يستدرج سيد الوكيل المتلقي في رواية فوق الحياة قليلا كي ينسج ثنائيات ساخرة مبكية. نوع من أنواع مكاشفة الحياة و إيضاح فلسفتها على سبيل المثال يكشف ثقافة المجتمع عندما تقام مباراة لكرة القدم في نفس موعد ندوة ثقافية ( إما هو فيشعر بالاضطراب بين هذين الوضعين و عادة يفقد متعة الحياة بين أن يكون متميزا فعلا أو حيا بين الناس فكلمة متميز تعني آن يكون فوق الحياة بدرجة) ص 7
استخدم الوكيل أسلوب التبئير حيث اظهر الشكل البراق للشخصيات ثم غاص في أعماقها الداخلية لتخرج المعاناة النفسية المضحكة المبكية، علاقة الشاعر مثلا بمشبك حمالة الصدر ليس كعلاقة هدى كمال بهذا المشبك أو علاقة الزوجة أو عمل الشاعر في شركة مسحوق غسيل و تلبية الاحتياجات الحياتية اليومية مثل سائر البشر بينما يعيش لحظات إبداعه فوق الحياة قليلا أو بدرجة تتوالى الثنائيات الساخرة المبكية مع كل شخصية خاصة فصل المقهى الثقافي تعلو السخرية هل هي للضحك أو الكوميديا أم درامية الواقع لحد البكاء.
الأسلوب الذي كتبت به رواية فوق الحياة قليلا، يجعل السؤال حول سطوة الفلسفة في الأعمال الروائية يلح على الأذهان. عندما يستخدم الكاتب السرد الروائي لفلسفة الحياة مع أن الفلسفة لا حدود لها في الواقع ، مهما رسم لها الفلاسفة من أطر ومهما حاولوا حصر مواضيعها . وبالتالي فان سؤال الرواية والفلسفة هو سؤال عن ما هي الفلسفة ؟ وليس ما هي الرواية.
علينا أن نسلم بان لكل رواية فلسفة وليست كل فلسفة رواية ، مهارة الروائي في طرح الأفكار المتعمقة في الفلسفة، قد تكون بطرح الحكمة مباشرة أيا كانت طبيعة هذه الحكمة (لاهوتية كما بلزاك ، انطولوجية كما كونديرا ، حياتية معيشية جنسانية كما يطرحها كويلو ) مباشرة كما فعل السابقون بالإضافة إلى سارتر وإيكو أم مضمنة في المعنى العام لحبكة الرواية كما هو الحال لدى كافكا و موراكامي وباتريك زوسكند وماركيز. كان كافكا الأكثر تفوقا حينما لا نعرف إذا ما كانت رواية قصيرة كالمحاكمة تحمل آي قابلية للتأويل أم لا تعني شيئا.
![](https://sadazakera.wordpress.com/wp-content/uploads/2023/05/1316613066276648300-e1316720777183.jpg?w=300)
![](https://sadazakera.wordpress.com/wp-content/uploads/2023/05/arton13885-b69751.jpg?w=122)
استخدام الوكيل لذلك الأسلوب الفلسفي التحليلي لا تبعد كثيرا عن كونه احد أهم مثقفينا و ناقد في الأساس عندما يكتب رواية انه ينقد الواقع المحيط به يستلهم أسماء شخصيات حقيقية و يدخلهم في خياله الروائي لدرجة تصل لإرباك المتلقي فيتلاشى الحد الفاصل بين الواقع التخيلي و الواقع الحقيقي.
في نهاية الرواية الأولى التي تفتح السيرة للرواية الثانية التي كتبت بعدها بعدة سنوات الحالة دايت لكن عندما أعاد الأستاذ سيد الوكيل الطبع لهاتين الروايتين فضل أن يضمهما كتاب واحد.(هل تعرف من هو أعظم كاتب ساخر في الدنيا… لست أنت يا ابو الشمقمق إنه القدر…انظر إننا نولد لنموت ) ص 98
استكمالا لفلسفة الحياة يأتي الموت الحقيقة الثابتة في الدنيا. نتذكر مقولة جون كيتس «الموت يصنع التاريخ والتاريخ يصنع الموت»، أما الأستاذ سيد الوكيل يسأل داخل متن الرواية: هل الموت مصدر إلهام للكتابة كما هي الحياة؟ ص .181
تتباين الرؤية للكتاب العرب والعالميين، في مقاربة موضوعة / ثيمة الموت في كتاباتهم، مسرحاً وشعراً وقصاً ورواية. ففي الوقت الذي تَلَبَسَ فيه الموت حضوراً عبثياً وهزلياً في أعمال رواد المسرح العالميين من أمثال: سامويل بيكت وهارولد بنتر ويوجين يونسكو، اتفق النقاد في رؤيتهم لأعمال فرانز كافكا، بأنها «تولي اهتماماً وجودياً بمشكلة الموت التي تقف وراء حالات من الخوف والتقوقع في داخل الذات من أجل تجنب مواجهة قوى الموت والفناء» فيما ذهب الناقد روبرت فيلدمان للقول «بأن مسرحيات يوجين أونيل – مثلاً – تعبير عن الشوق إلى الموت هرباً من أعباء الحياة
فلسفة الموت في رواية الحالة دايت تتشابه مع حالة الولادة (بدأت افهم رغبته في البحث عن أمه نوع من العود الأبدي إلى الرحم فكرت في التشابه الحسي بين الرحم و الأرض) ص 126.
