مُتعب فعلا العمل بالجسد. عندها تكون ذاتك سلعة يجب المحافظة عليها دائما طازجة وندية. تعودت أن أستيقظ عصراً متسائلة هل كان لذلك اليوم شمسٌ ككل أيّام البشر.لأبدأ في النظر طويلا في المرآة باحثة عن الجزء المفقود.
هكذا علمتني السيدة التي وضعتني لأول مرة على الطريق. كانت خمسينية لها ضحكة رائقة كالحليب. ودودة وحنونة كأم. ربما ذلك هو سبب بقائها حتى هذه السن بصحبة العديد من الزبائن. كانت تقول لي “تابعي يا نتاشا التلاشي يوماً بيوم، ذلك أفضل كثيرا من أن تكتشف ضياعك الكامل مرة واحدة، كل رجل يعانقك بلا حب يأخذ جزءًا من البشرة. جزءًا بسيطاً جداً لا يمكن ملاحظته من المرة الأولى. تستطيع المساحيق ترميم التلف لمرات. لكن تكرار التلاشي يعرض روحك للفناء”. وعلى هذا الحال استمرت آخر خمس سنوات لي في مونتريال. قابلت فيها كل أنواع الرجال. البغاء مهنة معرفة الرجال بجدارة. بالأمس كان رجلي فوضوياً وممتلئاً بالتأوهات والعنف. لم يكن رجلاً يبحث عن متعة. كانت لديه رسالة لا يستطيع التعبير عنها. وكأنه لا يملك الكلمات ولا يفهم اللغة. كان يتأوه كحيوان جريح من العدم. بعد الانتهاء وتأكدي من أنه لامس فعلاً القاع الذي كان يشتهى أن يحط عليه. سحبت سيجارة من علبة سجائره الفاتحة فمها ببلاهة وكأنها مندهشة مما كنا نفعله. لأطلق الدخان في الهواء ناظرة إلى الفضاء الوهمي للحجرة. بتلك الحركة التي أثبتت أنّها الأفضل للإعلان عن انتهاء مهمتي. تماما كما ينحني ممثلو المسرح لجمهورهم معلنين عن موعد مغادرتهم للمسرح ولشخوصهم المستعارة. وسريعا تلاشت السيجارة بين إصبعي بينما هو لا يفعل شيئا غير مراقبتي. فكان عليّ أن أتحدث:
استمر في القراءة حجرة الفراشات..قصة:أسامة علام ( قصة الجمعة)