أرشيف الأوسمة: نجيب محفوظ

سوق الكانتو ونسقية نجيب محفوظ

دكتور سيد محمد السيد

 

هل يمكن قراءة نسق حضاري عن طريق تحليل قصة قصيرة؟

هذه فرضية، تتطلب منهجا للقراءة، والمنهج النقدي طريقة لاستخلاص معرفة جديدة من العمل الفني، هذا المنظور يضع التوجّه المعرفي مفتاحا لفهم العمل، ولأن غاية قراءة الإبداع الوصول إلى كيفية إنتاج الأدب مع الوضع في الاعتبار العلاقة الإحالية بين النص والعالم، فإن المعالجة النصية لا يمكن أن تعزل التكوين الجمالي عن المرجعية الحضارية التي يطالعها الإنسان في الوجود، ويتابعها في الأخبار، ويستقبلها في دروس التاريخ، لذلك يمكن أن تتضام بعض المناهج النقدية معا دون تناقض في قراءة العمل الإبداعي.

استمر في القراءة سوق الكانتو ونسقية نجيب محفوظ

عبير سليمان، تحدق في ما وراء القص

                                  

منذ حوالي اثنا عشر عاماً ، كنت أبحث في مكتبة أخي عن كتاب شيق يزيح عني الملل ، وجدت أمامي على الكومود مجموعة صدى النسيان لنجيب محفوظ ، لم أكن قرأت له إلا بين القصرين ، وعند دخولي لعالم قصصه القصيرة سخرت من نفسي :” أمن سذاجتك تريدين البدء من قصص جملها ملغمة بالرمزية ، لدى وصولي لقصة معركة في الحصن القديم لم أكمل وأغلقت الكتاب ، لكن بقي بداخلي فضول لعين يلح علي أن أعرف مصير العسكري ” أبو بيادة” الذي أخذ على عاتقه مصارعة العفاريت المختبئة في الحصن القديم والتي تنشر الذعر في نفوس أهل قريته !

ثم بعد سنوات علمت أنها من المجموعات التي كتبها في عقده الإبداعي الأخير ، واندهشت أكثر بأنه اختتم مسيرته بنصوص أشد غموضاً ” أحلام فترة النقاهة “، وأكثر إرباكا للقارئ إن لم يكن سبق له الإطلاع على أعمال محفوظ السابقة ، في هذه المجموعات وصل أديبنا لأعلى مستويات الرمزية ، كأنه أراد أن يثبت لنا أن الأديب يظل في حالة صراع مع حالة شغفه بالكتابة ، ولن تفارقه أبداً مادامت به أنفاس تحييه ، يظل حتى الرمق الأخير عاجزاً عن مقاومة رغبته العارمة بتطوير أدواته وترك إرث يخلد سيرته من بعده ، رغم كهولته والطعنة الغادرة التي تلقاها وأصابت ذراعه ويده إلا أن محفوظ تخطى كل المعوقات ، وترك لنا نصوصاً كلما قرأنها نشعر أنها تتجدد ولا تبلى أبداً فهي في كل قراءة تضيء ذاتياً وتمنحنا معنى جديداً يبرق في أذهاننا ، وعندما تقرأ بعض القصص القصيرة جدا في صدى النسيان مثل “ليلة الزفاف ” ستجد أنه وضعك شريكاً له في القصة ، كأنك عدت بالزمن للخلف طفلاً صغيراً وأمامك لوحة “بازل” ينقصها قطعة أو اثنتان ، وعليك أنت أن تضيف من خيالك لتكمل اللوحة ، ويمكنك أن تلونها على هواك ، فالنص مفتوح على مصراعيه للتأويلات.

لا أبالغ إن قلت كأني كنت أسمعه يقول أثناء روايته للحكايات الأشبه بلوحات فنية سريالية ، مادمت تسعى للمعرفة فلابد أن تتعب وتبذل قصارى جهدك ، ألا تعلم أنك كلما شقيت من أجلها كلما اتخذت مكاناً ثابتاً في عقلك ووجدانك ، بعكس القصص السهلة المباشرة؟ وماذا يكون تعبك يا بني مقارنة بما واجهته من حروب وما نزفته من دماء ، وهل تريد من رجل كهل أنهكته الحياة أن يمنحك في أيامه الأخيرة خلاصة تجربته على طبق من ذهب ؟”

إن القصص القصيرة جدا من أصعب أنواع الكتابة على الكاتب والقارئ معاً ، فالكاتب يصيغ من كلمات قليلة وجمل قصيرة حكاية كاملة ، محتفظاً لنفسه ببعض الاسرار وجزء كبير من المضمون ، ليضع القارئ في حيرة وحالة من الارتباك ، وحتماً سيعيد قراءتها عدة مرات ليتأكد هل أدرك المعنى وراء النص الأقرب للغز أم لا ، وهل أستطاع فك شفرة الرموز أم لا .

ربما هذا ما يجذب قطاع كبير من القراء لهذا النوع من الأدب ، والقارئ الذي يحب لعبة التحدي وفهم الألغاز هو الذي يحقق النجاح لهذه القصص ، حيث يشعر أنه في تجربة أقرب للمغامرة الأدبية الشيقة ، هو يلعب مع النص وكاتبه كأنه أمام رقعة شطرنج .

ومع ظهور جيل جديد من الكتاب ، استمر هذا النوع وتطور ، وانتشر بين عدة أدباء من جميع أنحاء الوطن العربي ، لذا فإن الكتابة عن هذه الظاهرة يحتاج إلى صفحات وصفحات .

