أرشيف الأوسمة: أحمد جاد الكريم

القصة أيقونة السرد..قراءة في قصة بئر وزيتون وفتاة جميلة

محمود حسانين

القصة القصيرة, تلك هي الأيقونة للنثر الأدبي, قام الكثير بتهميشها ومحاولة تغريب مكانتها الإبداعية, من خلال مسميات كـ”القصة اللحظية والقصة الشاعرة والقصة الومضة والاقصودة” وألخ, وقد ساعد في ذلك تلك السعفة التي أشعلها الدكتور جابر عصفور حينما أطلق مقولة “زمن الرواية” وكلما وجدنا مقولة تطلق لتعميم شيء جزئي نجده يسطو على ما حوله, ولكن مع مرور الزمن, يعود كل كيان إلى مكانته فقط.

وخير دليل على هذا هو ما أصبحت عليه الكتابات نفسها في أيامنا تلك, لقد بدأت الكتابات تتقولب في قوامها الطبيعي, استعدادا للعودة إلى سابق عهدها, فخرجت كتابات نثرية ما بين قصة وسرد ذاتي حكائي, ونعتبر تقبُل الجمهور تلك السرديات تمهيدا لعودة القصة إلى مكانتها.

للقصة طاقة نور أبدية:

في قصة ” بئر وزيتون وفتاة جميلة” يبدأ الرواي الآني, بالسرد حتي يوقفنا ويقف عند هذا الاستطراد في أول فقرة ” للخيال طاقة نور أبدية” فتكون إجابة على تلك الحيرة التي تملكت الطفل حينما طاف حول البئر.

لحظة المغامرة هي التي فجرت في الطفل منطق الموروث, في معتقد أن وراء كل صوت يأتينا فجأة في وسط ظلام مجهول هو صوت العفاريت.

في الفقرة الثانية نجد صوت للراوي العليم الذي يستحضر المستقبل يهرول بنا إلى حيث مواسم تأتي على القرية ليصف لنا مدلول أن لقضيته دائما فجوة يتركها الجميع, حتى أغصان الزيتون, هي إحالة إلى تلك الأيقونة التي أستخدمها الكثير للتعبير عن القضية الفلسطينية.

البنت التي لها سحر يجذب إليها من نظرة عينيها, هي لحظة توحد بين الحب, فحب المغامرة يأتي أيضا من تلهف قلبك إلى فتاة.

” عندما رأيت خضار الزيتون تذكرت البنت التي مرتْ أمام بيت جدي، ذكرتني عيناها بلون الزيتون”

محاولة ربط اللحظة وتوثيقها بتردد صوته في الفراغ,  يحيلنا أيضا إلى فرضية قضيته الأولى, غير أنه يحتاج إلى من يشاركه المغامرة, ولو بصوت في ظلام الكون يتردد بلا مجيب.

” ناديت باسمٍ وهمي للبنت التي رأيتها، تردد الصدى، عاد إليَّ، فشعرتُ بها تنام على صدري، حتى البنات “الحلوين” يسكنَّ هنا، رجعت لبيتنا ممتلأ بحب كبير للبنت وللزيتون”

في فقرة تالية نجد ربط لهفة المحبوب لحبيبه في لحظة مغامرة, ليخط لها الصبي كلمات ويرسلها ولو مع المجهول, فالكاتب لديه القدرة للكشف عن عبقرية المكان والزمان, ورسم أبعاد للبطل في كل لحظة, فيشعرك بأهمية تحول النص إلى كادرات بصرية أو ذهنية, للمشاهد التي يرسمها بالصور والمعطيات الواقعية, وكلما تعمقت في القراءة نجد الكاتب يحيلنا إلى فكرة المغامرة.

