أرشيف الأوسمة: موقع صدى

قصة ….. ( مصابيح الليل المضيئة ) لمحمد زين العابدين صبري

ترانيم عشق  تتمايل من الحانها الصبايا , وجدائل نحاسية تتدلى على خاسرات  الصغار في أيام العيد الآتية, تكتسح الوجوه نبرات الأفراح المقبلة , وأنت تتلقفين الليالي بامتعاض داخلك تترجل الذكريات ثم تتركك تتأوهين الفراق , وتختطفي من بين أحضان المرضعات صغارهن  فيتعمق جرحك ويزيد نزيف الشرايين بقلبك  , يصيح المنادى بين الأزقة والحواري يا أهل الحى قلب بلا شرايين ولا أوردة يترنم بالتراتيل  ويضخ الحب الذي يأتيه من أطراف الحزن .. يا له من زمن المعجزات.. فالعشق وجُد لقيطا  بين أحضان المزارع والغيطان وعصافير تغرد فوق أعشاشها لصغار تفتح حلوقها لبطون تنتظر الطعام  وجداول تسبح بحبيبات الماء العكر الممزوج بنكبات الأمهات وخرير ماء من شرايين غائر جرحها بين الصخور  وأنت تصرخين بين صمت الراحلين  وتفردين ذراعيك لأحضان مشلولة وسيقان مقهورة لا تقوى على الوقوف تنظرين إلى جاحد يغوص بأنياب معوله في جذور الأشجار لا يبالى نزيفها أو هجر العصافير لأوكار تهدمت من رعشة أشجار تحتضر، تحتضنين عازفك على سفوح الماء وهو يدندن بألحانه مفترشا الأعشاب  والبنات حافيات من حولك يتراقصن على وقع عزفه  فيأتيك دوى استغاثات الرابضين على حدود العشق لقلب مهاجر , تلاشت ملامحه من ذاكرتك ،لا زلتى تتذكرين أيام شقاوتك  فهناك نبتت طفولتك وصباكى وتورمت أنوثتك بين نتوءات الجبال وصخور المرج المغطاه بطحالب الندى ، ومكعبات الماء الصدئة، وحفر غائرة في الأرض مليئة بالماء ..  تشبعت قدماك بحبيبات الرمل الطرية المثلجة تصنعين بيوتا من الرمل الممزوج بحبيبات المطر ، وفى المساء بعد رحيل الشمس, تتقرفصين امام فتحة الباب الموارب  بجوار جدتك العجوز التي أنهكتها الذكريات تحصين المارة من الرواد  يستهويكى الاختباء خلف الرموش الناعسة  ولا يكفيك إبحار عينيك خلف عراقيب المارة  تبحثين عن قلب هجره عشاقه  وأنت تبكين همس الساهرات . وحينما يشتد وقع الظلام تنهضين تاركة محرابك المقدس وتقفين خلف نافذتك مطفئة الأنوار تلمحيه بثوبه الممزق الذي يكشف الصدر المغطى بالشعر الأبيض والصراخ , وإله الخصب يتجول بأحشائك يطرق الأماكن ويبيع الأطفال للمتلهفات ،تحدثين نفسك هو نفسه لم تغيره الأحوال وكلبه باسط ذراعيه بجواره يلاعب بحوافره أطراف انفه التي أزعجها زحف الكائنات  تلمحيه يصيح تحت أعمدة الشوارع المضيئة يهزوا ويلوح بكفه فى الهواء  ومن وهم المدى يصنع بين يديه أوراقا وأقلاما ودفاتر يسقط عليها التوقيعات  تلمحيه بثوبه الممزق  فيلتهب داخلك الحرمان وأنت تريه يفرك الشعر الغائر برأسه ثم يبتسم ويحاكى أقوام نسجهم من خياله هزك الصقيع الذي يلفه ودوى البرق في السماء فتنظرين الى أعمدة سريرك وقد شاخت من طول الانتظار تروعك السماء وهى تحتضن السحابات وهدير رعد يأتي من سفح الجبال وأمطار تغازل براعم الزهور العطشى برزاز الندى ، تتذكرين هو مثلك يكره الشتاء   فيطوى الشوارع والحارات يرتاد المقاهي يعكر صفو المهمومين يسكب المشروبات على الارض  ويكسر النرجيلة يتمرغ فى طين الأرض المشبع بأمطار الشتاء يطارده الصغار بالأغاني والأحجار  وأنت تصرخين في الحضور  شأنه كان عظيم بيننا  ولكنه تاه في دروب العشق  وحينما يرهقه السعي بين الأزقة حافي القدمين كثيف اللحى تمتطيه مخلفات الشوارع والحواري يأبى الاغتسال  لا يروق له الاسترخاء  إلا تحت عمود النور الرابض تحت نافذتك تحيره الذكريات لقد أخبرك الناس انه كثيرا ما يسرد حكما ونصائح ويسرد قصصا تعشقها الأطفال  وأحيانا تسكنه رزانة وكبرياء ولكن حينما يهيم بذاكرته، يهيج وتوجعه الخطى ، يهرول بين الأزقة والحواري وكلبه لا يفارقه يخبر الناس انك صناعته وحدود ملكه الممتد حتى سقوط أمطار الشتاء تهتز من فوقه السماء  بقطراتها  فتمتزج  بالتراب يتمرغ  فيها هو وكلبه  تغريه رائحة المطر الممزوجة بالطين  حتى يتشبع جسده بالوحل فيقصف الشوارع وتغنى خلفه الأطفال وأنت تصرخين بالبكاء من خلف نافذتك  يأتيه نحيبك فيزيد الخطى  تقصفه المسافات فيتلاشى كأعمدة الدخان الصاعدة للسماء يشجيه وقع قدميه وصدى صوته المرتد للفراغ   يتعقب وطنك الذى كان له فيه قصة وسجال ولما احضروه لكى أهديت له غرفته لعله يعرفها