إذا انتقلنا من صدى النسيان لنجيب محفوظ إلى أحلام فترة النقاهة ، نجد من ضمن النصوص نصاً يخايل قارئه وهو “الحلم 11″ الذي رأى فيه امرأة مستلقية على ظهرها تحت نخلة على شاطئ النيل ، عند جملة ” أما الأطفال والمرأة فقد تركوها جلدة على عظم أدركت فوراً أن المرأة رمز لمصر التي تناوب عليها عدة حكام وحاشيتهم ، جيل وراء جيل كل منهم ينهب ما ينهبه ويتركها ضعيفة ، وأهلها يصف حالهم هنا بأنهم في غفلة ، نائمون نومة أهل الكهف ، وهنا هو يرى نفسه يحاول الصراخ طلباً للاستغاثة لكن صوته لم يخرج من فمه ، هو هنا يشعر بالمسئولية عما يراه لكنه يشعر بالعجز فهو رهين شيخوخته ومرضه والعصابات تتصارع ، ما بين عصابة محيطة بالحاكم وعصابات أخرى ترتدي الجلابيب القصيرة تحمل سيوفاً وبنادق تشهره في وجه من يختلف معهم ، تكفره وتقتله دون رحمة ، وطبعا هناك عصابات تعمل تحت رعاية هؤلاء وهؤلاء ، وهم عصابة الفاسدين واللصوص والنشالين والهجامين ، يستغلون حالة الفوضى لصالحهم ، والكل يتصارع وبعد الضرب وسيلان الدماء يطلبون منه عمل المستحيل ، وهنا يظل مصير المرأة مجهولاً ، ونجدها تختفي من المشهد لتخيم حالة رعب شامل !

وإذا انتقلنا من عصر محفوظ لأدباء معاصرين ، مؤخراً قرأت نصا بديعا لأستاذي سيد الوكيل “موعد غرامي ” عن رجل ينتظر حبيبته ، لنفاجأ بأنه يعيش تجربة الانتظار والشوق في خياله ، المدهش أنه يرى من حوله فتياناً ينتظرون فتياتهم وهو واحد منهم ، وعندما يصف لنا مشهد حببته وهي تهبط درجات السلم ، نراها فتاة فاتنة ، تتعثر وتوشك على السقوط لكنها تتمالك نفسها وتبتسم ، إلى هنا نحن أمام لوحة تنبض بالحيوية والحركة والإغواء والدلال ، لكن عند وصول القصة إلى الجريدة التي أمام البطل مفتوحة على صفحة الوفيات نتفاجأ بأن من ينتظر ويحكي لنا ما يراه هو رجل كهل ، إنما تداعبه خيالات عاشق ، ذاق الحب وهي شاب ومازال خيال محبوبته يخايله ويهون عليه آلام وحدته .

لأكمل مطالعتي لنماذج مختلفة من هذا النوع من القصص ، انتقلت إلى الكتاب الشباب ، فوجدت نماذج بديعة للقصص القصيرة جدا ، مثل تجربة طارق إمام ” أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها ” ، التي تتنوع ما بين متلازمة الحياة والموت ، العلاقة بالزمن ، كيف يتعامل معه كل من الأب والابن مثل أقصوصة “موت الأب” ، ونرى كيف يتمنى الابن لكي يفهم أبيه وكيف يفكر يتمنى لو عاش في زمنه ليحصل على نفس خبرته ،  وهناك أيضاً علاقة الحيوانات وكيف تتفاعل مع المدن التي تحيى فيها ، ففي “كيف تربي المدينة كلابها ” نرى بأسلوب ساخر وصفا مدهشا للفارق بين الكلاب في المدن الكبيرة ومثيلتها في المدن الصغيرة ، في جملة واحدة نرى إسقاط أو تلميح أن كلاب المدن الصغيرة تشبه الأهالي الذين يقيمون فيها فيقول ” في المدن الصغيرة لا تفوت الكلاب فرصة للانتقام “، لكنها أيضا تكون لتلتهمها القطط ، أي أنها جبانة وعاجزة عن حماية نفسها ، بينما في المدن الكبيرة ” الكلاب تعرف ماذا عليها أن تفعل لتعيش طويلاً.

كما وجدت بعض النصوص المميزة والغارقة في الرمزية في مجموعة فانتازيا الحب والحرب لمحمد حسني عليوة ، وبمطالعتي لهذه التجارب وغيرها رأيت أن القصص القصيرة جدا تلقى قبول قطاعٍ ليس كبيراً من القراء ، لكنها تستهوي من يرغبون في الدخول إلى اللوحة كشريك فاعل ، له دور في إكمال المعنى الذي احتفظ به الأديب لنفسه .

روحانيات تحلق في سماوات الإبداع: قراءة في (لمح البصر) لسيد الوكيل، بقلم : محمد حجازي

لا أكون مبالغًا لو قلت أن الولوج إلى متاهة كتابة أدب الأحلام شرك عظيم، شرك قد يقع فيه الكاتب، فيهوي به إلى مهاوي السطحية والعبثية وطلاسم الكلم، فيفقد بذلك كثيرًا من صدقه لدى المتلقي، لاسيما إن كان كاتبًا في قامة الأستاذ سيد الوكيل له ما له من تاريخ حافل كأديب وناقد، غير أن الخلاص من هذا الشرك والوصول لمكنونات نفس المتلقي بصدق وحرفية يرفع من شأن الكاتب أضعافًا كثيرة، وهذا لأسباب عدة أسوقها لحضراتكم تباعًا:

أولًا: إن كان الأدب في مجمله وعلى اختلاف قوالبه يخاطب النفس البشرية قلبًا وعقلاً، مشاعر وأفكار، فإن أدب الأحلام بتعقيداته وتأويلاته وكما أنه نابعًا في الأساس من اللاشعور وبواطن العقل المعقدة التي لا يعلمها إلاّ الله، فإنه كذلك يخاطب بشكل أعمق ذات اللاشعور وبواطن النفس لدى المتلقي، في عملية معقدة للغاية تحتاج إلى صدق جارف وحرفية قصوى، وهذا لا يمنع من تدخل العقل في نهاية العملية أي في مرحلة الإفاقة، للتأويل والتأمل والتحليل والوقوف على مدى صدق التجربة.