” تقافزت الكرة، وابتعدتْ، واستقرت في قاع البئر، جلبنا كرةً أكبر حتى لا تنفذ من خلال الفتحات، لكن مرة مرر أحدنا الكرة، فاستقرت في وسط البئر، من خلال فتحة كبيرة سقطت، جريت بجنون نحوها، علوتُ لأول مرة السياج والجريد،”

فتأكيد الكاتب على روح المغامرة بدأها مع كتابة العنوان, ولكن الاصرار على تأكيدها هو ما جعلها تفقد قوتها, ولكن قوة النص جعلت القارئ ينساها مع متعة الوصف.

طقوس الكتابة:

طقوس الكتابة كثيرة ومتعددة, عندما يبدأ أي كاتب في الإمساك بالقلم وسرد التفاصيل هذه هي نقطة البداية, قد نعتبر الأمر تلقائيًا أو طبيعيًّا أو مُعتادًا, تقول الكاتبة سوزان سونتاج: الأدب يعلمنا الحياة, ما كنت لأكون الشخص الذي أنا إياه, لو لم أكن أفهم ما أفهم”

وأقول من خلال كلماتها أنه لولا القصة ما كنت أفهم ما أفهم, ما كنت الشخص الذي أنا إياه, في لحظة تحول للبطل يتحول الكاتب أيضا إلى منولوج مونودرامي يؤهلك لاستحضار لحظة الحكي.

” بدأتُ أمارس طقسا آخر، أحكي حكاياتي للبئر، كنت على يقين بأن الكائنات التي تسكن في الأسفل، تسمعني”

يستمر البطل في السرد الحكايات للبئر في لهفة, حتى يجد من يشاركه المغامرة بذلك الولد الذي يأتي إلى البئر في نفس مكانه ليلقي بأشياء إلى البئر, كلاهما يرنو إلى سمع صدى المجهول.

” حزنتُ لما عرفت أن أحد الأولاد الذين كنا نلعب معهم تسلل إلى البئر، دار حولها حتى وصل إلى الفتحة المحببة لي، بدأ يرمي الحجارة الصغيرة، اهتزَّ الماء في الأسفل، أخبرني أنه شاهد ضوءا منعكسا على صفحة الماء، أخذ بعد ذلك في إلقاء أشياءَ لا يحبها، بواقي طعام، ألعابٍ قديمة، نَوَياتِ البلح، قِطعٍ من الخشب والحديد، مساميرَ، ولمباتِ إنارةٍ قديمةٍ”

لحظة موت الشغف بدأت عندما علم الأولاد بالبئر, حتى يفقد البطل شهيته للحكي لها, يبدأ تطور الحدث حيث يقرر الجد ردم البئر, فنجد منولوج داخلي يتقطر حسرة ينذر بنهايتين أحدهما مؤسفة للذكريات والثانية مشوقة للمتن, من خلال صوتين صوت الراوي وصوت الطفل.

” جلب جدي عُمالا، أزالوا غطاء البئر، قاموا بنزح مائه، رأيتُ الكرات التي فقدناها أثناء لعبنا، كلَّ الأشياء التي ألقاها الأولاد، كلَّ ما ليس له قيمة خرج مع جرادل الماء، كنت أنتظر أن أرى خطاباتي للبنت، لم يخرج ما أنتظره، رُدم البئر بالتراب، وسُوِّيَ بالأرض، وقفتُ فوقه، منتظرًا أن أسمع حكاية واحدة قديمة، تمنيت أن ينبتَ يومًا الزيتون، ويطلَّ وجهُ حبيبتي من بين أغصانِه.”