……………………………………………………………………..

ووقفتى تتأمليه وتدققى في ملامحه التي غرقت في قهر السنين تتواتر دموعك الساخنة على صفحات وجه هزمته التجارب  تمعنين النظر في تجاعيد جلده المترهلة تتوهين في وخز السنين تكرهين تقرفصه وانكساره تمنيتى لو حملتيه ورحلتى وأخرجتيه  مما هو فيه وهو ينظر اليك ولا يحدثك , من خلف باب الغرفة تمدين له أطباقه المحملة بالطعام يعصر قلبك ظهره المنحنى وانكفاءه على الأرض  يتناول طعامه في صمت  ثم يتنهد  ويكنس الأرض بمؤخرته وهو يتزحزح للوراء تمسحين دموعك وتقتربين منه تلمسيه من كتفه فينتفض ثم يتماسك حينما رآك , تعرفين أن برد الشتاء يخيفه  وتفزعه الأمطار وصرير النوافذ بفعل الهواء , يتلوى من الخوف في ليالي الشتاء فلما زاد اقترابك منه وكلما لامستى يديه انتفض  هاجمه الصغار اندفعوا من الغرفة المغلقة وارتموا في حضنه زاد فزعه وخوفه لاعبه الصغار  وتكومت صغيرته في حجره وامتطاه أخر وثالث يشد طرف جلبابه  اخذ يتكور ويتقوقع ويحتمي بظهره في الجدار اقتربتى منه اخذ ينتفض … شققتى ثيابه حتى تعرى صدره المبلط باشعر الأبيض  إنهم صغارك رفع يديه يحتمي بها ويخفى وجهه من هول صياحك  صرختى إنهم أولادك فزاد احتمائه بالجدار هدأتى من روعك ومسحتى دموعك وربتتى عليه …. كنستى الصغار أمامك وتركتيه وحيدا يتأمل سقف الحجرة ويتوغل في ذاكرة تحمل من ماضيها أسوء الأحمال وتتغذى على القهر والانكسار , قليلة هي لحظات الفرح المحمولة بالذاكرة وكأنها أعدت لحمل الأحزان رحلات العمر الطويلة لا تتوقف إلا في محطات القهر   وذاكرة تتلقفها الانكسارات تتدلى من أعماقه عناقيد النواح فيتذكر أن البكاء في مسبحة العمر أكثر من الابتسامات  فتتلوى خيوط وجهه  لترسم شرايين للبكاء وتحفر الدموع على خدوده روافد لمجاريها فهنا يجب أن يتوقف الترحال .. حاصره الصمت أرتال نمل تمشى تحت جلده ماعاد يخاف أمطار الشتاء ولا يأنس مصابيح الليل المضيئة  فتلفت حوله لمحك  تقفين بالباب أبتسم  فابتسمتِ  وابتلعتيه بين أحضانك ثم ناديت الصغار

علم الوعى كأحد أهم علوم المستقبليات. د. علاء العريان.

