أرشيف الأوسمة: مختار أمين

تانغو.. قصة قصيرة جدًا. بقلم: سعاد العتابي/ العراق.

تانجو

قاربٌ متأرجحٌ.. أنا.
بين موجات صاخبات ضاحكات.. تتقاذفني بالقبل تلو القبل، رسائلُ حبلى بحزنِ عاشقٍ، التقطنها من أعماقِ البّحر.
تهادَى مجذافي واستقامَ.
احتضنَها.. ورقصْنا….

إحسان عبد القدوس بين المشهد المصوّر، والموضوع الروائي، وأفكاره الجاذب.

مختار أمين.

  كثير من الناس يتعرفون على كثير من الروائيين من خلال رواياتهم التي أخذتها السينما وحوّلتها إلى أفلام، ولعل من أبرز الروائيين المصريين على وجه التحديد الذين تحوّلت أغلب رواياتهم إلى أفلام سينمائية نالت نجاح ومشاهدات منقطعة النظير، كلٌّ من نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس..

استمر في القراءة إحسان عبد القدوس بين المشهد المصوّر، والموضوع الروائي، وأفكاره الجاذب.

مختار أمين: “حول أسلوب جديد في السرد” في قصة (أخونك معك). للكاتبة: صابرين الصباغ.

النّـص:

أخونك معك
 
  جلستْ إلى جواري مترددة، أسنانها تأسر لسانها، وحروفها تصرخ حتى تتحرر وإلا انفجرت من صمت سيودي بحياتها .. تحدثت :كان زواج صالونات ؛ أعجبت بي والدته، فأتى ليراني… تزوجنا !…أصبحت زوجة لرجل لا أعرفه!… يقيني أن والديّ وافقا على هذه الزيجة ؛ ليستريحا مني، بعدما أرهقتهما بحالة الحب التي عشتها، وبرغم يقينهما بأنهما يدفعاني إلى الموت دفعًا.حزينة؛ لأن زوجي حنون، يحبني، ويحترم رغباتي، ولا يجرحني… ليته كان قاسيًا عنيفًا؛ ليمنحني الحق في خيانته أو تركه.سألتها:

استمر في القراءة مختار أمين: “حول أسلوب جديد في السرد” في قصة (أخونك معك). للكاتبة: صابرين الصباغ.

رقعة مهملة. قصة: مختار أمين

  رأيتهم مثلي؛ فقلَّ حزني..

  أنا وفصيلتي نحيا في الشوارع، ونتجول في الحواري، ونتسكع بين الأزقة.

نحن الضالون..

   في زمن بعيد أستعيد ذكرياته من أسلافي . كنا فقط الفئة الضالة في شوارع الناس، وفصيلة أخرى، ولكن أحيانا هذه الفصيلة تحظى برعايتهم وعطائهم ودلالهم، ومنها فئة مدللة تحيا في منازلهم منعّمة مكرّمة، دائما نغار منها، ونحمل لها في صدورنا العداء، حتى الضالين منهم المتسكعين مثلنا المقيمين معنا حيث نقيم، عندما نرزق من خيرات الله من البشر المحسنين الهبات والعطايا والخير الوفير، ينزل من كل بيت مباحا لنا جميعا في الشوارع، كنا نحرمهم من أن ينالوا أي حق منه، عند هذه اللحظة يظهر عداؤنا واضحا جليا، وندخل مع بعضهم معارك شرسة للاستحواذ على التركة بأكملها، ونفوز عليهم دوما، ويلوذ الفرسان الأشاوس منهم بالهرب والتخفي، ونتناول الغنيمة بأكملها وسط نباح من بعضنا للضرورة وإرساء الرعب على من يفكر بمشاركتنا، وأنا منهمك في التهام الطعام بلذة ونشوة، أرقبهم بعيون منتشية منتصرة، ملؤها الفخر والعزة للمكلومين المتحسرين، وهم ينظرون ألينا من بعيد بنظرات انكسار تتحلى بهدوء ووداعة، مادين أيديهم أمامهم متكئين بأجسامهم على الأرض، يكتمون غيظهم، يبثون في كذب ترفعا وسموا، شعور يمر في خلاياي كالأثير، وعندما يتخلل جسدي امتلئ بغيظهم، أفقد لذتي ونشوتي . أرتعش . أهزّ جسدي وأنفضه في حركة معتادة، أترك بقايا الطعام، أعدو دون هدى لأتخلص من سمّ غيظهم، ولكني سرعان ما أستكين عندما أتوغل بداخلهم بنظرات خاطفة أتشمم رعبهم وخوفهم مني ومن فصيلتي.

من عشرات السنين النعيم يملأ الشوارع والبيوت، نأكل، ونشبع، ونفرط، كل هذا يحفزنا على القيام بواجبنا بكل جسارة وتحدٍّ . جنود لا نغفل ولا نكسل، نحمي البيوت والحواري والأزقة من كل غاصب، وكل غريب.

في الصباح الباكر ونحن مكوّمون في الأركان نستحضر نعاسا هادئا يجلبه أمان النهار، وصخب الناس وزحام الشوارع وأصوات الباعة الجائلين، قد تخطّى جفوننا، وهاجس القلق يطرده عنا في الليل بحرصنا الدائم على نوبة الحراسة، تمر الناس من أمامنا في جد ونشاط ووداعة، الابتسامة تنير وجوههم على الدوام، والأناقة والنظافة باديتان، تشكلان حاجزا بيننا وبينهم، أسرنا ألا نتخطاه في تأدب مصطنع، الحقيقة كنا نخشاهم ونشعر بالفارق في الخلقة والطبيعة.

دونهم كنت أترقب غروب هذا النعيم، وأنا أتسمّع لحكم الأفواه الشَّبِعة من البشر، يتشدقون: “لو كستك الدنيا بنعيم وافر، تذكر أياما فيها ستجوع”.

صغيرا تدبّ فيَّ روح الحياة، وأول مراحل الشباب تخصّبني وتقويني، أنتظر الشمس تملأ الدنيا من حولي ضياءً، أعدو في جد ونشاط ومرح، ألهث دلالا، أتنعّم ببخار أنفاسي من بطن ممتلئة، أنظر للأرض تجري مثلي في عكس اتجاهي من تحت أقدامي وأنا أعدو مسرعا، أتفقد حيّنا والأحياء الأخرى المجاورة، أرى بنفسي فارق جنسنا مطلّا مرفرفا على معالم البيوت المتلاصقة المتجاورة في ذوقها الرفيع وترتيبها وأناقتها . ضحكت علىَّ سعادتي ذات مرة واقترفت ذنبا لُمت نفسي عليه كثيرا، لو نهرني أحدهم وركلني، أو قذفني من أعلى السور ويهبط جسدي مهشما على الأرض، كنت أستحق جزائي…

من بعيد نظرت لأعلى وأنا أتمطى ترفا، وأليّن فكيّ فمي في تشدق، لمحت على أحد الأسطح العالية حبال الغسيل الأبيض الزاهي، والملابس ترفرف وتتأرجح وتطير في الهواء، فرحت لفرحها -صدقا هذا أول الشعور- أخذت القرار وعدوت، كان الوقت يسمح بذلك. مشارف المساء، وقد خفّت الأرجل والنباح من الشوارع، وأهل المنزل المعني يغطّون في نوم القيلولة، بأقصى سرعتي أحاول اقتناص اللحظة دخلت المنزل، وصعدت الدرج حتى السطوح وأنا أكتم لهاثي . في منتهى النشوة أقفز لأكبش كبد البياض الزاهي من على الحبال العالية، أفشل، ثم أعاود، ثم أفشل، والهواء خصمي كلما دنوت لاختطف من يد نسيمه قطعة ملابس ألهو بها ومعها وأمرح، يصعّدها ويطيّرها عاليا، في تحدّ وإصرار أفوز، قفزت، وصعدت، وهبطت، وحظيت، ومنيت به . قميص نوم حريمي وردي اللون أملس ناعم، ما قصدت شيئا غير المداعبة، فقط المداعبة والمرح، أدعو جسده يرتمي بين أحضاني الساخنة الملتهبة بعد عناء، ألتحف بنعومته وبرودة النسيم الذي علق به ونفخ جسده، أتمرّغ به على بلاط السطح، أمسك بفكيّ حمالته الرفيعة، ينزّ لعابي على قماشها، تكمشه ساقيّ في رفق حذر من غلظتي . سكت الهواء، وزاد نهمي، وعاودت القفز، بسهولة أصطاد من على الحبال قطعة بعد أخرى، نثرتهم على البلاط، تمرّغت عليهم جميعا، ثم كوّمتهم في كومة واحدة، غفوت في دفء حضنهم بعد مداعبة شهيّة سرّبت إلى أجسادهم صهد جسدي، ونمت هادئا في برودة تخللتني.

