أرشيف الأوسمة: نائل الطوخي

المتغير السردى في مصر، قبيل الألفية الثالثة

سيد الوكيل

المدخل السياسى

منذ منتصف التعسينيات كان سؤال التغيير من أكثر الأسئلة إلحاحا فى الأدبيات السياسية، غير أنه ظل ـ حتى هذا الوقت ـ ملتبسا بمصطلح آخرهو الإصلاح، وهو مصطلح أسبق تبنته السلطة السياسية نفسها ـ منذ منتصف الثمانينيات، ليأخذ فى البداية منحى اقتصادى، لكن النخب الثقافية فعّلت الإصلاح إلى معنى سياسى واجتماعى شامل أخذ صبغة ثقافية، إذ أن الإصلاح الذى تبنته النخب الثقافية، صار مطلبا جمعيا ملحا أكثر من كونه برنامج عمل حكومى. لهذا، بدا أن الإصلاح معنى متواضع غير قادر على تجسيد الرغبة فى تجاوز المأزق المصرى منذ هزيمة67 وتداعياتها، وبدا أن الأمر يحتاج تغييرا كبيرا في بنية الوعى الاجتماعي السياسى، وبطبيعة الحال، كانت النظرة إلى التغيير في الخطاب الثقافي، بمثابة القاطرة التي يمكن أن تقود مصر إلى تغيير شامل منشود. وقد ترافق هذا، مع ظهور متغيرات حقيقية على الصعيد الدولي، فرضت نفسها عبر المنظومة الثقافية الدولية، صارت مكشوفة وممكنة التطبيق في مجتمعات أخرى بفضل وسائط التعبير التكنولوجية عبر الفضائيات والأنترنت.

استمر في القراءة المتغير السردى في مصر، قبيل الألفية الثالثة

المشهد التسعيني، نقطة العبور إلى الهنا والآن. بقلم : سيد الوكيل

سيد الوكيل

10/ 1/ 2011

مقدمة

تكمن أهمية دراسة المشهد السردي خلال التعسينيات من القرن الماضي، في كونها عتبة للعبور بين قرنين. العبور هنا، ليس مجرد نقطة تصل بين زمنين، هو هنا نقطة فاصلة حقبتين من تاريخ البشرية.

في الواقع. التسعينيات جسر يعبر بين قرن يعتبر نهاية الحداثة. وآخر انهمك في مظاهر ما بعد حداثية، تعتبر في حد ذاتها ثورة على عقلانية الحداثة وتقاليدها المحكمة.

 لكن الأمر لا يتوقف عند هذا، فقد قدم القرن الحادي والعشرون نفسه بوصفه ثورة على تاريخ الكتابة أيضا، عندما أصبحت الرقمية وسيطا فاعلا في حياة البشر. ليس في تواصلهم فحسب، بل في طرائق تفكيرهم أيضا، وأخيلتهم، ومشاعرهم، وربما غرائزهم.

لهذا فإن الموقف ما بعد الحداثي، والوسيط الرقمي معا يعبران عن علاقة تفاعلية، تعتبر القرن الحالي بداية لحقبة بشرية جديدة، وليس مجرد بداية لقرن جديد. حقبة، يُتَوقع أنها ستعيش أطول من تلك التي عاشها البشر منذ ابتكار الكتابة وحتى الآن.

وبغض النظر عن التكهنات حول مستقبل الكتابة، والكِتَاب. فإن الصورة أصبحت تزاحم بقوة، وتنتج معانيها ودلالتها، بل وبلاغتها.

إن موضوع الرقمية، وأثرها على الحياة بما في ذلك الأدب، ليس موضوعنا هنا، بقدر ما هو سؤال يفرض نفسه: إلى أي مدى كنا مؤهلين لقبول التغيرات الفادحة التي وعد بها القرن الحادي والعشرون؟  وما هي آثار هذه التغيرات، في بداية العقد الأول منه؟ باعتباره العقد الذي شهد تجاورا بين ثلاثة أجيال على الأقل: الستينيات، والتسعينيات، وما بينهما، فيما راح يرهص بجيل جديد، نشأ منذ البداية في ظل تكنولوجيا، تجعل العالم كله، يحضر هنا والآن.  