ثانيًا: في منظوري أن كاتب أدب الأحلام ينبغي له بشكل أو بآخر أن يكون مطلعًا على التأويلات التى ساقها أساطين تأويل الرؤى كابن سيرين والنابلسي وميلنر، لم أقول هذا؟ لأن كثيرًا مما نرى في مناماتنا إنما هى أضغاث أحلام لا معنى لها، ولو نقلت إلى التجربة الأدبية الفنية لسقطت التجربة وأضحت محض هراء لا يصح، وإطلاع الكاتب على تأويل رؤياه ينأى به عن هذا تمامًا، إذ حينها ينتقي بحرفية ما ينقل ولا يخلط بين الغث والثمين، ذلك الخلط الذي قد يقع فيه الكاتب مهما كانت قيمته، وقد قرأت تجارب لكتاب كثر، وعرضتها على التأويل فوجدتها طلاسم لا صدق فيها ولا شعور وإنما هي ملأ لفراغ الأوراق فحسب.

استمر في القراءة روحانيات تحلق في سماوات الإبداع: قراءة في (لمح البصر) لسيد الوكيل، بقلم : محمد حجازي

سيد الوكيل يقودنا إلى الطريق في «لمح البصر». بقلم: د. ممدوح النابي.

كتب:ممدوح فراّج النابي

          سيد الوكيل كاتب وناقد مصري يُعتبر من أَغزر أبناء جيله إنتاجًا على مستوى الكم والكيف معًا. في نصوص الوكيل ثمّة مراوحة بين أنواع مُختلفة وإن كانت قريبة، وهو ما يشير إلى انحيازه وولائه للكتابة بغض النظر عن مسألة الهوية التجنيسيّة التي يكتب تحت إهابها. وهو ما يعني أن مرحلة التجريب التي تلازم نصوصه هي نِتاج وعي بمرونة النظرية النقدية، وقدرتها على خلق أنواع بديلة قد تكون هجينة بعض الأحيان، وبعضًا تكون مُستقلة، كما هي الأحلام التي ينثر فيها أفكاره في هذا العمل الجديد. فتنوّعت كتاباته ما بين القصة والرواية والنقد، وأحيانًا يمزج بين السيرة والرواية والنقد معًا كما فعل في «الحالة دايت».نشر الوكيل من قبل «أيام هند» ١٩٩٠، و«للروح غناها» ١٩٩٧،و«مثل واحدآخر»٢٠٠٤ في مجال القصة القصيرة. و«فوق الحياةقليلاً»١٩٩٧، و«شارع بسادة»٢٠٠٨، و«الحالةدايت:متتالية فى سيرةالموت والكتابة» ٢٠١١، في  مجال الرواية. أما في النقد فأصدر«مداراتفىالأدبوالنقد » ٢٠٠٢، و«أفضيةالذات:قراءةفىاتجاهاتالسّردالقصصى» 2006.

          نصوص “لمح البصر”الصّادرة مؤخّرًا، عن روافد للنشر والتوزيع بالقاهرة، تمثِّل نموذجًا حيًّا لحالة التجريب والتمرد على المألوف في الكتابة التي خبرها الكاتب في نصوص سابقة، وفي هذا العمل الجديد لا يني يمارس غوايته في التجريب والتعامّل مع نصه كمادّة مرنة طيِّعة قابلة للتشكيل والتغيير حتى داخل النص نفسه، فتتماسمعالقصة القصيرة في شكلها، ومع الأحلام في رؤاها ودلاتها، كما أن بنتيها تنهل من ذات بنية اللاوعي التي هي مصدر الأحلام. لذا ليس من المبالغة إذا وصفنا هذه النصوص بأنها تنتمي إلى ما بعد الحداثة، حيث التركيز على العوالم الصغيرة التي ينفتح بها على العالم الأكبر، والاتكاء على الإيجاز في تلخيص العالم، والهروب بالحلم من فداحة الواقع الراهن، والانفصال عنه بالعودة إلى مواطن الطفولة، وانشغالاتها وبراءتها، وأحلامها البسيطة التي تُعادل العالم لحظتها.

استمر في القراءة سيد الوكيل يقودنا إلى الطريق في «لمح البصر». بقلم: د. ممدوح النابي.

سيد الوكيل، يرسم عالمه في “لمح البصر “. د. مصطفى الضبع

د. مصطفى الضبع

أبريل 30, 2019

د. مصطفى الضبع ، أستاذ  ورئيس قسم النقد الأدبي بجامعة الفيوم

سيد الوكيل قاص وروائي وناقد مصري  تضعه تجربته في الطبقة الأولى من كتاب الرواية خاصة والمبدعين عامة (الطبقة التي يقرأ مبدعوها أكثر مما يبدعون فتأتي أعمالها متميزة، خلافا لطبقة تقرأ قدر ما تكتب فتاتي أعمالها مذبذبة المستوى، وطبقة أخرى تكتب أكثر مما تقرأ فتأتي أعمالها ضعيفة لا يعول عليها ولا تحقق حياة )، يجمع سيد الوكيل بين وعيين أساسيين تقوم عليهما تجربته: وعي المبدع صاحب التجربة، ووعي الناقد صاحب الرؤية وهو ما تؤكده قائمة أعماله التي جاءت استجابة لتجربة عميقة تقوم على أساس من الفن الجميل وليس مجرد البحث عن كتابة سهلة إعلامية الطابع، سطحية المستوى، ضعيفة التأثير:

له أربع مجموعات قصصية تضعه في مكانة تليق به بين كتاب القصة القصيرة ممن حرصوا على كتابتها :

– أيام هند – نصوص 90 – القاهرة 1990.