مرت السنوات غفلة دون حيطة من البشر ومنا، وشحّ العطاء، وتقلصت المعالم والوجوه والبطون جوعا، والجدب ملأ الكون من حولي، ورغم أكوام الزبالة الهائلة المفترشة الشوارع والميادين والحواري والأزقة وفي مداخل المنازل، إلا أننا جميعا لم نعثر فيها على لقمة ترطب أمعاءً تفرز عصارتها وهجا وصهدا، تصيب أجسادنا بنار ملتهبة؛ فتتسارع أيدينا وأرجلنا يحركها الغيظ، فنحك أجسادنا في جنون، وتسرح القطط المرفّهة من المنازل، تبحث معنا ومواء الجوع يصيبها بالجنون فتتحرر من خوفها القديم منا..

أجلس متأملا في هرم وإعياء ومرض، أرصد من حولي الأرصفة المكتظة، فصيلتي تقبلت الغريب، وأمست غير قادرة على القيام بواجبها الفطري . فقط ينبحون نباح الموت.

القطط تتعارك متهالكة دون مواء، الزحام يزداد يوما بعد يوم من أطفال في سحن العفن تتكور بجواري، ورجال ونساء افترسهم الشقاء فأقعدهم مشلولين على أرصفة الانتظار..

ما عاد الصباح المشرق يأتي، والشوارع تضج بأناس لا يروحون ولا يجيئون . في صياح هائج مستمر . ينصبون حروب مفتعلة للخلاص . والسواد غيّم دون ليل .

“نحن الكلاب عندما نكتئب ونحزن نصاب بالجرب والصرع”.

سهيلة بن حسين حرم حماد في قراءة: (النّاقد يشارك الجمهور والطلّاب لمزيد استنطاق النّصّ والقراءة في آن واحد، من أجل تفاعل جدليّ بين المتلقّي، والباثّ أو ( ميتاسرد النّقد)*

  النّاقد يشارك الجمهور والطلّاب لمزيد استنطاق النّصّ والقراءة في آن واحد، من أجل تفاعل جدليّ بين المتلقّي، والباثّ أو ( ميتاسرد النّقد )*

فائدة تأليف النّصّ القصصي قبل الشّروع في الكتابة
بقلم الدكتور مختار أمين

قراءة في القصّة القصيرة “البطل يغادر الرّواية “

  الموضوع: النّاقد يشارك الجمهور و الطلّاب لمزيد استنطاق النّصّ والقراءة في آن واحد، من أجل تفاعل جدليّ بين المتلقّي، والباثّ، في محاولة لجسّ نبض الجمهور، وقياس مدى وعيه الحقيقي بإيقاع نبض النصّ الدّاخلي والخارجي… شكلا ومضمونا… وفي مستويات التبئير الدائريّة…

استمر في القراءة سهيلة بن حسين حرم حماد في قراءة: (النّاقد يشارك الجمهور والطلّاب لمزيد استنطاق النّصّ والقراءة في آن واحد، من أجل تفاعل جدليّ بين المتلقّي، والباثّ أو ( ميتاسرد النّقد)*

مختار أمين.. “الخيال والتخيّل في القصص الحديث في مجموعة “قهوة بوتيرو” للكاتب حسام المقدم”.

الخيال والتخيّل في القصص الحديث في مجموعة “قهوة بوتيرو” للكاتب حسام المقدم

مدخل إلى المدخل:

  لفت نظري المدخل قبل قصص المجموعة المعنونة بـ “نقطة الثلج” وكأن حسام المقدم يحدث نفسه ككاتب.. يخاطبها خطاب صادق بأسلوب أدبي بليغ، يوجه لها رسالة يحفزها على الكتابة مهما كان مصير المكتوب، ومهما كان النهار في الظهيرة الصيفية بجفافه.. النهار الجحيمي حيث الغبار، والغباء، والغمّ، والغثيان، يحثها أن تدقق النظر في السراب الدخاني، حيث واحات النخيل والماء، والصحراء، والكثبان العظيمة المتموّجة، ويمنّيها رغم جفافها أن هناك بشائر الغيث، عندما يطلعها أن من عدة ساعات كان هناك فجر شاهد على لحظات فاتنة ساحرة بنسمة باردة رقيقة على مسام جلده، يتمنى من هذه المسام أن تمتصها وتختزنها ليستقوي بها على عريه الداخلي والخارجي من جحيم النهار.

استمر في القراءة مختار أمين.. “الخيال والتخيّل في القصص الحديث في مجموعة “قهوة بوتيرو” للكاتب حسام المقدم”.

غيبوبة.. قصة قصيرة. بقلم: مختار أمين

غيبوبة

نظر في المرآة لم يرَ شيئاً، مط شفتيه، وجلس منتظرًا.

كانت الساعة تدق في أذنه، همس متعجبا:

ـ مازالت تنبض!.

ألحت الطفلة على ضرورة الذهاب معها إلى المدرسة ليدلي ببياناته كي يتأكدوا، ضحك واستدار غير مبالٍ..

نادته زوجته فرحة ليرى فستان زفافها الجديد، أخرجته من كيسه، ونزعت كل ملابسها القديمة، تحركت أمامه في جرأة وهي عارية تماما، ارتدت الفستان على اللحم؛ أشاح بوجهه ناحية المرآة الكبيرة وهي تقف بجواره، غطَّت وجه المرآة بكفيها؛ قطب بين حاجبيه!.

كانت الاحتفالات تشير إلى استقبال عام جديد.

بكت الطفلة بعد أن سمعت الأم تدلي ببياناتها للضيف الزائر..

ـ أنا أرملة منذ سنوات.

تأكَّدَ أنه لن يستيقظ.

