مصر في أدب الرحلة في العصر العثماني (*) ا. د. عوض الغباري

أ.

هذا بحث فى أدب الرحلة يعالج قضايا كثيرة تتعلق بصورة مصر فى أواخر العصر العثمانى من خلال رحلة عالم سورى صوفى أديب هو الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كتابه : “الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز”.

استخدم المؤلف الرحَّالة تقنية المذكرات اليومية فى تسجيل رحلته، وقدَّم بذلك واقع الحياة الأدبية والحضارية لمصر فى مطلع نهضتها.

وقد توافق الرحالة مع الحضارة العربية الإسلامية، فكشف عن هذه الحضارة فى مصر، خاصة ما يتعلق بأثر الصوفية فى المجتمع المصرى فى العصر العثمانى.

تناول الكتاب الرحالة والرحلة التى استغرقت ثلاثمائة وثمانية وثمانين يوما بدأت فى غرة المحرم 1105هـ/ سبتمبر 1694م، وانتهت فى الخامس من صفر 1106هـ، وقد قصد الرحالة الحج، فارتبطت الرحلة بهدفه الدينى، وما صحبه من طلب العلم مما يمكن عدّه هدفا آخر.

وقد تأصلت الرغبة فى الرحلة فى نفس الرحالة، وصدر فيها عن نزوع ذاتى تجلى فى ترجمته لأسرته، وفى سرده لمؤلفاته.

ومن هنا يناقش البحث علاقة أدب الرحلة بالسيرة الذاتية، وتراجم الأعلام من الأدباء والعلماء والصوفية الذين حفلت بهم مصر فى زمن هذه الرحلة.

كما أورد النابلسى صورا حافلة لمساجد مصر التى زارها، ولمقامات الأولياء والصالحين، وزخرت رحلته بقصص أحوالهم ومقاماتهم وكراماتهم، مما فتح الباب واسعا لمناقشة التداخل بين أدب الرحلة وأدب القصة. كذلك ناقش البحث ارتباط أدب الرحلة بالعلوم والفنون المختلفة، مما صوَّر المنظور الموسوعى للرحلة انعكاسا لموسوعية نتاج أعلام مصر من علماء الأزهر، وأعلام المتصوفة وكبار الأدباء والشعراء الذين حاورهم الرحالة فى مجالس أدبية حافلة بالحركة والحيوية والحياة خلافا لما شاع عن جمود الأدب وتخلف الثقافة فى مصر العثمانية.

لقد قدَّم النابلسى مادة ثرية انعكست من ملاحظته المباشرة، ومعايشته المعاصرة لثقافته العربية فى حوارها مع الأدب المصرى بشخصيته المميزة، فى إطارها العربى مما يقع فى صميم أدب الرحلة بوصفه تجسيدا “للمفارقة” التى يشعر بها الرحالة فى علاقته بالمكان الذى يرتحل إليه، مقارنا بالمكان الذى ينتمى إليه. فضلا عن وعيه باختلاف تجربته، وثرائها عبر الرحلة.

وقد صورت الرحلة طبيعة مصر – النيل- الهرم، ووردت بها أشعار حافلة بالصدق، تعكس صورة مصر مقارنة بغيرها من البلدان، مما يقدمه أدب الرحلة الذى ينظر إلى مصر فى إطار مقارن من خلال عيون الرحلة غير المصريين.

وقد اتسعت دائرة التعبير عن الحركة الأدبية المصرية فى الرحلة النابلسية فى فنون اختصت بها مصر فى العصر العثمانى كالمخمسات، والمواليا، والتأريخ بالشعر فيما عُرف (بحساب الجُمَّل)، كما انعكست الحياة العلمية فى حوارات “النابلسى” مع علماء مصر وزائريها فى قضايا العلم المختلفة، وصوَّر أدب المدح والرسائل الإخوانية هذه الروح الإنسانية التى تجلت فيها الصلات العميقة بين أدباء العرب تعبيرا عن الصلات الأدبية والثقافية والحضارية بينهم.

أما فيما يختص بالحياة الاجتماعية فى مصر العثمانية فقد قدَّم النابلسى صورا للعادات والتقاليد المصرية، وما يرتبط بها من تراث شعبى، وما تحفل به الحياة المصرية من اعتقاد فى كرامات الأولياء، وما يتصل من هذه الحياة بتاريخ مصر وعمرانها دالا على الشخصية المصرية قديما وحديثا.

لقد وقعت مصر فى قلب الرحلة النابلسية، وقد ارتبط صاحبها بمصر تاريخا وثقافة وحضارة فلم يقتصر وصف مصر على الجزء الخاص بها فى الرحلة بل امتد إلى الجزء الخاص بالشام، والجزء الخاص بالحجاز.

وعلى ضوء النقد الحديث تناول هذا البحث مفهوم أدب الرحلة، وتقنياته عربيا وغربيا بهدف تقييم الرحلة موضوع البحث، وتأصيلا للقضايا المطروحة حول مصر وأدبها وحضارتها فى العصر  العثمانى مما تجلى فى الخاتمة التى أكدت فيها صلة الرحلة بالحضارة الإنسانية، وتجسيدها للصحوة الثقافية لمصر فى أواخر العصر العثمانى مبشرة بالنهضة الحديثة، ومما يفسح المجال للرأى القائل بأن رواد العصر العثمانى هم الذين أدركوا خطر التخلف، وحاولوا فتح الباب للنهوض واليقظة؛ يقظة جديدة، وإحياء لعلم الأمة ولغتها وثقافتها.

سجل الشيخ عبد الغنى النابلسى، وهو صوفى عالم أديب، من أدباء الشام، رحلته إلى مصر، عبر طريقه إلى الحج سنة 1105هـ فى كتاب يصور أدب الرحلة فى القرن الثانى عشر الهجرى- السابع عشر الميلادى- ويصوِّر رؤية هذا الأديب لمصر: ثقافة وحضارة.

يتناول هذا البحث الرحلة والرحالة فى هذا الكتاب بهدف دراسة صورة مصر فى الثلث الأخير من العصر العثمانى الذى يثير أسئلة كثيرة حول قيمة الأدب المصرى وحول محتواه الثقافى والحضارى.

يعنى هذا البحث بدراسة هذه الرحلة فى إطار المناهج النقدية والأدبية الحديثة التى تناقش مفهوم أدب الرحلة نوعاً أدبياً.اعتمد النابلسى فى سرد هذه الرحلة على شكل المذكرات اليومية، مما قد يكشف عن بعض حقائق حركة الأدب المصرى فى واقعه الاجتماعى والثقافى فى العصر العثمانى، مما يضئ جانبا من جوانب الحركة العلمية والأدبية والحضارية فى أواخر العصر العثمانى فى مصر مبشرا بالنهضة التى تبعته فى العصر الحديث.

اعتمدت فى هذا البحث على طبعة أحمد عبد المجيد هريدى الذى قدَّمه مخطوطا بخط واضح مقروء، ونشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.

المقدمة:

يُعنى هذا البحث بدراسة هذه الرحلة فى إطار المناهج النقدية والأدبية الحديثة التى تثير تساؤلات كثيرة حول مفهوم أدب الرحلة نوعا أدبيا، وحول قدرة هذا النوع الأدبى على الكشف عن ذات الرحالة فى علاقته مع المكان الذى رحل إليه، وما يعنيه من خصوصية يراها الرحالة ممثلة فى ثقافة هذا المكان وحضارته؛ مصوِّراً ذلك فى أدب الرحلة الذى يحتل موقعا عظيما فى النفس الإنسانية منذ قديم الزمان، حيث تتغلغل بنية “الرحلة” فى كل الآداب العظيمة فى العالم، منذ أن كان أدب الحياة – كرحلة – قويا عبر الزمن والثقافات().

يعرض هذا البحث للرحالة والرحلة مثيرًا تساؤلات حول هدف هذه الرحلة، ومدى كشفها عن حضارة مصر وآدابها فى العصر العثمانى فى آخر القرن السابع عشر الميلادى، وعن مدى تحققها مع تساؤلات المنهج الحديث حول أدب الرحلة واتصاله بعلوم وفنون وحضارات مختلفة، وقد كان النابلسى عالما موسوعيًّا، مثَّل مفهوم الأدب العربى فى ضرورة إحاطة الأديب بالمعارف والعلوم المختلفة. إلى هذه الثقافة الموسوعية ترتد قيمة أعمال العديد من الرحالة المسلمين الذين حرصوا على الإلمام بمناهج زمانهم وعلومهم وفلسفاتهم جنباً إلى جنب مع تفكيرهم ونشأتهم الدينية().

مَثَّل النابلسى، أيضا، مفهوم أدب الرحلة فى التراث العربى، فى جانب من أهم جوانبه وهو الجانب الخاص بأدب رحلة الحج.

يهدف هذا البحث إلى دراسة زاوية رؤية الرحالة وهو – هنا- عالم أديب صوفى – جعل هدف رحلته طلب العلم، إضافة إلى الحج هدفا دينيا، وهو الهدف الأساس؛ أضاف إليه النابلسى بعدا روحيا صوفيا فى حواره مع صوفية مصر وعلى رأسهم الشيخ زين العابدين البكرى شيخ السادة البكرية الذى استضافه، وصوَّره النابلسى تصويرا نابضا عكس قوة الصوفية، وأثرهم البالغ فى الحكام والمحكومين فى العصر العثمانى مما قد يضفى أبعادًا أخرى للبحث توضح ما للحركة الصوفية فى مصر فى هذا العصر من أهمية فى الكشف عن حركة الشعب المصرى الذى أغفله المؤرخون الذين ركزوا على الأحداث السياسية وعلى صانعيها من الحكام وصفوة طبقات المجتمع، وكشف عنها التصوف وقد تحوَّل فى هذا العصر من ظاهرة وجدانية فردية إلى ظاهرة اجتماعية كما يرى “توفيق الطويل” الذى أشار إلى نفوذ مشايخ الطرق الصوفية فى العصر العثمانى، وإلى توجيههم للعامة وللخاصة من المريدين، وقد شجعت الدولة زعماء مشايخ الصوفية ليستتب لها الحكم().

