أرشيف الأوسمة: العلمية

النقد الأدبي الحديث بين العلمية والانطباع بقلم: *مختار أمين.

   لم يكن تنجيما ولا هو خروج عن سياقات العلم التطبيقي للنقد الأدبي الحديث، عندما نتناول تحليل عمل أدبي بدءا من تحليل الحالة الشعورية الصادقة للكاتب قبل مرحلة كتابة عمله الأدبي، ولا هو استعراض ولا تعريض، وإنما هي نظرة تفيد العلم للغاية، إذ أن التناول مع وضع الاعتبار لهذا البعد يفسر أشياء عديدة أعني أهميتها في نهجي النقدي الذي أتبعه –المتعامل به ولم يكن مختلقـا أو نهجـا أنجبته من بطن أفكاري الخاصة- ولكنه تثبيت حقيقي للمفهوم التطبيقي للنقد الأدبي كعلم كامل المعالم غير منقوص، وأيضا للفصل الجذري لما يسمونه بالنقد الانطباعي الذي يعتمد على نقل ذوق ومزاج المحلل أو المفسر بلا استناد للمنهج العلمي للنقد واستخدام نظرياته ومدارسه وأدواته، وبين النقد التطبيقي الذي قوام عموده الفقري ونسيجه اللحمي من خلال النقد كمنهج علمي كامل متكامل غير منقوص، لا يحتاج لسند أو دليل من علوم أخرى.

  فإن الانحياز والإصرار الكامل على تناول الأعمال الأدبية بما يسمونه نقد انطباعي دلالة فقر علمي وجهل بعلمية النقد الأدبي الحديث، وهو سُبّة للعلم من جانب ومن آخر يكشف عن افتقار لجيل من النقاد على علم أكاديمي حقيقي غير قادرين على تطبيق نظرياته ومدارسه وأدواته على عمل أدبي بشكل احترافي يحقق البغية والكمال، بل أن إخلاء الساحة النقدية الأكاديمية المتخصصة فتح الباب على مصراعيه لدخول قوافل من متذوقي الأدب الأفذاذ للعمل كنقاد من أصحاب تخصصات وعلوم أخرى يملأون الساحة النقدية بأرائهم وأذواقهم، وتطبيق نظريات ومدارس تخصصاتهم العلمية تحت لافتة النقد الانطباعي، وهم ناسين أن العلم يؤكد كلما أمعنا في نقل الانطباعات الفردية تم التشتيت وعدم توحّد الرؤية الكلية العامة للحكم على شيء واحد، وأن المنهجية العلمية المتخصصة تحدد مسار الرؤية والتركيز والتعمق والتفسير والتحليل، وتضع شروطا للمقاربة والمثل، وأدوات ومعايير للمقارنة والأفضلية، لذا نقول أن صميم العلمية منهج متخصص، له اتجاهه ومدارسه ونظرياته وأدواته وأسس علمية يجب أن تتحقق كما الدين له فقهه وشريعته..

  فكل ما أرجوه هو الحرص على منهجية العلم إن كنا نعترف أن النقد الأدبي الحديث علم كامل متكامل، ولابد أن نعترف أن العيب يكمن في النقاد الأكاديميين أنفسهم في قلّة الخبرة وعدم المهارة والقدرة الاحترافية في تطبيق ما درسوه من علم على نص أدبي بشكل صحيح..
كما أننا يجب أن نقف وقفة إنصاف للحدّ من الانطباعية المفرطة في تحليل وتفسير وتفكيك النصوص الأدبية على حساب النقد التطبيقي الذي يتعرض لكل عناصر ومقومات النص شكلا ومضمونا، وخصوصيات البناء والتفكيك وفق منهج محكم، يرى في الشكل جمال الأسلوب المتبع ومدى توافقه مع الجنس الأدبي المختار له، وسلاسة السرد، وجماليات اللغة والبلاغة لتحقيق الانجذاب والانسجام، وضبط الإيقاع والموسيقى لتحقيق التناغم والانغماس والتوحد، وسلطنة الفكر للبحث في المضمون.. مضمون النص الأدبي من ناحية الفكرة الرئيسة المعروضة والأفكار المساعدة المنبثقة من خلال موضوع جيد متوافق، من خلال قصة جاذبة، وحدث وأحداث، وشخصيات فاعلة في بناء محكم فريد.. كاريكتارات حيّة واقعية، تتحرك وتتحاور في دراسة واعية تتناسب مع كل شخصية، مؤلفة وفق أفكار تخدم الموضوع وتؤكد عليه، في مهارة وموهبة مؤلف حقيقي..

  كل هذا وأكثر ينظر فيه علم النقد التطبيقي، ويحلله وفق معايير وأدوات وأسس منهجية لا خروج عنها ولا استيراد من علوم أخرى..
وأخيرا من يريد الاشتغال في النقد عليه دراسة علم النقد الأدبي الحديث بشكل أكاديمي شامل، وأن يتوفر لديه موهبة التطبيق..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قاص وروائي وناقد مصري.ِ