نجد الكاتب حتى نهاية القصة قد أعتمد على كادرات ذهنية وبصرية مختلفة, ما بين الذكريات ووصف الحدث, استعان بهما الكاتب في الدخول إلى عالم التخيل لمشهد البئر والبنت, كما استطاع أن يجعل من لهفتك على المعرفة انشطار للهفة الطفل لمعرفة ماذا سيحدث أيضا للبئر, أنتهى الشوق إلى المفارقة التي لم تعد لها نصيب الأسد في القصة, بعدما حلت محلها تقنيات الفن القصصي بين التكثيف والحكي, حيث أستعان الكاتب بقوة اللفظ  أو كما يطلق عليه فزياء اللغة علم المعنى أو الدلالة, فالنص يراوغ التأويل بين فكرة المتلقي ولعبة الكاتب السردية, لقد سلب الكاتب بكل خفة القارئ إلى سحر تصوير المشاهد إلى أدق التفاصيل.

رابط القصة

بئر وزيتون وفتاة جميلة(قصة الأسبوع)..أحمد جاد الكريم

بئر وزيتون وفتاة جميلة(قصة الأسبوع)..أحمد جاد الكريم

بئر وزيتون وفتاة جميلة

بين نخلتين إحداهما ممتلئة بالبلح، وأخرى عقيمة، لا تمنح ظلا ولا ثمرا، على قربٍ من حُجرة صغيرة لأرانب هادئة، بين مسافتين من نبع ماء ناضب، وسور قصير، تعلوه أغنام جدي الرشيقة هناك بئر قديمة دائما ما كنتُ أدور حولها متهيئا للنظر عبر غطائها المكون من أعمدة سرير نحاسي قديم، فوقها جريد أكلته الشمس، بضعُ فتحاتٍ تسمح بإدخال رأس صبي صغير، ومشاهدة العوالم التي تسبح في الأسفل، كان ظلاما يشق ظلاما، لكنْ للخيال طاقة نور أبدية.

خُضت التجربة، اقتربتُ، وضعت فمي في إحدى الفتحات، أطلقتُ صيحتي، ارتطم الصوت وعاد مترددا بين جدرانه الصماء، كأن شيطانا مسني، جريت نحو إخوتي، عبر أنفاس لاهثة، خرجتْ كلماتي مبتورة أغلبها:

– البئر مسكونة بالعفاريت.

في موسم الصيف، تتجمع عشرات من أغصان الزيتون، يلقيها رجالٌ حول البئر، كادت تسدها تماما، هم حريصون ألا يغلقوها. عندما رأيت خضار الزيتون تذكرت البنت التي مرتْ أمام بيت جدي، ذكرتني عيناها بلون الزيتون، جريت نحو البئر، رأيتهم وهم يزيلون ما تراكم حولها، عدت لتجاربي ومتعتي المفضلة، ناديت باسمٍ وهمي للبنت التي رأيتها، تردد الصدى، عاد إليَّ، فشعرتُ بها تنام على صدري، حتى البنات “الحلوين” يسكنَّ هنا، رجعت لبيتنا ممتلئا بحب كبير للبنت وللزيتون.

بخطي الرديء كتبت خطابا لها، دعوتها لممارسة تجربة البئر، أن تطل على عوالم جديدة، لم يعرفها أحد، طويت الورقة، رميتها في البئر، تخيلتُ رحلتها الهابطة نحو الأسفل، نحو القاع، حيث الماء، والحكايات، وفروع الزيتون التي ألقيتها خُلسة، والنداءات التي ضاعت دون ردٍ أو إجابة.

كثيرا ما لعبنا حول بئرنا، تقافزت الكرة، وابتعدتْ، واستقرت في قاع البئر، جلبنا كرةً أكبر حتى لا تنفذ من خلال الفتحات، لكن مرة مرر أحدنا الكرة، فاستقرت في وسط البئر، من خلال فتحة كبيرة سقطت، جريت بجنون نحوها، علوتُ لأول مرة السياج والجريد، اهتز من تحت قدميَّ، ناداني إخوتي “ستسقط في البئر يا مجنون” عندما بدأتْ قدماي في الهبوط، غاص قلبي، عرفت أن التجربة على متعتها مرعبة، جريت نحوهم، ورميت نفسي بينهم، شموا رائحة خوفي، وسمعوا صوت دقات قلبي، وضحكوا عليَّ

