أرشيف الأوسمة: الديكاميرون

سرد الأحلام..(ملف خاص): إعداد: مرفت يس

عن الأحلام سألوني..سيد الوكيل

لا أدرى إذا كانت الأحلام غريزة من غرائز الكائن الحي؟ صحيح أن بعض التجارب العلمية أكدت أن الحيوانات يمكنها أن تحلم أيضا، غير أن أحدا منها لم يخبرنا بما حلم، وربما لم يفكر فيما حلم عندما يستيقظ.. لهذا فثم اعتقاد أن طبيعة الحلم عند البشر ثرية ومتنوعة بثراء وتنوع الوجود البشري. الأحلام هكذا، أشبه بملفات مخفية نسيناها في غمار الحياة، تظهر فجأة على سطح المكتب، وفق آلية عمل ذاتية للجهاز العصبي.. لهذا هي وجود حي بداخلنا، ضاغط وملح، بما يجعلها أقرب ما يكون إلى الغريزة. لكن الفرق بين أحلام الحيوانات وأحلامنا، هي طبيعة إدراكنا لها. وهذا الإدراك هو عمل الوعي البشري، إنه في تطور دائم، متفاعل مع الخبرات والمعارف التي مرت بها رحلة الوجود الإنساني منذ خلقه الأول.

الإنسان البدائي عرف الأحلام، لكنه خلط بينها وبين الحقيقة، لدرجة أن بعض القبائل البدائية كانت تعاقب رجلا يحلم بمضاجعة امرأة جاره، بل ويمتد العقاب إلى المرأة كونها ذهبت إليه في الحلم.

مع إدراك الإنسان بوجود قوى إلهية عليا، أخذ الحلم بعدا ميتافيزيقيا. وتحكي لنا الأساطير، عن ملوك سارعوا بقتل أطفالهم، بعد رؤية في حلم بأن هذا الطفل سيقتل أباه يوما، أو بعد فتوى من عرافه بأن ( أوديب ) سيقتل أباه ويضاجع أمه.

لقد رسخت الكتب السماوية هذا المعنى عن الحلم بوصفه نبوءة، فثم أنبياء ألهمتهم الآلهة بنبوءات وحملتهم رسائل، صارت حقائق. هكذا ظل ارتباط الحلم بالحقيقة سعيا بشريا حتى الآن، وكأن الحلم، أداة من أدوات المعرفة.

لقد أفضى هذا الاعتقاد الراسخ بواقعية الأحلام، إلى علوم متخصصة في تفسير الأحلام.. إذ كان اليقين بواقعية الأحلام الذي كتب به ( ابن سيرين)  تفسيره، هو الذي منحه حق الوجود حتى الآن،  وبعد مضى ثلاثة قرون على ثورة العلم، الذي نقل الحلم من فضاء الميتافيزيقا إلى فضاء علم النفس، ثم علم الدماغ، حيث تمكن ( سيجموند فرويد )  من ربط الحلم بالواقع الداخلي للحالم، فبدلا من السعي إلى تفسير الحلم نفسه، أصبح الحلم وسيلة لتفسير السلوك الإنسانية، والظواهر والأعراض النفسية التي يعانيها الحالم. وهكذا لم تعد الأحلام مجرد نبوءة ترغب في التحقق، بل حقيقة ترغب في التعبير عن نفسها.

والآن.. إذا كان الإبداع الأدبي هو حراك داخلي، قلق ومتوتر، يرغب في التعبير عن نفسه، وإعلان وجوده في صيغة من صيغ التعبير التخيلي، فما الفرق بين الحلم والإبداع إذن؟؟

الحلم كما يقول ( إيريك فروم ) هو إبداع الحالم.  الحلم هكذا مادة إبداعية نفرض نفسها علينا في النوم، ولا يمكننا تجاهلها في اليقظة.. تلك آلية عمل قريبة من آلية عمل الكتابة الأدبية، فتجاربنا الواقعية التي حفرت عميقا فينا، نكتبها في قصصنا ورواياتنا، عبر منظومة من الأخيلة والرموز والعلامات، فتصبح شيئا محاكيا لما حدث في الواقع، ولكنها ليست الواقع بالتأكيد.

