما ، وكذلك حكايات ” سنية أم حياة ” التي كانت مصدراً رئيسياً لمعظم أحداث الرواية .

ـــــــ وفي الحقيقة ، إن رواية ” من ثقوب الليل ينحدرون ” ، تعد رواية مشبعة بكل ما تحمل الكلمة من معني ، وتفتح مجالاً لقراءات عدة ، ومن زوايا مختلفة .

شكل القرية في تلك الفترة ( ملامحها ـ طقوسها ـ عاداتها وتقاليدها ـ المباني ـ المستوى المعيشي ـ الخرافة ـ العفريت ـ الفروق الطبقية ـ التراث الثقافي والفني ـ الألعاب ـ الطبيعة ـ العلاج … إلخ ) ، هذا إلى جانب الأسلوب الفني للكاتبة والذي يكشف عن جمال وروعة الأسلوب ، والشعرية التي تتميز بها ، الصورة السردية والوصفية المغايرة ، مما يدل على أننا أمام كاتبة متمكنة من أدواتها .

كما تكشف الرواية عن عمق المستوى الثقافي للكاتبة من خلال توظيفها للتراث ، مثل ( الأمثال ـ الأغاني ـ العدودة ـ التراث النوبي … إلخ ) ، كما تميزت بقدرة متناهية في الوصف في استدعائها للتراث كما كان أو كما هو ، كأنه الآن .

حتى أسماء الشخصيات ، اختارتها بعناية ودقة وكأنها تراث تستدعيه لتذكرنا به مثل ( حياة ـ سرية ـ بخيتة ـ أم الخير ) ؛ فهذه الأسماء من النادر أن تجدها الآن .

ـ الأمثال مثل : ( سبع صنايع والبخت ضايع ) ، والمقصود به ” النوبي ” وعدم وجود فرصة عمل .

وما جاء عللى لسان ” أم هبابة ” وخشيتها عليه من الحسد وبعد ولادته : ( الغولة قالوا لها ادينا ولد من ولادك الميه ، قالت لهم حتى لو كانوا ميه ميهونوش عليا ) .

وفي التراث الأدبي والثقافي : ( ألف ليلة وليلة ـ وأبو زيد الهلالي ) .

ـ وفي الأغنية : الأغنية الشعبية النوبية التي جاءت على لسان ” بخيتة ” وحلم الرجوع :

” إن شاء المولى راح ترسي ف مينا ، إيمانا على الله ،       وقمر ليالينا ، يا مراكبي شد القلوع يا مراكبي ، ويا ليل من غير حبيب ، يا ليل أمرك عجيب ، الورد كان في كل مكان ، طارح مطارح لحبي ، والكون ده كان زمان ما يسعش حته من قلبي ” .

ـ ومثل أغنية ” أم كلثوم ” :  ( بعيد عنك حياتي عذاب ، متبعدنيش بعيد عنك ) .             ـ وهكذا يتأكد لنا : أن رواية : ” من ثقوب الليل ينحدرون ” هي رواية كل قروي ، وتعتبر مرجعاً تراثياً مهماً .

اللعب على المفارقة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ تعد من أهم الأدوات التي استخدمتها الكاتبة في روايتها ، والتي كشفت لنا من خلالها عن الكثير من الأبعاد النفسية والاجتماعية في حياة الإنسان الغني والفقير على السواء . لتثبت لنا بصورة منطقية ، حقيقة الاتجاهات النفسية بين الفقراء والأغنياء ، وأنه لا علاقة بين قلة المال وكثرته في سعادة الإنسان .

ـ وسوف نحاول إظهار ذلك في الصفحات القادمة من خلال النظر في الانكسارات التي تعرضت لها شخصيات الرواية نساءً ورجالاً ، فقراء وأغنياء ، ولعدم التطويل سوف نختار عينة ممثلة للفقراء ، وأخرى ممثلة للأغنياء .

1 ـ من نساء الطبقات الفقيرة ، نختار شخصية ” حياة ” : تلك البنت الواعية ، التي علمتها الحكاية الكثير والكثير ، لدرجة أنني كنت أرى صورتها كإنسانة متعلمة رغم عدم وجود تعليم في القرية في تلك الفترة ؛ اللهم إلا الكتاتيب ، وكانت مقتصرة على الذكور فقط . لكنها تعلمت في مدرسة الحياة من خلال والدتها ” سنية ” التي أشبعتها حكايات .