أفاض النابلسى فى رحلته فى وصف المساجد، وأضرحة أولياء الله الصالحين، واستغرق فى وصف مقاماتهم وأحوالهم، وكراماتهم، وأورد أدبا صوفيا كثيرا يتعلق بهذه الموضوعات التى شغلته صوفيا عكس ، فى زيارته لمصر. تغلغل الجانب الدينى فى إنتاج مصر الأدبى وما يتعلق بهذا الجانب من كثرة الشعر فى مدح أولياء الله الصالحين فى العصر العثمانى، فضلا عن عرضه لأهم خصائص المدرسة الأدبية البكرية فى مصر، ومن أهمها تلك الروح الصوفية المتأثرة بابن الفارض وابن عربى، وقد أنجبت مصر أعظم شاعر مصرى ظهر فى القرن العاشر وهو “محمد البكرى” من هذه الأسرة، كما واكب النابلسى الفنون الأدبية التى أبدعها أدباء مصر كالموشحات والأزجال والمواليا إلى جانب الفنون الأخرى التى تميز بها الأدب المصرى، خاصة شعر الطبيعة().

أسهب النابلسى فى تقديم تجليات الطبيعة المصرية فى الأدب العربى وقد ارتاد مرابعها، وخص النيل بكثير من هذا الوصف.

كان النابلسى أيضا متوافقا مع روح الفن الأدبى فى العصر العثمانى فسرد رحلته بأسلوب السجع، وقد عكس تجاوبه مع فنون البديع التى تشكل ظاهرة من أهم الظواهر الفنية فى الأدب المصرى الذى عرض لكثير من تجلياته فى كتابه : “الحقيقة والمجاز” عبر مساجلاته الأدبية، وحواراته العلمية مع أعلام هذا الأدب ممن تحدث عنهم أثناء إقامته فى مصر.

التمهيد

أولاً : الرحالة :

الشيخ عبد الغنى النابلسى (1050هـ- 1143هـ) الولى العارف، ينبوع العوارف والمعارف، شيخ الإسلام وصدر الأئمة الأعلام، صاحب المصنفات التى اشتهرت شرقا وغربا، ذو الكرامات الظاهرة والمكاشفات الباهرة على حد تعبير “المرادى” الذى خصه بترجمة ضافية فى “سلك الدرر”().

ولد فى دمشق ونشأ على الاشتغال بقراءة القرآن، ودرس التفسير والحديث وأصول الفقه، والنحو والصرف وعلوم البلاغة على أعلام مشايخ عصره، وأخذ النابلسى عدة طرق صوفية عن أعلام المشايخ كالطريقة القادرية، والطريقة النقشبندية، وأخذ فى التدريس والتصنيف والإبحار فى قراءة كتب ابن عربى وغيره من مشاهير الصوفية، ونظم بديعية فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى سن العشرين حتى اختصه الله بفيوضات معرفية وبركات صوفية جعلته موردًا لأفواج الناس الذين أقبلوا عليه متبركين به.

يفيض المرادى فى ذكر مؤلفات النابلسى مشيرا إلى غزارتها وشيوعها وفائدتها، وإلى نظمه الذى لا يُحصى لكثرته، وإلى ذيوع شعره الذى حُفِظ وأُنشِد على الناس، وإلى فهمه الدقيق، وعلمه الغزير، وقَدْره الرفيع، وخلقه النبيل، ووصفه الجميل، من الكرم وحب الصالحين، والانصراف  إلى  العلم،  والمواظبة على العبادة، وإنكاره ما له من كرامات.

أشار المرادى، كذلك، إلى ترجمة العالم كمال الدين محمد الغزى للنابلسى فى كتاب سماه: “الورد القدسى والوارد الأُنسى فى ترجمة العارف عبد الغنى النابلسى”().

أما “الجبرتى” – فى تاريخه – فقد نعاه نعيا جميلا فى ذكره للمتوفين سنة (1143هـ) بقوله : “مات الإمام الكبير والأستاذ الشهير صاحب الأسرار والأنوار”().

أمَّا عن عدة مؤلفاته وموسوعيتها فيذكر كارل “بروكلمان” (Carl Brockelmann) أنَّ للنابلسى مائة وخمسين كتابا، أما “الخالدى” فيذكر بين المائتين والمائتين وخمسين كتابا. وأورد “فيلهلم آلورد” (Wilhelm Ahlwardt) فى وصفه لمجموعة المخطوطات فى المكتبة الملكية ببرلين سبعين عنوانا؛ هذا إلى جانب عدد وافر من الشعر ورد فى مؤلفات أخرى، ومن النادر أن توجد مجموعة مخطوطات فى الشرق أو الغرب لا تشتمل على بعض آثاره()، ويذكر “شوقى ضيف” أن للنابلسى ثلاثة وعشرين ومائتى مُصنَّف().

يشير “الزركلى” إلى رحلات عبد الغنى  النابلسى  فيذكر  أنه  رحل  إلى  فلسطين ولبنان، وسافر إلى مصر والحجاز إلى أن استقر بدمشق وتوفى بها().

أشاد “عمر رضا كحالة” بتنوع فنون النابلسى وعلومه، عالما أديبا ناثرا ناظما صوفيا مشاركا فى أنواع من العلوم رحَّالة().

يؤكد “هريدى” فى تقديمه لرحلة النابلسى فى كتاب “الحقيقة والمجاز” نزوعه الدينى والعلمى فى قيامه بالرحلة للحج، وتحصيل العلوم على أجلة العلماء فى العواصم الثقافية التى يمر بها خلال رحلة الحج التى كان من أثرها تأليف كتب كثيرة فى وصف الرحلات إلى البيت العتيق لا يدركها الحصر كما يقول “حمد الجاسر” الذى رجع “هريدى” مقدِّم “الحقيقة والمجاز” إليه(). غير أننا نضيف إلى جانب ذلك نزوعًا شخصيا يخص الرحالة، ويسرى على النابلسى، وهو حب الرحَّالة “للسفر”، وميله إلى المتعة التى يحصِّلها بعد معاناته ومغامراته الخطيرة التى قد تذهب بحياته، إضافة إلى المتعة التى يجنيها بمشاهداته لأماكن أخرى، واكتسابه لخبرات جديدة فى رحلته، وإدراكه “للمفارقة” بين طبيعة وطنه، وطبيعة البلاد التى يرحل إليها، ووعيه “بالاختلاف” بين ثقافته الخاصة والثقافة العامة التى يكتسبها من الاطلاع على ثقافات مغايرة، وعادات وتقاليد مختلفة.

وهذا الرأى ليس بغريب؛ فمع أنَّ “الحج” كان من أهم العوامل التى دفعت المسلمين إلى الرحلة()، ومع أنَّ الدولة الإسلامية قد عملت على تأمين طرق الحج، والاهتمام برعاية الحجيج مما أتاح للأدب العربى قدراً كبيراً من الكتب التى وصفت الرحلة إلى الأماكن المقدسة، كما يرى “شوقى ضيف”()، فإن “حسين نصار” يقرر أنَّ “شخصيات الرحالة كانت من العوامل المهمة التى دفعتهم إلى الأسفار، ومن الطبيعى أنَّ الرحالة يمتازون عادةً بحب المجازفة والمغامرة”().

من هنا فإن الرَّحالة يكتشف “ذاته” فى رحلته إضافة إلى اكتشافه “للآخر” وللعالم.

تحدث النابلسى عن رحلته فى هذا الإطار الذاتى إضافة إلى الإطار “المعرفى” الذى اكتسبه من الرحلة.

تجلت هذه الذاتية فى أشكال عديدة من الرحلة النابلسية، إذ إن رحلته “تحمل طابعا معينا نتيجة تجربة شخصية”().

إن المشاهدة الشخصية التى سجَّلها النابلسى فى رحلته لهى مجلى آخر لدلالة رحلته على شخصيته، بل دلالتها على أدبية هذه الرحلة، وإذ يحار نقاد الغرب فى تحديد النوع الأدبى للرحلة لاتصالها بالجغرافيا، مثلا، فإن الكتب الجغرافية العربية تمتاز بأنها تعتمد على المشاهدة الشخصية والحس().

لذلك “أصبحت هذه الكتب الجغرافية كتبا أدبية تعتمد على المشاهدة، وحكاية ما رآه الجغرافى تحت عينه وسمعه بأذنه وهى من هذه الناحية أقرب إلى أن تكون كتب رحلات منها إلى أن تكون كتبا جغرافية بالمعنى الذى نفهمه اليوم”().

مع أن “النابلسى ” قد وصف الأماكن وصفا جغرافيا فإنه لم يبتعد عن ذاته فى ارتباطها بالمكان الذى يصفه جغرافيا.

أما ما فاض به كتاب “الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز” -وهو كتاب ضخم يضم ثلاثة أجزاء – من تصوير “النابلسى” لشيوخه ولأساتذته وللشخصيات الدينية ولأولياء الله الصالحين فى ترجمات حافلة، فهو جانب آخر يجعل هذه الرحلة فى هذا الكتاب مميزة لخصوصية “النابلسى”، وقد ضمَّن رحلته هذه التراجم.

فى مثل هذا اللون من الرحلة قد يتحول كتاب الرحلة إلى معجم للسير، يترجم فيه الرحالة لنفسه أو لشيوخه وللعلماء الذين التقى بهم وإلى معرض لمختارات أدبية().

“من هذا المنظور فإن الرحلة العربية هى سيرة تعتمد حكى سفر الذات ورؤاها ومنظورها بجمالية وفنية تفضيان إلى حضور مبدأ تمثل الذات فى أشكال نموها أى علاقتها بذاتها وبالآخر”(). على ذلك الأساس يقرر النقد الغربى أن كل أدب رحلة إنما هو شكل للسيرة الذاتية().

