أرشيف الأوسمة: مرفت يس،

محمد حافظ رجب ( ملف خاص ) إعداد مرفت يس

محمد حافظ رجب بين الصمت والنسيان

مرفت يس

“محمد حافظ رجب رائد التجديد في القصة العربية”

هذا هو اللقب الذي عرف به.  وكان أيضا عنوان كتاب  صدر عن مؤتمر لمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية بتاريخ 27 مارس 2012،وضم عددا من  الشهادات، والدراسات التي عرضت خلال المؤتمر، حرصا من مكتبة الإسكندرية على إعادة اكتشافه، وتكريمه.  كما صرح بذلك  المشرف على مختبر السرديات الأستاذ منير عتيبة. هذا المؤتمر  كان احتفاء ثانيا بمحمد حافظ رجب ، بعد الجائزة الوحيدة التي حصل عليها في حياته كأفضل قاص عن اتحاد الكتاب عام 2007 وأخرجه من عزلته – في بيته بالإسكندرية التي ولد فيها عام 1935 – ليتحاور مع الجمهور لأول مرة.

في الستينيات من القرن الماضي ، أسس رجب  رابطة أدباء القطر المصري مع زكريا محمد عيسى وأصدر مجموعته القصصية “غرباء ” عام 1968. تلتها “الكرة ورأس الرجل” ، “مخلوقات براد الشاي المغلي “، “حماصة وقهقهات الحمير الذكية” ، و”اشتعال رأس الميت”، و” طارق ليل الظلمات”   و” رقصات مرحة لبغال البلدية ” و” عشق كوب عصير الجوافة “. بدأت رحلة محمد حافظ  الإبداعية منذ الخمسينات بذهابه إلى القاهرة للعمل موظف في أرشيف المجلس الأعلى للفنون والآداب. رحلة ممتلئة بالصخب . وربما كانت صيحته “نحن جيل بلا أساتذة ” هي الصيحة الأكثر انتشارا وتمردا وقتها؛ حيث ابتعد  عن الكتابات الواقعية ونحى بنفسه منحىً آخر في التجريب والكتابة عن شخوص مأزومة، ربما هذا ما أحدث معه نوعا من الاغتراب عن الواقع، تلك الغربة التي تضخمت و تحولت مع الوقت إلى غربة عن ذاته.

ومابين  الذهاب إلى القاهرة والعودة إلى الإسكندرية ؛ رحلة من الإبداع انتهت بعزلة وصمت  ، وصفه البعض بأنه حالة من التصوف. ومن هنا جاء اختيار المواد التي نشرت في هذا الملف، لتقدم رؤية لعالم محمد حافظ رجب الإبداعي والإنساني ، محاولة لإعادة اكتشافه

شكر خاص للأستاذ: منير عتيبة الذي أمدني بكثير من مقالات هذاالملف

مفتــتـح

سيد الوكيل

محمد حافظ رجب..رسائل خفية

كتاب الملف

  • هيثم الحاج علي
  • د. مجدي توفيق

مقـــــــالات

إبراهيم أصلان

أنت …يامن هناك

هيثم الحاج علي

زمن التساؤلات ..المشهد التجريبي في قصص محمد حافظ رجب

د.مجدي أحمد توفيق

حين يقرأ محمد حافظ رجب ذاته

شعبان يوسف

محمد حافظ رجب ..من كتابة القصص إلى التصوف

سمير الفيل

التجريب في قصص محمد حافظ رج

فرج مجاهد عبدالوهاب

محمد حافظ رجب و “رقصات مرحة لبغال البلدية”