رؤية ضبابية:

عمليا، شهد العقد الأول من الألفية الثالثة نهاية ساخرة لمفهوم الجيل، الذي ينهض على اتجاه أو تيار يحدد مفاهيم مركزية تحدد لماهية الأدب ووظيفته، وقدمت وسائط الاتصال الأليكتروني خالص العزاء  لكل الذين عاشوا في جلابيب الآباء، ثم اكتشفوا ـ فجأة ـ أن عليهم أن يدخلوا الألفية الثالثة بالملابس الرياضية والبوكسرات. في حلقة نقاش مدبرة من قبل مؤتمر الرواية الرسمي، عبر ممثل إحدى الجماعات الأدبية عن عدم إيمانه بفكرة الجيل، لدية فكرة أوسع، أن المشهد الأدبي يتكون من فسيفساء، قطع صغيرة تتجاور، لاتستسلم لأنساق موضوعية أو شكلية أو عمرية. ولا تستهدف توجهات أدبية بعينها، تمثل تيارا أو جيلا واحداً. يفسر هذا الوعي ظاهرة انتشار الجماعات الأدبية مع بداية الألفية الثالثة، لتؤكد توزع المشهد الأدبي الكبير على جماعات صغيرة تتعدد وتتجاور فيما بينها، وكأنهم يدخلونها بوعي مخالف لسلفهم التسعينى، برغبة في تقويض المقولات الكلية التى مازالت تعمل كبقايا أيديولوجية من الستينيات.

إنهم يعبرون عن جدارة المشهد الثقافي بقيم الاتساع والتنوع، وجدارة الجماعات والكيانات الصغري بالوجود بدلاً من التكتلات والتوجهات والأنساق الكبري، أغلب الظن أنهم لم يقرأوا إدوارد سعيد، لكنهم التقوا ـ مصادفة ـ به وهو يعبر عن الدور العام للكتاب والمثقفين: مع طلع الثمانينيات خلا العالم من الكبار، فأتاح ذلك الفرصة لصغار الشأن أن يعبرواعن أنفسهم.

لعل فروق التوقيت هى التى أخرتنا عن إدراك هذا في حينه، فحتى العقد الأخير من القرن المنصرم، كنا نردد بكثير من الإفراط مقولة ( جيل التسعينيات) تماما كما ردد أباؤنا الستينيون: جيل الستينيات. لم ندرك ـ حينها ـ أن الظرف الثقافي الذى أسس لمقولة الجيل في الستينيات انتهى بعدهم. كنا نحتاج إلى صدمة تكنولوجية لنتخطى كثيرا من حواجز القرن المنصرم. الثقافة ليست شأنا من اختصاص الفلاسفة والعباقرة والجهابذة ولفيف الأساتذة. الثقافة ممارسة، فعل يومى يمارس على نطاق واسع بطرائق وأشكال لانهائية: الشباب الذين يعملون في منظمات المجتمع المدنى، ورش التنمية البشرية، المتدربين في الصحف اليومية، الجماعات الفنية المستقلة في الأدب والمسرح وسينما  ألأفلام القصيرة والوثائقية، فنانو الجرافيك. والثري دي ماكس، والمدونون، كتّاب الخواطر واليوميات والخبرات الشخصية الصغيرة، الذين يوصفونها : قصة ومضة. التقنيون المهرة في فنون التكنولوجيا الذين يحكمون وسائط التعبير والاتصال، إنهم  وقود المشهد الآني، بقدرة مدهشة على إزعاج الكبار عندما يضعون أنفسهم في قلب المشهد الثقافي العام، هكذا يقول دريدا: ” إنك إذا أردت أن تقوض مركزا ما، فعليك أن تتموضع داخله”. لكن أهم مايلفت الانتباه في هذا المشهد الجديد، هوالتعايش بين فنون قديمة كفنون الأدب وفنون جديدة ولدتها تكنولوجيا الصورة.

استمر في القراءة المشهد التسعيني، نقطة العبور إلى الهنا والآن. بقلم : سيد الوكيل