بدأتُ أمارس طقسا آخر، أحكي حكاياتي للبئر، كنت على يقين بأن الكائنات التي تسكن في الأسفل، تسمعني، حزنتُ لما عرفت أن أحد الأولاد الذين كنا نلعب معهم تسلل إلى البئر، دار حولها حتى وصل إلى الفتحة المحببة لي، بدأ يرمي الحجارة الصغيرة، اهتزَّ الماء في الأسفل، أخبرني أنه شاهد ضوءا منعكسا على صفحة الماء، أخذ بعد ذلك في إلقاء أشياءَ لا يحبها، بواقي طعام، ألعابٍ قديمة، نَوَياتِ البلح، قِطعٍ من الخشب والحديد، مساميرَ، ولمباتِ إنارةٍ قديمةٍ.

عرف الأولاد طريقهم للبئر، ما كان سرًا أصبح متاحًا للجميع، لم تعد هناك تجربة، ولا متعة اكتشاف جديد، فَقَدَ كلُّ شيء معناه، حتى البنت اختفتْ، قبل أن أعرف اسمها، لأكتبه في خطاب جديد.

جلب جدي عُمالا، أزالوا غطاء البئر، قاموا بنزح مائه، رأيتُ الكرات التي فقدناها أثناء لعبنا، كلَّ الأشياء التي ألقاها الأولاد، كلَّ ما ليس له قيمة خرج مع جرادل الماء، كنت أنتظر أن أرى خطاباتي للبنت، لم يخرج ما أنتظره، رُدم البئر بالتراب، وسُوِّيَ بالأرض، وقفتُ فوقه، منتظرًا أن أسمع حكاية واحدة قديمة، تمنيت أن ينبتَ يومًا الزيتون، ويطلَّ وجهُ حبيبتي من بين أغصانِه.

“أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها “.. الحياة بين صوتين.

أحمد جاد الكريم

رابط القصص

أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها

قصص طارق إمام أو لنقل نصوصه، فما يكتبه تحت عنوان “أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها” يعبر عن حياة مكتملة لتلك الشخصيات، حياة أطول بكثير من النصوص القصيرة التي قد يزيد الواحد منها عن مئة كلمة وأحيانا يقل.

في النص أو القصة الأولى المعنونة بـ “حياة” هناك شخص واحد يحكي وشخص آخر (الجار) محكي عنه وما بين تلك الشخصيتين تنبتُ “حياة” بكامل تفاصيلها؛ فالشخصية هنا في حالة حركة دائمة، والحركة فعل حياة، عبَّر عنها بالفعل “انتقلتُ” مسبوقا بأداة الشرط كلما الدالة على الاستمرار.

استمر في القراءة “أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها “.. الحياة بين صوتين.

جلطات خفيفة وعابرة ..قاب قوسين أو أدنى من الموت

أحمد جاد الكريم

تنتقل بنا قصة “جلطات خفيفة وعابرة” للكاتب فهد العتيق عبر مسارات متعددة؛ الأول يبدأ بالسارد وهو يسير بسيارته في شوارع العاصمة ثم يأتي المسار الثاني لينقلنا من حالة السارد الهادئة إلى شخص آخر أُصيب بجلطة، مما يضطر السارد إلى الذهاب إلى المستشفى الموجود فيها هذا المريض، دون أن نعلَم مَن هذا الشخص، ولا صلة القرابة أو الصداقة بينهما، ويركز السارد على كلمة “عابرة” وكأنها لغز يحتاج للحل مثل اللغز الذي وضعنا فيه، لم نعلم مَن المتصل ولا مَن هو ذلك الشخص بالضبط.

