أرشيف الأوسمة: أنيس منصور

سمير ندا ومعاركه الأدبية…أشرف عبدالشافي

182950332_371929620871553_8656767718981450064_n

في روايته ،وقائع استشهاد اسماعيل النوحي يستحضر سمير ندا رائحة وشخصيات زمن الستينيات  باحثا عن القيم التي يرى أنها السند والعون في محنته التي هي محنة الراوي ويعتمد في كل ذلك  على السيرة الهلالية في مزج فني رائع، جعلنا نبحث عن هذا الكاتب الذي اكتشفنا بعد مقابلته أن  الرجل يستحق . ليس فقط لجمال روايته ولكن لحكاياته الأغرب من الزمن الذي نعيشه

لقد بدأ سمير ندا حياته الصحفية عام (1959) بالعمل في جريدة مصر الجديدة،  وتعرف على أحمد حسن الزيات ثم نجيب محفوظ ويحیی حقی والتقی بشكری عیاد والعقاد ومحمود شاكر ومحمد مندور ومحمد غنيمی هلال، فجمع بين أفكار هؤلاء الاساتذة وتعلم منهم جميعا، ولكن علاقته مع يحيى حقي، كانت أقوی  ووصلت العلاقة بين سمير ندا ويحيى حقي  إلى نقد الأول لقصص الفراش الشاغر، وقد كتب يحى حقى مقدمة رواية سمير ندا الأولى.

سمير ندا ونجيب محفوظ
سمير ندا يحاور نجيب محفوظ

أما نجيب محفوظ فقد وقف بجوار سمير ندا في العديد من المواقف التي أكد ” ندا ” أنها حقيقية وحدثت كما جاءت في رواية وقائع استشهاد إسماعيل النوحي ” ويذكر “ندا ” أن محفوظ قال في استفتاء أجرته مجلة روزاليوسف عام ( 1968) • أن أفضل رواية قرأها بالعربية والانجليرية هي رواية ، الشفق لسمير ندا.

يقول سمير ندا  خضت العديد من المعارك الأدبية كان أهمها ما كتبته عن رواية” بعد الغروب” لمحمد عبد الحلیم عبدالله وعلاقتها برواية ” الواز الجديدة”  لجان جاك روسو، ثم معركة أخرى مع أنيس منصور، عندما كتب    مهاجما كتاب فكرة فابتسامة  ليحي حقى ، حيث قال أنيس أن الكتاب   مجافاة للذوق وإيذاء  للقارئين،  وكتب ردا طويلا نشرته  مجلة الرسالة وغيرها من معارك والأهم من كل ذلك کان إصداری لسلسلة كتاب الطليعة الذي قدمت من خلاله ولأول مرة جمال الغيطاني في” أوراق شاب عاش منذ أ لف عام” ، وقدمت يوسف القعيد وكتبت مقدمه لمجموعته الأولى “الحداد، والعديد من الكتاب الطليعيين ، وأذكر أنني ذهبت لمقابلة ” السادات ” لمناقشته في قضية حرية التعبير بعد مصادرة ديوان ” غاب القمر” لمجدي نجيب ، وكان السادات نائبًا لرئيس الجمهورية ويعقد لقاء بعنوان ” اللقاء المفنوح ” بمقر الاتحاد الإشتراكي وعرضت القضية عليه وقلت : أن تحرير الأرض رهين بتحرير الفكر ، ولكن للأسف نشر ” موسى صبري ” تغطية للقاء مع معارضة السادات لأرائي ووقعت الطامة الكبرى حيث ترصدتني مكاتب مباحث أمن الدولة وتعرضت لحملات تعذيب قاسية وأغلقت في وجهي جميع أبواب النشر واتسعت دائرة الغضب ضدي وعشت حياة المنافي الاختيارية مابين جدة والعراق وليبيا حتى أصابني مرض أسماه الأطباء ” هوم سيك” مرض الحنين إلى الوطن .