                                                                

الوعى هو خاصية للعقل وهو يعرف بإدراك الشخص لذاته ولما يحيط به  فى بيئته أو تركيز أنتباه الشخص لذاته أو لما يحيط به فى الخارج . وهو موضوع لكثير من البحث فى مختلف العلوم والتيارات المعرفية مثل الفلسفة وعلم النفس وعلوم الأعصاب وعلوم المعرفة  ( Cognitive Sciences  ). وفى الآونة الأخيرة تفاقمت التأملات حول طبيعة الوعى بشكل كبير . فلكل فرع من فروع المعرفة منظرواته الخاصة حول ما قد يكونه الوعى . وقد أسهم علماء الأعصاب وعلماء الإدراك وعلماء الكمبيوتر وكذالك البيولوجيون بالعديد من المقالات العلمية فى هذا الموضوع . وفى علم الفيزياء أدى اكتشاف الحقيقة التى لم تكن معروفة من قبل وهى أن عملية الملاحظة البسيطة التى يقوم بها العالم  للأحداث الذرية ودون الذرية فى المعمل تغير (أى عملية الملاحظة ) فى طبيعة النظام الفيزيائى ، أدى ذلك بجميع مؤسسى الفيزياء الحديثة بما فيهم فيرنير هايزنبرج  Werner Hiesenberg و إيروين شرودينجر Erwin Shrodinger وألبرت أينشتين إلى أن يفكروا  بمزيد من الجدية والعمق فى الدور المتميز ، غير المتعارف عليه ، للوعى الإنسانى . وقد واصلت أعداد متزايدة من علماء الفيزياء عملية التأمل فى طبيعة الوعى أو الذهن والمادة نظراً لأن النتائج التى أسفرت عنها الفيزياء الحديثة هى من التعقيد بحيث يعجز الكلام عن وصفها . فهذا عالم الفيزياء بيرنارد دى سباجات يقول فى مقال له فى scientific American  [ إن الاعتقاد بأن العالم مكون من أشياء ذات وجود مستقل عن الوعى الإنسانى قد تبين فى نهاية الأمر أنه يتعارض مع ميكانيكا الكم (الكوانتم ) والحقائق الفيزيائية المثبتة بالتجربة  ] وقد نشرت العديد من المقالات في هذا الموضوع في دوريات علمية  رفيعة الشأن . وبرغم أن الفيزيائيين النظريين قد طرحوا بمنتهى الجد إمكانية تفاعل العقل مع المادة فمايزال هناك بعض الحظر العلمى للدراسة التجريبية لمثل تلك الموضوعات التي أشار إليها آينشتين كتأثيرات شبحية عن بعد ( spooky actions at a distance  ) لأن ذلك سيؤدى إلى زخم من الفرضيات الجوهرية حول طبيعة النهج الذى ينبغى أن تعمل وفقه الأشياء.

