أرشيف الأوسمة: علاء العريان

علم الوعى كأحد أهم علوم المستقبليات. د. علاء العريان.

                                                                

الوعى هو خاصية للعقل وهو يعرف بإدراك الشخص لذاته ولما يحيط به  فى بيئته أو تركيز أنتباه الشخص لذاته أو لما يحيط به فى الخارج . وهو موضوع لكثير من البحث فى مختلف العلوم والتيارات المعرفية مثل الفلسفة وعلم النفس وعلوم الأعصاب وعلوم المعرفة  ( Cognitive Sciences  ). وفى الآونة الأخيرة تفاقمت التأملات حول طبيعة الوعى بشكل كبير . فلكل فرع من فروع المعرفة منظرواته الخاصة حول ما قد يكونه الوعى . وقد أسهم علماء الأعصاب وعلماء الإدراك وعلماء الكمبيوتر وكذالك البيولوجيون بالعديد من المقالات العلمية فى هذا الموضوع . وفى علم الفيزياء أدى اكتشاف الحقيقة التى لم تكن معروفة من قبل وهى أن عملية الملاحظة البسيطة التى يقوم بها العالم  للأحداث الذرية ودون الذرية فى المعمل تغير (أى عملية الملاحظة ) فى طبيعة النظام الفيزيائى ، أدى ذلك بجميع مؤسسى الفيزياء الحديثة بما فيهم فيرنير هايزنبرج  Werner Hiesenberg و إيروين شرودينجر Erwin Shrodinger وألبرت أينشتين إلى أن يفكروا  بمزيد من الجدية والعمق فى الدور المتميز ، غير المتعارف عليه ، للوعى الإنسانى . وقد واصلت أعداد متزايدة من علماء الفيزياء عملية التأمل فى طبيعة الوعى أو الذهن والمادة نظراً لأن النتائج التى أسفرت عنها الفيزياء الحديثة هى من التعقيد بحيث يعجز الكلام عن وصفها . فهذا عالم الفيزياء بيرنارد دى سباجات يقول فى مقال له فى scientific American  [ إن الاعتقاد بأن العالم مكون من أشياء ذات وجود مستقل عن الوعى الإنسانى قد تبين فى نهاية الأمر أنه يتعارض مع ميكانيكا الكم (الكوانتم ) والحقائق الفيزيائية المثبتة بالتجربة  ] وقد نشرت العديد من المقالات في هذا الموضوع في دوريات علمية  رفيعة الشأن . وبرغم أن الفيزيائيين النظريين قد طرحوا بمنتهى الجد إمكانية تفاعل العقل مع المادة فمايزال هناك بعض الحظر العلمى للدراسة التجريبية لمثل تلك الموضوعات التي أشار إليها آينشتين كتأثيرات شبحية عن بعد ( spooky actions at a distance  ) لأن ذلك سيؤدى إلى زخم من الفرضيات الجوهرية حول طبيعة النهج الذى ينبغى أن تعمل وفقه الأشياء.

فمن أهم الإكتشافات الأكثر إدهاشاً فى الفيزياء الحديثة هى حقيقة أن الأشياء ليست منفصلة عن بعضها كما يبدو لنا, فعندما نستغرق فى أعمق أعماق حتى أكثر المواد صلابة تختفى تلك الإنفصالية وأن ما يتبقى ما هى إلا علاقات تتغلغل  ممتدة عبر الزمان والمكان . وقد تنبئت نظرية الكم بتلك الإتصالية التى عبر  عنها آينشتين كما ذكرنا آنفاً “بالأفعال الشبحية عن بعد” . ووصفها إيروين شرودينجر وهو أحد مؤسسى نظرية الكم ” بالإلتحام ” ” entanglement ” وبأنها السمة المميزة لميكانيكا الكم “الكوانتم” وأن تلك الحقيقة الجوهرية المتمثلة فى ذلك الإلتحام لا تتماشى مع عالم الخبرة اليومية. حتى أن عديداً من علماء الفيزياء صرحوا بأن هذا الكشف لا يعدوا كونه من قبيل التفكير النظرى المجرد. فقد تقبلوا فكرة أن عالم الجسيمات الدقيقة يكون فى حالة من الإلتحام ولكن ليس لذلك مردودات عملية فى عالم الخبرة المعاشة ولكن هذا المنظور سرعان ما تغير الآن فقد برهن العلماء فى الوقت الحاضر على أنه  ليحدث أن التأثيرات الإلتحامية الميكروسكوبية تتراكم لتؤثر فى عالمنا الماكروسكوبى الكبير. وأن تلك الإرتباطات فيما بين الجسيمات الذرية ودون الذرية يمكن أن تتجاوز تأثيراتها حواجز الزمان والمكان . واقترح العلماء بأن الإنتباه الواعى (الوعى) يتسبب عن ، أو له علاقة رئيسية بالإلتحام أو الإرتباط الكمى ( الكوانتى) فيما بين الدقائق الأولية للمخ . وآخرون يفترضون أن الكون بأكمله بكل مكوناته وحدة واحدة يجمعها الإلتحام الكوانتى(الكمى) . فإذا كانت نظرية الإلتحام الكوانتى  صحيحة فماذا سيكون حال الإنسان فى هذا الكون من الإتصالية المتبادلة بين جميع أجزائه ؟ فهل سنكون على اتصال عميق لافيزيقى مع من نحب حتى وإن كانوا على بعد أميال منا ؟ هل ظاهرة “إلتحام العقول ” “entangled mind  ” هى المسئولة عن إحساسنا بهوية من يطلبنا عندما يرن جرس الهاتف ؟ فهل ذلك عن معلومات حقيقة وصلت بطريق ما إلينا متخطية القنوات الحسية المعتادة ، أم أنه ضرب من المصادفة أو من قبيل الهذيان العقلى ؟! . وبرغم أن هناك الآن كم هائل من الدليل التجريبى المعملى على ذلك فقد ظل العلم حتى وقت قريب متجاهلاً تلك التأثيرات لأنه على مدى قرون من الزمان افترض العلماء أن كل شئ يمكن تفسير ه وفقاً لآلية ميكانيكية  تماثل عمل الساعة ( النظرية الميكانيكية ) ولكن اليوم وعلى مدار القرن العشرين تبين بما لا يدعو للشك خطأ تلك الفرضية التى كانت قد أصبحت بدهيه ، فكلما اقتربنا في طريقة فحصنا للأشياء أقرب فأقرب تبين أن لا وجود لشئ كآلية الساعة ولكن وجد أن الحقيقة نسجت من نسيج كلى تمتد خيوطه عبر الزمان والمكان وأنه لو حدث أهتزاز فى طرف من أطراف هذا النسيج لتذبذب النسيج كله عبر الزمان والمكان . ولعل هذا ما عاناه الشاعر الإنجليزى فرانسيس طومسون  فى القرن التاسع عشر وكان صائباً حينما قال :- كل الأشياء فى هذا الكون ، قربت أو بعدت ، تربطها قوة أبدية خافية حتى أنك لا تهز زهرة دون أن تربك نجماً.

استمر في القراءة علم الوعى كأحد أهم علوم المستقبليات. د. علاء العريان.