قصة:روعة سنبل /سوريا
أربعةٌ وخامسهم أبي، ظلّت سهرة الإثنين تجمع صداقتهم لأكثر من نصف قرن، كلّ أسبوعٍ في بيت أحدهم، لا يمنعهم عنها حَرٌّ ولا قَر.
ولأنّني كبرى بناتِه الخمس، ولأنّ الله لم يمنحه صبيّاً كما كان يتمنى، فقد بقيتُ رفيقة أبي في سهراته، خاصّة إن كانت في منزلنا.
ألِفتُ أحاديث الرجال، وخبِرتُ حيل ألعاب الورق، ما زلتُ بارعةً في ألعاب طاولة الزّهر: (المحبوسة) و(المغربية)، يخفق قلبي كلّما سمعتُ قرع أحجار الطاولة، أو صوت دحرجة النّرد، راقبتُ بانتباهٍ كيف يلفّ الرّجال سجائرهم، وكيف يعلّقونها في زوايا أفواههم وهم يضحكون ويتحدّثون، عرفتُ أنّهم يتبادلون الشّتائم حين يمزحون، أنّهم يتفاهمون دون كلام، وأنّهم يبكون دون دمع، عرفتُ أيضاً أنّ الفرح يجعل عيون الرجال تلتمع، وأنّ الحزن يجعل ظهورهم تنحني.
كبرتُ، وكبرَ آبائي الخمسة، “اليوم سهرة الشّباب”، ظلّ أبي يقول هذا لأمّي كلّ إثنين، حتّى بعد أن تجاوزَ الرّجالُ السّبعين من أعمارهم، وحتّى بعد أن صارتِ الزّوجات تعدّ لهم على العشاء طعاماً قليل الملح، قليل الدسم؛ كنتُ أبتسم وأنا أرى (الشّباب) يتوافدون إلى منزلنا، ببياضِ شعورهم، بأخاديدِ وجوههم، بأوجاعِ مفاصلهم، وبثقلِ همومهم.
كبرتُ، وكبر آبائي الخمسة، كبروا كثيراً، ومرّت سنوات كافية لتتفوّقَ في السّهرة كؤوسُ الأعشاب المغليّة على فناجين القهوة، ولتغلبَ أصواتُ السّعال صدى الضّحكات، ولتسبقَ المقبلّاتِ على الطعام حبوبٌ وكبسولات، وصرتُ في آخر السهرة حين أكون وأمّي في المطبخ أسمع صوت ضحكهم وقد علا، فأعرف أنّ أحدهم قد غفا وهو جالس، فأضحك معهم.