أرشيف الأوسمة: أدب سوري

دُو، يَك

قصة:روعة سنبل /سوريا

أربعةٌ وخامسهم أبي، ظلّت سهرة الإثنين تجمع صداقتهم لأكثر من نصف قرن، كلّ أسبوعٍ في بيت أحدهم، لا يمنعهم عنها حَرٌّ ولا قَر.
ولأنّني كبرى بناتِه الخمس، ولأنّ الله لم يمنحه صبيّاً كما كان يتمنى، فقد بقيتُ رفيقة أبي في سهراته، خاصّة إن كانت في منزلنا.
ألِفتُ أحاديث الرجال، وخبِرتُ حيل ألعاب الورق، ما زلتُ بارعةً في ألعاب طاولة الزّهر: (المحبوسة) و(المغربية)، يخفق قلبي كلّما سمعتُ قرع أحجار الطاولة، أو صوت دحرجة النّرد، راقبتُ بانتباهٍ كيف يلفّ الرّجال سجائرهم، وكيف يعلّقونها في زوايا أفواههم وهم يضحكون ويتحدّثون، عرفتُ أنّهم يتبادلون الشّتائم حين يمزحون، أنّهم يتفاهمون دون كلام، وأنّهم يبكون دون دمع، عرفتُ أيضاً أنّ الفرح يجعل عيون الرجال تلتمع، وأنّ الحزن يجعل ظهورهم تنحني.
كبرتُ، وكبرَ آبائي الخمسة، “اليوم سهرة الشّباب”، ظلّ أبي يقول هذا لأمّي كلّ إثنين، حتّى بعد أن تجاوزَ الرّجالُ السّبعين من أعمارهم، وحتّى بعد أن صارتِ الزّوجات تعدّ لهم على العشاء طعاماً قليل الملح، قليل الدسم؛ كنتُ أبتسم وأنا أرى (الشّباب) يتوافدون إلى منزلنا، ببياضِ شعورهم، بأخاديدِ وجوههم، بأوجاعِ مفاصلهم، وبثقلِ همومهم.
كبرتُ، وكبر آبائي الخمسة، كبروا كثيراً، ومرّت سنوات كافية لتتفوّقَ في السّهرة كؤوسُ الأعشاب المغليّة على فناجين القهوة، ولتغلبَ أصواتُ السّعال صدى الضّحكات، ولتسبقَ المقبلّاتِ على الطعام حبوبٌ وكبسولات، وصرتُ في آخر السهرة حين أكون وأمّي في المطبخ أسمع صوت ضحكهم وقد علا، فأعرف أنّ أحدهم قد غفا وهو جالس، فأضحك معهم.

استمر في القراءة دُو، يَك

قطار المسافات البعيدة ..قصة :أحمد سنبل /سوريا

   لا أعلم بالضبط متى تحرَّك القطار، ربَّما منـذ الأزل، أو منـذ أن خلق الله الإنسـان وسـوَّى بنانـه . أعتقـد أنني لـن أصل إلى جـوابٍ شـافٍ في أمـرٍ لن أجني من التفكيـر فيـه سـوى وجـع الرأس . فما يعنيني هـم هـؤلاء  الرُّكاب : إلى أيـة محطـةٍ يمضون ، وإلى أية وجهةٍ يقصدون ؟. هل أغوتهم حركة القطار فركبوا فيه، على أمل النـزول منه في الوقت الذي يروق لهم، وفـي المحطة التي يُغريهم النـزول إليها ؟..