ـ كانت ” حياة ” مختلفة في كل شيء ، حتى في مظهرها ، وفستانها الذي كان يظهر مؤخرتها بصورة لافتة للنظر ، كذلك في عشقها للمناقشة وحب المعرفة ، وفي سعيها على رزقها دون كلل أو ملل ، في وجهة نظرها وأيها تجاه الآخرين .

ـ وبرغم كل هذا الجمال الروحي والنفسي والجسمي ، إلا أنها قليلة الحظ ، ولم يطرق أحد بابها للزواج .

ـ يظهر وعي ” حياة ” في الرواية في مواضع كثيرة منها :

ـ في خشيتها على ” سناء ” سيدة السرايا ، أن توافق على الزواج من ” حسنين الأهطل ” . وبرغم أن ” حياة ” كانت خادمة عند ” سناء ” ، إلا أن النشأة ، وتقارب السن بينهما يظهرهما في صورة صديقتين .

ـ في تعليقا على حكاية زواج النوبي من الهام :

” ده اتجوزته الهانم ، مساكين الهوانم دول ، الحمد لله ما طلعتش هانم ” .

ـ في رؤيتها في ” حسنين العبيط ” ومعرفة أغراضه منها ، والتحسب لنفسها والحفاظ عليها .                                                                                     ـ لكن بالرغم من ذلك لم تنجو من نظرة الناس لها ، وألسنتهم التي لا حقتها بالأذى ، رغم أنها لم تخطئ ، وكان من نتيجة ذلك : أن أحداً لم يطرق بابها للزواج ؛ فكان لذلك أثره النفسي على ” حياة ” وأمها معاً .

” وجهت أم حياة عينيها إلى ” حياة ” ، مسحتها من رأسها إلى قدميها على ضوء لمبة الجاز ، في ذلك المساء البعيد تنهدت تنهيدة موجعة ، وقد استبد بها ذلك الوجع الصادرمن ذكرى الأموات والألم الذي يكابده الأحياء ، ركزت هدفها في هذه الليلة على تلك الغاية التي حاولت أن تتجاهلها مراراً ، لكن هنا الآن ثورة تدفعها لكي تفرغ ما يحتق في صدرها ، قالت : ( انتي حلوة يا حياة وعايقة ، ليه محدش من البلد اتقد لخطبتك ؟ ده حتى البنات العفشة اتجوزت ) !

قالت ” حياة ” غضبى ” ولاد وسخة ، يمكن العمل في الغيط ، أفضل من العمل في خدمة بيوت الناس ، ربنا مبينساش حد يا امه ” .

وهكذا تظهر الانكسارات والضغوط النفسية المكبوتة في نفس ” حياة ” وأمها .  

ـ وبرغم الفارق الكبير في الزمن بين زمن الحدث في الرواية ، وبين ما نعيشه الآن ، إلا أن العادة ما تزال كما هي في نظرتها للفتاة الريفية ؛ فمجرد ابتسامة أو ضحكة في الشارع ، جاءت بقصد أو بدون قصد ، أو حتى مجرد لبس فستان معين والخروج به ، من الممكن أن يكون حجراً عثرة في الوقوف أمام مستقبل الفتاة وزواجها . وحياة : كذلك المثل ، لم ترتكب جرماً ، ولكن هي ظروف عملها في الزرع ، وتحرش صاحب العمل بها ، رغم أنه أهطل وعبيط ” حسنين العبيط ” ، لكن بقيّ تحرشه بها حجراً عثرة أمام زواجها .

وكما جاء في الرواية : ” مجرد كلمة تتلفظ بها على أحد ، تلتصق به ، وتتبعه حتى في عالم الموتى ” .

السبب وراء تحرش ” حسنين العبيط ” ب ” حياة ” وأثره على عدم زواجها .