سمير ندا وكتاب الطليعة
سمير ندا وكتاب الطليعة

وأهم ما أريد أن أقوله أنني قدمت لبلادی کل مافی وسعى ففي عام ( 1967)عملت بالتوجيه المعنوي كضابط اتصال مع القوات الاسرائيلية حيث ساعدتني اللغات التي أتقنها في التعامل مع حراس الحدود الإنجليز والألمان  في استعادة ضباطنا المصريين والوثائق التي كانوا يحملونها وكان ذلك في محطة الكاب، وشكلت أول كتيبة فدائية عملت وراء خطوط العدو  وقامت بعمليات مجيدة كنت مخططا وشاهدا لها وأذكر أننا لم نفقد  ضابطا مصريا واحدا وكنت قد أصدرت نشرة بعنوان سينما 73 سرعان ما أصدر يوسف السباعي . وزير الثقافة انذاك. قرارا بإغلاقها لأنه لم ينس أنني قلت في مجلة “الأداب ” التي كان يرأسها أمين الخولي إن أسوأ کتاب قام بتأليفه محمد السباعي هو ابنه يوسف السباعی لأنني لم استطع الاعتراف به ككاتب أبدا وإن كانت “السقا مات” ، رواية جيدة ختاما يبكی سمیر ندا ويقول : هناك من يتنكر لتاريخه وتراثه فهل يعقل أن أعاتب من يتنكر لسمير ندا،  إننا نعيش ” الزمن الحرام ” فالنقاد في مصر لم يهتموا بأعمالي  رغم اهتمام الباحثين العرب بها ومنهم “د على جاد ” الذي تتاول ، روايتي الشفق كمحور  لتجديد  بعد مرحلة الحداثة  في رسالتي لنيل الدكتوراه من اكسفورد، کما تناول الناقد الانجليزي ، استیوارت جلبرت جهودي في تطور الرواية بعد نجيب محفوظ ، أما نقادنا فسامحهم الله لأنهم أصدقائي منذ  الزمن الجميل والبعيد والمرير وأتمنى أن تزول هذه المرارة التي في حلقي وأنا على مشارف الستين.