تقفز القصة إلى مسار ثالث، وهو مسار حُلمي، فيتم الانتقال من الواقع للحلم فجأة دون اللجوء إلى الكلمة المعتادة التي يستخدمها الكُتاب عادةً “نمت فحلمت” أو “رأيت فيما يرى النائم” بل فجأة يقول “وأظن أنني نمت في الطريق _ وصلت شارع أنس ابن مالك” واستخدم الكاتبُ الفعل ظن ليوقع المتلقي في حيرة وتساؤل هل كان المسار الثالث حلما أم كان حقيقة، فلم يذكر كلمة “حلم” إطلاقا حتى أنه بعد نهاية الحلم “المجازي” قال “فاستيقظت مذهولا وخائفا”

فما بين النوم والاستيقاظ تمتدُّ المنطقة الحُلمية التي تحاول أن تفسر ما حدث في المسارين الأولين، وكأن الأمرَ هنا معكوسٌ؛ فالحلم (على اعتبار حدوثه) يُفسر الواقع، فالجلطات العابرة التي وضعتْ السارد في حالة ارتباك هي موجودة في السماء تجعل الناس بجميع أعمارهم يتطلعون إلى أعلى وكأنهم في حالة تطلع إلى قوس قزح أو هلال شهر رمضان أو هلال العيد، ويتضح من الحوار الذي جرى بين السارد وسيدة هناك أن هؤلاء الناس ينظرون إلى الجلطات المعلقة في السماء، والعجيب أنه وصفهم منذ قليل أنهم في حفلة، وأنهم مبتهجون، وأن ذلك منظر مبهج.

فهل الناس في غفلة عما ينتظرهم من مصائب، فيما تخدعهم الحياة؟! فيظنون أنهم في سعادة بينما تتربص بهم، وتُسقط واحدا منهم كل حين، ورغم ذلك ما يزالون في بهجتهم وسعادتهم المتوهمة.

وفي هذا المسار الحلمي يلتقي السارد برجل (أيضا لا نعلم مَن هو مثلما حدث مع كل شخص أتى ذكره في هذه القصة) يسأل ذلك السارد عن هويته، فلا يعرف، إنها هنا الحيرة والتوهة التي يعاني منها الإنسان، إنه لا يعرف نفسه فكيف سيتمكن من  اتقاء المصائب التي يجهلها؟! ثم يستيقظ ليفكر في الذهاب هناك ليتأكد من حقيقة ما شاهد، ويشك في أنه ما زال موجودا في ذلك المكان.

انتقال السارد في القصة خلال تلك المساحات من أحد شوارع الرياض إلى المستشفى إلى الحلم ثم إلى البيت، وعبر التنقلات تلك ما تزال أغنية نجاة “عيون القلب سهرانة” تتردد، وقد جعلتني القصة أُعيد التفكير في تلك الأغنية وكأني أسمعها لأول مرة، فبالفعل عيون القلب يجب أن تظل ساهرة ولو غفلت لتوقف القلب أو أصيب بعطب مثل الجلطة التي حطت على صديق السارد، وربما تكون تلك الجلطاتُ التي رآها في حلمه معلقةً في السماء هي عيون القلب السهرانة ومن تغفل عيون قلبه عن السهر فسوف يصاب بجلطة، تفسير آخر يتخاطر إلى الذهن.

هذه القصة تقدم أسئلة وعلامات استفهام، ولا تعطي إجابات جاهزة؛ لذلك كانت الفجوات كثيرة، ومساحات الصمت أكثر من الكلام، التفكير ومحاولات تفسير هذه الأشياء التي تبدو غامضة من القراءة الأولى لكن مع تعدد القراءات تبدأ في فض أقفالها، والبوح بأسرارها.

أحمد جاد الكريم

بَوَّابَةُ الحُلمِ

قصة: أحمد جاد الكريم

ما الذي أيقظهُ من الحُلمِ؟

صوتُ مُنبهِ الصَّباحِ.

“أعوذ باللهِ” نطقها في غيظِ.