احترافية الكتابة بقلم/ مختار أمين

احترافية الكتابة                                                                
  أخي الكاتب وأختي الكاتبة والنقاد المتدربين لكي تصل للاحترافية الحقة وزيادة مهارة الكتابة والنقد، عليكم الاشتغال على أنفسكم باجتهاد حقيقي غير زائف..
أولا بتطوير غريزة القراءة الورقية من خلال الكتب، لأسماء معروفة عالميا وعربيا ـخارج أسماء الفيس بوك- مشهود لهم بالكفاءة في الجنس الأدبي الذي يميل قلمك ونوازعك له.
ولتطوير غريزة القراءة عدة نقط أنا مسؤول عنها بعد التطبيق الجيد والصادق مع نفسك:
1ـ اقرأ وأنت تدرك أنك سوف لا تحيط فهما بكل ما ستقرأه حتى يأتي عليك يوم تفهم ما قرأته.
2ـ ابدأ بقراءة خمس صفحات من كل كتاب (قطع صغير 14×20سم) وثلاث صفحات من القطع الأكبر، وإن أردت زيادة الصفحات لا تزيد حتى يولد بداخلك الشغف للقراءة لمدة أسبوع، وإن كانت عملية زيادة القراءة لا تقاومها زد قراءة عدد الصفحات في الأسبوع الثاني، شرط ألا تجعل حرصك على زيادة عدد صفحات القراءة مع كل أسبوع أكثر من حرصك على فهم ما تقرأ، فلا تزيد عدد الصفحات إلا إذا اصطحب القراءة الفهم والإدراك.
3ـ كن صديقا وفيا للكتاب الذي تقرأه ولمؤلفه، حاول بعد عملية القراءة استلهام شخصية المؤلف -حب روحه- من خلال البحث عنه.
4ـ ممنوع القراءة على الفيس بوك أو جوجل أو النت، ليس لها أثر إيجابي سيكولوجي، وأحيانا عدم الضمانة والأمانة العلمية، وعلى المقابل الآخر حب الكتاب له أثر إيجابي ستشعر به بعد شهر من تطبيق هذا البرنامج.
5ـ بعد قراءة كتاب كامل لابد أن تكتب ما قرأت في نوتة خاصة من خلال فهمكم المباشر بلا تدخل أو مساعدة (التلخيص لأبوابه أو أجزاءه أو نصوصه) لمعرفة المغزى الذي ينطوي بين السطور.
6ـ عندما تصل إلى قراءة أكثر من كتابين أو ثلاث عليك بتعليم نفسك بنفسك من خلال كل كتاب تقرأه..
إن كان لديك مشكلة في اللغة بكل مشتقاتها:
  أ) من ناحية النحو والصرف والإملاء، حاول أن تعود للكتب المدرسية الأولى التي تشرح دروس النحو والصرف بلغة مبسطة وبناء الجملة البسيطة، وبعض ألفاظ الهمزة مرتبط بموقعها إعرابيا في الجملة ونطقها اللغوي السليم، ولحل مشكلة الإملاء عليك بنصيحتي باقتناء كتاب قديم جدا مازال موجود في الأسواق اسمه (معلم الإملاء) من سلسلة معلم القراءة “أصفر عليه ولد وبنت يقرآن في كتاب” هذا الكتاب صغير الحجم ولكنه يحتوي على شواذ الكلم وصورة كتابة اللفظ بطريقة صحيحة.
  ب) لو لديك مشكلة في البلاغة اقرأ في البلاغة وتعلمها، وأول دروسها من خلال الكتب التي ستقرأها.. ركز في كل جملة وطريقة بنائها ومحاسنها وجمالياتها، وحاول التقليد والتعبير بهذه الطريقة، وكتب البلاغة كثيرة وهي علوم كل منها علم بذاته. واجبة لكل أديب محترف متمكن.
بعد تنفيذ برنامج القراءة بنجاح وتشعر من داخلك أنك تقرأ كتبا كبيرة الحجم في وقت قياسي، وبعد أن تشعر أن وقت القراءة يزداد ساعاته:
   ـ عليك بالتحاور مع آخرين فيما قرأت قبل التحاور والتشابك مع غريزة الكتابة لديك.
  ـ عليك بحضور الندوات الموثوق في إدارتها، واجعل دورك فيها الاستماع في البداية، ثم بالتدريج حاول التعليق برأيك عما أعجبك وعما لا يعجبك مما سمعت في الندوة، وعليك ألا يغرّك حديثك الجميل ولحنه في أذنيك الذي قوبل بالاستحسان ممن يسمعك، لابد أن تعترف بينك وبين نفسك أن موهبتك لم تنضج بعد، وأن قراءاتك لم تصل مهما قرأت لحد الكفاية.
  ـ مع تكرار القراءة التي تصبح عادتك اليومية، وتكرار التلخيص، والمداومة على حضور الندوات.. ابدأ باستخراج مشاعرك على الورق في بداية تجريبية لعمل من إبداعك..
هنا كن جريئا واعرض ما كتبت على متخصص، وأنت تدرك أنك مازلت تتعلم، حتى وإن كتبت شيئا ناضجا ذا قيمة.
  ـ اعرض نفس العمل على أكثر من ناقد متخصص أو كاتب كبير له باع احترافي مشهود له.
  ـ ركز في كل الملاحظات الإيجابية والسلبية على عملك حتى ولو بالتدوين.
  ـ اقرأ في فن كتابة العلم أو الجنس الأدبي الذي تهواه، من خلال الكتب موثوق بها.
  ـ اجعل نفسك طويلا في السرد، أي أنك تتجنب الكتابات التي تحتاج كلمات قليلة، ومسميات الأصناف والأجناس الأدبية التي اشتهرت على الفيس بوك (يوجد منها خزعبلات ليس لها أساس علمي).
  ـ لا تتخصص في كتابة الخاطرة الأدبية حتى وإن كانت لها جوائز على الفيس بوك كما تحدثنا، الخاطرة أدب قاصر لا تصنع أديبا محترفا متخصصا، انما هي تدريب على الأسلوب الأدبي. ولا تبدأ في كتابة الومضة مثلا. كل هذه الأشياء تضحك عليك في بداية طريقك الاحترافي، منتجك الأدبي لابد أن يكون منتجا له قيمة يبقى.
  ـ لا تكتب للفيس بوك فقط، ولا تعرض في بداياتك أعمالك على صفحتك أو في مجموعة، ستخدع خدعة كبيرة من طابور أصدقائك ومحبيك والمطبلين والمزمرين المجاملين بأنك أصبحت أديبا محترفا لا يبارى. (غالبية الموجودين على الفيس غير محترفين.. قرّاء كانوا أو كتّاب أو نقاد).
اللهم بلغت اللهم فاشهد، والله على ما أقول شهيد..

كتابة حدثيّة تدفع المتلقّي نحو إشراقة ذهنيّة.. قراءة في نص “انكسار” لمختار أمين. بقلم سهيلة بن حسين حرم حمّاد/ تونس

  كتابة حدثيّة تدفع المتلقّي نحو إشراقة ذهنيّة

المدخل:

إنّ الق ق. ج، جنس أدبي، مستحدث، لقي رواجا في السّنين الأخيرة، ولد من رحم الرّواية، والقصّة، والقصّة القصيرة. غير أنّه، بحكم تصنيفه ق.ق ج فطبيعي أن يتفرّد بخصائص تفرضها طبيعة هذا الجنس، كالابتعاد على التّعقيد، في عرض الأحداث ، وتفادي اجترار الفكرة وبالتّالي الابتعاد عن التّمطيط، تجنّبا للتّطويل، و الحذر من الانسياق نحو الإسهاب والإطناب وذلك تفاديّا لتجنّب إحداث الملل لدى لقارىء ….
وذلك محافظة على روح هذا النّوع، ونبضه لضمان بقائه، وعدم اندثاره. وهو نوع يعكس، نبض نسق حياة هذا الجيل السّريع، الذي فرض نوعية أدبية، تستجيب لروح العصر، وتتماشى مع طبيعته، إذ بات أكثر اطّلاعا، على أنماط الكتابات العالميّة، فطبيعيّ أن ترتفع الذّائقة لديه وبالتّالي صار قادرا على التّمييز بين الغث والسّمين ..
ويعتبر الدّكتور مختار أمين، من القلائل الحاذقين على السّاحة الأدبية، ممن تتميّز الكتابة لديهم بالنّقاوة، من كل الشّوائب، إذ جمع بين المعرفة وحسن الذّائقة والخبرة والصّنعة … فهو تقريبا يجيد الكتابة في كل الأنماط السّردية بما في ذلك إجادته لفنّ القصّة القصيرة جِدا ….

إن الجمل الإنشائية، التي تشكّل النّص النّثري، سواءً كانت ق.ق.ج، أو قصّة قصيرة، أو رواية، لدى الدّكتور مختار أمين في نسيجها النّثري، تقوم على حسن التّأثيث، المبنيّ على حسن اختيار الجنس حسب أهميّة الموضوع، وما يحتاجه من ضرورة، لتشكّل وحدة حكائية، قائمةالذّات، تحترم الجنس الذي اختاره، لتمرير حكيه، شكلا ومضمونا ..انطلاقا من اختيار الموضوع والشّخوص. وصولا إلى حسن انتقاء الألفاظ، والمعاني، بشكل يجعلها في تناغم صوتي جرسي ، بلاغيّ، باقتصاد، على حسب النّوعية، من دون إفراط أو تفريط، بقصد تفعيل البعد الإيحائي، للّفظ، من خلال الحسّ اللّفظي الصّوتي…

وللتأكّد من صحّة ادّعائي، إليكم  الق. ق.ج بعنوان: “انكسار” المنشور بصفحة مؤسّسة المختار للنّصوص الأدبية بين الاحتراف والهواية بتاريخ 28/08/2019

النّص:

(انكسار)
 

كانت كلّ مرّة تقف على التلّ تلوّح بمنديلها ذات الثّلاثة ألوان..
في العشر الآواخر من الدّهر، كانت تصرّ على الصّعود محدودبة الظهر تتعكّز على عصاة جافة..
رنت إلى بعيد وكل جسدها يرتعش، دمعاتها كوت كرمشة الخدود..
عندما لم تستطع رفع رايتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العتبات:

العنوان: انكسار جاء إسما مفردة، في شكل مصدر، مشتقّ من فعل ثلاثيّ مزيد انكسر .