استمر في القراءة قطار المسافات البعيدة ..قصة :أحمد سنبل /سوريا

تمويـه…قصة للكاتب السوري: أحمد سنبل

– 1 –

   كثيراً ما كان عبد الباسط يُبدي ندمه لتركه هذه الفسحة أمام بيته . وقد تردَّد كثيـراً قبل أن يأخذ برأي زوجتـه، التي طلبـت منه بتوسـلٍ اقتطاع حجم غرفـةٍ في الجهـة القبليـة من البيـت  لتكـون متنزها لها ولأولادها، الذيـن سـينعمون بشمـسٍ مشـرقةٍ بديعـةٍ  تدخـل إلى الغـرف، فتشـد مـن سـحنتهم التي  أكلتها رطوبـة القبـو الـذي كانـوا قـد اسـتأجروه، بعـد  أن أخرجوهم عنوةً مـن بيتهم ليواجهوا تقرُّحات الأيـام وصديدها . وقـد كان الألـم ينحـره من النقـرة كلما رأى زوجته تحمـل خبـزها المتعفـن إلى فـم درج  القبـو، فتفـرد بطانيـة الإعانـات  وتنشـرعليها خبـزها ، كما تنشــر أولادها، طمعاً في طرد الرطوبة التي تعشَّقت ثيابهم كما أجسامهم .كانت تُلاحق ببطانيتها أشـعة الشمـس الهاربة منها، ثم قُبيل الغروب تُعـاود طي أوجاعها وبطانيتها لتهبـط بتـؤدةٍ علـى درجات السلم البليد ، لتستقر بعدها في بحرٍ يمـوج بالرطـوبة وضيق ذات اليد .

استمر في القراءة تمويـه…قصة للكاتب السوري: أحمد سنبل

ترحلين عنك..قصةالأسبوع للكاتبة :روعة سنبل

“طرشششششط”

كنتِ قد انحنيتِ، لتسحبي سلسلة السّدادة التي تغلق بالوعة حوض الاستحمام، حين سمعتِ الصّوت، صوت شيء وقع في الماء الدّافئ الّذي تعلوه رغوة كثيفة، مسحِت بكفّكِ الرّذاذ الذي تطاير على وجهك، وسحبتِ السّلسلة، ومع أنّه من غير المنطقيّ سقوط شيء من الأعلى، فقد نظرتِ بشكل لا إراديّ نحو السّقف مستطلعةً، كانت يدكِ اليمنى تجوس خلال الماء، تبحث بترقّب وفضول، بينما يسراكِ فوق ركبتك بقليل، مفرودة الأصابع، يرتكزعليها – ليحفظ توازنه- جسدُك المنحني المغطّى بالرّغوة البيضاء.

حين بدأ مستوى الماء في الحوض ينحسر، أخذ ينحسر معه استرخاؤك اللّذيذ المعطّر بالخزامى، الّذي أعقب استلقاءكِ عشرين دقيقة، في مزيج من الأملاح والزّيوت وسائل الاستحمام، انحسر ليحلّ محلّه سخط طفيف.

استمر في القراءة ترحلين عنك..قصةالأسبوع للكاتبة :روعة سنبل

حين أضعـــــــتُ طريــــــقَ البيتْ*

قصة: فدوى العبود

إلى أين تذهبين؟

لم يكن عليك الابتعاد كثيراً عن البيت! لم يطلب منك والدك سوى كأس ماء أو حفنةٍ من الملح، أو ربما سكين. لقد أراد أن يضع القليل من الملح فوق البصلة البنفسجية في صحنه، كي يستطيع ابتلاعها. وأنت كالعادة وبعد عدة خطوات تصابين بفقدان الذاكرة، يلفك النسيان. فمالذي كان يريده! الملح! أم السكين؟

 لم يكن عليك الابتعاد عن البيت!

 فأمك تخاف من الظلمة والرجال الذين يبولون على أطراف الماعز التي يضاجعونها في الظلام، وهي تطلب منك عدم الاقتراب من الآبار والرجال المبتسمين.  ذات مرة سقطت في البئر، لكنك لست يوسف كي ينقذك الرعاة! كنت مجرد طفلة بلهاء هزيلة وقعت في بئر جاف، غمرتك رطوبة المكان وراحت تلك الديدان الصغيرة تزحف فوق جسدك سعيدة بصيدها الوفير؛ تستكشف يديك وقدميك وبعضها بدت متعجلة وتوغلت عميقاً بين طيات ثيابك.