شهــــــادات

عز الدين نجيب

محمد حافظ رجب.. السابح عكس التيار

علاء خالد

محمد حافظ رجب ..قراءة آخري

محمد السيد إسماعيل

محمد حافظ رجب المغترب اللأبدي

لقاءات صحفية

علي عوض الله كرار

وتفاصيل جديدة مع محمد حافظ رجب

الحـــــوار

158952280_894439104725953_1247374360421166034_n

منير عتيبة

محمد حافظ رجب ..حوار لاينتهي

ملف القصص

الكرة ورأس الرجل..محمد حافظ رجب

ارتعاشة عجوز الزبادي

الذي تجشأ قشا

جولة الدرويش في حوش الملح

رقصات مرحة لبغال البلدية

مغامرات صغير الحجم والدرويش

نحيب الزلزال والدرويش

القصة أيقونة السرد..قراءة في قصة بئر وزيتون وفتاة جميلة

محمود حسانين

القصة القصيرة, تلك هي الأيقونة للنثر الأدبي, قام الكثير بتهميشها ومحاولة تغريب مكانتها الإبداعية, من خلال مسميات كـ”القصة اللحظية والقصة الشاعرة والقصة الومضة والاقصودة” وألخ, وقد ساعد في ذلك تلك السعفة التي أشعلها الدكتور جابر عصفور حينما أطلق مقولة “زمن الرواية” وكلما وجدنا مقولة تطلق لتعميم شيء جزئي نجده يسطو على ما حوله, ولكن مع مرور الزمن, يعود كل كيان إلى مكانته فقط.

وخير دليل على هذا هو ما أصبحت عليه الكتابات نفسها في أيامنا تلك, لقد بدأت الكتابات تتقولب في قوامها الطبيعي, استعدادا للعودة إلى سابق عهدها, فخرجت كتابات نثرية ما بين قصة وسرد ذاتي حكائي, ونعتبر تقبُل الجمهور تلك السرديات تمهيدا لعودة القصة إلى مكانتها.

للقصة طاقة نور أبدية:

في قصة ” بئر وزيتون وفتاة جميلة” يبدأ الرواي الآني, بالسرد حتي يوقفنا ويقف عند هذا الاستطراد في أول فقرة ” للخيال طاقة نور أبدية” فتكون إجابة على تلك الحيرة التي تملكت الطفل حينما طاف حول البئر.

لحظة المغامرة هي التي فجرت في الطفل منطق الموروث, في معتقد أن وراء كل صوت يأتينا فجأة في وسط ظلام مجهول هو صوت العفاريت.

في الفقرة الثانية نجد صوت للراوي العليم الذي يستحضر المستقبل يهرول بنا إلى حيث مواسم تأتي على القرية ليصف لنا مدلول أن لقضيته دائما فجوة يتركها الجميع, حتى أغصان الزيتون, هي إحالة إلى تلك الأيقونة التي أستخدمها الكثير للتعبير عن القضية الفلسطينية.

البنت التي لها سحر يجذب إليها من نظرة عينيها, هي لحظة توحد بين الحب, فحب المغامرة يأتي أيضا من تلهف قلبك إلى فتاة.

” عندما رأيت خضار الزيتون تذكرت البنت التي مرتْ أمام بيت جدي، ذكرتني عيناها بلون الزيتون”

محاولة ربط اللحظة وتوثيقها بتردد صوته في الفراغ,  يحيلنا أيضا إلى فرضية قضيته الأولى, غير أنه يحتاج إلى من يشاركه المغامرة, ولو بصوت في ظلام الكون يتردد بلا مجيب.

” ناديت باسمٍ وهمي للبنت التي رأيتها، تردد الصدى، عاد إليَّ، فشعرتُ بها تنام على صدري، حتى البنات “الحلوين” يسكنَّ هنا، رجعت لبيتنا ممتلأ بحب كبير للبنت وللزيتون”

في فقرة تالية نجد ربط لهفة المحبوب لحبيبه في لحظة مغامرة, ليخط لها الصبي كلمات ويرسلها ولو مع المجهول, فالكاتب لديه القدرة للكشف عن عبقرية المكان والزمان, ورسم أبعاد للبطل في كل لحظة, فيشعرك بأهمية تحول النص إلى كادرات بصرية أو ذهنية, للمشاهد التي يرسمها بالصور والمعطيات الواقعية, وكلما تعمقت في القراءة نجد الكاتب يحيلنا إلى فكرة المغامرة.