انكسار القلب: إصابته بصدمة.
وانكسار شوكة العدوّ… أي انهزامه.
العنوان يبدو مربكا، موتّرا، ويدخل المتلقّي في موجة من التّفاعلات والقراءات الجدليّة، الوجدانيّة، الحيّة التي تفتح لنا باب التّأويل على مصرعيه…

ماذا عن الإستهلال؟
(كانت كلّ مرّة تقف على التلّ تلوّح بمنديلها ذات الثّلاثة ألوان..).

جاء جملة إسمية متشظّية، يتصدّرها ناسخ كان (ت) يعتبر من الأفعال النّاقصة التي تدخل على الجملة الإسمية، فترفع المبتدأ، فيسمّى اسمها، وتنصب الخبر ويسمّى خبرها.

اقترن النّاسخ باسمه حرف التّاء (ت) تقديره ضمير الغائب (الهي).

أمّا الخبر فجاء في جملتين فعليتين،أضفيتا حركة سريعة، ومشهديّة، ساهمتا في دغدغة ذهن المتلقّي، في المرور إلى الظّرف، ما قبل الفعل، في( كلّ مرّة) في الجملة الأولى ومحاولة ربطها ( بالثّلاثة ألوان)، لفكّ ضمير (الهي) من الأسر، لدى النّص، و الكشف عن هويتها.

أمّا عن القفلة أو الخاتمة:

فكانت في شكل إضاءة، أو إشراقة للعنوان، تفسّر سبب الإنكسار، في اقتضاب، من دون إسهاب ….
(رنت……. عندما لم تستطع رفع رايتها )…
تناغم و ائتلاف الألفاظ من حيث الفصاحة و البلاغة و والعمق، والتوفّق في توجيه المتلقّي، ومشاغبته، بشكل أضاف للنّصّ حياة من حيث تدريبه، على التّخييل على جناح الطّير، قصد التوصّل، للإحساس بمشاغل الكاتب، وحقيقة هدف، ما رمى إليه ، من خلال الحذف المتعمّد و الرّمز المحبّر، المتوفّر، وذلك بالبحث في المضمر.

الموضوع:

ضاع حلم شعب طال انتظاره، لتأسيس دولة، ورفع علم إلى غاية أن احدودب الظهر، وكرمشت الخدود، وشاب الشّعر، و سالت الدّموع على أخاديد، خطتها السّنُونُ. بالرّغم من ذلك أصرّت على الصّعود، متكئة تتعكز على عصاة جافة المشاعر، من طينة الغزاة، الفاقدين لكلّ معاني الوفاء بالوعود، والعهود والمعاهدات التي أمضوها، في العقد الأخير من الدّهر، همّهم تحقيق كسب الوقت، و إرهاق الطّرف المقابل، بالمفاوضات، وإرغامه على التّنازل، إلى غاية تجريده من إنسانيته وإرهاقه بإفلاسه، وبإتلاف عمره، وبإذلاله بالحصار و بتقزيمه وبهزمه بالزمن بالقهر بفقد قادته الواحد تلو الآخر…

الرّؤيا:

نصّ، كما يُقرأ في الظّاهر، قابل للتّّأويل، لأنّ الألفاظ المستعملة، لها من المعاني ومن الدّلالات، ما يجعلها تخترق المعنى الأوّل، لتهب نفسها للقرّاء، بقصد التِّجوال في العقول، باحثة عن فيض المعاني، التي تتماشى و تتناغم مع التّحليل، حسب الزاوية التي ثُبِّتت فيها عدسة الكميرا، بالرّجوع إلى الخلفيّة الثّقافيّة والتّاريخيّة والسّياسيّة …. للقارئ مع ضرورة معرفة صاحب النّص… اهتماماته… ميولاته… ثقافته… حتى لا يُحمّل النّص ما لا يحتمل ….

نصّ متجانس، متآلفة معانيه، ذو مشهديّة عالية، يتميّز بالحركة، بالحبكة بالفعل، نتيجة التّكثيف…تقاسم دور البطولة فيه الهي، الخبر، الزّمن، و دقّة التّفصيل، في التّفاصيل، والتّقاسيم، بميزان. الشّيء الذي ارتقى بالعمل إلى الكونيّة، بحيث أنّه صار يصلح لكلّ زمان ومكان…

إن تمكّن القاصّ يبرز من خلال براعه في جعله الزّمن، زمنا قابلا للقلب وللتّأويل، {( من ذاك ذكره (العشر الأواخر من الدّهر)}، قد يتضمّن بعدا دينيا، كالعشر الأواخر من رمضان، و قد استبعدته ، واكتفيت بالدّهر الألف سنة. ذلك أنّه يتماشى مع آفاق البعد الخيالي المفتوح الذي منحه القاصّ للقارئ، لتمثّل أحداث قد لا تكون بالضّرورة تلك التي قصدها. بل هو تأويل يرتبط بالأساس بزمن الكتابة، وبالأحداث المتزامنة معه، وبالحقبة التّاريخيّة، التي ينتمي لها القاصّ ، وكذلك بزمن القراءة، و بدرجة الوعي، و الإدراك والتّفاعل الجدليّ المرتبط بالأساس بالنّسيج الحكائيّ، والعلاقة السببيّة بين الأنا الرّاوي، العارف بتفاصيل البطلة، (الهي)، الغير محدّدة هويّتها تلك الهي الضّمير المؤنّث الغائب الظلّ، الذي ظلّ غائبا، نكرة، في شكل عجوز مكرمشة الخدود. استدعيتها وألبستها الحلّة الفلسطينية انطلاقا من:

* الزّمن
* ومن خلال مظهر النّص الحكائي
* وكذلك الصّيغة
*وبناء الحكي (المتوتّر )*
* و كذلك بقيّة المعطيات المتوفّرة
التي كانت شرارات قادحة لما ذهبتُ إليه في تأويلي …نتيجة حيرة متعمّدة من قبل الدّكتور مختار أمين … الّذي يصرّ دائما، من خلال كتاباته، أن يضع فيها المتلقّي، لحمله على التّبصّر، و الاستبصار، بقصد حمله على التأمّل، من أجل الوعي حتى تحدث لديه إشراقة ذهنيّة تمسح التكلّس… بطريقة موضوعيّة … (التي تبدو على الأقل ظاهريّا) …لأنّها في “حقيقة المضمر” هي موجِّهة… ومقصودة بإصرار شديد من قبله…
كتابة حدثيّة انتجت إشراقة ذهنيّة لدى المتلقّي
فتجنّب بذلك السّقوط في الوعظ من ناحية والتّسييس من ناحية أخرى، حتى يضمن الحياديّة والموضوعيّة في الطّرح، والاكتفاء بالإيحاء، معتمدا على إيقاع النّصّ الذي ينفخ فيه من روحه،من خلال حسن انتقاء اللّفظ والعبارة وكلّ ما كنت أشرت إليه سالفا.

الأسلوب:

فصيح، وبليغ، سلس، ذكيّ، يتكلّم الرّمز من العنوان إلى الخاتمة، يحاكي العقول، و يهمس في رفق لإزالة الصّدإ، فهي دعوة للتأمّل من أجل التّغيير…

الخاتمة:

من خلال ما تقدّم، لاحظنا أنّ القاصّ قد نجح،في جذب المتلقًي، بحسن تأثيثه لمنجزه، بفضل خبرته، واتقانه لصنعته، التي أبرزت صدق حسّه، و رفعة ذائقته، وفنّياته من خلال براعه في انتقائه لألفاظه، وحذقه لجنس سرديّ زئبقي، أبدع في الحكي باتّباع ما قلّ ودلّ…من دون ان تنفلت منه الحكائيّة مع المحافظة على عنصري الدّهشة والإبهار بالرّمز، ومهارة في المحافظة على تماسك وحدة الحكي، وهذا يدل على ذكاء وفطنة إلى جانب خبرة واطلاع ….

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سهيلة بن حسين حرم حمّاد
قربة/ تونس في ٢٩/٠٨/٢٠١٩

قصة قصيرة: “ديمقراطية الحمار” بقلم: مختار أمين

ديمقراطية الحمار

   رفسه رفسة كادت أن تودي به إلى القبر، ولكنه ترفّق بآخرها حتى يتركه حيا يتجرّع مرار الهزيمة والذل، ويصبح عبرة لمن تسول له نفسه ويتجرأ ويأخذ منصب رئيس الحيوانات.. لم يكن الأسد موجودا، ولكنه فضل أن ينسحب انسحاب العاجز غير القادر، إنه يعلم ما يدور ويتوعّد للبين أنه سوف يعود ويدخلهم كلهم الجحور كما سابق عهده..
حكم الحمار مملكة الحيوانات، بعد أن ركل، وسجن، وعضّ كل من خاف منهم على مستقبله المنشود في المملكة .