هذا ومن ناحية أخرى نجد أن النابلسى قدَّم صورة لنفسه من خلال تصوير مريديه وتلاميذه وأصدقائه له فى رسائل مستفيضة بعثوا بها إليه فى رحلاته؛ وقد أخذت هذه الرسائل أشكالاً نثرية وشعرية زخر بها كتاب “الحقيقة والمجاز” وقدَّم صورا رائعة نابضة بالحب والتقدير والعرفان من مريدى “الشيخ النابلسى” حتى لتعد هذه الرسائل فى مدح الشيخ النابلسى جزءًا لا يتجزأ من بنية رحلته، ومن صورة شخصيته.

“إن الرحلة تشكيل لنص ذاتى / شخصى بخصوص الأنا والآخر”()، ومن هنا ماج وصف “النابلسى” للأماكن المقدسة فى رحلته، ولأضرحة أولياء الله، وللمساجد والزوايا بروح إنسانية خالصة، وبشعور وجدانى صادق، وبانطباعات شخصية جعلت أدبه محققا للمفهوم الأصيل لأدب الرحلات من حيث إنه “رواية التفاعل بين الذات والآخر”، والأدب الذى يُترك فيه للرحالة حرية التعبير الكاملة عما يراه مهما من موضوعات().

“وقد كان المؤلِّف – يعنى النابلسى فى كتابه الحقيقة والمجاز – ذا بصيرة ناقدة فيما يتعلق بالمزارات التى تُنسب إلى شخص واحد فى عدة بلدان”()؛ وقد تجلت هذه الملكة الناقدة فى كثير من سرد “النابلسى” لرحلته، وقد اعتمد على المصادر المتعددة مثل كتب الرحلات والجغرافيا والتاريخ العام وكتب التراجم، وتواريخ البلدان ومعاجمها، والكتب اللغوية والدينية والأدبية وغيرها مما فصَّله هريدى فى مقدمة الكتاب()، وتجلى أثره فى الاتساع بآفاق هذه الرحلة إلى عوالم رحبة، وآفاق واسعة أكسبت هذه الرحلة خصوصيتها شكلا من أشكال التناص الفريد مع الثقافة العربية بأبعادها الحضارية الإسلامية.

ثانياً: الرحلة

بدأت رحلة “النابلسى” التى سجلها فى كتاب : “الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز” فى يوم الخميس غرة المحرم 1105هـ، (سبتمبر 1694م) وانتهت فى يوم السبت الخامس من صفر 1106هـ.

كان هدف رحلة النابلسى أداء فريضة الحج، وزيارة أولياء الله الصالحين، والسعى إلى تحصيل العلوم الدينية من خلال مراكز الإشعاع الثقافى التى كان يمر العلماء بها فى طريقهم إلى الحج، وأهمها فى العصر العثمانى القاهرة().

وقد استغرقت رحلة “النابلسى” ثلاثمائة وثمانية وثمانين يوما، حيث يقول فى ختام رحلته:

“وسرنا إلى أن وصلنا إلى دارنا بالسلامة والعافية، والنعم الوافرة من الله تعالى الوافية، فتكون مدة غيبتنا عن بلادنا فى هذه الرحلة ثلاثمائة يوم وثمانية وثمانين يوما، وكان خروجنا فى أول يوم من المحرم، وكان يوم الخميس ابتداء سنة خمس ومائة وألف من الهجرة النبوية، ووصولنا يوم السبت الخامس من صفر سنة ست ومائة وألف، أحسن الله تعالى لنا الختام، بجاه نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام على الدوام”().

وهكذا كانت مدة رحلة النابلسى 388 يوما، على ما ذكر، “قضى منها 99 يوما فى الطريق من دمشق إلى حدود مصر الشرقية، ثم قضى فى مصر 83 يوما، ثم قضى 54 يوما فى الطريق من مصر إلى الحجاز، ثم قضى 109 يوما فى البلاد الحجازية، ثم قضى 43 يوما فى طريق عودته من الحجاز إلى الشام”().

وقد جعل المؤلف رحلته على ثلاثة أقسام : القسم الأول فى الجولان بالبلاد الشامية، والقسم الثانى فى الإقبال على البقاع المصرية، والقسم الثالث فى التشرف بالوصول إلى الأقطار الحجازية، وقد بيَّن هدف رحلته بقوله : “لقد كنت فيما تقدم من الزمان، مع جملة من الأصحاب والإخوان، أتمنى الاستيعاب فى زيارة الصالحين من الأحياء والأموات، والتبرك بنفحات مجالسهم وهذه الحضرات، ويكون ختم ذلك بالحج الشريف، وزيارة النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك البلد المنيف”().

أما القيمة الأدبية لرحلته، على ضوء هدفها الدينى الروحى الصوفى فيبينها النابلسى بقوله فى تقديم رحلته فى كتاب : “الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز” : “فدونك هذه الرحلة الكبرى التى هى رحلة جامعة لأنواع من الفنون، والحديث شجون، وقد لبس الدهر منها حلة فاخرة مطرزة بالأخبار العجيبة التى هى كاللؤلؤ المكنون، والأبيات الشعرية الفائقة، والأبحاث الأدبية الرائقة، والمسائل الفريدة، والفضائل العديدة، وصفات بعض النبيين، وتراجم الأولياء والصالحين، ممن تشرفنا بحضراتهم، فى أوقات زياراتهم، وتعطرنا بنفحاتهم، واقتبسنا من مشكاة إناراتهم”().

وقد انتهى النابلسى من تدوين رحلته الكبرى إلى الشام ومصر والحجاز فى كتابه: “الحقيقة والمجاز” سنة 1110هـ().

و هذا يعنى أنه بدأ فى تدوين رحلته بعد عودته منها بثلاث سنوات؛ إذ إن “النابلسى” سجل مشاهداته التى بدأها فى صفر 1109هـ/ سبتمبر 1697م، وأتمها فى ربيع الثانى 1110هـ/سبتمبر 1698م().

يقول النابلسى فى وصف هذه الرحلة : “فقطعنا المسافات البعيدة فى زمان فصل الخريف، وأيامه السعيدة… ونحن فى كمال اللذة والابتسام، نجتمع بأهل الصلاح والدين، ونتباسط مع أرباب الكمال واليقين، ونزور الأولياء، ونتبرك بقبور السادة الأصفياء، ونتباحث مع العلماء، ونتكلم مع طلبة العلم من الفضلاء… حتى وردنا غالب البلاد الشامية، ومشينا فى سواحل قصباتها العامرة الإسلامية، والجهات القدسية، ثم خلفناها وذهبنا إلى البلاد المصرية، واجتمعنا بمن فيها من أكابر المشايخ الأعلام، وأعيان الدولة السلطانية، وتبركنا بمشاهد الصالحين، وقبور السادة الأئمة الكاملين”() .

هنا نجد الغاية الدينية واضحة فى هذه الرحلة أضاف إليها “النابلسى” بعدا آخر يختص بمصر؛ هو الاستمتاع بطبيعة مصر إذ يقول:

“وذهبنا إلى أماكن النزهات والغيطان، وانشرحت صدورنا بالبرك والدواليب وسواقى الرياض ذات الأشجار والأغصان، وسرحت خواطرنا فى ميادين تلك الفلوات الأنيقة، وحضرات هاتيك المجالس اللطيفة الرقيقة، ورأينا مراكب ذلك النيل السعيد، ومياهه العذبة الصافية التى ما عليها من مزيد، وشهدنا ميزان المقياس الذى هو أعجوبة للناس”().

أما الحجاز فيقول فيها : “ثم ذهبنا إلى البلاد الحجازية، وتمتعنا بهاتيك الحضرات الأنسية، واجتلينا أنوار التجليات والأسرار القدسية، واجتمعنا بالعلماء الأفاضل، وطلبة العلم أصحاب الفضائل، وتشرفنا بالحضور مع الصالحين، وبزيارة أولئك السادة الأئمة المجاورين، وقضينا فريضة الحج، مع كمال العج والثج”().

حملت رحلة النابلسى الحجازية طابع الرحلة العربية قبل القرن الثامن عشر فى اهتمامها – عامة- بالتوجه نحو الأراضى المقدسة، والأماكن الزيارية().

تؤكد دراسة أدب الرحلة العربية أن العناصر الدينية من أهم مقدمات مفهومها()، وقد أكد ابن خلدون أن الرحلة لابد منها فى طلب العلم، واكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ().

كانت رحلة “النابلسى” رحلة روحية “ذلك أن النصوص الحجية والزيارية هى أساسا تجربة روحية مقابل التجربة المادية فى الرحلات التجارية”().

إن قيمة الرحلات فى الأدب العربى ترجع إلى اتصالها بموسوعية ثقافة أصحابها، كما ترجع إلى انفتاحها على العلوم التى تثرى مفهومها وهدفها وطبيعتها الخاصة؛ فمن تجليات علاقة كتب الرحالة بالعمل “الإثنوجرافى” مثلا : “أننا نرى فى هذه الأعمال، وما قدمت من مادة ثرية دليلاً بارزاً على قيمة رحلاتهم فى تزويدهم مباشرة بالمعلومات المستمدة من الملاحظة المباشرة، والمعاينة الشخصية عن الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية للبلدان التى زاروها، أو أقاموا فيها، وعن طبائع أهلها، ومعالم حضارتهم، وهذا يشكل جوهر العمل الإثنوجرافى”().

يحكى “النابلسى” عن بخل أهل “طرطوس” من بلاد الشام وعن جوعه -ودوابه- فيها قائلاً : “وكنا نحن والدواب التى معنا نبيت طيا إلى يوم النشر لولا ما كان معنا من الزاد مما فضل علينا من فضل الله وزاد”().