” تقافزت الكرة، وابتعدتْ، واستقرت في قاع البئر، جلبنا كرةً أكبر حتى لا تنفذ من خلال الفتحات، لكن مرة مرر أحدنا الكرة، فاستقرت في وسط البئر، من خلال فتحة كبيرة سقطت، جريت بجنون نحوها، علوتُ لأول مرة السياج والجريد،”

فتأكيد الكاتب على روح المغامرة بدأها مع كتابة العنوان, ولكن الاصرار على تأكيدها هو ما جعلها تفقد قوتها, ولكن قوة النص جعلت القارئ ينساها مع متعة الوصف.

طقوس الكتابة:

طقوس الكتابة كثيرة ومتعددة, عندما يبدأ أي كاتب في الإمساك بالقلم وسرد التفاصيل هذه هي نقطة البداية, قد نعتبر الأمر تلقائيًا أو طبيعيًّا أو مُعتادًا, تقول الكاتبة سوزان سونتاج: الأدب يعلمنا الحياة, ما كنت لأكون الشخص الذي أنا إياه, لو لم أكن أفهم ما أفهم”

وأقول من خلال كلماتها أنه لولا القصة ما كنت أفهم ما أفهم, ما كنت الشخص الذي أنا إياه, في لحظة تحول للبطل يتحول الكاتب أيضا إلى منولوج مونودرامي يؤهلك لاستحضار لحظة الحكي.

” بدأتُ أمارس طقسا آخر، أحكي حكاياتي للبئر، كنت على يقين بأن الكائنات التي تسكن في الأسفل، تسمعني”

يستمر البطل في السرد الحكايات للبئر في لهفة, حتى يجد من يشاركه المغامرة بذلك الولد الذي يأتي إلى البئر في نفس مكانه ليلقي بأشياء إلى البئر, كلاهما يرنو إلى سمع صدى المجهول.

” حزنتُ لما عرفت أن أحد الأولاد الذين كنا نلعب معهم تسلل إلى البئر، دار حولها حتى وصل إلى الفتحة المحببة لي، بدأ يرمي الحجارة الصغيرة، اهتزَّ الماء في الأسفل، أخبرني أنه شاهد ضوءا منعكسا على صفحة الماء، أخذ بعد ذلك في إلقاء أشياءَ لا يحبها، بواقي طعام، ألعابٍ قديمة، نَوَياتِ البلح، قِطعٍ من الخشب والحديد، مساميرَ، ولمباتِ إنارةٍ قديمةٍ”

لحظة موت الشغف بدأت عندما علم الأولاد بالبئر, حتى يفقد البطل شهيته للحكي لها, يبدأ تطور الحدث حيث يقرر الجد ردم البئر, فنجد منولوج داخلي يتقطر حسرة ينذر بنهايتين أحدهما مؤسفة للذكريات والثانية مشوقة للمتن, من خلال صوتين صوت الراوي وصوت الطفل.

” جلب جدي عُمالا، أزالوا غطاء البئر، قاموا بنزح مائه، رأيتُ الكرات التي فقدناها أثناء لعبنا، كلَّ الأشياء التي ألقاها الأولاد، كلَّ ما ليس له قيمة خرج مع جرادل الماء، كنت أنتظر أن أرى خطاباتي للبنت، لم يخرج ما أنتظره، رُدم البئر بالتراب، وسُوِّيَ بالأرض، وقفتُ فوقه، منتظرًا أن أسمع حكاية واحدة قديمة، تمنيت أن ينبتَ يومًا الزيتون، ويطلَّ وجهُ حبيبتي من بين أغصانِه.”

نجد الكاتب حتى نهاية القصة قد أعتمد على كادرات ذهنية وبصرية مختلفة, ما بين الذكريات ووصف الحدث, استعان بهما الكاتب في الدخول إلى عالم التخيل لمشهد البئر والبنت, كما استطاع أن يجعل من لهفتك على المعرفة انشطار للهفة الطفل لمعرفة ماذا سيحدث أيضا للبئر, أنتهى الشوق إلى المفارقة التي لم تعد لها نصيب الأسد في القصة, بعدما حلت محلها تقنيات الفن القصصي بين التكثيف والحكي, حيث أستعان الكاتب بقوة اللفظ  أو كما يطلق عليه فزياء اللغة علم المعنى أو الدلالة, فالنص يراوغ التأويل بين فكرة المتلقي ولعبة الكاتب السردية, لقد سلب الكاتب بكل خفة القارئ إلى سحر تصوير المشاهد إلى أدق التفاصيل.