تنقسم الرواية ل ثلاثة أقسام الموت و كتاب الموتى و كتاب الكتابة. وصف الموت بالسردية الكبرى ( تفكيك هذه السردية الكبرى في عدة سرديات صغرى يسهم بطريقة ما في فهم الموت و رصد تجلياته و صوره التي تتفاوت بين الموت الحقيقي و الموت المجازي و الموت النفسي) ص 263
محاولة بعث المثقفين الموتى و بث فيهم الروح السردية من جديد (في هذه الرواية لم أكن أنوي الكتابة عن موت إبراهيم فهمي كنت أكتب عن حياة المثقفين لكن موت إبراهيم فهمي كان ثقيلا فألقى بظله على حياة المثقفين)ص 181
التعريف الابستمولوجي للمادّة السردية سواء في القصّة أو الرواية يكون في إعادة تشكيل العالم باللغة، أي أن الكاتب يسعى من خلال هذا النتاج الأدبي إلى بعث عالم خاص به، عبر المادّة اللغوية من فقرات وجمل وكلمات… ويسمى بعالم الرواية أو العالم الروائي، وفي هذا العالم بشكّل الكاتب رؤيته للحياة وللكون وللمجتمع… ولعلّ الموت جزء أساسي من هذه الحياة، حتّى لو بدا لوهلة نقيضا لها. فالموت هو الوجه الجانبي للحياة، باعتبار فكرة الثنائيات المتباينة التي تمنحنا قيمة الأشياء في بعد تجريدي شبه مطلق، فأهمية الحياة تكمن في كونها ضد الموت.( عندما يفكر ياسر عبد الحافظ أن يكتب عن الحياة نجده يكتب عن الموت بمناسبة الحياة) ص 267
وفي هذا الإطار تتنزّل الراوية كتشكّل للحياة أو على الأقل جزء منها، وفيها يكمن الموت، “كان ابراهيم فهمي يشعر بوحدة عميقة حتى و هو بين أصدقائه و مريديه على زهرة البستان لكنه عوض وحدته بحضور كثيف عندما مات كان حضوره في ذاتي أكثر كثافة بفعل الموت” ص 183
، يُعتبر موضوع الموت من أكثر الموضوعات الإنسانية اثارة للجدل لما يشكله من أطروحات تتعلق بارتباطها الوثيق بحياة الإنسان ومغزى كينونته في أبعادها الفلسفية والاجتماعية والميتافزيقية
والبحث عن جمالية الموت في النطاق الأدبي ومنه السردي، يسلط الضوء على البنية الأنثروبولوجية لثنائية الموت والحياة التي استلهمها الكاتب من واقعه كإنسان بدرجة أولى مصيره الموت ككل الكائنات الحية(كثير من الناس يعتقد أن الموت و الحياة وجهان لعملة واحدة و قليل جدا من الناس من يستطيع أن ينظر إلى وجهي العملة في وقت واحد، القدماء المصريون فعلوا هذا فأدركوا الحقيقة ببساطة) ص 287
. فالسمة الأساسية هي سيطرة الموت على مفاصل الرواية وامتدّت من فضائها الورقي إلى حقيقة الإنسان وسيسيولوجيا
في فصل كتاب الكتابة يتلاشى الحد الفاصل بين الناقد و المبدع هل هذا بحث عن كتابة الموت في الأدب المعاصر أم جزء من الرواية؟
تأتي إجابة هذا السؤال بعدة طرق كأن الأستاذ سيد الوكيل يشفق علينا من الحيرة.
( قد حدث أني رأيت وجهي العملة الواحدة في وقت واحد الموت و الحياة، النقد و الإبداع.. إلخ) ص 287
و أيضا ( هذه الأسئلة مازالت تربكني كلما تراوحت ذاتي بين الإبداع و النقد)ص 285
ثم تأتي إجابة قبل أن يلح السؤال ( لست الوحيد الطائر بين النقد و الإبداع) ص 287
نبهان رمضان.
مقالة لروايتي فوق الحياة قليلا و الحالة دايت للروائي والناقد/ سيد الوكيل تم نشرها في مجلة الدراويش البلغارية التي تصدر باللغة العربية و توزع في أوربا و الشرق الأوسط في عددها الأول.