فى طريقه من الشام إلى مصر يصف النابلسى مكانا يٌسمى بالزَّعقة” ليس فيه “لا قرية ولا خان ولا عمارة وإنما هى برية قفرة من الرمل”()

أما المكان المسمى “قَطْية” فى الطريق بين الشام ومصر أيضاً، وهو مكان أخذ المكوس، فيتعرض فيه المسافرون لهجوم العُربان : “والعربان محيطون بهم كالجراد المنتشر… ينهشونهم بالأفواه والأيدى، وكل واحد منهم لا يعيد ولا يبدى”().

ويصف دخوله إلى مصر فى هذه الرحلة بقوله :

“حتى دخلنا إلى بلدة مصر المحروسة، ذات الربوع العامرة بالخيرات المأنوسة، وكان دخولنا من باب الشعرية ، فقرأنا الفاتحة للشيخ عبد الوهاب الشعراوى، وغيره من الأولياء الصالحين، ثم لم نزل سائرين إلى أن وصلنا إلى دار صديقنا الأكرم وحبيبنا الأعظم حضرة الشيخ زين العابدين البكرى الصِّدِّيقى، فتلقانا بصدره الرحيب، ووجهه الذى هو وجه حبيب، وجلسنا عنده حصة من الزمان، فى مجلسه المطل على بركة الأزبكية، ذات الروح والريحان”().

ويصف “النابلسى” إقباله على “المدينة المنورة” هذا الوصف الرائع: “ولاحت لنا الأنوار كالبروق اللامعة… فاندهشت الأبصار، وحارت الأفكار، وكنا نرى النور يخرج من جهة الأرض من مكان مخصوص، ثم ينتشر فى جو السماء… ثم تلامعت الأنوار أبلغ وأكثر، وشممنا طيب طَيْبَةَ يفوح كالمسك الأذفر والعنبر”().

       أما مكة المكرمة فمن تعبير “النابلسى” عنها شعرا قوله من قصيدة طويلة :

سقى مكة الغراء صوب عهاد
بلاد الهدى والعز والوحى والتقى
أَجَلُّ مكان فى نزاهة منزل
بها كعبة الله التى هى قبلة

وزمزم بئر ماؤها العذب رائق

 وحيَّا الحَيَا منها بأشرف وادى
ومنشا طريف للعلا وتلاد
وأبهى مقام فى شريف بلاد
لطاعة عُبَّادٍ وقصد عباد

إليها قلوب العاشقين صوادى()

من “وحى” عرفات يرسل “النابلسى” هذه الرسالة إلى حبيبه الشيخ زين عابدين البكرى فى مصر قائلاً :

إليكم معانى الأنس من عرفات
على البعد جاءت بل على القرب تقتفى عشية وافت للقبول نُسيْمة
….
 تهب بطيبٍ من سنا البركات
مدارج ما يسمو من الحسنات
مهيمنة من أشرف الحضرات()

فى طريق العودة من الحجاز إلى الشام موطن “النابلسى” اتخذ من الزاد الروحى الذى نعم به فى رحلة الحج ما أعانه على صعوبات الطريق وقلة الماء والزاد، ثم لما وصل إلى داره وصلته رسالة من الشيخ زين العابدين البكرى ، يهنئه بسلامة الوصول، لتكون مصر هى واسطة عقد هذه الرحلة، ويكون حنين النابلسى إليها هو خاتمة رحلته فى قوله مخاطبا الشيخ زين العابدين :

كلما هبَّ نسيم سَحَرا
وإذا أومض برق هطلت

 من نواحيكم شجا قلب المُعَنَّى
أدمعى شوقا لكم والليل جَنَّا()

وهو شوق إلى مصر امتزج بشوقه إلى الأقطار الحجازية والأنوار المحمدية:

نصب عينى ذاك الحمى والمقام

كلما عَنَّ لى تذكَّرت عهدا

 فعلى الأهل والديار السلام

عرفتنى به الربا والخيام()

راجيا شفاعة النبى عليه الصلاة والسلام، مسك ختام :

يترجاه فى القيامة ذخرًا

 فعليه الصلاة ثم السلام()

ثالثاً : المدرسة البكرية وزين العابدين البكرى

استمد البكرية فى مصر نفوذهم من الدولة العثمانية التى شجعتهم، خدمة لسياستها، ومنحت شيخ السادة البكرية سلطة واسعة ونفوذا محترما”().

كان أبو الحسن البكرى (ت 952هـ)، الصوفى العالم الشاعر، أول شخصية بكرية أدبية ظهرت فى العصر العثمانى()، وله “موشحات توحيدية لم ينسج على منوالها أحد من البرية”()، كما كان ابنه محمد البكرى الكبير (ت 994هـ)، وأغلب شعره فى التصوف()، أعظم شاعر مصرى ظهر فى القرن العاشر الهجرى().

وكان النفوذ الذى حظى به الأستاذ زين العابدين البكرى تجليا لشخصه “العارف بالله تعالى… وكان فى مصر مالك أزمة الوجاهة، وسالك رتبة البراعة واليراعة، وألَّف التآليف الحسنة الوضع… وكان أخوه أبو السرور()… من العلماء إلا أنه لم يبلغ درجة زين العابدين فى التصوف والتكلم بلسان المعرفة… وكان عالما بارعا فى العربية والتفسير وعلوم البلاغة، وله شعر لطيف سائغ”().

يصف النابلسى دار الشيخ زين العابدين بالأزبكية، وما دار فيها من مذاكرات أدبية وعلمية تصوِّر حركة الأدب والعلم فى العصر العثمانى فيقول : “وجلسنا عنده حصة من الزمان فى مجلسه المطل على بركة الأزبكية، ذات الروح والريحان التى فيها نفحة من نفحات الجنان، وتذاكرنا معه فى بعض المسائل العلمية، والمطارحات الأدبية، والقصائد الشعرية.

مصر فى الرحلة النابلسية

أولاً : صورة الطبيعة المصرية فى الرحلة النابلسية :

تجلت طبيعة مصر الجميلة فى الرحلة النابلسية فى أدب حافل بالصدق الفنى والإنسانى تعبيرا عن تفاعل الأدباء بهذه الطبيعة، وعن حبهم لمصر.

أما النيل فقد صوره “النابلسى” بقوله :

   “وقلنا فى نيل مصر من النظام، وكفاه شرفا على ما سواه كونه من أنهار الجنة حسب الوارد فى الحديث الشريف عن النبى عليه الصلاة والسلام:

مصرُ العتيقةُ دارٌ
والنيل فيها زلال

 لكل خير وبِشْر
عذب على الأرض يجرى()

فى مقياس روضة مصر صعد “النابلسى” إلى قصر واسع مرتفع تطل شبابيكه على النيل فأنشد :

مصر زهت بالروضة الخضراء
وبها الحدائق والبساتين التى

 من حولها تسعى جوارى الماء
قد حُلِّيَتْ بقلائد الأنداء()

يصف “النابلسى” منتزه القصر العينى تصويرا جميلا بقوله :

“ثم قمنا وتوجهنا إلى الجهة المشهورة بقصر العينى فدخلنا إلى منتزه لطيف الأوصاف، متسق الأكناف فيه أنواع الفواكه والثمار، محفوف بفنون الرياحين والأزهار، وفيه دولاب لإخراج المياه بالدواب، وهناك بركة من الماء، وسواقى جارية رقيقة الهواء، فجلسنا تحت تلك العرائش من العنب، وحولنا هاتيك الغصون المائلة ميل العرائس عذبة الشنب…!

هذه جنة النعيم تُزار
وعلينا بها ظلال كروم

 فهْىَ تجرى من تحتها الأنهار
ظَّللتْنا كأنها أستار()

لقد أُعجب الأمير “ردولف” فى رحلته إلى مصر فى عهد الخديوى إسماعيل بجمال الطبيعة الممتدة حول الهرم، ووصفها وصفا قريبا مما ورد عند النابلسى حيث يقول : “لقد أبهجتنى البساتين الناضرة بأزهارها الفواحة، وشجيراتها ونخيلها التى تداعب النسائم أغصانها وجريدها… وسمعت أغانى الطيور وهديل الحمام، وغمرت نفسى فى النسائم الشافية لمصر المقدسة متذكرا شتاء أوربا القارس الذى هربت منه ذات مرة”().

ثانياً : صورة الحياة الأدبية المصرية فى الرحلة النابلسية

1- المجالس الأدبية :

سجل “النابلسى” فى رحلته صورا حافلة من الحركة الأدبية فى حواراته ومناظراته مع أدباء مصر، ومن وفد إليها من أدباء العرب الذين داروا فى فلك الشيخ زين العابدين البكرى.

كانت دار الشيخ زين العابدين البكرى الذى نزل مؤلف هذه الرحلة ضيفا عليه بالأزبكية “مجلسا من مجالس العلم تغص بزائريها الذين التقى بهم النابلسى، ووصف ما دار فى تلك المجالس وصفا دقيقا، وبعد انصرافه من مصر لم تنقطع المكاتبات بينه والمصريين خلال رحلته وبعد انتهائها”(). اشترك الضيف، الشيخ عبد الغنى النابلسى، والمضيف، الشيخ زين العابدين البكرى، فى التوجهات الفكرية، والاهتمامات الأدبية، والروح الصوفية، خاصة أنهما ارتبطا بصداقة حميمة تجلت صورها دفَّاقة عبر الرحلة كلها.

أ- المداخلات الأدبية:

تصوِّر الرحلة النابلسية حركة المذاكرات الأدبية فى بيوت السادة البكرية، وما دار فيها من موضوعات إلى جانب التصوف.