رابط القصة

بئر وزيتون وفتاة جميلة(قصة الأسبوع)..أحمد جاد الكريم

قصر الأموات

..قصة: شريف صالح

من المجموعة القصصية دفتر النائم

هبطنا من الباص السياحي أمام بوابة عملاقة. كانت منقوشة بزخارف عتيقة وتواريخ وأسماء باللغة الفارسية.

أشار الدليل: هذا هو القصر!

ثم مضى أمامنا بخفة جرو.

تأملت طريق الأشجار الصاعد أمامنا. كانت أشجار عملاقة طويلة تتعانق من أعلى لتشكل قوساً ممتداً بالكاد تتسلل منه أشعة الشمس في الصباح. تبدو الأشجار التي لا أعرف اسمها، كأنها في هذا العناق منذ عشرات السنين. غير مبالية بآلاف السياح الذين جاءوا وذهبوا، ومروا أسفل منها.

استمر في القراءة قصر الأموات

تيتانيك في خورشيد


قصة قصيرة
منير عتيبة

أعرف أن هذا جنون مطلق، لكنني متأكد أن الجنون هو ما سيحدث، ولا بدّ أن أفعل شيئًا سريعًا، ولو على حساب حياتي.
شاهدت كل عروض فيلم تيتانك في جميع دور السينما بالإسكندرية.
في سينما سان استيفانو؛ كان جاك يبتسم سعيدًا بتضحيته بحياته من أجل روز، اللمعة الأخيرة في عينيه أضاءت محيط الثلج الذي ابتلعه، لكنها كانت مفعمة بالرضا، كانت صورة روز وهي جالسة في حديقة منزلها الصغير على كرسي هزاز محتضنة صورته بجوار قلبها طوال الوقت وحتى آخر لحظة من حياتها؛ هي آخر ما رآه خياله.
لم ألاحظ أنني أشعر وأرى مع جاك إلا بعد مشاهدتي الفيلم بسينما ليلى في باكوس، وهي سينما درجة ثالثة. كنت أظن أنه مجرد توحُّد المُشَاهِد مع البطل، ثم اكتشفت أنني أصبحت جاك نفسه، وشعرت بالتشوش لتداخل صور عديدة في ذهنه/ ذهني لروز وهي تتمايل، منتشيةً بالشراب، محاولةً إغراء بعض الرجال بمفاتنها، وليس من بين كل هذه الصور صورتها الطوباوية على الكرسي الهزاز.
كانت نظرته في كل عرض للفيلم تتغير من الرضا إلى الشك، إلى الحيرة، ثم الإحباط، فاليأس، ثم صارت نظرته تنطق بغضب شديد في آخر عرض للفيلم بالإسكندرية.
مزقت المسودة العاشرة لسيناريو فيلمي الجديد، هو الفيلم الثالث الذي أكتبه، أما الأول والثاني فقابعان في مكان ما بحجرتي الغارقة في الفوضى، إذ لم أستطع تسويقهما لدى أي شركة إنتاج.
فيلمي الجديد عن الأرض الخالية ذات السور المتهدم خلف بيتنا، مساحتها فدان تقريبًا، كانت منذ عقود مصنعًا صغيرًا للنسيج، تم إغلاقه وتركه مأوى للكلاب والقطط وأشباح طفولتنا. قبلها كانت هذه الأرض قصر السيد الجزيري مالك أراضي خورشيد كلها، كان بالقصر صالة كبيرة للعروض السينمائية بكاميرا 8 مم، يشاهد صاحب القصر الأفلام مع أسرته، ثم يسمح لأهل القرية بمشاهدتها بعد ذلك. فهل أبطال هذه الأفلام هم العفاريت التي كانت تلعب في الأرض الخربة وتمنعني من النوم، لأن نافذة حجرتي تطل عليها؟
جلس جاك على صخرة معشّبة وسط الأرض الخربة، كان يرسم بسرعة، وكانت أعمال محور المحمودية جارية على قدم وساق لإنشاء طريق عصري على ضفتي الترعة.