–  للروح غناها – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1997.

–  مثل واحد آخر – طبعة خاصة – القاهرة 2004.

– لمح البصر – روافد للنشر والتوزيع  – القاهرة 2014.

وله روايتان ضمنتا له موقعا متميزا بين كتاب الرواية من أبناء جيله :

فوق الحياة قليلا – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 1997.

شارع بسادة – الدار للنشر – القاهرة 2008.

وله كتابان نقديان تحددان رؤيته النقدية وتكشفان عن مجال عمله في مقاربة النصوص:

مدارات في الأدب والنقد – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2002.

أفضية الذات، قراءة في اتجاهات السرد القصصي – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2006.

وله عمل يجمع بين السرد القصصي والسيرة الذاتية:

الحالة دايت (متتالية في سيرة الموت والكتابة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2011.

ينتمي الوكيل للكتاب الذين وقفت أعمالهم الأولى أعتاب الألفية الثالثة، بدأ الكتابة في الثمانينيات وتحقق له الانتشار في التسعينيات وتأكد نضج مشروعه بداية الألفية الثالثة، والذين ينتمون لهذه المرحلة ومرت أعمالهم بالمراحل نفسها يمثلون جيلا يحقق تفرده من تجاوزه أيديولجية الجيل السابق ومشكلاتها فلا هو جيل اليسار الذي عاني من تعقيداته ولا هو جيل الانفتاح الذي عانى مشكلاته، ولأن الوكيل يعد نموذجا لهذا الجيل  الذي  قرأ السابقين بعمق واستوعب تجربة المشهد الروائي مخلصا لتلمذته لنجيب محفوظ محتفظا بمسافة تخص الكتابة وتتحقق عبر قراءة محفوظ لا ادعاء تلمذته بالاقتراب منه أو منح النفس صك الحديث عنه أو باسمه.

يقول تعبيرا عن رؤيته للكتابة “فالكتابة هكذا، ليست تعبيرا عن الحياة.. بل هى طريقة من طرائق عيشها. ليست ردا لفعل ما، بل هي الفعل نفسه”(سيد الوكيل: الحالة دايت )، وهو ما يجعل من نصوصه مجالا للحياة.

إذا كانت مجموعته القصصية الأولى ” أيام هند ” تكشف عن  موهبة الكاتب، فإن المجموعة الثانية ” للروح غناها ” تكشف عن نضج الموهبة، وظهور طاقات دلالية تتناسب ونضج الكاتب، فيما تؤكد المجموعة الثالثة “مثل واحد آخر ” عمق التجربة وقدرتها على تقديم كاتب حريص على خدمة مشروعه عبر العناية بتفاصيل التجربة ومن قبلها العناية بالخلفية المعرفية للتجربة عبر مشروع قراءة واسع المجال يقوم على عمادين أساسيين: قراءة السرد ومكاشفة نماذجه العليا، وقراءة السينما عبر مقاربة نماذجها ومتابعة مراحل تطورها ، وتأتي المجموعة الرابعة لتقف بمشروع الكاتب عند منعطف تجربة جديدة لا تشي بالقدرة على التشكيل فحسب وإنما تقدم نموذجها الخاصة بالقدرة على التخييل عبر التقاط تفاصيل يدرك المتلقي واقعيتها غير أنه لا يخطئ التعامل معها فنيا ممررة بوعي كاتب يعرف كيف يشكل نصه معتمدا طرائق خاصة في رسم النص.

تتآلف إلى حد كبير نصوص المجموعة القصصية عند سيد الوكيل مما يجعلها مجموعة من التوائم المتقاربة،   تبدو للوهلة الأولى متبعة طريقة / طرائق محدودة فى إنتاج دلالتها ، ولكن سيد الوكيل يعمد للتنويع فى مجالات القص عبر المجموعة الواحدة، وهى أولى علامات الحرص على إبقاء المتلقي على درجة اهتمامه إلى ما بعد نهاية القراءة التي ليس معناها نهاية التلقي بالطبع، وهو ما يتكشف عبر نصوص المجموعة الرابعة ذات الطابع الخاص من بين مجموعات الكاتب.

تضم مجموعته الجامعة بين تقنيات السرد القصصي وطريقة سرد الأحلام ” لمح البصر ” تسعة وثلاثين نصا قصصيا تميل جميعها للقصر(كثير منها لا يتجاوز نصف الصفحة ) ، معبرة عن عنوانها الأخير الذي تصدر المجموعة ” لمح البصر “، ذلك التعبير الذي يجعلها تقارب مساحات مكانية في لحظات زمنية سريعة تناسب سياق الحلم وطرائقه وتجعل من النصوص لحظات تتجاوز الوعي بالزمن إلى الوعي بالحدث من حيث هو مخزن استراتيجي للرمز أولا ولإنتاج الدلالة النصية ثانيا ودليلا على منجز السارد وقدرته على تقديم حدث شيق، جذاب، دال ثالثا.

فعناوين النصوص بوصفها عتبات لا تحيل إلى النص بقدر ما يحيل إلى العالم خارجه وخاصة تلك العناوين التي تتشكل من معان مجردة في معظمها : لمح البصر – اللعبة – شغف الطريق – قلق الأربعين – ساعة العمر – حق العودة – الدليل.