حفلت الرحلة النابلسية بصور حية نابضة لما كانت عليه الحركة الأدبية فى مصر العثمانية نختار منها هذه المداخلة الأدبية التى يحكيها بقوله :

“وحضر الشيخ أحمد العشماوى… وأنشدنا هذين البيتين لإبراهيم بن المعمار بمناسبة اقتضت ذلك :

بمكارم الأخلاق كن متخلقا
وانفع صديقك إن أردت صداقة

 ليفوح نشر ثنائك العَطِر الشَّذِى
وادفع عدوك بالتى فإذا الذى

وهذا الاقتباس مع الاكتفاء من اللطائف، قال تعالى : ” ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم “()

ب- المخمسات

يقول النابلسى :

“وبتنا فى مكاننا حتى أصبح صباح يوم الثلاثاء الخامس والعشرين ومائة وهو اليوم الثامن من جمادى الأولى، فنزلنا إلى مجلس الشيخ زين العابدين

حفظه الله تعالى على العادة، وجرت بيننا مباحثة أدبية حتى ذكرنا قصيدتنا الرائية فى ذكر السماع والناى، وأُنشدت فى المجلس وهى قولنا :

أيها الناى عندك الخَبَر

 ليس للأذن عنك مصطبر()

وقد كان الشيخ زين العابدين حفظه الله تعالى وصلت إليه هذه القصيدة سابقا فخمَّسها، فأنُشد تخميسه فى المجلس، وذلك قوله :

ذُكر الوِتْرُ فانثَنى الوَتَرُ
فسَلُوا الزَّمْر عنه يا زُمَرُ

 ومن الصّوْرِ تُبعثُ الصُّوَرُ
أيها النَّاىُ عندك الخَبَرُ

 
ليس للأذْن عنك مُصْطَبُر

استطاع زين العابدين البكرى أن يمثِّل ذوق عصره الأدبى، وقد نهل من معين الشعر العربى، وتذوقه، وصدر عنه فى إبداعه، وصوَّر فيه هذه الروح الصوفية التى سيطرت على العصر العثمانى، كما كشف عن شعوره الـوجدانى الصوفى.

هذا وقد حفلت مجالس السادة البكرية بالعلم والترف والكرم إلى جانب الصلاح والتقوى وعمارة المساجد ، يقول النابلسى :

وكان المجلس حافلا بأفاضل العلماء، وأعيان الكبراء، وحضر السماع، وتحركت الآلات، وسكنت النفوس والأصوات، ولم نزل فى ابتهاج وسرور، ومؤانسة وحضور، ومذاكرات علمية، ومطارحات أدبية، حتى مُدَّت الموائد، وجرت العوائد، وكان ذلك فى المجلس المطل على بركة الأزبكية. ثم بعد صلاة المغرب بالجماعة فُتح باب هاتيك القاعة، فدخلنا من دهليز مفروش بأنواع الأحجار، وقد أوقدت الشموع حتى كان ذلك الليل كأنه النهار. فوصلنا إلى ميدان واسع مفروش بالرخام والمرمر فى ألوان كأنه قلائد العقيان، وهناك إيوان يقابله آخر أوسع من صدر الكرام، وأجمل من صفحات الوجوه، وأعطر من الزهر فى الأكمام، ورأينا الثريات من القناديل المشعولة، ما تبقى ببهجته النفوس والعيون مشغولة. وانطلقت مباخر العود، وقامت مواسم الشهود، ونادى لسان الحال حيث خاطب وقال :

يا صاحب العودين لا تهملهما حرك لنا عودا وحرِّق عودا

2- الرسائل الإخوانية

زخرت الرحلة النابلسية بالرسائل الإخوانية التى تبادلها “النابلسى” مع إخوانه ومريديه، وتطل منها صورة مصر، مثل هذه الرسالة التى أرسلها من مصر إلى أحمد أفندى البكرى الصديقى القاضى بدمشق، يقول فيها :

“بسم الله الرحمن الرحيم سلام تهب نفحاته من جهات الروضة والمقياس، فيأتى بما هو “المشتهى” للنفوس من طيب نفحات بركة الأزبكية المعطرة الأنفاس ، سلام ينفتح له باب النصر، ويرتفع به عن وجوه الأمانى باب الشعرية، يعرب عن شوق طويل، تجف بحرارته بركة الفيل، وتجرى من قناطر السباع مدامع عشاقه جريان النيل، وكم لنا فى هاتيك المشاهد من قاض يحكم بحسن ذلك الوقت وشاهد .

أكَّد النابلسى شوقه إلى مصر برسالة بعث بها إلى حبيبه الشيخ زين العابدين استهلها بقصيدة طويلة منها :

فإن غرامى بالذى مصر داره
وشوقى لأهل الأزبكية لم يزل

 غرامى ووجدى فى محبته وجدى
يزيد وصبرى قد تناقص فى العد

ثم قال :

“إن أشرف ما تحلت به أفواه المهامه والقفار، وتبسمت له ثغور الشيح والخزامى والعرار، وألطف ما تنسمت بنفحاته هاتيك المنازل الحجازية، وأشرقت بأنواره تلعات تلك الجبال الشواهق والأودية فى كل بكرة وعشية، سلام يعرب عن الأمن والصحة والعافية، وينبئ عن أخبار المحبة الصادقة، والمودة الصافية.

أما الشيخ زين العابدين فقد أرسل إلى “النابلسى” رسالة وصلته وهو فى المدينة المنورة بعد عيد الفطر فى الثالث من شوال وهو اليوم الثامن والستون والمائتان من رحلته، يقول فيها:

أتتك تحث السير من مصر غادة
وما هى إلا الزاهرات فلو بَدَت

 بأبكار أفكار تجلت من البكرى
لقامت مقام البدر فى غيبة البدر

ثالثاً : صورة مصر الثقافية فى الرحلة النابلسية

الحياة العلمية

كان الأزهر ومشايخه وطلابه مدار الحركة العلمية فى مصر العثمانية، وكان العلم يعنى العلم الدينى، وقد كان التأليف الدينى ظاهرة هذا العصر().

التقى “النابلسى” عند الشيخ زين العابدين البكرى ببعض مشايخ الأزهر كالشيخ منصور المنوفى الذى وصفه بالإمام العالم الهمام، وببعض العلماء وطلاب العلم من الأزهر وجرت بينهم مناقشات علمية، كما يشير فى قوله : “ثم إنه قدم علينا للزيارة أناس كثيرون من المجاورين بالجامع الأزهر من العلماء وطلبة العلم، وحصل لنا بهم كمال الأنس والبركة، وجرت بيننا وبينهم مباحثات علمية، ومذاكرات فقهية”().

ويرى “توفيق الطويل” كذلك أنَّ الحركة العلمية قد توقفت فى مصر فى العصر العثمانى نحو قرنين من الزمان ، لكنها تطورت إلى الكمال فى أواخره. كما رأى أن الحركة العلمية فى هذا العصر أوثق مظاهر الحياة اتصالا بالتصوف الذى تغلغل فى حياة المصريين()، “وكان الشعرانى روح العصر العثمانى، وعملاقه علما وتصوفا، فأثَّر فى توجيه آرائه، وتحديد تياراته، وطبع العصر كله بطابعه”().

إنَّ رحلة النابلسى لها جانبها التوثيقى المهم، إذ إن تناوله للحياة العلمية فى مصر يحقق هذا الجانب الذى يجعل من الرحلة نصا مرجعيا بامتياز()؛ فعن طريق رحلته نستطيع أن نعرف الكثير عن مجتمع العلماء، وعن المكتبات التى امتلكوها().

ومن اللافت للاهتمام أنَّ بعض العلماء كان يملك كتبا أشبه بالمختارات الأدبية مثل الشيخ “محمد العشماوى” الذى يقول “النابلسى عنه” : “فرأينا معه مجموعا لطيفا، وجامعا للأدبيات منيفا”().

هذا ولرحلة “النابلسى” – كذلك – خصوصيتها فى الترجمة للعلماء- خاصة المشايخ وأولياء الله الصالحين – الذين كان “النابلسى” يزور أضرحتهم.

رابعاً : صورة مصر الروحية  والاجتماعية فى الرحلة النابلسية

1- التصوف

كان العصر العثمانى هو العصر الذهبى للتصوف، وقد حظى الفتح العثمانى لمصر على يد السلطان سليم الأول سنة 922 هـ بمباركة الصوفية كما ذكر النابلسى : “وبلغنا أن العسكر المصرى لما قاموا على السلطان الغورى، وأرادوا خلعه من الملك، أتوا إلى الشيخ جلال الدين البكرى… وقالوا نحن نقيمك خليفة على المسلمين فى بلاد مصر لأن الصِّدِّيق جدك كان كذلك، فإن هذا السلطان الغورى قد تعدى علينا، وظلم وجاوز الحدود، فقال لهم اصبروا فإن سلطانكم قريب، ثم وقع ما وقع، وجاءهم السلطان سليم خان من بنى عثمان، ويقال إنه لما دخل مصر كان الشيخ جلال الدين المذكور آخذا بزمامه، والشيخ أبو السعود الجارحى على يمينه، والشيخ الدشطوطى على شماله، ويقال إن هؤلاء الأولياء الثلاثة هم الذين ذهبوا إلى الشام، وجاءوا بالسلطان سليم، وأدخلوه إلى مصر وهم مشاة فى ركابه”().

كما درس “توفيق الطويل” التصوف فى العصر العثمانى وانتهى إلى أنه العصر الذى عاش فيه الإمام الشعرانى : “إمام التصوف فى عصره… بل أعظم صوفى عرفه العالم الإسلامى كله كما لاحظ الأستاذ “نيكلسون”().

ويعدد “النابلسى” حلقات ذكر الطرق الصوفية التى كانت تُقام بجامع الحاكم أثناء زيارته له فى رحلته فيقول : “ثم إننا لما دخلنا إلى هذا الجامع وجدنا فيه حلقات الذكر من المشايخ البرهانية، والمشايخ الأحمدية، والمشايخ المطوعية، والمشايخ السعدية، وغيرهم يذكرون الله تعالى على حسب طرائقهم وعاداتهم رضى الله عنهم أجمعين”().

