أرشيف الأوسمة: على شلش

إضاءات من وحي ( مقامات في حضرة المحترم )

إ

مقامات في حضرة المحترم ..

عن دار بتانة للنشر صدر للأستاذ / الروائي والقاص والناقد كتابه المحترم (مقامات في حضرة المحترم)

التوقف عند العنوان ضرورة ملحة، فاختيارلفظة ” مقامات” مثلا لما تتكيء إليه الكلمة من أصل عربي تاريخي ويعرفها النقاد بكونها “فنٌ من الفنون اللغويّة في الأدب العربيّ، والتي تهتم بنقل قصةٍ عن شيءٍ ما، وتعرف أيضاً بأنها نصٌ نثري يجمع بين فن الكتابة والشعر، وتشبه القصة القصيرة في أسلوب صياغتِها، ولكنها تختلف عنها بأنها تتميز ببلاغةٍ لغويةٍ في المفردات، والجُمل المستخدمة فيها”

ثم “في حضرةالمحترم” ، ورغم أنه عنوان لروية شهيرة لنجيب محفوظ إلا أنه يمثل هنا اختيارًا موفقًا لبعديه التأريخي والدلالي لعنوان الرواية وصفة مؤلفها، وكذلك لما له من دلالة صوفية امتازت بها كتابات محفوظ ..

ومن رؤيتي وقراءتي للكتاب:

أنه يتضح الإشارة لعدم التزام نجيب بالحدود الفارقة بين القصة والرواية، نجيب الملتزم كما نعرفه – وهو يعد أبرز مطوّري و(فتوات) الرواية العربية مما يوازي من سبقوه أو عاصروه من أساطير الفن الروائي ويتفوق على بعضهم من حيث تبنيه مشروعًا فكريًا.
ولعل ذلك ما جعل البعض يوازن بين الشكل والمعيار القصصي عنده وعند غيره، فقاس على نجيب ما لم يضع نجيب نفسه له مقياسًا، ثم يشاء القدر أن يجيب على هؤلاء ويفحم بقوة بعد عقود في أصداء السيرة وأحلام فترة النقاهة.
التأكيد والإشارة الرائعة إلى تفوق رواية “قلب الليل” على أولاد حارتنا في الرمزية وكنت أظن أنني وحدي من توصلت لتلك القناعة (قصور اطلاع مني لا أنكره).
وهذا ما أكده د. الرخاوي فيما بعد وأورده الأستاذ سيد الوكيل  في سياق حديثه.يحذر الرخاوي من اندفاع نقاد نجيب محفوظ وراء التفسيرات الرمزية، بل ويحذر محفوظ نفسه من الوقوع في غواية الرمز “وقد رفضت دائمًا، أن يستدرج نجيب محفوظ تحت ضغط ظروف واقعية، أو إلحاح رؤية نبوية، فيلجأ إلى الإفراط في استعمال الرمز، لكنني عذرته إلا قليلاً، ولم أعذر النقاد –برغم فائق جهدهم، وعظيم تميزهم- أولئك النقاد الذين بالغوا في اختزال أغلب أعماله إلى رموزهم، من أول أستاذنا محمود أمين العالم حتى محمد حسن عبد الله، مرورًا بغالي شكري، وجورج طرابيشي، كما رفضت الرمز عند نجيب محفوظ نفسه، إذا فرض بحضور ملح، حتى أني اعتبر “أولاد حارتنا” المفرطة في الرمز، من أقل أعمال محفوظ إبداعا. (3)

توقفت كثيرًا عند ما (على شلش ) في دراسة ( عبد المحسن طه بدر ) لمقالات محفوظ تحت عنوان:” احتضار معتقدات وتولد معتقدات” وخلص منها إلى أربعة أفكار مركزية قال إنها لم تغب عن كتابات محفوظ بعد ذلك، وهى: 
ـ حياة البشر محكوم عليها بالتطور والتغير، والتطور شر لا بد منه
– الإنسان بطبيعته مؤمن.
– التوسط بالاشتراكية بين الرأسمالية والشيوعية
– مستقبل الإنسان مظلم
وتعاطفت مع اندهاشة الأستاذ / سيد الوكيل
إنه جهد معتبر في حد ذاته، ومقصد عادل، لكن! من المخيف حقًا أن يتم سجن  تجربة محفوظ الجمالية بكل  ما لها من هذا القدر من الاتساع والتطور، في أربعة أفكار مهما كانت قيمتها. أشعر بالقلق تجاه هذه اللغة الواثقة للنقد الأدبي. ورغبتها العنيفة في أدلجة الوعي.
الكم الهائل الذي استهلك تقريبا ثلث الكتاب كان رائع بخصوص عرض والربط بين روايتي “قلب الليل” و”الشحاذ”.
رغم مرورالمؤلف برحلة نجيب من مرحلة الواقعية إلى الفلسفية ثم القفز إلى الأحلام، دون المرور والتوقف عند تجربته الواقعية المبكرة في القاهرة الجديدة وخان الخليلي، وما قبلها من استلهام التاريخ، وأيضًا عدم التوقف الذي كنت أنتظره وبشدة عند الحرافيش، وربّما.. يدّخر ذلك لمقامات أخرى وحضور آخر وتجليات متجددة في عالم محفوظ اللا منتهي الدلالات والعطاء.
في المجمل كنت في حضرة ذكية ورائحة البخور المحفوظي تعبّق االسطور.