في قصته “خالص العزاء ” رغم أن النص يقوم على مشهد عزاء “زوجة وزير الداخلية ” فإن صيغة العنوان لا تقف عند حصار النص فيها أو لا تكون مجرد نقطة عبور إلى المتن بقدر ماهي عبور للعالم الذي جاء العزاء تمثيلا (رامزا) له، فخالص العزاء ليس للفقيدة أو فيها وغنما لعالم تكاد تفاصيله تكون مبثوثة في النصوص جميعها، حيث العالم يتشكل من شخصيتين (السارد وصديقه ) بوصفهما شاهدين على العالم غير مشاركين في صنعه أحيانا كثيرة، وبوصفهما نموذجا للعلاقة القائمة بين اثنين في مواجهة العالم المضاد:

لذا تأتي القصة عابرة للمشهد المرسوم وقافزة عليه: ” انتصب سرادق العزاء مهيباً أمام مسجد عمر مكرم، وفي مقدمته صورة كبيرة للمرحومة زوجة وزير الداخلية، كان وكيل الوزارة يتلقى العزاء في مقدمة صف طويل من موظفي الوزارة، فيما وقف مدير مكتبه يوزع بطاقات خضراء على المعزين، إذ عليهم أن يسجلوا فيها اسم السورة التى يرغبون سماعها من المقريء.

رأيت المقريء في نهاية السرادق، يتربع على كرسي مذهّب مكسو بالحرير الأخضر، وأمامه عدد من تلك البطاقات الخضراء، ثم رأيتُ خادم السرادق في قفطان أبيض نظيف يتجه ناحيتى، أخذ بطاقتي وأشار لي أن اتبعه، فمضيتُ خلفه صامتاً بما يليق بجلال الموت.

قادني إلى المقعد المخصص لي وأمرني بالجلوس فقلت له أننى لم اكتب في بطاقتي شيئاً بعد.

يبدو أنه لم يسمعني فكررت كلامي بصوت أعلى، لكنه لم يرد، فقط مضى في اتجاه المقريء ووضع بطاقتي بجوار البطاقات الأخرى.

وقفتُ لحظة مندهشاً ومحتجاً، حتى أحاطتني نظرات المعزين مستنكرة ارتفاع صوتي، فجلست صاغراً على المقعد المخصص لي، عندئذ التفت إليّ جاري وهمس:

ـ ألم تلاحظ أن المقرئ كفيف؟؟”

النصوص في مجملها تمثل مجموعة من الروافد التي تغذي نهرا متدفقا ليس من صنع السارد وإنما هو من صنع القدر ويكون دور كل سارد أن يقدم روافده لخدمة هذا النهر الكبير

أساليب السرد في الرواية السياسية وتحولاتها: سيد الوكيل

أ

ا

دقة المصطلح ورحابة التطبيق

يُفهم الأدب السياسي في الغرب، على أنه ذلك الأدب الذي يتخذ من جدلية العلاقة بين الحاكم والمحكوم موضوعا له؛ مع التأكيد على أن هذه العلاقة تتجلى في موضوعات شتى، تشتبك بالواقع السياسي مثل: القضايا التي تتعلق بالفساد السياسي والممارسات الحزبية، وحقوق المواطنة والحق في العمل، وغير ذلك من الموضوعات التي تدخل في صميم العلاقة بين الإدارة السياسية للدولة والمواطن. وهى بطبيعة الحال، قد قطعت شوطًا كبيرًا في النظم الديموقراطية، التي تعبر عن نفسها خلال قنوات قانونية مثل: صناديق الانتخابات، أومن خلال برامج الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة التي مثل المنظمات الحقوقية. لذلك، فإن الحاجة للأدب السياسي في مثل هذه المجتمعات، ليست ملحة بوصفها فنًا أدبيًا مميزًا، حيث ينظر إليها بوصفها قنوات إضافية للتعبير المباشر عن الرأي، شأنها شأن المقالات الصحفية وبرامج (التوك شو)، حتى وإن اتبعت طرقا فنية بسيطة للعرض، كالرمز والإسقاط تسهم في نقل الرسالة على نحو واضح وشبه مباشر. ومن ثم، فالرواية السياسية وفق تعريف جوزيف بلونتر: ” هي كتاب يصف: مباشرة، ويفسر ويحلل ظاهرة سياسية” 1

وتعتبر السخرية والكشف عن المفارقات اللاذعة ضرورات فنية تستهدف القارئ وتحريضه. بهذا المعنى، فإن الأدب السياسي ـ في الغرب ـ يحدد ملامحه ويعّرف نفسه على نحو مستقل عن فنون الأدب المألوفة التي مثل الرواية أو القصة، كما يحدد وظيفته على نحو واضح، وهى استهداف الجمهور وتحريكه بوصفه ورقة الضغط الأقوى على الحكومة، أى أنه أدب تحريضي، أكثر منه أدبا سياسيا.

استمر في القراءة أساليب السرد في الرواية السياسية وتحولاتها: سيد الوكيل

إضاءات من وحي ( مقامات في حضرة المحترم )

إ

مقامات في حضرة المحترم ..