وفى زيارة لمقام عمر بن الفارض يصف “النابلسى” حلقة من حلقات الذكر التى كانت تُقام فى جامعه بعد صلاة كل جمعه مستلهمة من نوره العرفانى، وفيوضاته الإلهية فيقول :

ولقد وجدنا حضرة مملوءة         نورا فغبنا تحت برق وامض

هذا ويذكر “النابلسى” السادة الوفائية ويمدح شيخهم فيقول :

“ثم ركبنا وتوجهنا مع الإخوان إلى جهة بيت السادة الوفائية، المشهورين بالمعارف الإلهية، والحقائق الربانية، وكذلك زار “النابلسى” التكية المولوية وصور “حضرتها” : والسماع وآلاته، والرقص الدائرى الذى تشتهر به هذه الفرقة.

ويرسم “النابلسى” للصوفية البكرية صورة رائعة، فيقول فى حضرة الشيخ أبى المواهب البكرى أخى الشيخ زين العابدين : “فدخلنا إلى مكانه المعمور بأنواع الجلال والجمال والحضور… وهو شيخ السجادة، وصاحب عهد الخلافة بالطاعة لله تعالى والعبادة”.

هذا وانتشرت الزوايا والخلوات التى أقامها الصوفية لذكر الله والانقطاع لعبادته فى مصر فى العصر العثمانى، ومن هذه الزوايا زاوية الشيخ دمرداش التى زارها “النابلسى” ووجد حولها نحو خمسين خلوة أو ستين، وصفها بأنها ذات أسرار وأنوار، “وهى التى تسمى مساجد الأبرار، يختلى بها المريدون، ويجتلى فيها حضرات الغيب المسترشدون، ثم صعدنا إلى ذلك القصر العالى – يعنى الزاوية – فوجدنا هناك رواقا كبيرا نوره متلالى، وفيه أيضا كثير من الخلوات لاستجلاء المريدين بدائع الجلوات”()

وقد أثبت ” النابلسى” الورد البكرى بعد جلسة مع الشيخ أبى المواهب البكرى، وهو حزب جده الشيخ محمد البكرى، ومنه :

“بسم الله الرحمن الرحيم الله صل وسلِّم على نورك الأسنى، وسرك الأبهى، وحبيبك الأعلى، وصفيك الأزكى، واسطة أهل الحب، وقبلة أهل القرب، روح المشاهد الملكوتية، ولوح الأسرار القيومية، ترجمان الأزل والأبد، لسان الغيب الذى لا يحيط به أحد، صورة الحقيقة الفردانية، وحقيقة الصورة المزينة بالأنوار الرحمانية، وهذا الوِرْد حافل بالمصطلحات الصوفية، دال على حركة المريدين الذين سمعهم “النابلسى” أثناء تلاوته().

هذا وتتحقق فى النص “النابلسى” عناصر القصة فى حكايات كرامات الأولياء مما يجعل أدب الرحلة وثيق الصلة بالفن القصصى.

“الرحلة سرد مثل باقى أنواع السرد الأدبى”()، وهذا ما جعل تحديدها مصطلحا أدبيا أمرا صعبا، لكن الجانب القصصى فى الرحلة يرقى بها إلى مستوى الخيال الفنى “وبرغم ما يتسم به أدب الرحلات من تنوع فى الأسلوب من السرد القصصى إلى الحوار إلى الوصف وغيره، فإن أبرز ما يميزه أسلوب الكتابة القصصى المعتمد على السرد المشوق بما يقدمه من متعة ذهنية كبرى”().

ويقول النابلسى “وهناك أسرار خفية يعرفها المحققون من أهل الله العارفين”().

كما يتحدث “النابلسى” عن الولى الكامل، والعارف بالله تعالى العالم العامل الشيخ “أبى السعود الجارحى” ذاكرا أنَّ له كرامات خارقة وتلامذة كثيرين، وأنه حظى بالقبول التام عند الملوك والوزراء، وكانوا يحضرون بين يديه خاضعين، وعملوا بأيديهم فى عمارة زاويته فى حمل الطوب والطين والحجر، وكان كثير المجاهدات، لم يبلغنا عن غيره ما بلغنا عنه فى عصره”().

وكان “النابلسى” قد زار جامع الإمام الشعرانى ووصفه بقوله : “وهو جامع عظيم مبارك واسع عليه الإشراق والنور، وفيه الضياء والسرور”().

2- المساجد وأضرحة أولياء الله الصالحين

كان جامع عمرو بن العاص أول مسجد أسس فى مصر بعد الفتح العربى الإسلامى، توسع فى عمارته حاكم مصر من قِبَل معاوية بن أبى سفيان، ثم عبد العزيز بن مروان ثم عبد الملك بن مروان، ثم قرة بن شريك وغيرهم على مر التاريخ(). عن العلامة “شمس الدين الصائغ” يروى “النابلسى” أنه أدرك بجامع عمرو بن العاص قبل سنة تسع وأربعين وسبعمائة أكثر من أربعين حلقة لإقراء العلم.

كذلك تحدث عن مساجد “القلعة” وأضرحة مَن بها من أولياء الله الصالحين، فزار جامع “سارية الجبل” الذى يصفه بأنه جامع عظيم، أما جامع السلطان “قايتباى” ففى مكان معمور بأنواع الخيرات مغمور، ويحكى “النابلسى” كيف زار الجامع الذى فيه مزار الشيخ “إسماعيل الإنبابى”، فى إمبابة، وكيف وصل إليه فى مركب صغير “فى بحر النيل” و”نهر الأنهار”، كذلك مر على قبر الشيخ الجيوشى أعلى جبل المقطم فى مقام هناك “مرتفع فى غاية الإشراق، وعليه المهابة والجلالة والبهجة التى تملأ الآفاق”().

أما القرافة فقد بدأ النابلسى بزيارة قبر السيدة “نفيسة” بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب “رضى الله عنهم” بها. وفى القرافة أيضا “قبر الإمام الشافعى”، زاره “النابلسى” ووصف هذه الزيارة بقوله : “وقد دخلنا إلى قبته المبنية على قبره فوجدناها قبة واحدة كبيرة واسعة جدا لا يُرى مثلها فى البنيان، ومتانة الجدران والارتفاع، وفى داخلها محراب عظيم…

كما يصف “النابلسى” مقام السيدة “زينب” بنت الإمام على أخت الحسن والحسين رضى الله عنهم، وقد ذكرها بلفظ “الست” كما يقول المصريون().

أما جامع السلطان حسن فقد عدَّد “النابلسى” جوانب عظمة عمارته وتفرده بين المساجد معتمدا على “المقريزى”()، وحكى عنه قائلا : “فلما دخلنا إلى هذا الجامع رأيناه من أعظم الجوامع على شكل القاعة العظيمة، ونظرنا إلى إيوانه القبلى الذى فيه المنبر والمحراب فإذا هو إيوان كبير عظيم، فدخلنا من باب هناك فى قبلة هذا الإيوان إلى قبة عظيمة لها شبابيك عظام إلى الخارج فى فضاء الرميلة، وتحت تلك القبة قبر السلطان حسن المذكور”().

هذا وبجوار باب زويلة يوجد الجامع المؤيدى الذى أنشأه السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودى الظاهرى، وهو “الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه، وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس، وإيوان كسرى أنوشروان”().

وقد زار “النابلسى” المسجد الذى فيه قدم النبى صلى الله عليه وسلم على النيل: “فدخلنا إليه، وصلينا صلاة الظهر بالجماعة، ورأينا ذلك المسجد فى غاية الحسن والإنارة، وسعة الأفنية وكمال العمارة.

أما الجامع الأزهر فهو المدار الذى طاف به “النابلسى” من بداية رحلته إلى مصر حتى نهايتها، فيه وحوله وفى رحابه دارت كل وجدانات رحلته فكرا وروحا، قلبا وقالبا، وقد دخل فى حوار ثرى خصب مع علمائه فى كثير من الفنون والعلوم والآداب.

عكس “النابلسى” الحركة الدينية والثقافية والحضارية لمصر الأزهر واسطة عقد المساجد المصرية الجليلة العامرة المباركة.

وصف “النابلسى” الجامع الأزهر كما وصفه المقريزى()، لكن، مع هذا، فإن هذا الجامع يقع فى قلب الرحلة النابلسية بحيث نرى طيفه ماثلا فى كل ما كتب النابلسى عن رحلته إلى مصر مؤكدا أن علماءه هم الذين عكسوا حركة الفكر والأدب والثقافة المصرية فى العصر العثمانى.

3- المنظور الاجتماعى لمصر العثمانية فى الرحلة النابلسية :

أما الناحية الاجتماعية فقد أطلعنا “النابلسى” على وثيقة فريدة لها فى العصر العثمانى فيما يتعلق بحياة المصريين وعاداتهم وتقاليدهم ومساكنهم ومعاملاتهم، ومظاهر عمرانهم.

بناء على ذلك يأتى الموروث الشعبى متصلا بهذا الموضوع حيث إن “أحد الجوانب الهامة فى أدب الرحلات يتضح فى إبراز بعض ملامح وعناصر التراث الشعبى الذى غالبا ما أغفلته المدونات التاريخية الرسمية”().

يتصل هذا بما يتمثل فى اعتقاد المصريين فى كرامات الأولياء، وتبركهم بالمساجد، وما يتجلى فى ذلك من تراث شعبى، مثل ما ذكره “النابلسى” عن مزار الشيخ “زويِّد”، واعتقاد الناس فيه بحيث يتركون فى مقامه أشياءهم النفيسة دون خوف من ضياعها : “رأينا هناك قبة بيضاء، وعمارة عظيمة مدفون فيها الشيخ زوِّيد… رجل ولى صالح كان من أعراب البوادى، ولهم عليه اعتقاد كثير حتى أنهم يضعون الودائع عنده من الذهب والفضة والحلى والمتاع وما يخافون عليه من الأمتعة، وباب مزاره دائما مفتوح، ولا يقدر أحد أن يأخذ منه شيئا، وقد جرب ذلك العربان وغيرهم”().