استمر في القراءة قصة قصيرة: “ديمقراطية الحمار” بقلم: مختار أمين

قراءة في قصة “ملك الجياع” لمختار أمين.. بقلم: الناقدة المغربية : السعدية الفاتحي

 ملك الجياع
ـــــــــــــــ
كنت نائما..
قالت لي زوجتي رقم ألف: ـ اغسل فمك قبلا.
بقرت بطنها على الفور..
أخرجت زوجاتي الصغار منها، هممّت اغسل كل واحدة بعناية، وامسح من على أجسادهن ما علق من وسخ بطنها..
جمعتهن على فراشي العظيم، ينظرن إليّ ثم يضحكن في خجل طفولي..
جامعتهن مرة واحدة في ليلة واحدة.. عدن شابات يافعات، كل منهن لا تفارق مرآتها الكبيرة.. تتغزل خلسة بجمال أنوثتها وتضحك..
في الصباح ملأن قصري بالأطفال، أمرت ببقر بطونهم جميعا..
نهضت مفزوعا جائعا..

 ________________________________________

(القراءة)

ملك الجياع… حين تمتزج السلطة بالجوع تكون اللهفة عنوان السقوط …
لنا مثل مغربي نقول فيه “الله ينجيك من الجيعان إلا شبع”
“إلّي ما يشبع من القصعة ما يشبع من لحيسها” مثل تونسي.
وهنا تكمن حروف اللغة في إرساء موانئ الحكمة من المثل قالوها قبلنا ونعيشها الآن على حواف هزائمنا المسطرة بدماء منا وعيون تترقب النجاة ..
ملك.. سلطة فوق كل مدن الشغب ومن صمت مدفون في جب كل واحد منا واغتصاب الجوع فردا فردا..
الجوع.. في شتى الخصائص.. الفكري والذاتي والمادي و و… لن نحيك سجادة اللغة بلهفة جائع ولن نبسط ذراعي سماء بلا مطر في كف جائع ولن ندق جرس كنائس غائبة عن الحقيقة في فلسفة جائع هي منابير نزفها على مئذنة صلاة نرتقي بعلو صخب آذانها وعذوبه شجي لحن كلمها لنغوص في بطون الجياع ونرسم الصورة التي تقحم فكر الطامعين.
هنا الكاتب جسد لغة الحكام في مملكة الجياع؛ فأرست بموانئ عطشى للماء..
كنت نائما… بفعل ناقص من اللغة وناقص بفعل التكوين الأبستمولوجي للفكر العربي يكون فعل التكوين للمملكة على غفوة حلم زائف تعيشه البطون الفارغة… إلا من حلمنا.
قالت زوجتي الألف… لا أعرف هل تم ذكر الزوجة للرابطة الشرعية القوية التي تجمع بين زوجين.. لتكون شرعية الجوع في حب تملك الشيء..
ليبقى العدد ألف.. لغة العدد التي تحكي بالأرقام وترسم أبواب الظهور على لائحة المناصب.. ويبقى فم السلطة يجر وراءه كل خيبات الوطن حين يعقد صفقة الملح شتاءً..
يبقرون بطوننا ونبقى وسط المطر نجمع جزيئات ملحنا.. بلا جسد..
في الصباح ملأن قصري بالأطفال، أمرت ببقر بطونهم جميعا..
نهضت مفزوعا جائعا..
ويبقى الجوع المسيطر الوحيد عن المملكة وتبقى اللهفة عينها، وتبقى رؤوس الضحايا بين الشفتين تستنجد الخلاص من الاِستبداد السلطوي…
حلم صور حقيقة واقعنا المر رسم خيبة تعلقنا بالسلطة الفارغة من الإنسانية البعيدة كل البعد عن الوجودية للكيان العربي..
في نقطة اِستوقفتني توظيف كلمة جماع يسيء للنص ويجعلنا نرتق أزرار عهر مجتمع لا يتقن سوى لغة الجسد.
قلم متميز وحرف بادخ لك كل الرقي والاِمتنان أستاذ مختار أمين

تحياتي لك
السعدية الفاتحي

ملك الجياع.. قصة بقلم: مختار أمين

ملك الجياع
 
كنت نائما..
قالت لي زوجتي رقم ألف: ـ اغسل فمك قبلا.
بقرت بطنها على الفور..
أخرجت زوجاتي الصغار منها، هممّت اغسل كل واحدة بعناية، وامسح من على أجسادهن ما علق من وسخ بطنها..
جمعتهن على فراشي العظيم، ينظرن إليّ ثم يضحكن في خجل طفولي..
جامعتهن مرة واحدة في ليلة واحدة.. عدن شابات يافعات، كل منهن لا تفارق مرآتها الكبيرة.. تتغزل خلسة بجمال أنوثتها وتضحك..
في الصباح ملأن قصري بالأطفال، أمرت ببقر بطونهم جميعا..
نهضت مفزوعا جائعا..

مفهوم القصة القصيرة جدا من كتاب / (مفهوم القصة القصيرة جدا وعجلة الحداثة لـ مختار أمين سنة 2014)

     لا يكاد يختلف أحد من الباحثين في أن الفن العظيم كان دائما وعبر كل العصور، هو ذاك الذي يمثل خرقا للعادي اليومي من مألوف القيم والأشكال الجمالية المضمونية، أو اللغوية، بل تكاد تنسب إلى الخرق للمألوف والمستقر من القيم، وكل التطورات والإبداعات التي تشمل حقول الثقافة والأدب والفنون والعلوم، وحتما إن هذه الدوافع تتأثر جدليا بما تفرضه الحضارة المعاصرة من تكنولوجية، وبيئة سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وما ينتج من إشكاليات في تلقي وتقبل هذا الصنف الحداثي أو ذاك، وهذه الإشكاليات تلعب دورا بارزا في ترسيخ هذا الفن فضلا عن المبدع، الذي يكون أداة تنفيذية تحرك وتهز مربعات الصورة النصية فيعاد تنسيق هذه المربعات لتظهر لنا صورة نصية جديدة، فالمبدع وبوعي مسبق يقوم بتشكيل منتج جديد يحمل سمات جنس أدبي معين مع الاحتفاظ بخواصه الذاتية، وعلى أساس هذه الإشكاليات والدوافع تتحول بنية الخطاب الفني للقصة إلى كتابة أشكال وحداثات بحسب التحولات التي تحدث في الواقع، لأنه من العسير أن تنتاب الواقع تحولات في بنيته الأساسية دون أن تتحول معها بنية الخطاب القصصي، فبسبب المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تظهر طاقات منتجة تتدخل في تغيير المكونات النصية..

استمر في القراءة مفهوم القصة القصيرة جدا من كتاب / (مفهوم القصة القصيرة جدا وعجلة الحداثة لـ مختار أمين سنة 2014)

النقد الأدبي الحديث بين العلمية والانطباع بقلم: *مختار أمين.

   لم يكن تنجيما ولا هو خروج عن سياقات العلم التطبيقي للنقد الأدبي الحديث، عندما نتناول تحليل عمل أدبي بدءا من تحليل الحالة الشعورية الصادقة للكاتب قبل مرحلة كتابة عمله الأدبي، ولا هو استعراض ولا تعريض، وإنما هي نظرة تفيد العلم للغاية، إذ أن التناول مع وضع الاعتبار لهذا البعد يفسر أشياء عديدة أعني أهميتها في نهجي النقدي الذي أتبعه –المتعامل به ولم يكن مختلقـا أو نهجـا أنجبته من بطن أفكاري الخاصة- ولكنه تثبيت حقيقي للمفهوم التطبيقي للنقد الأدبي كعلم كامل المعالم غير منقوص، وأيضا للفصل الجذري لما يسمونه بالنقد الانطباعي الذي يعتمد على نقل ذوق ومزاج المحلل أو المفسر بلا استناد للمنهج العلمي للنقد واستخدام نظرياته ومدارسه وأدواته، وبين النقد التطبيقي الذي قوام عموده الفقري ونسيجه اللحمي من خلال النقد كمنهج علمي كامل متكامل غير منقوص، لا يحتاج لسند أو دليل من علوم أخرى.