 لهذا.. فكما سكنت الأحلام أساطير الأولين، سكنت روايتنا، وقصصنا، ومسرحياتنا، وأفلامنا، ولوحاتنا التشكيلية… بل سكنت ( بوستاتنا ) على شبكات التواصل الاجتماعي. فمطلقو الإشاعات ضد الأنظمة السياسية، والمروجون لها، يعبرون فقط عن أحلام مجهضة عجزوا عن تحقيقها.

***

نخصص هذا الملف عن علاقة الأحلام بالإبداع الأدبي. وهي علاقة قديمة، تبدأ كما أسلفنا مع الأسطورة، بوصفها كيانات حكائية، كما نجدها في أشكال السرد الفني القديمة ( ألف ليلة وليلة ) على سبيل المثال. ثم نجدها في الرواية الحديثة منذ ديكاميرون  ودون كيخوته، وها هي، في القصة القصيرة، تصبح فنا أدبيا مستقلا على نحو ما يستهدفه هذا الملف.

هل يعني هذا أن ثمة فارق بين الحلم في الرواية والحلم في القص؟

هذا ما نعتقد.. فالحلم في الرواية له وظيفة في خدمة الفضاء الروائي، وتوسيع أفقها الدلالي، ومن ثم يظل أثره محدودا بتحقيق وظيفته، وبعدها يذوب داخل الفضاء الروائي، بوصفه عنصرا من عناصره.. أما في القصة القصيرة، ونظرا لطبيعة الوحدة الموضوعية لها، وكثافتها، فالحلم ليس عنصرا فيها بل هو القصة نفسها. إنه يطمح إلى إبراز أخيلته، ورموزه، وآليات إنتاجه، بل وقدرته على تشكيل الأبعاد الزمكانية  والشخصيات بما يكسبها أبعادا متجاوزة للواقع.  

عندما كتب نجيب محفوظ ( أحلام الفترة الانتقالية ) أعطانا مشروعية، أن يكون الحلم فنا سرديا مستقلا، يقف إلى جوار القصة القصيرة، يمكن أن نسميه حتى الآن ( سرد الأحلام ).. لكن المغامرة الأولى – عند محفوظ – لكتابة الأحلام في ذاتها، كانت عام 1982 م تحت عنوان ( رأيت فيما يرى النائم ) ويمكن ملاحظة رغبة الراوي في الإخبار ( اللغة الإخبارية) التي تشابه لغتنا عندما نستيقظ من النوم ونخبر شخصا ما بما حلمنا كأن نقول ( رأيت في منامي أنني أفعل كذا وكذا.. إلخ) ومن ثم فهي مجرد حكي للحلم يستسلم للطابع الإخباري، محدود الأثر الدلالي على نحو ما نجد في رواية ( حديث الصباح والمساء) حين يرى (يزيد المصري) في المنام  شيخه القليوبي جالسا في المقابر، يدعوه لأن  يقيم خلوته له في المقبرة المجاورة لمقبرته. بسهولة ندرك إن الحلم هو عتبة لموت يزيد المصري. تلك هي وظيفة الحلم في الرواية. أما في (أحلام فترة النقاهة ) فلم يكن لقاء الراوي ( بالست عين)  في ( أفراح القبة) خبرا يخدم دلالة مغايرة، بقد ما كان تجسيدا لحضور حقيقي، هو موضوع النص. إنه حضور نلمسه شكلا وموضوعا وشعورا. نقرأه وكأننا نراه، أو وكأننا نشارك الراوي حلمه. فلا شيء قبله، ولا شيء بعده، ولا مُدخلات خارجية فيه، تسعى لتفسيره،  أو التعليق عليه.إنه حضور فحسب. هكذا يظل الحلم مكتنزا بطبيعته التي نراه عليها،  بلا معقوليته، وألغازه، وشطحاته الغرائبية المفارقة للواقع. بما يعطي للقارئ وحده، حق اقتناص الدلالة، من بين براثن اللاوعي الجمعي الذي يسكننا نحن البشر. إن الحلم مقصود لذاته في ( أحلام فترة النقاهة) على نحو ما يفصح العنوان، بوصفه نصا قصصيا مكتملا بذاته، وليس مجرد تقنيه في خدمة فضاء سردي أكبر منه. هكذا أدرك نجيب محفوظ أن القالب القصصي، مؤهل بطبيعته لسرد الأحلام.