عن دار بتانة للنشر صدر للأستاذ / الروائي والقاص والناقد كتابه المحترم (مقامات في حضرة المحترم)

التوقف عند العنوان ضرورة ملحة، فاختيارلفظة ” مقامات” مثلا لما تتكيء إليه الكلمة من أصل عربي تاريخي ويعرفها النقاد بكونها “فنٌ من الفنون اللغويّة في الأدب العربيّ، والتي تهتم بنقل قصةٍ عن شيءٍ ما، وتعرف أيضاً بأنها نصٌ نثري يجمع بين فن الكتابة والشعر، وتشبه القصة القصيرة في أسلوب صياغتِها، ولكنها تختلف عنها بأنها تتميز ببلاغةٍ لغويةٍ في المفردات، والجُمل المستخدمة فيها”

ثم “في حضرةالمحترم” ، ورغم أنه عنوان لروية شهيرة لنجيب محفوظ إلا أنه يمثل هنا اختيارًا موفقًا لبعديه التأريخي والدلالي لعنوان الرواية وصفة مؤلفها، وكذلك لما له من دلالة صوفية امتازت بها كتابات محفوظ ..

ومن رؤيتي وقراءتي للكتاب:

أنه يتضح الإشارة لعدم التزام نجيب بالحدود الفارقة بين القصة والرواية، نجيب الملتزم كما نعرفه – وهو يعد أبرز مطوّري و(فتوات) الرواية العربية مما يوازي من سبقوه أو عاصروه من أساطير الفن الروائي ويتفوق على بعضهم من حيث تبنيه مشروعًا فكريًا.
ولعل ذلك ما جعل البعض يوازن بين الشكل والمعيار القصصي عنده وعند غيره، فقاس على نجيب ما لم يضع نجيب نفسه له مقياسًا، ثم يشاء القدر أن يجيب على هؤلاء ويفحم بقوة بعد عقود في أصداء السيرة وأحلام فترة النقاهة.
التأكيد والإشارة الرائعة إلى تفوق رواية “قلب الليل” على أولاد حارتنا في الرمزية وكنت أظن أنني وحدي من توصلت لتلك القناعة (قصور اطلاع مني لا أنكره).
وهذا ما أكده د. الرخاوي فيما بعد وأورده الأستاذ سيد الوكيل  في سياق حديثه.يحذر الرخاوي من اندفاع نقاد نجيب محفوظ وراء التفسيرات الرمزية، بل ويحذر محفوظ نفسه من الوقوع في غواية الرمز “وقد رفضت دائمًا، أن يستدرج نجيب محفوظ تحت ضغط ظروف واقعية، أو إلحاح رؤية نبوية، فيلجأ إلى الإفراط في استعمال الرمز، لكنني عذرته إلا قليلاً، ولم أعذر النقاد –برغم فائق جهدهم، وعظيم تميزهم- أولئك النقاد الذين بالغوا في اختزال أغلب أعماله إلى رموزهم، من أول أستاذنا محمود أمين العالم حتى محمد حسن عبد الله، مرورًا بغالي شكري، وجورج طرابيشي، كما رفضت الرمز عند نجيب محفوظ نفسه، إذا فرض بحضور ملح، حتى أني اعتبر “أولاد حارتنا” المفرطة في الرمز، من أقل أعمال محفوظ إبداعا. (3)

توقفت كثيرًا عند ما (على شلش ) في دراسة ( عبد المحسن طه بدر ) لمقالات محفوظ تحت عنوان:” احتضار معتقدات وتولد معتقدات” وخلص منها إلى أربعة أفكار مركزية قال إنها لم تغب عن كتابات محفوظ بعد ذلك، وهى: 
ـ حياة البشر محكوم عليها بالتطور والتغير، والتطور شر لا بد منه
– الإنسان بطبيعته مؤمن.
– التوسط بالاشتراكية بين الرأسمالية والشيوعية
– مستقبل الإنسان مظلم
وتعاطفت مع اندهاشة الأستاذ / سيد الوكيل
إنه جهد معتبر في حد ذاته، ومقصد عادل، لكن! من المخيف حقًا أن يتم سجن  تجربة محفوظ الجمالية بكل  ما لها من هذا القدر من الاتساع والتطور، في أربعة أفكار مهما كانت قيمتها. أشعر بالقلق تجاه هذه اللغة الواثقة للنقد الأدبي. ورغبتها العنيفة في أدلجة الوعي.
الكم الهائل الذي استهلك تقريبا ثلث الكتاب كان رائع بخصوص عرض والربط بين روايتي “قلب الليل” و”الشحاذ”.
رغم مرورالمؤلف برحلة نجيب من مرحلة الواقعية إلى الفلسفية ثم القفز إلى الأحلام، دون المرور والتوقف عند تجربته الواقعية المبكرة في القاهرة الجديدة وخان الخليلي، وما قبلها من استلهام التاريخ، وأيضًا عدم التوقف الذي كنت أنتظره وبشدة عند الحرافيش، وربّما.. يدّخر ذلك لمقامات أخرى وحضور آخر وتجليات متجددة في عالم محفوظ اللا منتهي الدلالات والعطاء.
في المجمل كنت في حضرة ذكية ورائحة البخور المحفوظي تعبّق االسطور.

 قراءة مقامات في حضرة المحترم لسيد الوكيل

بقلم: السيد نجم

تحيرت فور الاطلاع على هذا الجهد المعرفي النقدي لسيد الوكيل، حيث تناول (نجيب محفوظ) الذي قد يظن البعض أن ما كتب عنه يكفي، والحقيقة من يقرأ “مقامات في حضرة المحترم” يدرك أن الباب لم يغلق، باب مغارة كنوز نجيب محفوظ، وﺇلا ما كانت تلك القراءة فى مخطوطة طويلة، أضافت معها أسلة جديدة وأن مغارة محفوظ ما زالت مفتوحة. فقدناقش الوكيل أعماله بنرة بانورامية للسمات العامة فى سرديات محفوظ، وذلك بمنهجية متعمدة فاحصة للتناول، تعتمد على ما تضمنته مقدمة الكاتب نفسه، حيث اقترب كثيرا من دلالات “اﻹبداع” الذي هو البحث عن الذات، حيث يتوالد التوتر من خلال رحلة عرفها بالرحلة الوجودية.. كم شغف الوكيل بملاحقة تلك الرحلة مع نجيب محفوظ حتى كانت الرؤيا في المنام، وكأننا مع تهويمات سردية من سرديات محفوظ!  