  فإن الانحياز والإصرار الكامل على تناول الأعمال الأدبية بما يسمونه نقد انطباعي دلالة فقر علمي وجهل بعلمية النقد الأدبي الحديث، وهو سُبّة للعلم من جانب ومن آخر يكشف عن افتقار لجيل من النقاد على علم أكاديمي حقيقي غير قادرين على تطبيق نظرياته ومدارسه وأدواته على عمل أدبي بشكل احترافي يحقق البغية والكمال، بل أن إخلاء الساحة النقدية الأكاديمية المتخصصة فتح الباب على مصراعيه لدخول قوافل من متذوقي الأدب الأفذاذ للعمل كنقاد من أصحاب تخصصات وعلوم أخرى يملأون الساحة النقدية بأرائهم وأذواقهم، وتطبيق نظريات ومدارس تخصصاتهم العلمية تحت لافتة النقد الانطباعي، وهم ناسين أن العلم يؤكد كلما أمعنا في نقل الانطباعات الفردية تم التشتيت وعدم توحّد الرؤية الكلية العامة للحكم على شيء واحد، وأن المنهجية العلمية المتخصصة تحدد مسار الرؤية والتركيز والتعمق والتفسير والتحليل، وتضع شروطا للمقاربة والمثل، وأدوات ومعايير للمقارنة والأفضلية، لذا نقول أن صميم العلمية منهج متخصص، له اتجاهه ومدارسه ونظرياته وأدواته وأسس علمية يجب أن تتحقق كما الدين له فقهه وشريعته..

  فكل ما أرجوه هو الحرص على منهجية العلم إن كنا نعترف أن النقد الأدبي الحديث علم كامل متكامل، ولابد أن نعترف أن العيب يكمن في النقاد الأكاديميين أنفسهم في قلّة الخبرة وعدم المهارة والقدرة الاحترافية في تطبيق ما درسوه من علم على نص أدبي بشكل صحيح..
كما أننا يجب أن نقف وقفة إنصاف للحدّ من الانطباعية المفرطة في تحليل وتفسير وتفكيك النصوص الأدبية على حساب النقد التطبيقي الذي يتعرض لكل عناصر ومقومات النص شكلا ومضمونا، وخصوصيات البناء والتفكيك وفق منهج محكم، يرى في الشكل جمال الأسلوب المتبع ومدى توافقه مع الجنس الأدبي المختار له، وسلاسة السرد، وجماليات اللغة والبلاغة لتحقيق الانجذاب والانسجام، وضبط الإيقاع والموسيقى لتحقيق التناغم والانغماس والتوحد، وسلطنة الفكر للبحث في المضمون.. مضمون النص الأدبي من ناحية الفكرة الرئيسة المعروضة والأفكار المساعدة المنبثقة من خلال موضوع جيد متوافق، من خلال قصة جاذبة، وحدث وأحداث، وشخصيات فاعلة في بناء محكم فريد.. كاريكتارات حيّة واقعية، تتحرك وتتحاور في دراسة واعية تتناسب مع كل شخصية، مؤلفة وفق أفكار تخدم الموضوع وتؤكد عليه، في مهارة وموهبة مؤلف حقيقي..

  كل هذا وأكثر ينظر فيه علم النقد التطبيقي، ويحلله وفق معايير وأدوات وأسس منهجية لا خروج عنها ولا استيراد من علوم أخرى..
وأخيرا من يريد الاشتغال في النقد عليه دراسة علم النقد الأدبي الحديث بشكل أكاديمي شامل، وأن يتوفر لديه موهبة التطبيق..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قاص وروائي وناقد مصري.ِ

قصة / الوهج… بقلم مختار أمين

الوهجِ

عفّت نفسها عنه، وأقسمت بأنه لا يقربها أبدا، وتفوّهت بكلام غير لائق أمام زوجتيْ ابنيها وبنتها الشابة.

ـ ده أنا أنام في الزريبة كل ليلة ومايلمسنيش ابن الكلب الجربان.. أبو ديل نجس.

كتمت النساء من حولها أفواههن وهن يضحكن سرا، نظرت لهن في غضب؛ ابتلعن ضحكهن في خجل، وتركتهن مسرعة نحو غرفتها.

أول مرة يخونها عزمها وتفقد قوتها وتشعر بالوهن أمام البنات، أنفاسها المشحونة بالغيظ ترفع نهديها الثقيلين الضخمين من على صدرها في حركات سريعة.

مازالت تحتفظ بغرفتها أنيقة.. كل شيء مرتّب نظيف.. سريرها الواسع العاليِ عليه دائر الدمور الأبيض بنقوش زرقاء بخيط الحرير لعصافير تطير، وأخرى تحطّ تشرب من المسقى، ودولابها البني الكبير بمرآته اللامعة بطوله في الوسط، ورائحة البخور تفوح في المكان..

اقتربت من المرآة.. ارتجفت، عيون المرآة ضمتها في حضنها.. ملأتها، نزعت في غضب الشال الصوف من على رأسها، فردت شعرها الأحمر الذي مازال طويلا.. دائما تبالغ بالاعتناء به، كما اعتادت نساء البيت أن ينشغلن به أيضاً، واحدة تشتري الحناء من السوق، وأخرى تعد الصبغة وتقوم بدعكه وصبغه، في المساء بعد الحمام تتركه لابنتها صفيّة لتمشيطه وهى واقفة. وهي تسمع أنّاتها المكتومة، وأنفاسها الحارة تدور قرب أذنيها بلفحتها الخجلة المنفلتة رغما عنها، ويطنّ القلق عليها، تعرف أن ابنتها تجاوزت العشرين ولم يطرق العريس بابها بعد.

تذكرها بشبابها.. ممتلئة بلا سمنة.. بيضاء.. جسمها يصرخ بأنوثة طاغية.. شعرها الأصفر بلا حناء وعيناها الخضراوان.

مرات ترقبها ترتجف وهي تتعمّد حك جسمها الصهد بها، وتلمحها تحضن الأشياء في شرود بسمة ذابلة.. الزلعة الكبيرة.. أجولة الدريس الجاف، وحمار الدار الكادح بهيكله العظمي التي تعتني به، تركب على ظهره وهى تتأرجح صامتة منهكة، تغافل الكل إلا هي.. تعرف.. تعرف عنها الكثير.

تأملت عينيها الواسعتين المكحلتين بعناية واخضرارهما القديم،

خطوط الزمن على الوجه رغم حرصها، ودعك الوجنتين الحمراوتين، ربما زادت الشفتين غلظة، وانفرجت الأسنان البيضاء، والسمنة احتلت كل معالم الجسم.

نفخت ضيقاً وأعطت ظهرها لصورتها في المرآة، وهى تمسّ بقدمها الكليم الأحمر بأصابع قصيرة صلبة متشبثة بلونها الأبيض اللامع وأظافرها الحمراء، وشريان دم الحزن ينفجر على وجهها يكسو معالمه.

دارت الغرفة مرات ومرات وهي تسأل وتحاور نفسها..

“ليه الدار دي بيفروا منها الرجالة؟

بيكرهوها ولا بيكرهوا اللي فيها؟

نحيب النسوان في الليل بيسبق نباح الكلاب.. بيخرج من الشبابيك واللبواب الموروبة.. صهد بيبلع نسمة الهوا.. يتجمّد .. يبقى مارد كبير بيتمطّع في الشارع مستني عابر سبيل يضمه في حضنه.. يدوّخه ويزقه على أول دار.. يدخل مسحور يلاقي كل شيء في انتظاره.. يشيل عنه البرد والطلّ ويلاقي الهدمة واللقمة والضحكة والحضن الحنيّن”

هو ذلك العابر الشارد الذي ارتمى على عتبة الباب في خضّة وحشة الغربة، والخوف مجهول غريب بيطارده.. يخرس لسانه.

في شرودها التائه جلست على جنب السرير، أزيز صوته أخرج الآهة المكتومة، ارتكزت برأسها على عموده، اهتز جسمها هزات سريعة مع نهنهات مجروحة.

عامان أو أقل وتبلغ الخمسين من عمرها.