أشرف عبد الشافی

الجامعة والنتاج النقدي

                                    الدكتور محمد حسن عبد الله

1-                         توطئة

 في سياق محور “أسئلة النقد” لا يجوز إغفال دور الجامعة في إنتاج النقد،سواء على المستوى النظري أو في مجال التطبيق وتوجيهه، وحتى استعارة مدارسه، أو مبادئه، لتصنيف فنون الإبداع عندنا، تلك الفنون التي صنعها من بيننا مبدعون ليسوا بالضرورة على معرفة صحيحة بتلك المدارس أو المبادئ التي توافقت إبداعاتهم مع معطياتها أو بعض تلك المعطيات. هذا الكشف مهم جدا.ولكن دون القيام بهذا الكشف عوائق واحتمالات من الالتباس تؤثر على التصور المستخلص للمحاولة.  قد يبدو التفحص لمعطيات قرن كامل بحثا وتصنيفا ووصفا عملا يتجاوز قدرة شخص واحد مهما كانت طاقته وكان الزمن المتاح له، وهو كذلك بالفعل، والحقيقة أن ظاهرة الإنتاج النقدي تتجاوز القرن المحدد عمرا لإنشاء الجامعة المصرية(جامعة فؤاد الأول ثم جامعة القاهرة فيما بعد)-1908- 2007، ذلك إذا دخل في نطاق البحث كل ما يصنف في النسق التعليمي على أنه فوق التعليم المتوسط(الثانوي وما في مستواه) فالجامعة المصرية حين أنشئت لم يكن الهدف منها تأسيس مرحلة معرفية مفقودة أو مفتقدة في الهرم التعليمي المصري، الذي عرف قبلها مدرسة الطب ومدرسة المهندسخانة، ومدرسة الإدارة والحقوق، ومدرسة دار العلوم، كما كان”الأزهر” يمثل كيانا تعليميا مستقلا بمراحله بما فيها المرحلة العالية التي تمنح الأستاذية، أو العالمية. من ثم يمكن استعادة دعوة الزعيم مصطفى كامل إلى إنشاء الجامعة، وإعلان تكوينها عام رحيله، والأسس التي أقيمت من أجل تحقيقها، وتوجهات القيادات التي تناوبت على إدارتها(بصفة خاصة الأستاذ أحمد لطفي السيد)(1)- أشهر مديري الجامعة المصرية وأهم من حرص رسالتها وسيكون المعنى الكامن لدى هؤلاء جميعا الدعوة إلى تحديث المعرفة، ومواكبة المنجز الحضاري العالمي(الأوربي) الذي اقتحم أبواب القرن العشرين منفردا بصيغ التقدم العلمي والاجتماعي والفكري، ترتيبا على حرية مناهج البحث والتوسع في مفاهيم التجريب بصفة خاصة. ومن الممكن- دون حيف على الحقيقة- أمن نقول إن هذين الجانبين: حرية المنهج وحق التجريب هما الجانبان المفتقدان(بدرجات متفاوتة) في تلك المنشآت العلمية(العالية) التي أشرنا إليها من قبل، ولهذا أسبابه من سطوة الأفكار والمعتقدات(التاريخية) الدينية والاجتماعية وغلبة التقليد وخوف المغامرة، فضلا عن ضعف المخصصات المالية الموجهة إلى البحث العلمي، بحيث يبدو دائما هزيلا محدود التأثير. خلاصة ما سبق أن “الجامعة”- من حيث هي مصطلح ومؤسسة قد استكملت القرن عمرا بهذا العام، أما من حيث هي ذروة نظام تعليمي ذي مراحل فإنها كانت متحققة في صورة هذه المدارس”العالية”التي أسس بعض منها في عصر محمد علي، وبعض آخر في عصر حفيده إسماعيل، وفي الأزهر أيضا وإن آثر اسم”الجامع” على “الجامعة”، وزمنه- عند تأسيس الجامعة يقارب الألف من الأعوام. وإذا طرحنا احتمالا آخر يتجاوز “شكل” المؤسسة، إلى المنتج النقدي- وعليه المعول في اكتشاف الظاهرة ورصد نموها وتوجهاتها، فإننا سنجد بين أيدينا- وقبل تأسيس الجامعة- اسم الشيخ حسين أحمد المرصفي، صاحب كتاب:”الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية”، وقد حققه وقدم له الدكتور عبد العزيز الدسوقي، وفي التعريف بالكتاب ومؤلفه ذكر أن “الوسيلة” طبع الجزء الأول منه عام 1875، وطبع الجزء الثاني عام 1879(2)، وقد وصف الشيخ المرصفي بأنه ظاهرة باهرة من الظواهر العلمية والأدبية في مصر القرن التاسع عشر، إذ كان مكفوف البصر، أتقن فنون العربية، كما أجاد الفرنسية وترجم عنها، أما كتابه فإنه- كما يرى الدسوقي وكما يدل الكتاب نفسه، وكما تشهد أجيال ذات قدر قرأته وأخذت بتوجيهاته المنهجية- يعد نقطة تحول في مجال النقد والدراسة الأدبية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر واستهلال القرن العشرين. إن عبد العزيز الدسوقي الذي يذكر بالفضل ما كتب علي مبارك في “الخطط التوفيقية” عن الشيخ المرصفي، وأنه الوحيد من معاصريه الذي أشاد بجهده العلمي، ينبهنا الدكتور الدسوقي نفسه إلى كتابين آخرين مجهولين، أو أقرب إلى التجاهل ألفا على مقربة من زمن تأليف “الوسيلة الأدبية”، وهما كتاب: تاريخ آداب اللغة العربية، من تأليف محمد دياب، وقد طبع عام 1901، وكتاب: تاريخ آداب اللغة العربية من تأليف حسن توفيق العدل(3)، لا يزال مخطوطا، كتبه نساخ محترف عام 1904(4). كان الشيخ المرصفي(ولد نحو عام 1815 وتوفي 1890) ابنا لأحد شيوخ الأزهر، نشأ على أبيه، وتلقى دروس الأزهر، ونهض بالتدريس في دار العلوم، كان يدرس علوم البلاغة والنحو والصرف والمنطق والعروض والقوافي(5). أما “العدل” فقد ألقى دروسه في المدرسة الشرقية ببرلين خمس سنوات، ثم في كمبردج(انجلترا)- وبينهما في القاهرة، وكان موضع تقدير عظماء عصره حتى سار في جنازته مصطفى كامل ومحمد عبده، وكذلك كان محمد دياب(6)، فأثر هؤلاء مشهود له، واهتمامهم بصناعة الأدب وفنون اللغة تدل عليه عناوين كتبهم، وفي التكوين العلمي لكل منهم يذكر الأزهر ودار العلوم، وإذا كانت نجومهم قد توارت أو تراجعت عن المدار قبيل تأسيس الجامعة فليس هذا مما يقلل من قيمة الجهد العلمي الذي بذلوه في التأليف وفي التدريس، وأنه من الحيف ألا ينوه بجهوده حين نؤرخ للنقد الأدبي(العربي) الحديث .

استمر في القراءة الجامعة والنتاج النقدي