كذلك أطلعنا “النابلسى” على طقس شعبى كان المصريون يقومون به فى جامع يُسَّمى : “جامع البنات” فى إطار حديثه عن “المدرسة الفخرية”، وتبرك البنات العانسات بجامعها من أجل الزواج :

“وهى المسماة بين الناس، وعامة أهل مصر يعرفونها بجامع البنات، وسبب ذلك أن البنت التى لا يتيسر لها زوج تأتى إلى هذه المدرسة فى يوم الجمعة والناس فى الصلاة، وتجلس فى مكان هناك، فإذا كان الناس فى السجدة الأولى من الركعة الأولى من صلاة الجمعة تمر بين الصفين، وتذهب فيتيسر لها الزوج”().

هذا وقد رأى “النابلسى” محل قصر يوسف عليه السلام بالقلعة، والمكان الذى كان المصريون يصنعون فيه كسوة الكعبة. أما الاحتفالات بكسوة الكعبة فى مصر، فقد كان لها طقوس أسهب الجبرتى فى وصفها().

كما تفرَّج “النابلسى” على المكان الذى كانت العساكر تجتمع فيه فى حضرة وزير مصر بالقلعة، وتحدَّث عن عمارته، وعن بئر القلعة الذى نزله، ووصف الحياة من حوله. وكذلك وصف “النابلسى” القلعة وصفا حافلا بما زخرت به من عمران وحياة، كأنها بلاد مستقلة “واسعة كبيرة مشتملة على حارات ومحلات للناس.

هذا وفى إشارة سياسية نادرة يذكر “النابلسى” هذا الأثر فى قلعة الجبل: “وقد صعدنا إلى مكان آخر مرتفع الجوانب قريب الشكل بالمنارة يقال إنه قصر يوسف عليه السلام، وله درابزين حوله، وهو مفروش بالرخام، وفيه بالوعة يقولون إن الوزراء فى مصر إذا حبسوهم هناك ربما قتلوهم فى ذلك المكان، ورأينا أثر الدم فيه.”().

وتتجلى صورة الحياة الاجتماعية فى مصر العثمانية فى وصف “النابلسى” لكرم مضيفه الشيخ زين العابدين البكرى، ووصفه لما كان يلزم البيت المصرى فى الحياة اليومية حيث يقول : “وقد أنزلنا الشيخ حفظه الله تعالى فى دار لصيق داره، بحيث لم نخرج عن ظله وجواره، وقد هيأ لنا فى تلك الديار جميع ما نحتاج إليه من الأثاث والأمتعة والدثار، وذلك فى قاعة معلقة عالية، لها شباك كبير مطل على مجلس الشيخ المذكور، ولها باب إلى دار الشيخ المذكور، وباب مستقل من زقاق آخر كبقية الدور، وعيَّن لنا ما يكفينا ويكفى جماعتنا والدواب التى معنا من أنواع الطعام، فى كل يوم من هاتيك الأيام، حتى عيَّن لنا. حفظه الله تعالى. قناديل الزيت والشمع العسلى وبن القهوة والصابون وزير الماء والحطب والسكر ومربى الليمون، وغير ذلك مدة إقامتنا عنده. وفرش لنا المنزل، وهيأ الدثار، وعمل الكسوة لنا ولجماعتنا، أعزه الله تعالى فى  الدنيا والأخرة.” ().

هنا يتناول “النابلسى” جانبا من الجوانب الإثنوجرافية والأنثروبولوجية الخاصة بالحياة المصرية فيما يتعلق بالطعام والشراب، وما يتصل بالبيت وأمور المعيشة اليومية، اتصاله بالبيئة والمعتقدات الشعبية، وربما بكافة مظاهر الحياة الإنسانية المادية والفكرية().

إنَّ أسلوب الحياة اليومية وطبائع الشعوب قد حظى بكثير من الاهتمام فى العلوم الاجتماعية الحديثة لاتصاله بالحضارة الإنسانية، وثقافة الشعوب.

أمَّا “البيوت المصرية” فقد ذكر “النابلسى” أنها، فى غالبها، “ثلاث طبقات (أدوار) وبعضها خمس متواليات بعضها فوق بعض”.

كما تحدث “النابلسى” عن النقود فى مصر، وكان مرسوما عليها صورة الأسد، كما أورد صورا شعرية أخرى عن زحام القاهرة وغبارها كقول ابن جماعة الكنانى المقدسى :

إذا ما سكنت بمصر فكن
إذا ما ركبت بها أو مشيت

 صبورا على عارض يستدام
فإمَّا غبار وإما زحام()

ذكر “النابلسى” عن “السيوطى” فى “حسن المحاضرة” حب “الإمام الشافعى” لقصب السكر المصرى الذى جعله دواء للداء، ولولاه ما أقام بمصر.

خامساً : الرحلة النابلسية على  ضوء النقد الحديث

أثارت “الرحلة” كثيرا من الجدل النقدى حول انتمائها للجنس الأدبى عامة، وللفن القصصى خاصة، مما أثار كثيرا من التساؤلات حول خصوصيتها الأدبية.

إن هناك تداخلا بين أدب الرحلة والقصة يجعل الإثارة فى أدب الرحلة كامنة – حقيقة – وراء خطابها الوثائقى أو الذاتى().

إنَّ أدب الرحلة يتأبَّى على الدخول ضمن الأطر السائدة للأنواع الأدبية الأخرى كالرواية والشعر والمسرح وغيرها بحيث تصبح كل رحلة نسيجة وحدها لخصوصية التجربة لدى كل رحالة على حدة().

شكَّل انفتاح “الرحلة” على العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة، وزيادة عدد القائمين بدراسة أدبها، نسقا نقديا يُقيم صعوبات تاريخية حول طبيعة النوع الأدبى لها().

لقد تعدد مصطلح “أدب الرحلة” وقد نظر إليه بعض الباحثين نصا قائما بذاته، مجِّددا للمنهج النقدى() الذى يرى أنَّه، فيما يتعلق بالرحلة، النقد “الذى يستوحى أدواته من السرديات “Narratologie” إبداعا وتنظيرا مركزا على انتماء الرحلة إلى “الخطاب الأدبى” بحكم موازاته للسرد الحكائى، وتقاطعه – فى الوقت ذاته – مع هذا الخطاب من خلال خصائصه المميزة”().

إنَّ تحديد النوع الأدبى للرحلة فى المصطلح النقدى الحديث يواجه تحديا بالنسبة للتصور السائد فى الدراسات الأدبية لاختلافه عن المنطلقات النمطية التى تخص القصة أو الشعر مثلا، وهو مصطلح مموه().

إن لأدب الرحلة شكله الخاص، وإنْ تداخل مع فن القصة أو السيرة الذاتية().

إنَّ المسار الإنسانى الذى ركزت عليه هذه الدراسة للرحلة النابلسية يلتقى بكثير من أدبيات الرحلة بصفتها ضرورة أن يسجل الرحالة رحلته بنفسه، واشتهار الرحلة – قبل القصة – مع اشتراكهما فى إنتاج فكر ثقافى عن المجتمعات المقارنة، بتنوعها العظيم فى الاتجاهات والأمكنة، وكذلك فى تعبيرها عن كثير من خصائص الطبيعة الإنسانية().

الرحلة – جنسا أدبيا- فضاء نصى جامع أجناس “يحاور أجناسا أدبية وغير أدبية متفتحا على أنماط عديدة داخل الرحلة الواحدة…. مستفيدا من أشكال جمالية توفرت فى نصوص سردية، ومحكيات متداولة، حريصا على تقديم المعرفة بأسلوب المتعة والإمتاع ما دامت كل رحلة مغامرة… النص الرحلى إذن نص دائم الارتحال سواء على مستوى الكتابة أو على مستوى القراءة”().

أما الجانب الخاص بتراجم الأعلام فى الرحلة فهو تقوية لموقع الرحلة، وإسناد لجانب سيرة الرحالة المؤلِّف().

زخرت الرحلة النابلسية بالشعر من نظم الرحالة أو من نظم غيره، وكان الشعر جزءا لا يتجزأ من بنية رحلة النابلسى خلافا للنظرة التى رأت أن الشعر فى الرحلة مجرد حلية يستعرض الرحالة معرفته به()، لذا فإن رحلة النابلسى متفردة لخصوصية كاتبها، وقد كان شاعرا أديبا. ففضلا عن أن الشعر مكوِّن ثقافى عربى، فإن له فائدته فى التخفيف عن الرحالة أثناء معاناته وبعده عن الأهل والبلاد().

إنَّ التنوع والتعدد فى الرحلات لا يتيح وسيلة لوضع تعريف اصطلاحى محدد لها، خاصة رحلات الحج، وإن أمكن تقريبها فى ثلاثة مشاهد؛ مشهد الخروج، وتدور حوله أسئلة متعلقة بلحظة كتابته أثناء الرحلة أو بعدها، وإن كان النص الذى يُكتب أثناء الرحلة “يسجل انطباعات حول المعلوم متوغلا لحظة لحظة فى المجهول”().

أما المشهد الثانى فهو مشهد المسير ويتضمن وجهين للسفر ذهابا وإيابا، يكون الأول مفصلا، والثانى مختصرا لعدم التكرار، وهو المشهد الذى يمثل بؤرة نص الرحلة وجامع أحداثها، وتجليات الحكى فيه، والحركة من نقطة إلى أخرى من المعلوم إلى المجهول().

أما المشهد الثالث فهو مشهد الوصول الذى يضع الرحالة فى وضع مختلف مقارنة بين خياله قبل الرحلة، والواقع الذى رآه مما يولد حالة ثالثة ترتبط بذكريات حميمة().