خلافا للسرد القصصي والروائي، فإن أحلام نومنا  بلا عتبات ولا مقدمات، نجد أنفسنا داخلها فجأة، ونخرج منه كما دخلناها بلا نهايات حاسمة، دونما تحصيل لأي معنى. وعندما نستيقظ نحاول تذكرها ربما يمكننا أن نقف على بعض المعاني، لكن علماء الدماغ يؤكدون أننا لا نتذكر منها سوى نسبه ضئيلة جدا. فالحلم هو نشاط عصبي وظيفته التخلص من بعض الذكريات والصور المخزنة في الذاكرة بما تحمله من مشاعر معطلة مثل مشاعر الذنب، أو الدونية.. الأحلام إذن عملية تطهير للوعي يقوم بها اللاوعي . أي أن القول بأن نجيب محفوظ كان يكتب أحلاما رآها فارغ من المعنى. فلا أحد يمكنه أن يتذكر الحلم، وما نحكيه بعد يقظتنا عن أحلامنا، هو تصورنا الواعي عن نشاط اللاوعي،  والمسافة بينهما واسعة وغير مأمونة، لهذا فإن كتابة الحلم هو خلق إبداعي تماما، ينتجه وعينا الجمالي، وليس توثيقا أو تدويرا لأحلام رأيناها.

لكن.. ما لو أردنا كتابة حلم رأيناه بالفعل؟

تخيل أنك تمشي في شارع مظلم تماما، وفجأة ومض ضوء خاطف واختفى، فإن كل مار رأيته هو انطباع عام عن شارع ما، أما إذا طلب منك أن تصفه، فإن خبراتك السابقة بالشوارع  ووعيك بمحتوياتها، هي التي ستكون أدواتك في الوصف. لهذا فإن ما تصفه سيكون من إبداعك أنت، ويخصك أنت وحدك. كذلك ما نكتبه بوصفه أحلاما، هو إبداعنا الذي يخصنا.

أما إذا كانت فكرتنا عن آليات كتابة الأحلام غير واضحة، فعليك أن تقرأ هذا الملف، ففيه وجهات نظر، وطرائق مختلفة في فن كتابة الأحلام، وكعادتنا ندرك أن الاختلاف ليس خصومة، بقدر ما هو سمة تفاعلية، توسع فضاء الإبداع.

 

الجزء الأول

: مقالات عن الأحلام

فدوى العبود

الحــــلم والشيــــفرة الســريّـــة للمعرفــة والــوجود

سيد الوكيل

فن كتابة الأحلام ..تأسيس نظري : سيد الوكيل

الجزء الثاني:

نماذج من سرد الأحلام

نجيب محفوظ

الحلم 16..من المجموعة القصصية : رأيت فيما يرى النائم

حكاية الرجل الذي لم يحلم أبدًا..طارق إمام

رغم الظلمة …رغم النوم..طارق إمام

كنت أضحك في حلمي….قصة : رءوف مسعد

الجمعية …قصة: حلمي محمد القاعود

برج الحمار: قصة: عبدالقهار الحجاري

نصوص في لمح البصر…سيد الوكيل

رجل وحيد يخشى الأحلام…قصة :أحمد أبو خنيجر

الحلم الذي لن أرويه لجدتي…قصة: صفاء النجار

قصر الأموات قصة : شريف صالح

علاء الدّين وامرأة تحلم..قصة: روعة سنبل

كشوفات مصطفى يونس

الحلم ..قصة : مصطفى لغتيري

أطياف محفوظية…عبير سليمان

الجزء الثالث

قراءات نقــدية في نصـــوص الأحــــــلام

دمحمود الضبع

البنية والتجريب في أحلام نجيب محفوظ

 