استمر في القراءة حين أضعـــــــتُ طريــــــقَ البيتْ*

مِــــــرآة مُسنّنـــــــــة الحَـــــــواف(قصة الأسبوع ) فدوى العبود

لا بدّ أنّه حلم!

هذا الصدى، لا يمكن أن يكون إلاّ لحلم. أعرف كيف تبدو أصواتنا في الأحلام. يبدو أني دخلت حيّاً من تلك التي وصفها أحدهم في كتاب ما-سأحاول التذكر-وفي هذه الأثناء يجدر بي حلّ المشكلة التي أوقعت نفسي بها لقلّة فطنتي. (في الأحلام يجب ألا تترك المشاكل بدون حلول)

الفتاة الشبيهة بالنساء الصارمات في قصص ديكنز طلبت مني أن أتبعها.

نظرات الاتهام والازدراء في عينيها…. اللون الرمادي للجدران… وأبواب المكاتب المتشابهة… الهواء البليد، وشعور بالعار يتسرب كالوهن من كل جانب…

 هكذا إذن! الآن أستطيع تحديد العالم الذي دخلته بالخطأ، إنّه يخص كاتباً يدعى كافكا، فمُدنه تفور بالازدراء والتشابه اللذان يعطيان المرء انطباعاً بأنّه حشرة!

استمر في القراءة مِــــــرآة مُسنّنـــــــــة الحَـــــــواف(قصة الأسبوع ) فدوى العبود

وعد..قصة:صديقة علي/ سوريا


حال وجهها الحبيب، بيني وبين سعادة مفترضة لعروس بلا فستان زفاف.
بعد فقدانها يصبح الحديث عن السعادة ضرب من الخيال، كلها أوهام لأفراح سطحية، لا تلامس العمق، قد تخلقها ضحكة ابنتها، أو لعبة ننجزها معا أنا وابنها، أو كلمة “ماما” تنعش قلبي، بل تحرك أوجاع الحزن.


ـ أوصيك بالولدين وأبيهما …هو رجل، لا كل الرجال، وأنت تعلمين كم وقف معنا، وكم تحمل لأجلنا.
ستعيشين… وستفرحين بأولادك، وهم يكبرون… وتتمتعين بالحياة …

استمر في القراءة وعد..قصة:صديقة علي/ سوريا

ماجستير…قصة: حنان الحلبوني

(سوريا)

إنها العاشرة ليلاً، وعوني متعبٌ، بل منهكٌ، فقد أتمّ اليوم أربع سنواتٍ من البحث والعمل ووَصْلِ الليل بالنهار، من أجل رسالة الماجستير في الأدب العربيّ “الفضائل العربية وتجلياتها في حياة الشعراء العرب”.
أربع سنواتٍ من العناء والسهر والانتقال بين المكتبات والجامعة، حذفٌ وإضافة، أخطاءٌ جعلت تعب أيامٍ وأشهر يختفي من ذاكرة الحاسوب، انقطاع التيار الكهربائي، ضعف الشابكة، البحث عن كتبٍ ومخطوطاتٍ نادرة، اضطراره للإذعان لاستغلال بعض أصحاب المكتبات، آلام الرقبة والظهر ضريبة الجلوس الطويل.

استمر في القراءة ماجستير…قصة: حنان الحلبوني

عن امرأة تبكي ..قصة: روعة سنبل

محاولة أولى: امرأةٌ ترتبك

عبثا ً حاولت امرأةٌ طوال ليلة كاملة، أن تغلي قهوة لرجل أنيق، ببدلة وربطة عنق، مستعجِل كأرنب “آليس”.
بدتِ المهمّة شبه مستحيلة، فعلبة البنّ فارغة، والكيس الجديد محكَم الإغلاق، مقصّ المطبخ كان مختفياً، وكلّ السّكاكين مثلّمة، تجرّب تمزيق كيس البنّ بغيظ  بأسنانها ولا تفلح.
يراقبها الرّجل المستعجِل بابتسامة، فترتبك.

استمر في القراءة عن امرأة تبكي ..قصة: روعة سنبل