انتهى جاك من الصورة، ثم رفعها أمام عيني، أخرجت جهاز الموبايل خاصتي لأرى تفاصيلها في الظلام، كانت خورشيد غارقة في طوفان! المياه تتدفق بعنف من الشاشة، تغرق صالة السينما بمن فيها، تغرق قصر الجزيري، وتواصل هديرها الغاضب في شوارع القرية، مكتسحة كل ما يقابلها.
فزعت: ما هذا؟
هذا ما سيكون إن لم تغيّر سيناريو تايتنك! – قال جاك.
كنت قد عرفت أن إحساسي بجاك ورؤيتي ما يراه ليس تماهيًا عاديًا، بل حيلة خبيثة منه ليجعلني تحت سيطرته، فأنا المختار بالنسبة له، أنا من عليه أن يغيّر تاريخ العالم، وتاريخ جاك وروز بالذات!
برغم الظلام؛ شعرت بدموع جاك وهو يتحدث بصوت مشحون بالألم: كنت أظن أنني سأحيا إلى الأبد، لأن روز سوف تتذكرني، لكني لم أصبح سوى ذكرى باهتة تمرّ ببالها كل عدة سنوات، ولا تتوقف عندها كثيرًا، شعرت أنني خرقة بالية ملقاة في مزبلة، أريد استرداد حياتي!
بعد موته؛ شعر جاك بالندم، فروز جميلة جدًا، وليست أي شيء عدا ذلك، مجرد فتاة تافهة غير موهوبة، أما هو فعبقري كان يجب أن تملأ أعماله متاحف العالم ومعارض الفن التشكيلي الكبرى، ما حدث كان خطأ كبيرًا، وسوء اختيار، يعترف جاك بأن حماس الشباب وحبّه لروز دفعاه إليه، وهو يريد الآن إصلاح الخطأ بواسطتي.
لا يجب أن أموت بديلًا عن روز، هي يجب أن تموت، وأنت عليك أن تفعل ذلك، وإلا فلتغرق خورشيد كلها – تحدث جاك بتصميم مرعب.
كان علي الشامي، مشغّل آلة العرض السينمائي، يستعد لتشغيل فيلم «خالد بن الوليد» بطولة حسين صدقي. صالة العرض في قصر الجزيري لا تتحمل أكثر من ثلاثين شخصًا، لكنني رأيت بها مئات من أهالي خورشيد. أبي شاب وسيم بلا شارب يجلس على ركبته حفيدي محمد باسم، كثيرون ممن ماتوا، وممن لم يولدوا بعد، عقدت الدهشة ألسنة الجميع، فقد انطلق خالد بن الوليد بحصانه في الصحراء، وبعد لحظة إظلام، أضاءت الشاشة بفتاة رائعة الجمال ترقص مع عمال سفينة، كان جاك يقف بجواري، نظر إليّ بتواطؤ، ثم قفز إلى الشاشة، رقص مع روز، ثم أخذها إلى السيارة، رسمها، وفرّا إلى السطح، كان المكان خاليًا، والجمهور اشتعلت حماسته تصفيقًا وصفيرًا عندما رأى أحد أبناء خورشيد يدخل إلى الفيلم، تأملتُ لوحة روز العارية، فلاحظت أن خلفها لوحة أخرى، ألقيت بـ “روز” على كنبة السيارة، وتأملت تفاصيل اللوحة المختفية، «طوفان خورشيد».
اصطدمت “تيتانك” بجبل الثلج بعنف، فوقعتُ على الأرض من هول الصدمة، توقف عقلي عن التفكير للحظات، وكان أبي يحتضن حفيدي والرعب يطل من عينيه، تمالكتُ نفسي، أخذت لوحة الطوفان وقفزت من الشاشة خارجًا من صالة العرض بأقصى سرعتي، وقفت أمام مجرى المحمودية، حمدت الله أنه يعاني الجفاف بسبب مشكلة سدّ النهضة، لففت اللوحة حول جسدي بإحكام، تدفق الطوفان في مجرى المحمودية، وفاض على مسافات ضئيلة من ضفتيها، وبينما أغرق كانت سينما الجزيري تتلاشى، ليحل محلها مصنع نسيج ثم أرضٌ خربة، كنت خائفًا من لقائي القادم مع جاك بعد أن خدعته، لكنه كان يغرق في الثلج بلا أوهام حول جلسة روز فوق كرسي هزاز محتضنةً صورته.