اعتبرني حلما فدوى العبود

اعتبرني حلما :مقولة كافكا الشهيرة عندما قضى ليلة في بيت صديقه ماكس برود، ودخل بالخطأ غرفة والد ماكس ، وفزع الرجل ، فما كان من كافكا إلا أن انسحب بهدوء معتذرا وهو يقول له تلك الجملة التي استلهمتها الكاتبة فدوى العبود عنوانا لقراءتها في نصوص الأحلام و نشرت في كتاب الديكاميرون  2020الذي أعدته الكاتبة السورية روعة سنبل وقدمت له قراءات نقدية فدوى العبود.  اقتبس الكتاب اسمه  من عنوان رواية (الدّيكاميرون) للكاتب “جيوفاني بوكاشيو”؛  التي تسرد قصّة مجموعة أشخاص هربوا من الطاعون، واختاروا -وهم في خلوتهم في منطقة ريفية- أن يسردوا في كلّ ليلة قصصًا تخفّف عنهم عناء الوجع، فتكون الحصيلة كلّ صباح عشر حكايات،ومن هنا جاءت فكرة الكتاب عن جدوى الحكاية وهل هي مجدية؟ “فكانت  هذه النصوص  إجابة   صريحة  عن دور الحكي  في المقاومة .احتوى على  خمسين نصاً قصصياً اندرجت  تحت ثيمات خمس هي “المرايا” و”القطارات” و”الحبال” و”الفقاعة” ويختتم الكتاب بثيمة “الأحلام وتحتوي على تسعة نصوص لمجموعة من الكتاب  هم زهير كريم ، هبة شريقي، مهند الخيكاني ، غفران طحان، نبأ حسن مسلم ، صلاح حيثاني، حنان الحلبوني، زوران جيكوفيتش، سيد الوكيل. تبقى  الأحلام كثيمة هي الأمل في الخلاص وتوقع الأفضل عن طريق الحكي ؛ “نحكي لننجو ” “.

كُتاب الديكاميرون

المدد المحفوظي في كتابة الأحلام …ومشروعية الحلم كنص أدبي

نماذج تطبيقية لشريف صالح ومحمود عبدالوهاب

مدد الأحلام …سيد الوكيل

د. خالد عبد الغني

العودة لأحلام نجيب محفوظ آخر أشكال السرد في الأدب ([1])

قراءة في لمح البصر بقلم فردوس عبدالرحمن

الغوص في اللاوعي والبحث عن أسطورة الذات الخاصة

أحمد رجب شلتوت وقراءة في نصوص” أضغاث أنفاس

أحلام نسوة يعانين القهر والاستلاب

مرفت يس .. قراءة في مشاهد عابرة لرجل وحيد للكاتب أحمد أبو خنيجر

المزج بين الأسطورة والحلم في ” مشاهد عابرة لرجل وحيد”

الحلم فى القصة المغربية….الطيب هلو

الإيقاع السردي وحداثة القصة القصيرة ـ إيقاع الحلم نموذجاً

الجزء الرابع

قراءات عـن بنية الحـلم في الرواية

علي كاظم داود

السرد بالأحلام في رواية ” لاريب فيه” لطاهرة علوي

منير فوزي

قراءة في نص (أحلام سرية) للروائي مصطفى بيومي

الحلم في النص السردي بين التخييل والتفنين:

تأويل الحلم عبر الذاكرة في رواية كيميا للكاتب وليد علاء الدين

الجزء الخامس:

قــــراءات

الحلم كهندسة عقلية..عمرو عزت وفن تعبير الرؤيا: محمد عبدالنبي

أدب الأحلام ..قراءة في كتاب عبده وازن “غيمة أربطها بخيط” بقلم حسن عبدالله

” كتاب النوم”هيثم الورداني …عندما تستيقظ الغفوة : طارق إمام

لغة الروح والنفس المنسية ..مرفت يس

كتاب الأحلام بين العقيدة والعلم للدكتور علي الوري ..قراءة صالح البلوشي

اعتـــبرنـي حُلُــــــــــما..قراءة في نصوص الأحلام

فدوى العبود / سوريةً

الديكاميرون

بعد أن ينهي زيارته للمعبد الحجريّ، يذهب الرجل الذي لم يدوِّن حرفاً ولن يترك كتاباً تحت إلحاح النعاس إلى فراشه.  إنّه متعب- فتوليد الأرواح أشقُّ من توليد الأبدان- ورجّة السؤال أشدُّ على الروح من هناءة الجواب- وما إن يدلف إلى عالم الحلم حتى تأتيه عرّافة دلفي. لقد تركها في المعبد بعينين مطفأتين  -إنّها مُبصِرة ولها نظرة أموميّة- أشارت للكلمات المنقوشة بحروف بارزة فوق بوابة المعبد وقالت: “ياسقراط اعرف نفسكَ بنفسك”.

هذه العبارة سؤال الفلسفة عن الوجود والطبيعة. وكان عليه أن يعود إلى نقطة انطلاق السهم.

الحلم هو هذا الضبط. “فهم ما يصعب فهمه”. فمعرفة دواخلنا ليست بالأمر الهيّن لذا نتفنن في  الهرب ( الصحبة العمياء،تبنيّ قناعات المجموعة التي ننتمي لها. الركون إلى المتعارف عليه) و أقسى ثمن يدفعه الكائن هنا هو ضياع الذات.

استمر في القراءة اعتـــبرنـي حُلُــــــــــما..قراءة في نصوص الأحلام

جامع الأحلام … قصة: زوران جيفكو فيتش (صربيا

استمر في القراءة جامع الأحلام … قصة: زوران جيفكو فيتش (صربيا

مؤامرة

قصة: سيدالوكيل

اجتمعت العائلة كلها.

جاءوا من قراهم وبلدانهم ومقابرهم.

اختاروا حجرتي مكانًا لجلسة الصلح بيني وبين المرحوم جدي، قالوا إنني لم أحمل من صفاته غير الاسم، ودون ذلك لا أشبهه في شيء.

ضايقني أنهم اختاروا حجرتي رغم ضيقها وسوء حالها، لكنهم غمروها بأضواء قوية، فبدوا في ملابسهم البيضاء ناصعين حتى لم أعد قادرًا على تمييز ملامحهم، فيما أنا وجدي نجلس متواجهين على الأرض في انتظار الحُكم.

استمر في القراءة مؤامرة

ماجستير…قصة: حنان الحلبوني

(سوريا)

إنها العاشرة ليلاً، وعوني متعبٌ، بل منهكٌ، فقد أتمّ اليوم أربع سنواتٍ من البحث والعمل ووَصْلِ الليل بالنهار، من أجل رسالة الماجستير في الأدب العربيّ “الفضائل العربية وتجلياتها في حياة الشعراء العرب”.
أربع سنواتٍ من العناء والسهر والانتقال بين المكتبات والجامعة، حذفٌ وإضافة، أخطاءٌ جعلت تعب أيامٍ وأشهر يختفي من ذاكرة الحاسوب، انقطاع التيار الكهربائي، ضعف الشابكة، البحث عن كتبٍ ومخطوطاتٍ نادرة، اضطراره للإذعان لاستغلال بعض أصحاب المكتبات، آلام الرقبة والظهر ضريبة الجلوس الطويل.

