محمد الراوي

محمد الراوي ..صانع أساطير السويس : حاتم مرعي


 كلما رآني منحني البهجة والكتب والمجلات ،وحدثني عن كونديرا وزوسكيند وماركيز وغيرهم من كتاب الرواية العالمية ودعاني للاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية ، أول من علمني أن للقصيدة عالم ينتمي للسرد ، وأن للرواية لغتها الشعرية عندما أهداني نسخة مصورة من روايته الأجمل “الزهرة الصخرية” كنت قد قرأت أعماله في أدب الحرب (الركض تحت الشمس _عبر الليل نحو النهار -الرجل والموت ) تعرفت على هذه المدينة الشبحية التي تحيا برغم الحروب كما لو كنت لم أرها من قبل ،كان له فضل كتابة قراءة نقدية في ديواني النثري الأول بجريدة الوعي السويسية والتي كان يحرر الصفحة الثقافية بها يقول في مضمون المقال “واعترف بأنى لأول مرة أقرأ ديوانا كاملا من قصائد النثر باللهجة العامية ،حتى طالعتني ملامح قصيدة النثر وقضاياها في ديوان كوابيس قديمة ” كنت سعيدا لأنني السبب في اهتمامه بالتجربة ومتابعتها عن قرب والتعرف على مبدعيها ،

ما زلت احتفظ بالعدد واتصفحه من وقت لآخر ، بهذا العدد قصائد لكامل عيد رمضان وعبد الرحمن ابو خنفور وعلى الخطيب وقصة للسيد حنفي ومقال لمحمد عطا ،كانت فترة من التوهج الإبداعي بالمدينة، هو الذى يبرزها ويساند الكتاب الأكثر موهبة وجرأة في الطرح ، ما زلت فخورا بهذا المقال واحتفائه بديواني بالجريدة في نصف صفحة ،كنت أزوره والأصدقاء مجدى عطية وسيد عبد الرحيم على مقهى يوسف بالسويس ،وكان كثيرا ما يزورنا على مقهى ابو سكينة بالمثلث ،كان يراقب عالمنا الهامشي الذى يفجر كتابة الذات ،يحدثنا عن ميشيل فوكو وتاريخ الجنون ويعدنا بكتاب لقراءته ، في كل لقاء كان هناك إضافة جديدة لنا ،كم كان هذا مغذيا للعملية الإبداعية لدينا كشعراء جدد ،كان الراوي بوابتنا إلى متابعة اعمق ومعرفة مختلفة، ،عندما رأيته قبيل رحيله و بعد رحيل صديقه الصدوق الشاعر كامل عيد رمضان لم يكن وجهه بنفس بهجته ،منحني ابتسامة الوداع وانطوى بعدها بمنزله بلا ذاكرة تؤرقه ، ظلت أساطيره بداخلي تدفعني إلى الحياة ، أتذكر بشاشته وقفشاته الضاحكة التي تتوارى خلفها هواجس الموت والفناء ، لم ينجرف الراوي إلى خطابية جيله وكتابة الأزمة ،كان متأملا لواقعه وأحداثه الملتهبة يرصده ويفككه بهدوء راهب ،يطرح سؤاله الوجودي ،ويعكف على تجربة هامة في الرواية العربية ، بجانب كتابته النقدية كان له الفضل في تشكيل ملامح جيل ما بعد الحرب في مدينة السويس وخارجها من خلال ندوة “الكلمة الجديدة “ومطبوعاتها “الماستر “التي كانت تعد وسيلة هامة من وسائل نشر الأعمال الأدبية وقتها كما يعد الراوي من أهم كتاب جيله في القصة والرواية برغم بعده عن المركز وتستحق أعماله أن تكون أكثر انتشارا مما قبل ،كانت أخر رواياته “تل القلزم ”قد صدرت عن قصور الثقافة عام 98 وجاء الوقت ودائما ما يجيئ متأخرا لطباعة أعماله الإبداعية الكاملة من هيئة قصور الثقافة أو هيئة الكتاب أو المجلس الأعلى للثقافة كما يليق بهذا الرمز المنير .

فكرة واحدة بشأن "محمد الراوي ..صانع أساطير السويس : حاتم مرعي"

أضف تعليق