ـــــــــــــــــــ ما يمكن أن نصل إليه من خلال تحليل العقل الباطن ل ” حسنين العبيط ” والدوافع التي جعلته يفعل ذلك مع ” حياة ” بالتحديد :

ـ هو انتقامه منها في صورة والدها الذي أهانه في يوم من الأيام واختطف منه اللحمة ، ولحم بلحم .. يأخذ بثأره منه في شخص ابنته .

وكما جاء في الرواية على لسان ” النوبي ” :

” كنا نختبئ ونحن نضحك ونتغامز ؛ فنرى ” حسنين العبيط ” الغني ، يراود ” حياة ” عن نفسها مستتراً بعيدان الذرة التي تناطح الهواء ، ننزل عليهم فجأة كصاعقة من السماء معلنة احتجاجها على ما يحدث ، ونجن نردد ( كشفناكم ) تتسمر الدهشة في وجهيهما ” .

الفقرة أيضاً تكشف صدق ما نقوله بخصوص العقل الباطن ل ” حسنين العبيط ” في : ” مستتراً بعيدان الذرة التي تناطح الهواء ” ،

فالعبيط ، عبيط في الظاهر ، لكن العقل الباطن يخزن كل شيء ، ولذلك فإن أي اهانة مع أي عبيط ، لابد وأن يأخذ بثأره منها ، تماماً مثله مثل الطفل الذي يصور كل شيء ، ووهماً منا نعتقد أنه لا يعرف شيئاً .  وهو بالتحديد ما فعله مع ” حياة ”    لينتقم منها على فعلة والدها ” الريس صابر ” الذي اختطف منه اللحم مقابل أجره الذي أكله الباشا والد  ” حسنين ” وماطل في اعطاءه له .

ولذلك نقول : احذر العبيط ! وعندنا مثل يقول فيما معناه : ( لا تهزر مع العبيط ، ولا تخلي العبيط يهزر معاك )  ! .

2 ـ بخيتة ( أم النوبي )   :

هذا الاسم التراثي ، الذي يؤكد على الوازع الديني عند الفقراء في الرضا بالمقسوم من خلفة البنات والوقوف أمام ذكورية المجتمع ؛ فيسمونها حتى وإن كان من وراء           قلوبهم ” بخيتة ” ربما تجلب البخت معها ، وتكون مصدر خير وسعادة لهم ، الجيل الذي جاء بعد هذا الجيل كان يسمي ” مبروكة ” .

ـ بدأت انكسارات ” بخيتة ” مع الطوفان ، الذي أغرق زوجها وأمه أمام عينيها ، لكنها استطاعت أن تنجو بطفلها ، وهي بذلك تؤكد على المثل القائل ( الضنا غالي ) ، وفي نفس الوقت تضرب المثل القائل : ( إن جاك الطوفان حط ولدك تحت رجليك ) ! ،

ـ المفارقة في انكسار ” بخيتة ” تكمن في زعزعة إيمانها وهو ما يؤكد على ضعف الإنسان وقلة حيلته ” وخلق الإنسان ضعيفا ” ، هذه الزعزعة كانت في اعتقادها بالمشايخ ، عندما رأت مقام الشيخ ” نصر ” يغرق معهم في الطوفان ، وهي التي كانت تعتقد فيه بأنه مصدر النجاة لهم ! . فتقول :

” واحنا فوق المركب شفت بعنيّ دول اللي هياكلهم الدود الطوفان وهو بيغرق الشيخ ” نصر ” ، كناش خايفين من الطوفان ، كنا بنقول انه الشيخ ” نصر ” هيحمينا ، بس لما جه الطوفان غرق معانا ” .

ـ إلى هنا قد يبدو الأمر طبيعياً ، لمن المفارقة تأتي بقوة مع رغبة وعزم ” بخيتة ” على زيارة الشيخ ” علي ” والعمل بنصيحة المرأة التي أكدت لها أن شفاءها من حالة الصرع التي تأتيها ليلاً يكمن في زيارة الشيخ ” علي ” يوم الجمعة بعد أن تستحم ! . وكما جاء في الرواية :

” السيدات اللاتي عرفن ما يحدث لها في الظلام ، قالت لها احداهن الحل انك تزوري مقام الشيخ ” علي ” ، تستحمي كده كل جمعة ، وتروحي تولعي نار وتخطيها ، هتروح منك الضرعة ، انتي مضروعة يا حبيبتي ، ومصمصت شفتيها وهي تردد : هو اللي حصلكم قليل ؟ ! وصمتت “
النوبي وتعلقه على تغير أوضاع أمه وتكملة لنفس الفقرة :

” في الحقيقة كانت أمي تبدو لي أنها نفضت يدها من قصة الأولياء ، لكن سرعان ما بدأت أمي أول طقوسها لزيارة مقام الشيخ ” علي ” تحممت أمي وحممتني أيضاً ” .