فمن أهم الإكتشافات الأكثر إدهاشاً فى الفيزياء الحديثة هى حقيقة أن الأشياء ليست منفصلة عن بعضها كما يبدو لنا, فعندما نستغرق فى أعمق أعماق حتى أكثر المواد صلابة تختفى تلك الإنفصالية وأن ما يتبقى ما هى إلا علاقات تتغلغل  ممتدة عبر الزمان والمكان . وقد تنبئت نظرية الكم بتلك الإتصالية التى عبر  عنها آينشتين كما ذكرنا آنفاً “بالأفعال الشبحية عن بعد” . ووصفها إيروين شرودينجر وهو أحد مؤسسى نظرية الكم ” بالإلتحام ” ” entanglement ” وبأنها السمة المميزة لميكانيكا الكم “الكوانتم” وأن تلك الحقيقة الجوهرية المتمثلة فى ذلك الإلتحام لا تتماشى مع عالم الخبرة اليومية. حتى أن عديداً من علماء الفيزياء صرحوا بأن هذا الكشف لا يعدوا كونه من قبيل التفكير النظرى المجرد. فقد تقبلوا فكرة أن عالم الجسيمات الدقيقة يكون فى حالة من الإلتحام ولكن ليس لذلك مردودات عملية فى عالم الخبرة المعاشة ولكن هذا المنظور سرعان ما تغير الآن فقد برهن العلماء فى الوقت الحاضر على أنه  ليحدث أن التأثيرات الإلتحامية الميكروسكوبية تتراكم لتؤثر فى عالمنا الماكروسكوبى الكبير. وأن تلك الإرتباطات فيما بين الجسيمات الذرية ودون الذرية يمكن أن تتجاوز تأثيراتها حواجز الزمان والمكان . واقترح العلماء بأن الإنتباه الواعى (الوعى) يتسبب عن ، أو له علاقة رئيسية بالإلتحام أو الإرتباط الكمى ( الكوانتى) فيما بين الدقائق الأولية للمخ . وآخرون يفترضون أن الكون بأكمله بكل مكوناته وحدة واحدة يجمعها الإلتحام الكوانتى(الكمى) . فإذا كانت نظرية الإلتحام الكوانتى  صحيحة فماذا سيكون حال الإنسان فى هذا الكون من الإتصالية المتبادلة بين جميع أجزائه ؟ فهل سنكون على اتصال عميق لافيزيقى مع من نحب حتى وإن كانوا على بعد أميال منا ؟ هل ظاهرة “إلتحام العقول ” “entangled mind  ” هى المسئولة عن إحساسنا بهوية من يطلبنا عندما يرن جرس الهاتف ؟ فهل ذلك عن معلومات حقيقة وصلت بطريق ما إلينا متخطية القنوات الحسية المعتادة ، أم أنه ضرب من المصادفة أو من قبيل الهذيان العقلى ؟! . وبرغم أن هناك الآن كم هائل من الدليل التجريبى المعملى على ذلك فقد ظل العلم حتى وقت قريب متجاهلاً تلك التأثيرات لأنه على مدى قرون من الزمان افترض العلماء أن كل شئ يمكن تفسير ه وفقاً لآلية ميكانيكية  تماثل عمل الساعة ( النظرية الميكانيكية ) ولكن اليوم وعلى مدار القرن العشرين تبين بما لا يدعو للشك خطأ تلك الفرضية التى كانت قد أصبحت بدهيه ، فكلما اقتربنا في طريقة فحصنا للأشياء أقرب فأقرب تبين أن لا وجود لشئ كآلية الساعة ولكن وجد أن الحقيقة نسجت من نسيج كلى تمتد خيوطه عبر الزمان والمكان وأنه لو حدث أهتزاز فى طرف من أطراف هذا النسيج لتذبذب النسيج كله عبر الزمان والمكان . ولعل هذا ما عاناه الشاعر الإنجليزى فرانسيس طومسون  فى القرن التاسع عشر وكان صائباً حينما قال :- كل الأشياء فى هذا الكون ، قربت أو بعدت ، تربطها قوة أبدية خافية حتى أنك لا تهز زهرة دون أن تربك نجماً.

استمر في القراءة علم الوعى كأحد أهم علوم المستقبليات. د. علاء العريان.

كلب ومات. قصة: إيهاب فاروق

لست أدري ما الذي طرأ علي في الآونة الأخيرة, اعتدت التسكع في الطرقات بلا هدف, لم أعد أبالي بازدحام الشوارع, أو حتى فراغها, رغم أن الزحام يجذبني أكثر, أجد ضالتي في تفرس الوجوه, وقراءة طلاسم تجاعيد الزمن, لم تعد الوجوه بضة ناعمة كما كنت أعهدها, صارت كلها مجهدة معروقة, ولو اختفت خلف أقنعة ثقيلة من المساحيق, لكن تظل مساحيق الليل تختلف تماما عن مساحيق النهار, فمساحيق الليل شرسة متوحشة تأكلك قبل أن تنظر إليها, وتخبرك بذلك كلاب وسط البلد .

امتلأت الشوارع بمحال الطعام, يبدو التهافت عليها أكثر من أي وقت مضى, وكأن الطعام سينفد غدا! لذة الأكل الجاهز السريع لضيق الوقت تقتلها فاتورة الحساب, لكنها الحياة وما تصير إليه دونما اختيار, إلا اختيار تلك الأصناف الشهية التي تخلب العيون, ومن كل البلدان, لم يستطع العرب تحقيق حلم الوحدة العربية إلا على الموائد, فعليها يأكل الجميع ما يشتهون, ودونما إجبار, ويكون الحساب على الشبع أفضل في كل الأحوال, لا كالضرائب يدفعونها عنوة؛ ثم يظفر الجميع بالجوع !

استمر في القراءة كلب ومات. قصة: إيهاب فاروق