باتجاه سيد كريم الأهل. قصة: عبد العزيز دياب

عبد العزيز دياب

تحققت اللحظة المنتظرة فى مشهد مرعب كما وصفه بائع بوظة، انفلتت شجرة تركض بتجاه سيد كريم الأهل وحطت بجواره، هل كان سيد بحاجة إلى ظل لتركض إليه شجرة؟

 الحقيقة أن عشر مظلات ركضت إليه عندما استشعرت أنه بحاجة إلى ظل، كانت منشورة كأنها تقي كائنات وهمية من حرارة الشمس، سردها وتخير منها الرشيقة المتينة ذات اللون الأصولي الرهيف لتكون مظلته.

المشكلة الحقيقية تتمثل فى صاحب المظلة الرشيقة المتينة ذات اللون الأصولي الرهيف، اشتراها حديثا من بائع سَمِجْ بعد أن أجرى عدة عمليات حسابية أيقظت فى مخيلته بناءً شامخاً مكتوب على واجهته بالخط العريض عبارة “أنت مُفلس”، لكنه فى خطوة جريئة اشتراها، وبدل أن ينشر كيانها المحترم فوق رأسه من حر الشمس احتضنها بمشاعر أبوة خالصة.

رجل من دون كل البشر احتضن مظلة فى مشهد عبثي مستفز، كان يشبه عرب “الحطاطبة”، أولئك الذين يبنون بيوتاً شاهقة وينامون فى الطَلْ، يبدو أنه أحسن صنعاً، فقد تململت المظلة وهي محشورة بين صدره وذراعيه، صدره الذى صار ضيقاً حرجاً من كثرة الديون، ومتطلبات العصر الحديث، مسايرة دفقات الهواء المحملة بالشتائم من بشر وقحين لا يعرفون إلا اللغة المبتذلة.

تململت المظلة، فى حركة حثيثة حاولت الإفلات، أحكم حصاره عليها، تَذَكَّرَ عملياته الحسابية المرهقة، وباتت معركة شرسة حامية بينه وبين مظلته. تكونت حولهما حلقة من بشر، وباعة جائلين، أفندية يهتفون ويطلقون الصافرات لتتأجج روح المعركة، تزاحم حول المكان قطط وكلاب،حمير وبغال، سيارات وتكاتك كانت موصومة بمشاعر الدونية.

ما كان الرجل يتصور أن مظلة، مجرد مظلة سيكون لها النصر والغلبة فى حادثة غير مسبوقة فى تاريخ البشرية، وتاريخ المظلات كذلك، ربما انضمت قوة خفية مارقة إلى معسكرها. انفلتت المظلة فى شراسة وجرحت يده، أخذت معها قطعة من قميصه، وخصلة من شعر فتاة فى طريقها، انطلقت باجاه سيد كريم الأهل.

ولما كان لسيد كريم الأهل ما يشبه كرامة أولياء الله الصاحين، تَحَتَّمَ على رئاسة الحي أن تبني له مقاماً يحج إليه الدهماء والبسطاء والباحثين عن ظل، مقاماً يذكرنا برجل كان الشجر يسعي إليه سعياً، والكراسي، والطاولات، والمظلات.

أي قطعة من أرض الحكومةتصلح، سواء كانت مقلب قمامة، أو ملتقي عفاريت يمارسون لعبة الغميضة، أو ساحة لممارسة التوحد والرزيلة، مع تمام البناءيقام له مولد بكل مفرداته الثرية: زفة، بيارق، طبول، خيام، رقص بالسوف، حواة، أكل ولعة: مدد.. مدد، فقد انفلتت باتجاهه عربة كبدة اسكندراني، وجميلة تمنح المراهقين والشباب فرصة حقيقية للغزل، وسيارة جيب شروكي خرجت من الأجانص بكل رونقها، وبلياتشو استعرض أمامه فقراته المبتذلة الضاحكة، ورئيس الحي، وثري عربي بحقيبة متخمة بالدولارات.

كل هؤلاء انفلتوا إليه، ولم يكن أمامي إلا أن أخوض رحلة قاسية أتعلم خلالها كيف أكون سيد كريم الأهل.

أضف تعليق