حب غير عادل..قصة :محمود السانوسي عبادي

حب غير عادل

” من مجموعة امرأة تلد كل يوم ” تحت الطبع ..دار النسيم “

نشرت بجريدة الدستور وكذلك مجلة الثقافة الجديدة

======

بعد أن ماتت أمل بأربعين يوما تزوجت فريدة ..كنت أحسب أن أجمل أيام حياتي بعد أن تموت ! ..انها عرقلت كثيرا من الحرية والسعادة ..كنت أعتقد ذلك وأرسم مشاهد للمتعة ..لا كراهية في أمل ..إنها صارت زوجة بوصية من والدتي وهي على فراش الموت .. ولأن زواجي منها حفظني من التشرد ..فالشقة التي كانت تأويني ووالدتي ملكا لها ولم تكن تقبل الإيجار إلا بعد إلحاح شديد حتى انها كانت تنفق كل ما تتقاضاه من والدتي على سبيل الإيجار في دهانات الشقة ..اصلاح السباكة ..الكهرباء ..كما ساهمت في تغيير باب الشقة المتهالك وقدمت سلفة لا ترد إلى والدتي لتركيب سراميك بدلا من البلاط المتآكل

.وكذا غيرت المطبخ وأبدلت سريري وأحضرت لي مرتبتين احداهما من القطن الابيض والثانية من الاسفنج المضغوط ..ولم تكن كل تلك الخدمات إلا لأنها يتيمة وريثة جدتها الوحيدة صاحبة العمارة ذات الأربعة طوابق ولا تريد إلا ما وعدته أمي لها وما اتفقت عليه في جلسة نسائية مع جدتها حتى انها قرأت الفاتحة وزغردت وقدمت وليمة لكل سكان العمارة غير أنني لم أكن لأعارض بعد أن ضبطتني أمي متلبسا في بير السلم التقم ثدي أمل الأسود ..كنت مراهقا عجولا ..والحب عندي مجرد شهوة ..لم أجد غيرها تعيرني انتباها ولم تكن أمل بالمراهقة بل فتاة تجاوزت العشرين بثلاث سنوات بينما أنا لم أكن إلا ابن السبعة عشر عاما وما حدث لا يعني أن تنكسر عيني حرجا ووالدتي تحدثني بوضوح ..ان هذا الأمر متروك لي ..ويجب أن اتخذ قرارا صريحا فما كان مني إلا أن أتأرجح بين أول انثى اشعر أمامها بذكورتي وبين أنها لا تمثل جمالا ملحوظا ثم انها سوداء حالكة كالليل لا يدهشني الا هلال اسنانها الذي ان اشرقت ابتسامتها ظلت عزبة عفوية تحمل تأوه انثى اشد من الحرير نعومة ومسكنة ومودة تألفها ان تنقلت في الكلام بين الهزل والجد عبثها كجدها خجلها كجرأتها كلامها كصمتها وحنانها كجفائها ..لم أجد أمامي إلا أن اختارها زوجة بعد أن حاولت أن أتخطى الثأثأة والتأتأة وعيوب النطق عندي وأقول لفريدة أنا الذي يحبك هذا التاجر الجنتل مان الذي لا يترك مشهدا يراك فيه إلا قدم مائدة من الغزل ورسم لك البحر طحينة لا تصدقيه ..هم الفتيان كلهم هكذا حتى ينالون مرادهم يتأوهون عشقا ويهيمون حتى يأكلون ثمر الحب حتى يتقيؤون الكراهية والهجر ..لكن كوني بلسان يثير السخرية كلما حاول أن يثبت أحقيته في أن يكون عاشقا ..هذا ما قالته فريدة لحسام صاحب محل العطور والهدايا ..شاكية له أو ربما محرضة له حتى تشعل داخله الغيرة فكان اللقاء الصادم ..الشجار الذي تلقيت فيه اهانة لم أكن معد لاسترداد كرامتي فيها ما دامت فريدة هي الحليفة فأنا العزول .هو الأقوى بفصاحته بعضده الذي شده ..بنظراتها الفرحة بديك البراري وهو يزعق في وجهي مكررا مالك ومالها يا اخي ..احترم نفسك ..انت مش شايف حالتك ! ..المرآة تقول ماذا ! مواساة أمي لم تكفيني فدائما ما اسمع الأمثال الشعبية من النسوة العجائز كلما مدحتني أمي بأي خصلة حتى وإن لم يراها غيرها ..انتي كده دايما يا أم منير ..