نشرت في مجلة العربي الكويتية عدد يناير ٢٠٢١

ستة وثلاثون عامًا أحاول التوازن فوق ظهر النمر!..عزت القمحاوي

أذكر تلك اللحظة جيدًا.

في ثاني حصة “تعبير” في الصف الأول الثانوي، كنت منزويًا بخجل طبيعي وآخر مكتسب من أستاذ اللغة العربية خلال المرحلة الإعدادية الذي أوشك على النجاح في إفقادي ثقتي بنفسي وتحطيم كل إرادة لغوية أمتلكها. ظل على مدى ثلاث سنوات يحاول إجباري على الانضمام إلى مجموعات التقوية، وبقيت على عنادي. كانت آفة الدروس الخصوصية قد بدأت تسللها إلى التعليم، وكان المدرس اللحوح يُصر على أن علاقتي غير حسنة بالعربية، محطمًا في داخلي حلمي الكبير بأن أكون كاتبًا.

كان يمنحني أقل الدرجات في السنتين الأولى والثانية، لكن نتيجة السنة الثالثة “الشهادة” التي لا يد له في تصحيحها أنعشت آمالي مجددًا دون أن أتخلص من خوف حصص اللغة العربية.

استمر في القراءة ستة وثلاثون عامًا أحاول التوازن فوق ظهر النمر!..عزت القمحاوي

فراغ….قصة قصيرة جدًا :مرفت يس

..من قصص الأحمر

..

في مشهد دائم التكرار جالس  بملابسه الداخلية البيضاء المائلة للصفرة، مسندا رأسه للخلف علي فوتيه قديم أزرق اللون، فى حجرة باهتة الألوان، كانت فى يوم من الأيام وردية.

معطيا لكرشه الكبير مساحة من التمدد والانسياب، فاردآ ساقه اليمنى على منضدة صغيرة أمامه،  ممسكًا سيجارته ..بشبق غريب يلتهمها،  تتقلص بين شفتيه،  يعتصرها

تجلس أمامه علي سجادة عتيقة،  تعد فنجانآ من القهوة على سبرتاية من النحاس فى حجرة الجلوس التي اشتراها والدها دون أخذ رأيها كباقي الجهاز الذي تم شحنه معها .

لا يسمع في الغرفة سوي رشفته للقهوة وزفيره لسيجارته ..عيناها شاردتان.. تخرج آهات متقطعة مع كل نفس طويل من سيجارته التى تراقبها وهي تصغر حتى تتلاشي بين أصابعه …. يلقيها على الأرض  غير عابئ بالطفاية أمامه.

تتحرك .. تفتح دولابها … تتأمل  الملابس الصغيرة المقاس التي تملأ دولابها، وعلب المساحيق التي جفت،  تتذكر رقتها التي اختفت عندما استعمرها بسلوكه السيكوباتي وأخذ يغرس فيها فأسه فلم تنبت ولم تثمر …… و مازال يوهم نفسه أن الأرض أرضه ..!!!

قصص قصيرة جدًا: مرفت يس

 

107440081_298005321389168_5367081916643343248_n

مقتطفات من المجموعة القصصية الأحمر

نشاز

 

مدت يدها تناولت البوم صور …تقلب فيها, تتأملها ….تستعرض حياتها, وصلت للنهاية،

مزقت الصورة الأخيرة ….!

 

مفتتح

 

بتنهيدة عميقة تستمع لكلماته…يحاورها..يخرج مكنونها ..يصف خصيلات شعرها

نظرة عينيها..سيمفونية غزلية رائعة العبارات, تحسسته…قبلته..احتضنته,

سمعت صوتآ صاخبآ …

هرولت ….

سقط الكتاب…..!

استمر في القراءة قصص قصيرة جدًا: مرفت يس