زوّجها الأول يكبرها بسبعة عشر سنة. مات من خمس سنين. أتى به أهل البلد من مصر كوم عظم ملفوف في خرقة، وقفت العربة المخصوص أمام باب الدار.. قالوا:

ـ ما فيش فايدة يا خالة السل نحل وبره.. أيام باقية.

الولد الكبير صول في السلوم، جاء قبل الدفنة ومكث ثلاثة أيام ورجع الكتيبة، والولد الثاني مكث عشرة أيام وعاد ليحفر مع جماعته من أهل البلد في الصحراء ليعمر مدينة جديدة على الحدود.

كانت تطلق صرخاتها مدوّية، شقّت الجلباب من على صدرها، لطخت وجهها بالطين ونثرته على شعرها وجسمها.

فاجأت الجميع بحزنها، مرضت.. أربعون يوما لم تتفوه بكلمة، لم يدخل معدتها سوى لقيمات ليستمر النبض في القلب.

حتى باتت تسمع تعليقاتهم الساخرة.. سنيّة زوجة ابنها الكبير إسماعيل تضع فمها في أذن بدريّة زوجة ابنها الأصغر توفيق وهي تقول:

ـ ده طول ما كان غايب في مصر كانت ترفع الطرحة من على راسها وتدعي عليه “يجيني خبره.. ولا فايدة ولا عايدة.. هنفضل طول عمرنا شيلين الهمّ.. امتى بقى هنتنصف زى الناس.. تقولش هيفتحوا عكا”.

ترد عليها بدريّة:

ـ من امتى الحب ده كله.. حتى بطلو ده واسمعو ده .. فاكرة يا بت لما كانت تقعد تصحي فيه ليل ونهار “يا راجل قوم بقى.. أنت جاى تنام هنا.. نفسي أشوفك صاحي زي بقيت الرجالة.. على طول نايم”.

يضحكان في حرص، ولكنها كانت تسمع وهي تمصمص شفاهها وتزفر في حزن وهي تضع يدها على خدها قائلة:

ـ ما الحال من بعضه يا ولاد الهبلة.

قامت من على السرير ودموعها تغسل وجهها الذي احمر أكثر، فتحت الدولاب وجمعت كل ملابسه وأشياءه الخاصة في شوال ووضعتهم أمام باب الدار.

صفقت الباب في صوت مدوّ.

الكل اختفى، كل واحدة منهن دخلت غرفتها وأغلقت بابها عليها، أدركن أن النكد سيحل ضيفا ثقيلا على البيت لا موعد لرحيله.

بينما وقفت وسط الدار ترمي نظراتها على الأشياء من حولها في يأس وعجز، مازالت أنفاسها تخرج سريعة قوية، تزحف تحت أعتاب الأبواب، وتتسرّب من ثقوب الجدران، تخيفهن وتجثم على صدورهن في غرفهن تكتم أنفاسهن.

مرّرت نظراتها التائهة الهاربة على الجدران المتصدّعة، والشروخ العميقة، وسقف البوص المثقوب.

راحت ترقب الأنفاس الحارة مختبئة في كل ركن، أبخرتها تصنع موجة ضبابية تبهت صورة المكان، ترسم عروق ندى رفيعة على الجدران، ولا هي تهطل ولا هي تجف.

ذكريات الأعياد تفرح بلمّتهم في الدار، الكل يضحك، الكل يسابق الآخر في حكي حكاية أو نادرة حدثت له أثناء عمله هناك، وفي الليل تقرقع داخل الغرف الأصوات النشوة الحامية المتبادلة تمر بين الجدران كشعلة نار في هشيم، الكل يتبارى ويعلن بدوره أنه الأفتى.. الأسعد. تسعد بهذا، وتستمد لذّتها من لذّتهم جميعا مع زوجها الثاني صخر الذي يصغرها بخمسة عشر سنة، وفي صباح اليوم التالي يمتلىء البيت بصخب النساء، وضحكاتهن العالية بلا قيد.. تصبغ عيونهن بدمعات النشوة اللؤلؤية، ولكنها تلمح صفيّة صامتة، تغلق وجهها وتختفي في عمل شاق من أعمال الدار، والنهار كله ينقضي في طابور الاستحمام الذي لا ينفض إلاّ في آخر يوم من أجازة العيد..

“إيه حكايتك ياسي صخر.. خلاص فرغت الحدوتة.. يا ابن الحرام ده فاضل كام سنة وتنخمد النار في جتتي.. واللهِ باين عليها ما هتنخمد وهتفضل ذلاّني طول عمري.. تدلدل لساني حتى على الحرام .. من خمسة وتلاتين سنة وانشق في جسمي نهر شوق النسا.. خدت إيه؟ مرات معدودة.. أيام مسروقة، وأنا كل يوم وليلة بيلاطم موجه في جسمي ويصرخ زى الغول في سجنه، وادخل في صلا واخرج على وِرد، وأملى حنكي طول النهار بتسابيح ودعاوى ولا فيش فايدة.. كل دِه ما بيهدوهوش ولا بيوغر ماءه..

آه .. بقيت زى العيّلة الصغيرة تخاف حد يلمسها ولا ييجي جنبها لينفلت عقالها، وما تقدرش تمسك نفسها قدام التيار الجارف..

يخرب بيت أبوك.. صحيح عيّشتني أيام ماعيشتهاش طول عمري ورويْت ظمئي.. خلاص ماعدتش عافيَّة اتغندر لك وعضعض لك في جسمك وادعّكهولك..

لايف على مين؟

مين اللي خدتك مني؟”.

كان صخر يجلس هناك على ضفة البحر يرقب المراكب في مرساها، وهي تتخبّط من غيظ ربطة العقال على الشط، كان دوما يفرح بعنفوان الموج المتلاطم.. يخرسه في الحال.. يقف متأهبا يخلع الفانلة والسروال ويهبط سابحا، الآن يجلس حزينا منكسرا يتأبّط ساقيه بذراعيه المتشابكتين، وشعره الطويل الهائج في سواده الفحمي ينظر للمراكب المتخبطة والبحر الغاضب في شرود وتيه.

من ليلة أمس لم يضع في فمه لقمة واحدة، لمحت في عينيه العبوس وزفرة الضجر، أحضرت له الماء الساخن وأحضرت الطست، خشت أن تجبره على الاستحمام معها داخل الغرفة، ولكنها فقط غسلت فروة رأسه السميكة ووجهه، ووضعت قدميه في الماء والملح وماء الورد، كان يريد أن يسرفها عن رغبتها منه، قال :

ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.

ـ مالك .. بيك إيه؟.

أعطاها في عبوس خشب وجهه وعينيه الذابحتين، ولم تقو شفتاه الغليظتان بنبس كلمة.

ـ الله.. ما تقول يا واد بيك إيه؟.

ـ تعرفي البت هنيّة بنت جمعة العلاف؟.

ـ ايوة.

ـ من كام شهر كده لاحظوا عليها جماعة جوزها أمور كده.. استغفر الله.

لطمت صدرها على قميص نومها العاري الأكمام والصدر قائلة:

ـ دي ما كملتش سنة جواز.

في غضب وثورة قال :

ـ ما هو اللي يستاهل ضرب الجزمة.. ازاى يسيبها ويسافر بعد الجواز بأسبوعين ويطير على مصر يغطس بالشهور.

شروخ الصمت على وجهها تفغر فمها وهو يضيف :

ـ دِه عيّل بارد.. ما جاش البلد غير مرة ولا مرتين.

ـ البت صغار وجسمها فاير.

ـ بقالها تلت تيام ماحدش يعرف لها طريق جرّة.

ـ هيكون راحت فين؟.

ـ في ناس بتقول كانت متخفيّة بطرحة سودا وحاطة ايديها على بطنها ورايحة ناحية البحر بليل.

ـ وعرفوها؟.

ـ عرفوا ولا ما عرفوش.. ما هي هنيَّة في رجلها عرجة خفيفة.

ـ تكونشي..!

ـ بس اكتمي.. ربنا يستر.

أثناء العشاء، كانت تلمحه شاردا يلوك نسيرة من ذكر البط، حتى رفعته كله على الصينية في عجلة مأربها منه، في السرير حاولت نزع فانلته وكلسونه أعطاها ظهره، لكزته في عنف، قال وهو يغطي رأسه بالمخدة:

ـ جتتي مش خالصة.. دمي هارب.

ـ وإحنا مالنا.