 كأنَّ يدًا سحبتهُ من الجنةِ وألقتهُ خارجها، من المُمكنِ أنْ يُصبحَ الحلمُ جنةً إذا كانَ الواقعُ جحيمًا، تمدَّدَ خارجَ  بوابةِ حُلمهِ ناظرًا إلى سقفِ حجرتهِ المُتشقِّقِ، هتفَ في اطمئنانِ الحالمِ:

– لا بدَّ للحلمِ أنْ يكتملَ، الجنةُ واسعةٌ لنْ تكفي ليلةٌ واحدةٌ وحُلمٌ قصيرٌ لأجوبَ أرجاءها.

ولأنهُ يحبُّ الحياةَ أيضًا كان خائفًا أن تأخذهُ الرحلةُ داخلَ الحلمِ فيُطيلَ الإقامةَ هناكَ ويَنسى أنَّ لهُ عملا لا بدَّ أنْ يذهبَ لهُ كلَّ صباحٍ، وراتبًا ينتظرهُ آخرَ الشهرِ ليأخذهُ، وحبيبةً غائبةً يبحثُ عنها منذُ زمن.

في الجنةِ يمكنهُ أنْ يجدَ كلَّ ذلكَ وبدونِ عناءٍ لكنَّ الحياةَ أيضًا حلوةٌ؛ حلوةٌ ولو لمْ نحصلْ على كلِّ ما نريدُ.

ردَّ على نفَسِه:

استمر في القراءة بَوَّابَةُ الحُلمِ

الهروب من الجنة : قراءة في قصة “سيدة القصر ” للكاتبة شذى الخطيب

أحمد جاد الكريم

سيدة القصر..قصة الأسبوع

تُمثل قصة “سيدة القصر” للكاتبة شذى الخطيب حالة من التفكك بين زوجين والتي يرجع سببها للطرف الآخر/الزوج الذي يظل طيلة القصة في هامش الحكي في محاولة لإقصائه بعض الشيء عن المشهد كعقابٍ عادلٍ على سوء معاملته لزوجته، بينما يتسلط الضوء ليكشف حياتها هي، ويغوص بداخلها مُجليًا خبيئة تلك “السيدة” التي يُشير إليها العنوان، فثمة امرأة يبدو أنها مُنعمة ما دامت تعيش في قصر، فهل هي حقا كذلك؟!

استمر في القراءة الهروب من الجنة : قراءة في قصة “سيدة القصر ” للكاتبة شذى الخطيب

غُرفة المسافرين .. مُتعة السفر ولو عبر قصة

أحمد جاد الكريم

يُعد السفر عند البعض فكرةً مُستبعدة تماما، الانتقال لديهم محدود جدا، خاصة ممن تعودوا على لزوم أماكن بعينها لا يبرحونها، وفي بيئة مثل الصعيد، يشق على المسافر قطع مئات الكيلومترات للوصول إلى العاصمة، وما جاورها من محافظات وجه بحري – كما يطلقون عليها هنا في الصعيد – مما في ذلك من عناء للحصول على تذكرة في القطار أو الأتوبيس بالإضافة إلى عناء آخر يتمثل في تحمل وسائل مواصلات رديئة، كان على أغلب الصعيديين المكوث في قراهم ونجعوهم، والذين فكروا في السفر، واستقروا هناك في “وجه بحري” ذهبوا، وتباعدت مواعيد الزيارة بعد أن كانت في مواسم الأعياد صارت في مناسبات الأفراح أو الأتراح، ثم حطت وسائل التواصل الإلكترونية فاكتفوا بتبادل التهنئات، ثم انمحت الزيارة كفكرة أو كادت من الأساس أما الذين غادروا لدول الخليج وأوروبا فقد أكلتهم الغربة هناك، ولم يعد لهم وجودٌ إلا على الشاشات الزرقاء.

استمر في القراءة غُرفة المسافرين .. مُتعة السفر ولو عبر قصة