صحيح على رأي المثل القرد في عين أمه غزال ..لكن المرآة التي وقفت أمامها ساعات أهذب شعري وأحلق ذقني وأزين ملابسي .هذا القميص يليق على هذا المنطال ..ما دام القميص ..تلك الشياكة الباذخة كانت بمساهمة من أمل التي جرت تحضر المكواة لتكوي ملابسي ,,وأغلى تركيبة عطر أحضرتها من محل حسام ذاكرة له على سبيل تكدير صفوه ..على فكرة دا لسيد الرجالة الاستاذ منير الطيب الأمير ..هي قالت له فعلا سيد الرجالة ..نعم يا ولدي ..أمي يجب أن أتأكد منها ..طبعا وهي فرحة وهي ممتنة ونشطة في مناداة أمل ..أحضري بسرعة السعد جالك يا امل ..الظريف الطريف اللي عليه العين ..ها ها ها ..محتاج يسمع منك …وما أن رأيت أمل حتى استفردت بصوتها الذي احس باحتياجي الى الثناء كدعم معنوي وهي لم تقصر في هذا الثراء العاطفي حتى انها تفوقت على أمي في ذكر محاسني وخصالي الحميدة ..بل أنها نطقت بكثير من الصفات التي اخجلتني أمامها ولم يكن بمقدور أمي أن تنطقها ..ظل وقع كلماتها مختلفا في اثره النفسي فما قالته أمي لا يتعدى مدح أم في ابنها ..أما أمل فهي انثى رضخت بإرادتها لكثير من التنازلات الجسدية ..قبلة ..حضن ..حتى انني شعرت انه لا بد من الزواج منها فهي خبرتي الوحيدة الاصيلة المؤكدة ..وكل ما عداها مجرد هواجس تظهر في حياتي كلما رأيت فريدة تتمخطر لإغراء الفتى النطع حسام وهو مرابض في منتصف الشارع حارس عاطفي ان تجاوز احد الشبان معها يرعاها حتى من كلمات الأغاني والمطربين ان أظهرت اعجابها بأحدهم متنمرا عليها في تكبر كوني معي أنا ..أنا فقط الذي ينطق بالجميل الناضج ..ثمارك أرضي وجسدك بحري ..إن شربتك كلك صرت مطرا يا غزيرة الانوثة ..يا …ويا …ويا … حتى جاء الوقت الذي صدمني خبران في آن واحد عرفتهما من أمل تأكد لي الخبر بما رأيته بعيني ..وبما أقسمت والدتي عليه لاعنة هذا الأفاق الغادر بعد أن اضر بسمعة فريدة تخلى عنها وتهرب من اتمام الزواج ..يقسم أمام جدة أمل انه لم يتقدم من الأساس لخطبة فريدة ,,وان كل ما حدث مجرد اعجاب من طرف فريدة به ..أما هو فكان يعاملها كأخت لا أكثر وهي التي تمادت وحاولت …إلا أنه لا يفكر إلا في الزواج من أمل ..ذكرت أمي أمامي في نوع من الوعي بما يدور في ذهن هذا الأفاق المدعى حسام مؤكدة انه لم يكن ليرك الفتاة الجميلة من أجل السوداء مشيرة إلى قلة جمال وجاذبية أمل إلا لأن امل لديها ميراث وأمل وحيدة ولن تجد من يحاول أن يحافظ على أموالها من هذا النصاب الطامع في أموالها ..كما انه ورد إلى علمها ما يعانيه من ازمة مالية بسبب ديون متراكمة على محله وتجارته ..أجرت حوارها كله أمامي وهي تحفزني أن أكون واعيا وحريصا ومدبرا أمري مادامت الفتاة اختارتني فلما لا احفظ ودها بنت الحلال المؤدبة التي لم تعطي احدا غيرك هذا الحنان والرعاية والاهتمام الذي رأيته بعيني وأحسسته بقلبي ..اذكرك ..ونغزتني بكوعها ضاحكة حتى يتولد من لساني الأعرج كلمات متناثرة وصرت مصرا أكثر من والدتي على اتمام الزواج من أمل في أقرب وقت لا طمعا في ميراث أمل بل كيدا في هذا الأفاق المخاتل الذي سرق مني قلب فريدة وأهانني أمام أهالي المنطقة لحظتها صرت فرحا أميل إلى اظهار الحب والاحترام لأمل التي نصرتني واعزتني على عدوي خاطف قلب فريدة .

أضف تعليق