ـ هذا وإن دل فإنما يدل كما قلنا سلفاً على :

الضعف الإنساني من ناحية ، وغلاوة الأبناء من ناحية أخرى ؛ فهي لم تذهب لنفسها ، ولكن من أجل ولدها حتى تطمئن عليه سليماً صحيحاً .

3 ـ الهانم الكيرة أو ” ملك هانم ” :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان للتنشئة الاجتماعية آثارها الضارة على الهانم الكبيرة ، حيث كانت وحيدة والدها ، وقد كان أسلوب تربيته لها على اعتبار أنها ولداً وليست بنتاً ، حتى تنشأ قوية ، ويطمئن على أنها سوف تحافظ على أرضه وثروته ولا تضيعها ، أو تكون مطمعاً للآخرين من البشوات مثلهم فيغرونها بالزواج أو الحب أو غير ذلك .

فكان أول ما أصابها من هذه التربية ، أنها تصدت بصورة بشعة لابن عمها ” محمود الورداني ” الذي كان يظهر حبه لها ، وكان يرغب في الزواج منها ، حتى أنها رفعت البندقية في وجهه . فما كان من ” محمود الورداني ” إلا أن يولي مدبراً ولم يعقب ، حيث اعتبر ذلك إهانة كبيرة له . لكنه رد لها الصفعة بصفعة أكبر وأقوى بكثير من صفعتها له ، عندما تزوج من برنسيسة في القاهرة ، وجاء بها في طائرة لزيارة القرية ؛ فأصابها بالحسرة التي زادت من وحدتها ، وبكائها الصامت ، والوحشة التي تعيشها ، لينتهي بها الحال في سن الأربعين وتتزوج من ” النوبي ” ذلك الشاب الفقير الذي يصغرها بكثير ، لتكون زيجتها هذه حديث القرية وسخريتها منها .  

4 ـ ” النوبي ” :

اسم يدل على الفخر والولاء للمكان ، والمفارقة أنه يعيش حياته بعيداً عن المكان ، وإن كان ذلك بدون إرادته ، لكنه يعيش الانكسار الذي أودى بحياته في النهاية .

ـ بدأت انكسارات النوبي وهزائمه قبل أن يدرك معنى الحياة ، عندما فرت به أمه من الطوفان وحطت به في هذه القرية ؛ فتعرض للضغوط النفسية منذ نعومة أظفاره ، عندما كان لا يجد حظه في اللعب مع أقرانه ، عندما كانوا ينظرون إليه بريبة واستغراب نظراً لشكله المختلف عنهم أو بشرته السوداء .

ـ وجمال المفارقة ، أنها تأتي في المكان الذي يجب أن تذوب فيه الفوارق بين الأشخاص ، في الكتاب ! الذي يحفظ القرآن ويعلم الأخلاق ، وبخاصة مع الآية الكريمة التي جاء ذكرها في الرواية :

” يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ” .

فيقول النوبي بعد هذه الآيات :

” خِلتُ كل من في كتاب الشيخ مهدي يحدقون بنظراتهم في ” .

ويتساءل :

” لماذا يكون الأسود دائماً إشارة إلى الهلاك ورمزاً للقبح ” ؟ !

ـ الطفل الذي كان يلعب معه وظن أن سواد وجهه ( هباب ) ، وقام ليمسحه من قوق وجهه ! .

ـ انكساره وهو شاب ، وهو يبحث له عن فرصة عمل تناسبه ، حتى عمل بأرغوله في الأفراح ، ورغم أنه أعجب الناس ، إلا أن أمه لم يرضها ذلك وأرسلته للعمل في الإسكندرية .