ـ يا ولية اهمدي الليام جاية.

ـ جاية ولا فايتة.. أنا مش عتقاك النهارده.

ـ هسيب لك نفسي واعملي اللي أنتي عايزاه.

خار قواها معه دون فائدة، نفخت في وجهه ضيقا، دفعت فخذيه بعيدا عن وجهها وهي تتمتم بالسب واللعنة بعد أن سمعت شخيره.

في الصباح أراد أن يفرّ بعيدا عنها لأيام، كأنه يستحلفها قال:

ـ أنا هبات كام يوم في الطاحونة.

ـ ليه بقى.. البراغيت بتقرّصك هنا.

ـ يا ستي أنا تعبان وطهقان من نَفسي.

ـ أنت إيه حكايتك؟ ولا تكونشي حنيت لعوايدك؟.

ـ إيه لزومه الكلام دِه.

ـ ما أنت طول النهار عايش وسط النسوان في الطاحونة.. شبعت؟.

ـ دول نسوان غلابة.

ـ وأنت اللي بتحن عليهم يا خويا؟ فاكر فضيحتك مع راوية الفاجرة.. ولا البت عبلة.. فضايحك كلها عندي.

ـ ما عادش له لزوم الكلام دِه.. سيبيني امشي.

ـ لو هتمشي سيب مفاتيح الطاحونة وشوف لك داهية تانية.

ـ هي حصلت لحد كده.

ـ مالي وأنا حرّة فيه.. فضلتك عن ولادي المتغربين.

ـ كده .. طب ناوليني هدومي.

ـ مالكش عندي هدوم روح زى ما جيت.

ـ يعني أنتي بايعة خالص.. طب أنا هسيبك لحد بليل يمكن تراجعي نفسك.

ـ ما عادتش عايزاك ولا عايزة أشوف وشك.

ـ يستر أصلك.

ـ أصلي هو اللي عملك.

ـ اسألي نفسك بقى.

كبش بيده كمية من الحصو، ووقف يرمي واحدة بعد الأخرى.

مر على الديار، لمح الضباب في عيون الصبح ينفث على المنازل الواطئة المتباعدة الباردة شمس الضحى، لم تقو عليه.

الصمت يخيّم، الشوارع والحواري خالية، النُعاس ركب على أجسام النساء ململها وخدرها فاستسلمت له، حتى العجائز من الرجال لم تخرج تجلس على المصاطب تفرد عظامها للدغات لسعات الشمس.

خاف من بصّات العيون أمام بيت جمعة من خلف الشراعات تتهمه، هو الغريب.. فرضته هي على أهل البلد، عندما دخل عليها في ليلة طلّ ممطرة بملابس خرقة مبللة..

الباب مفتوح، ربما نسيت الرغبة إغلاقه، نبحت الكلاب خلفه في أسراب، قفز بداخله وأغلقه في سرعة خلف ظهره، عندما رآها تتجسّد أمامه من خلف ضوء الشمعة خارجة من الزريبة مات في جلده، ابتسمت، سترت جسمها بملاءة الكنبة في القاعة، ولمّت شعرها المنكوش، مسحت بيدها قطرات العرق من على جبينها، كل هذا طمأنه، أراد أن يدافع، وضعت إصبعها على فمها تحثّه على السكوت، هزّ رأسه بالإجاب، أشارت بيدها كي يتبعها وهي ترمي نظرات مرتابة سريعة على غرف النساء الثلاثة.

في الصباح قامت في خضة وهي عارية بجواره على السرير تلكزه، استيقظ في كسل، ألبسته ملابس قديمة للمرحوم، أخرجته من الدار في حرص بعد أن اتفقت معه على كل شيء، سترسل لأولادها الرجالة ثم يـأتي ليطلبها للزواج.

تزوّجها بضغط وإلحاح وتهديد منها لولديها، صار أمرا واقعا على الجميع حتى نساء البيت اللاتي تحرّجن منه أول الأمر، كيف يدخل ويخرج عليهن رجل غريب؟ جلس معهن وأكل وشرب، ملأ الدار بحكاياته وضحكاته وضحكاتهن، أنفاس رجل ماكث في الدار تتسرّب تدخل القلوب تطمئنها.

النهار مسّا والليل غول سواده حلّ في النفوس، تذكرت ملابس صخر وحجيّاته على باب الدار “ضِل رجل ولا ضِل حيطان باردة.. ولا ضِل حمار” فزّت من على السرير وأخذت ملابسه، وجلست على باب الدار تنتظره لتعنّفه قليلاً ثم تسترضيه، قررت ألا تتركه للشابات الحسناوات يطرن عليه كالنحل، هن يعرفن كيف يحافظن عليه ويخبئنه عن أعين الرجال الكبار والعجائز من النساء في كل دار، أو تتزوجه أرملة شابة تعطيه أكثر مما تجود به هي.

الفجر لاح.. تسلّلت تبحث عنه.

صوت العواء، ونقيق الضفادع العجائز، ونباح الكلاب يشجع الطنين بداخلها يعلو، يصمّ أذنيها ويخفي الأصوات من حولها، اتجهت نحو الطاحونة، واجهها القفل الكبير يملأ صدر الباب، تحسّسته في يأس، بالت دموعها عليه وهي ترتمي بوجهها تخبط في غيظ على صدر الباب، لكمته بقبضتها، عضّته بأسنانها، خارت، جلست في حسرة منكسة الرأس بين كفّيها.

ـ الله أكبر.. الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله..

علا صوت الشيخ زين من الزاوية مبللا هو الآخر بالبكاء.

في عناء جرجرت ساقيها، دبّت الروح في البلد فجأة، سمعت العويل.. صراخ النساء يقطع كل شيء ويحسمه.

دار جمعة يتجمع حوله الرجال القلائل الذين أنهوا صلاتهم بسرعة، اتشحت النساء بزى السواد، تسللن في جماعات قليلة، كلهن يبكين، كلهن يطلقن صرخاتهن حرّة جريئة تتضرّع في موّلد صبح جديد للمولى عز وجل، شققن الصدور، لم يتحرّجن أن تبدو نهودهن الجافة المضروبة بالحمرة والوهج عارية أمام الجميع، اندست بينهن، أخرج الرجال الجثة بعد أن لفظتها الأمواج.

تململ جسمها في الفراش ثلاثة أيام، همّت كالجائع المسعور تعاود البحث عنه، في القاعة سمعت الهسهسة، أنّات خجلة تتعمد كتم صراخها، لكن الغنج انفلت ذلّة، أباح الآهة المقهورة أن تخرج غصبا، حدّدت مصدرها ولكنها لم تحدد صاحبة الصوت، تملّكها الرعب ولم تستطع أن تخطو خطوة واحدة ناحية الزريبة، فرَّت على غرفتها كأنها الفاعلة.

“مين؟ سنيّة مرات إسماعيل الكبير؟ ولاّ بدريّة مرات توفيق الأصغر؟ ولاّ تكونشي صفيّة بنت البنوت؟.

سنيّة قارحة.. لما كان بييجي الواد إسماعيل كانت تبقى مش عايزة تخرج من اوضتها ولا عايزة تخرّجه، وفي الليل صوتها يلم علينا الكلاب.. دايماً ألفاظها خارجة وضحكتها عالية.. يحلى لها تقعد وترفع جلبيّتها لنص وراكها.. يمكن بدريّة الخبيثة اللي بتغطس كل شوية باليومين والتلاتة في دار أبوها، وتيجي وشّها مورّد وعينيها مفنجلة.. أصل الواد توفيق طالع لأبوه ممصوص ولا بيهش ولا بينش.. أحيه ليكون بت البنوت ضجرت.. صفيّة سخنة فيها شقاوة مكتومة بلؤم.. بس لأ.. لأ حرام.. البت عارفة إن لازم تمسك نفسها عشان ليلة دخلتها.. تبقى فضيحة فيها موتها.. لأ.. لأ دي شقاوة بنات صغار.. الخوف حاكمها.. كلها حاجات صغار تهدي شهوتها.

في الصباح مرّرت نظراتها بين الثلاث.

على مدار ثلاث ليالٍ استطاعت أن تحدّد ثلاث آهات مختلفة، ولم تستطع أن تقترب من باب الزريبة.

على دموع منهمرة لم تتحكّم فيها أخذت ليلتها الرابعة، ولم تغلق باب الدار.