إذا كانت القصة القصيرة، ابنه حدس اللحظة، فمعنى هذا أن الكتاب الذي يحوى عدة قصص، هو في الواقع تمثيل لمستويات من السرد، مختلفة في تقنياتها ، وأساليب الحراك اللغوي فيها، وموضوعاتها، بل وأبنيتها السردية.غير أن كل هذا التعدد، لا يمكنه أن يظل في النص الواحد متجاورا كوحدات سردية صغرى، معزولة عن بعضها البعض، بل عليه أن يدخل في علاقات دلالية متساوقة، أو بمعنى أدق أن تتفاعل كل هذه العناصر فيما بينها، لتمنحنا نسيجا واحدا. غير أن هذا النسيج لا يحرمنا من انفراد كل دلالة بذاتها، فقط هو يخلق نظاما بنائيًا، أو بمعنى أكثر دقة إيقاعا سرديا محكما، هو البديل لمفهوم الحبكة الذي يقوم عليه بناء الرواية التي تحتاج بطبيعة معمارها الكبير، إلى تصميم مسبق يرسم ملامحها ويحدد هويتها.
حتى وإن بدت القصة في بنائها مخلوقا صغيرا، لكن البناء الإيقاعي يمنحها هوية مكتملة. ولعل هذا البناء الإيقاعي، هو بالتحديد ما يسميه باشلار بحدس اللحظة، الذي يعني به، الطاقة المولدة للشعور لحظة الإبداع وكأنها روح جديدة تلبس الكاتب. هذه الطاقة – التي لا تفني ولا تنشأ من العدم – تتسرب داخل النص وتنتقل إلى المتلقي. في الواقع نحن نفرق بين الرسالة التي تحملها القصيدة وتلك التي تحملها الرواية. فالأولى شعورية والثانية موضوعية. لهذا فالقصة القصيرة بوصفها فنا بينيا يتعين عليها أن تنتج موضوعها عبر تيار من الشعور، بحيث لا يشعر القارئ بوطئة الحدث كأنما كل شئ يحدث هنا والآن وبلا بداية أو نهاية.
ومن ثم يظل النص القصصي واعدا بدلالات مخبوءة، قد لا تعلن عن نفسها بوضوح في وعي كاتبها، لكنها تمنح القارئ فرصة إنتاجها وفقا لحدسه هو. بعكس البناء الروائي، الملتزم بوجهة النظر، ويستهدف قيادة القارئ إليها.
إن وجهة النظر هذه هي التي تعلن عن هوية الرواية. لهذا يمكننا أن نصف رواية ما بأنها تاريخية، أو سياسية أو نسوية.. إلخ. فيما لا يمكننا، أن نحدد هوية القصة على نحو اصطلاحي يتفق عليه الجميع، تظل القصة ابنة حدس اللحظة ليس في كتابتها فحسب، بل في تلقيها أيضا.
استمر في القراءة حكايتي مع سماء عزت القمحاوي : بقلم سيد الوكيل →