لعنوان الرحلة دلالات رمزية إيحائية تفتح الباب للدخول إلى النص عن طريق “علامة تختزل دلالاته”()، فمن مميزات العنوان التقليدى كعنوان رحلة النابلسى: “الحقيقة والمجاز فى رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز” ، بما يمثله من سجع، دلالته على “شروطه الثقافية”()، فضلا عن كشفه عن ارتباط اسم الرحلة بالمكان().

كذلك دلت مقدمة “النابلسى” لرحلته على وعيه النقدى فيما يتعلق بتقديم ملخص لرحلته وأقسامها()، ودوافعها()، كما زخرت بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والأشعار التى تجعل الرحلة تلبية لنداء مقدس، وتطهيرا للنفس والذاكرة().

تتميز مقدمة رحلة “الحقيقة والمجاز” ببنية زمنية متنوعة مفتوحة().

أما من ناحية ضمير الخطاب فى نص النابلسى، فإنه يستند إلى ضمير المتكلم – مفردا أو جمعا- تأكيدا لمظاهر السيرة الذاتية فى أدب الرحلة(). لكن التعبير بضمير المتكلم الجمعى يغلب على النص النابلسى فى ظاهرة ربما تفيد أنه “يقصد ذاته بأسلوب الاحترام، ثم الابتعاد عن حرج الأنا المفرد”() بمعطيات النقد الحديث.

أما أسماء الأماكن فهى كثيرة، “وكأنما جاءت المقدمة توسيعا للعنوان المتضمن لأسماء ثلاثة بلدان”()، وقد تراوحت هذه الأماكن بين أماكن مقدسة فى الحج، ومباركة للزيارة كأضرحة الأولياء، وبين أماكن للتنزه والترويح عن النفس().

يصبح المكان الذى مر به الرحالة “مسرحا لاستدعاء معلومات الرحالة وشواهده ومحفوظاته العاكسة لبعض ملامح هويته الثقافية التى لا غنى – ضمنا أو مباشرة – للرحالة عنها أثناء مروره بمكان من أمكنة المرتحل إليه”().

ورحلة الحج تعكس فضاء أليفا، لأنها تتجه إلى الأماكن المقدسة، وتخاطب وجدان المسلم المتماثل مع الرحالة دينيا وثقافيا().

ارتبطت الرحلة بالسرد ارتباطا وثيقا، فالرحلة “أخيرا – وليس آخرا- نص الصورة السردية بدون منازع”().

أما المكونات السردية للرحلة فتتمثل فى القصدية؛ قصدية السفر والكتابة عنه، والخطاب الثلاثى : السارد والسرد والمسرود له، وتقاليد الكتابة مثل تقاليد الافتتاح والختام وتسمية عنوان الرحلة، وتحديد وجهها().

لا يعكس أدب الرحلة التفاعل الخصب بين السيرة الذاتية – سيرة الرحالة-.. والسيرة الغيرية .. فقط، بل يعكس هذا التفاعل للسيرة المزدوجة سواء تعلقت بالإنسان أو المكان().

إن المرجعية الصوفية فى رحلة النابلسى تبدو – بمعطيات النقد الحديث- انعكاسا لرغبته “الباحثة عن اليقين والانسجام الروحيين، وكذلك عن الطهارة عبر تحقيق بعض الأشياء الرمزية والفعلية التى تغذى روحه، وتعطيه الثقة والارتياح، وهو ما شكَّله التوجه الصوفى، والاعتقاد الذى طبع ورسم حيوات بعض “الصلحاء والأولياء” الذين ساروا فى نفس الطريق، فَهمَّ بتتبع خطاهم عبر تذكرهم، واسترجاع مساعيهم وكراماتهم فى الدنيا”().

يتشكل النسيج الوصفى فى مثل رحلة النابلسى من خلال عناصر منها استدعاء الشخصيات التاريخية لإمتاع المتلقى باستحضار الفاعلين فى الموضوعات والأحداث التى وقعت().

“إن كل رحلة هى بحث صريح عن يقين معين، لذلك فقد شكَّل الدين فى الرحلة – كما فى كل الأدب العربى – مهيمنا قويا، وأساسا استراتيجيا يحرك خلفيات الرحلة”().

إن تحديد النوع الأدبى للرحلة قد استغرق جهودا نقدية كثيرة يمكن على ضوئها إثراء دراسة الرحلة العربية القديمة التى تعد أدبية فى المحل الأول والأخير.

إن هذه الدراسة قد تؤدى إلى نتيجة مفادها أنَّ البحث فى العصر العثمانى جدير بالاهتمام فى الدوائر العلمية المختلفة التى تهدف إلى إقرار الحقائق الموضوعية دون تزييف أو ادعاء لكى نضع هذا العصر الذى سيطر على حياتنا ثلاثة قرون طويلة فى موضعه الصحيح بنقد موضوعى يحتفل بالإيجابيات احتفاله بالسلبيات، وأحسب أنَّ هذه الرحلة – بعد دراسة نتائجها – مثال لهذا التقييم الإيجابى فى المرحلة الأخيرة من العصر العثمانى، وقد بدأت مصر فيه رحلة النهضة فى العصر الحديث().

المصادر والمراجع

أولاً : المصادر :

  • الجبرتى (عبد الرحمن بن حسن)، عجائب الآثار فى التراجم والأخبار، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ج1، 1997.
  • ابن خلدون، المقدمة، تحقيق على عبد الواحد وافى، دار نهضة مصر، القاهرة، الطبعة الثالثة، ج3، 1979.
  • الزركلى (خير الدين)، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط9،ج4، 1990.
  • (كحالة) عمر رضا ، معجم المؤلفين، مكتبة المثنى، بيروت، ودار إحياء التراث العربى، بيروت، ج5، 1957.

 المحبى ( محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد) :

  • خلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر، المطبعة الوهبية بمصر، ج2، 1284هـ.
  • نفحة الريحانة ورَشْحة طِلاء الحانة، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابى الحلبى، ط أولى، القاهرة، ج2، 1967.
  • المرادى (أبو الفضل محمد خليل)، سلك الدرر فى أعيان القرن الثانى عشر، المطبعة الأميرية العامرة، ببولاق مصر القاهرة، ج3، 1301هـ.

النابلسى، (عبد الغنى) : الحقيقة والمجاز فى الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز، تحقيق أحمد عبد المجيد هريدى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.

  • نفسه ص 284
  • التحفة النابلسية فى الرحلة الطرابلسية، تحقيق وتقديم هريبرت بوسه، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1986.

ثانياً : المراجع العربية :

  • بكرى شيخ أمين، مطالعات فى الشعر المملوكى والعثمانى، دار الشروق، القاهرة، ط أولى، 1972.

توفيق الطويل:

  • التصوف فى مصر إبان العصر العثمانى، سلسلة تاريخ المصريين، العدد 21، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988.
  • التصوف فى مصر إبان العصر العثمانى، الجزء الثانى : إمام التصوف فى مصر : الشعرانى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988.
  • حسنى محمود حسين، أدب الرحلة عند العرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1976.
  • حسين محمد فهيم، أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة، العدد 138، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1989.

حسين نصار :

  • أدب الرحلة، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة، 1991.

شعيب حليفى:

  • الرحلة فى الأدب العربى، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2006.
  • الرحلات العربية، النص وخطاب الهوية، ألف، مجلة البلاغة المقارنة، العدد السادس والعشرون، أدب الرحلة فى مصر والشرق الأوسط، قسم الأدب الإنجليزى والمقارن، الجامعة الأمريكية، القاهرة، 2006.

شوقى ضيف:

  • الرحلات، دار المعارف، القاهرة، ط ثالثة، 1979.
  • عصر الدول والإمارات : مصر – الشام، دار المعارف، القاهرة، 1984.

عبد الرحيم مؤذن :

  • أدبية الرحلة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1996.
  • الرحلة بوصفها جنسا أدبيا، مجلة ألف، مجلة البلاغة المقارنة، العدد 26.
  • عصمت محمد حسن، جوانب من الحياة الاجتماعية لمصر من خلال كتابات الجبرتى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2003.
  • محمد سيد كيلانى، الأدب المصرى فى ظل الحكم العثمانى، دار الفرجانى، القاهرة – طرابلس – لندن، 1984.
  • محمود محمد شاكر، رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا، نُشرت مع كتاب المتنبى، الخانجى، القاهرة، دار المدنى، جدة، 1987.
  • نقولا زيادة، الرحالة العرب، دار الهلال، القاهرة، 1956.

ثالثاً : المراجع المترجمة إلى اللغة العربية :

  • ردولف ، رحلة الأمير ردولف إلى الشرق (مصر والقدس) “Travels in the East” ، ترجمة ودراسة عبد الرحمن عبد الله الشيخ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ج1، 1995.

رابعاً : المراجع الأجنبية

  • Elizabeth A. Bohls and Ian Duncan (Editors), Travel Writing (1700-1830) An Anthology. Oxford University Press, 2005.
  • Helen Carr, “Modernism and Travel (1880-1940)” in : The Cambridge Companion to Travel Writing, Edited by Peter Hulme and Tim Youngs, Cambridge University Press, 2002.
  • Jean Vivès, English travel Narratives in the eighteenth Century, Exploring Genres, translated by Claire Davision, Ashgate publishing, England, USA, 2002.
  • Jenniffer Speake (Editor), Literature of Travel and Exploration : An Encyclopedia, vol.1, Fitzory Dearborn, An imprint of the Taylor & Francis  group, New York- London, 2003
  • John Rodenbeck, “The road taken”, Alif- Journal of comparative poetics, No.26 : Travel literature of Egypt and the Middle East, Department of English and Comparative Literature, The American University in Cairo, 2006.

أضف تعليق