استمر في القراءة  قراءة مقامات في حضرة المحترم لسيد الوكيل

الأستاذ ..مختارات قصصية

مــــدد

ا10 نصوص من عالم ” أحلام فترة النقاهة

قصة : مندوب فوق العادة

من أصداء السيرة الذاتية

معركة في الحصن القديم

العشق في الظلام

حزن وسرور

الطاحونة

لقاء خاطف

ثمن السعادة

أهل القمة بقلم : شريف الوكيل

لاشك أنه مع زيادة رؤوس الأموال الأجنبية ، وتدفقها مع ظهور المستثمرين الأجانب والعرب، تكونت مجموعات طفيلية كل هدفها هو الربح السريع غير المنتج، وبشكل ما يسمى رأس المال المقامر.

وأصبح الشغل الشاغل لهذه الفئات تحقيق أكبر قدر من المال، كما تفننت هذه الفئات فى ابتداع طرق استغلال متعددة،  للحصول على المال والربح، وأصبحت المادة هى القانون الأمثل للحياة(اللى معاه قرش يسوى قرش)

ونظرٱ لأن قيمة التعليم والثقافة، كانت تمثل قيمة مثلى فى مرحلة تاريخية معينة، بالنسبة للطبقة الوسطى،  فقد أصبح هناك صراع نفسى إجتماعى لدى الأفراد،  فى تحديد القيم وتبنيها ، وأصبح السؤال الحائر بين إجابتين، هل يتبنى القيم المادية، او قيم التعليم والثقافة…وفى إطار الاعتبارات والأوضاع المعيشية المزدوجة والمتناقضة، ومع اتساع الهوة بين الأسعار والدخول خاصة المحدودة منها، تسود قيمة المادة على قيمة التعليم والثقافة .

ونتيجة للازدواجية بين القيم الأصلية “التعليم” والوافدة” المادة”، تولدت أيضا ازدواجية بحيث أصبح الفرد يطلب التعليم للحصول على الشهادة…ثم يبحث عن عمل يدر له الربح، أو يجمع بينهما، وأصبح هناك كما يشير الواقع على ظهور المعلم التاجر، وأستاذ الجامعة المستغل والموظف السائق، ورئيس مجلس الإدارة السمسار…إلى آخر تلك الأمثلة الواقعية، وفى ضوء هذه الاعتبارات تغيرت القيم الأسرية وتغير التعليم وغيره .

استمر في القراءة أهل القمة بقلم : شريف الوكيل

أحلام نجيب محفوظ..د. زكي سالم

    في السـنوات الأخيرة من حياة أسـتاذي الحبيب نجيب محفوظ، كانت نصوصه القصيرة، التي يبدعها ببساطة عبقريته الفـذة، وقد أطلق عليها عنـوانا موحيا، وهو : ”أحلام فترة النقاهة“، كانت هذه ”الجواهر الثمينة“  موضوعا مهما لحواري الدائم معه، فقد انبهرت بهذه المقطوعات القصصية البديعة، والتي تعد كلماتها القليلة خلاصة مقطرة للتجربة الإبداعية المدهشة لهذا الفيلسـوف المتصوف، الذي اتخذ من الأدب وسيلة للتعبير عن رؤيته الفلسفية للخالق والإنسان والعالم.

    وقد استغرقت كتابة هذه الأحلام الرائعة من أستاذنا كل سـنواته الأخيرة، من بعد محاولة اغتياله الإجرامية، في 14 أكتوبر 1994 ، وحتى رحيلة في 30 أغسطس 2006 ،أي أكثر من عشر سنوات متصلة، فقد قضى نحو عامين في محاولاته الدؤوبة لإعادة تعلم الكتابة بيده اليمنى المصابة، فإذا ما نظرنا إلى عمله الأكبر ( حجما ) ”الثلاثية“، سنجد أن إبداعها، وكتابتها كلها استمرت لنحو خمـس سنوات فحـسب، أي أن هذه ” النصوص الصغيرة“  قد استغرقت أكثر من ضعف عدد السنوات التي كتب فيها ”بين القصرين“ ، وهو اسم الرواية التي اضطر إلى تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء عند النشر، دون أن يغير فيها كلمة واحدة.

استمر في القراءة أحلام نجيب محفوظ..د. زكي سالم

10نصوص من عالم ” أحلام فترة النقاهة


نشرها وائل فتحي

الغد.. أغسطس 30, الغد 2016

«أحلام فترة النقاهة».. آخر ما أودعه أديب نوبل المصري نجيب محفوظ، من ثروة باسمه في خزائن المكتبة العربية، وقد نشر الجزء الثاني من الأحلام بعد رحيله بنحو 9 سنوات، لتثير جدلا كبيرا، داخل أوساط المثقفين والقراء، حول نسبتها إلى محفوظـ، مما ذهب بالبعض إلى اعتقاد أن الناشر (دار الشروق) قام بتلفيق بعض النصوص للحصول على مكاسب مادية، إلا أن أصدقاء محفوظ وأسرته استطاعوا أن يبرهنوا على نسبة الأحلام لصاحبها، واليوم 30 أغسطس/آب، حيث تمر الذكرى العاشرة على وفاة الروائي العربي الأكثر شهرة وصيتا، نقرأ بعض من تجلياته وإشراقاته في «أحلام فترة النقاهة».