ـ انكساره صدمته في الهانم التي وقع في عشقها ، وتزوججته وفاجئته بأن بيته عند الماكينة ، وألا يأتي ناحية السرايا إلا بأمرها ، ويدخلها من باب الخدم ! .

وكما جاء في الرواية : ” انت تعرف يا نوبي ماكينة أرضي ، أنا عيزاك هناك ، وهناك هيكون بيتك ، لا تهوب ناحية السرايا ، وهابعتلك كل اللي تحتاجه  من أكل ، تعفرت ابتسامة النوبي بالمرارة ، وكسر قلبه ، ولا شيء يصلح قلباً كسر ” .

ـ كان من نتائج ذلك :

حالة اليأس  التي جعلت ” النوبي ” يقرر ترك بيته للورثة ، الورثة الذين رأى معهم الحب الحقيقي الممثلين في القطط ، وبخاصة القطة السوداء التي كانت تدفع باب بيته وتدخل عنده تتمسح فيه . حيث يقول عنها :

” أعتقد أنها تبحث عن الحب ” .

ـوهكذا تستمر انكسارات ” النوبي ” وهزائمه حتى تنتهي الرواية ، وينهيها على طريقته بأن يموت منتحراً وسط النيران التي أشعلها بنفسه .  

5 ـ أم الخير :

وانكسارها بعد هجر زوجها لها ، وزواجه من صاحبة المقهى الذي يعمل فيه في القاهرة . والانكسار الثاني عندما أخذ الزوج ولده الوحيد ليعيش معه في القاهرة خضوعاً لأوامر زوجته الثانية ؛ فتعيش ” أم الخير ” الوحدة بكل معانيها وهي تنتظرهما كل مساء ، وتعد لهما الطعام وهي تعدد على حالها :

” يا سعد أنا الأيام غلبتني .. واتقلبت ويايا تعبتني

يا سعد أنا الأيام غلباني .. واتقلبت ويايا تعباني .

وكحالة من السلوى ، أصبحت ” أم الخير ” خادمة لمقام الشيخ علي .

والمفارقة تكمن في جهل النساء وعدم وعيهن ؛ فهن يأتين بطلباتهن للشيخ ، وينذرن له نذورهن إذا تحقق المراد ، ولم تفكر واحدة منهن في النظر في حال هذه المرأة التي وظفت نفسها خادمة للشيخ ، وبرغم ذلك تجد من البؤس ما لا يطاق ؛ فلماذا لم تدعو الشيخ أن يعيد لها زوجها وولدها ؟ ! .

ومن المشاهد التي جاءت في الرواية وصورت حال النساء في طلباتهن من الشيخ : تلك المرأة التي جاء على لسانها : ” سعيدة طلبت من ربنا يديني ولد ، وندرت للشيخ علي لو اداني ولد هشحت عليه ، بينما أم الخير تحيط الضريح بجسدها وذراعاها تمسحان على أثوابه ، وتعيد مسحها في وجهها وثوبها ” . وهنا تظهر السخرية التي اعتادت الكاتبة ألا تبخل بها على أبطال أعمالها وهي تعلق على ” أم الخير ” وهي تزحف أسفل التابوت الخشبي :

”  هل أكلها هذا الجسد الخشبي المغطى بالأثواب ، والتي أعطت ذراعه ورأسه الخشبي شكل حيوان خرافي ” .

وهكذا تستمر الانكسارات ، حتى تلاحق كل شخصية من شخصيات الرواية بلا استثناء ، ما ذكرنا منهم ، وما لم نذكر ، مثل : ( سناء ـ عصام ـ محمود الورداني ـ حسنين العبيط ـ هبابه ـ الريس صابر ـ عبدالصبور … إلخ ) .

ـــــــــــــــ وفي الأخير ، وحتى لا أطيل ، فإن الانكسارات كثيرة ، ومتعددة ، ومتنوعة ، وتلاحق الغني والفقير على السواء ، لذا أكتفي بهذا القدر ، على أمل أن نرصدها في دراسة مطولة .  

هامش للضرورة :

ـــــــــــــــــــــــــــ جدير بالذكر ، أن الرواية ضمن إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة ( ابداعات قصصية ) 2023 التي يرأس تحريرها الكاتب الكبير / سيد الوكيل .

أضف تعليق