حلم 5..

أسير على غير هدى وبلا هدف ولكن صادفتنى مفاجأة لم تخطر لى فى خاطرى فصرت كلما وضعت قدمى فى شارع انقلب الشارع سيركا،اختفت جدرانه وأبنيته وسياراته والمارة وحل محل ذلك قبة هائلة بمقاعدها المتدرجة وحبالها الممدودة والمدلاة واراجيحها وأقفاص حيوانتها والممثلون والمبتكرون والرياضيون حتى البلياتشو، وشد ما دهشت وسررت وكدت أطير من الفرح، ولكن بالانتقال من شارع إلى شارع وبتكرار المعجزة مضى السرور يفتر والضجر يزحف حتى ضقت بالمشى والرؤية وتاقت نفسى للرجوع إلى مسكنى، ولكم فرحت حين لاح لى وجه الدنيا وامنت بمجىء الفرح. وفتحت الباب فإذا بالبلياتشو يستقبلنى مقهقها.

استمر في القراءة 10نصوص من عالم ” أحلام فترة النقاهة

تجربة نجيب محفوظ عملية عبور واسع للنوع

  عاطف محمد عبد المجيد

في كتابه عن نجيب محفوظ وعنونه بـ ” مقـامـات في حضرة المحترم ” ويهديه إلى د. محمد حسن عبد الله، مفتتحًا إياه بمقولة لشاكر النابلسي يقول فيها ” الكتابة عن أي رواية من روايات نجيب محفوظ، لا يمكن أن تتم بتكوينها الأمين إلا من خلال أعمال نجيب محفوظ ككل، كذلك الحال مع جميع الروائيين العظام، والشعراء العظام، والفلاسفة العظام”، ومقسمًا إياه إلى ” مقام الأسرار، مقام الكمال، مقام الوصل “، يتساءل بداية سيد الوكيل قائلًا: ” لماذا رحلة المبدع هي تحولات مشفوعة بالقلق، والتوتر، والضنى؟ “، مجيبًا أنه ربما لأنها مرادف لرحلة البحث عن الذات.صحيح، يقول، أن كل خطوة هي عطاء جديد يفضي إلى نضج ما، لكن، يبدو أن الرحلة نفسها لا تنتهي، ربما لأن الذوات القلقة، لا تطمئن إلى النهايات، مضيفًا أنه في البدايات لا تبدو قلقًا، بقدر فرحك بالبداية نفسها، وهكذا تنطلق بكليتك حتى تكتشف أنك صرت في الرحلة فعلاً، عندئذ يبدأ القلق.                        الوكيل الذي يرى أن  الحياة ماهرة في نصب الفخاخ،  إذ كلما نظرت وراءك بغضب، أو أمامك بشغف، ستقطع مزيدًا من الخطوات، نحو مزيد من القلق.إنها رحلة وجودية أيضًا، تماثل رحلة الإنسان، يبدأها بصراخ يعلن عن وجوده، وينهيها بصمت أبدي، يتساءل كذلك:  متى يبدأ المبدع الإحساس بقلقه الوجودي؟      ويجيب بأنه بالتأكيد يبدأ القلق، وأنت في قلب الرحلة، ولكننا لا نعرف كم من الخطوات نقطعها لنقابل قلقنا.الوكيل يظن أن كثيرًا من الكتّاب، لا يقابل قلقه أبدًا. ربما، لأنهم لم يقطعوا رحلتهم، بقدر ما قطعوا رحلة آخرين غيرهم؛ لكن، يمكنه القول إنك تلتقي بقلقك الخاص، في تلك اللحظة التي ينتابك شعور، بأن عليك أن تمشي رحلتك وحدك، وأنت مستعد لتحمل تبعاتها.

استمر في القراءة تجربة نجيب محفوظ عملية عبور واسع للنوع

أشرف عبدالشافي.. يكتب : محفوظ وكرة القدم

أشرف 2

تحت عنوان (الأدباء أيضاً يمكنهم اللعب)، اختارت ” النيويورك تايمز” أحد عشر لاعباً يمثلون اشهر شخصيات الإبداع فى العالم ،ومن بينهم 3 شخصيات حصلوا على جائزة نوبل الأول هو الاديب الروسى ـ الأمريكى “فلاديمير نابوكوف” لحراسة مرمى الفريق ،وذلك لأنه مارس هذا الدور فى صباه حيث كان يعشق حراسة المرمى ،أما الثانى فهو الكاتب التركى الشهير “أورهان باموق” الحاصل على نوبل فى دورته الأخيرة وذلك للعب فى مركز الظهير الأيسر.

استمر في القراءة أشرف عبدالشافي.. يكتب : محفوظ وكرة القدم

الطاحونة

قصة: نجيب محفوظ

كانوا ثلاثة قيل انهم خرجوا الى الدنيا فى يوم واحد . و حديث الأعمار يبوح بأسراره فى حارتنا عند الحوار بين الأمهات حتى بلغوا السادسة . عند ذاك حجزت البنت لتصبح خفية وراء الجدران و استمر الصديقان فى اللعب و التذكر . أما رزق فيتذكرها كلما احتاجوا الى ثالث فى لعبة من الألعاب ، و أما عبده فحتما منذ تلك المبكرة كان يشعر بها حبيبة للقلب على نحو ما . و منذ تلك السن المبكرة أيضا أدرك أن عليه أن ينتظر عشر سنوات قبل أن يحقق أمله المشروع .

استمر في القراءة الطاحونة