استمر في القراءة ماجستير…قصة: حنان الحلبوني

رؤيا ( Heren straat)


صلاح حيثاني(العراق/هولندا)

لا أحد سيعرف ماذا حلّ بحلمي الأخير، لأنني ربما سأموت قبل أن استيقظ من نومي..
بادرني رجل يبدو في نهاية العقد السابع بهذا الكلام بعد أن رآني أتطلّع إلى عليّة صيدلية (هوخينس) في شارع هيرن سترات .إنها ليست حبكة قصصية، ولا يرتبط الأمر بكتابة نصّ أدبي جديد، بل برجل كان يحدّق بي من مقعد مجاور في شارع (هيرن سترات) ويحاول تبديد أوراق الأكاسيا التي تجمعت أمام مقعده الخشبي وهو يقول ببطء :
أنها ليست حقيقية، وكذلك الريح التي تدفعها باتجاه شارع (كوك شورن) لأنها لا تحدث إلا في حلمي ..
أنت أيضا (قالها وهو يشير إليّ بعصاه) لست حقيقيا إلا بالقدر الذي يمتدّ فيه زمن حلمي، بوسعك أن تغادر، لا بأس، غادر الآن إن أردت، ثم قال بلهجة آمرة : (غادر)، وأردف بعد هنيهة صمت: لكنك لن تبتعد، لأنني وببساطة شديدة لم استيقظ من نومي بعد.
أنا من منحك هذا الجسد الذي يبدو أنك لم تعتد عليه، ولكن لا بأس أيضا، لأنه لن يكون جسدك خارج هذه الرؤيا، وكذلك لأنني سأمنحه إلى كائن آخر في رؤيا جديدة.
لماذا تبدو مأخوذًا على هذا النحو؟
لا يمكنك ذلك، ستزول بمجرد أن استيقظ، لست جوهرا لتكون واجما ومتفكّرا وكأنك ستدخل ـ تلمّسا ـ أحلامي كلّها..

استمر في القراءة رؤيا ( Heren straat)

هبوط اضطراري ..قصة نبأ حسن مسلم

(كاتبة من العراق)

لا أعرف ما هي مشكلتي مع المروحيات , فمؤخراً لا يكاد يمر يوم دون أن أرى إحداها أو أن أسمع صوتها على الأقل !!                                                                                                              الظلام يهيمن على شفاه المكان كقبلة مغشوشة .. كالعادة كنت منغـرسة بحديقتي الصغيرة , تحف بأقدامي أعشاش مائية باردة و منعشة .  أحمل بيدي طبقاً من الفاكهة الصيفية الشهية , أكله بشراهة منقطعة النظير لم أكن أفكر الا بالحرب و الجدوى من استمرارها كل هذه السنوات . أتوقف لبرهة و أحاول جاهدة منع نفسي من الإجهاز الكلي على محتويات الطبق .. فماذا لو حـصلت مجاعة فجائية ؟؟ أليس من الأجدر بي الاحتفاظ بهذا الطعام و ادخاره و ….. تحديداً , و في تلك اللحظة المشرقة بالتفكير , انزلقت  مروحية من فوق رأسي بدنها المعدني أصيب بقذيفة مباشرة .. النار تندلع من كل جزء منها بصورة رهيبة . أخذت تدور حول نفسها بسرعة فائقة كذراع طاحونة مجنونة قبل أن ترتطم بالإسفلت المتصدع للشارع المحاذي لمنزلي و تتبعثر أجزاؤها بصورة أليمة بالفراغ المظلم .                                                                                 تجمدت في مكاني حتى شعرت بالأعشاش المائية التي غمست بها قدماي قد بدأت بالغليان . في الواقع هذا ليس الشيء الوحيد الذي شعرت به , بل إن هناك عدة أشياء لن أخبركم بها !!                                   مرت لحظات الانفجار الأولى بدويّ و عـصف هائل . امتدت النار إلى داخل حديقتي و أتت على القصب خاصتي ” لم يكن هناك سوى القصب , فلا شيء ينمو في السبخة هنا غيره ” الهسهسة الصادرة من احتراقه أخذت تقرص أذنيّ و تفركهما كما تفعل المعلمة مع الكسالى . ما العمل ؟؟ سألت نفسي عدة مرات    و أنا أتلفت بفزع مهول . في هكذا حالات يجب أن تصل فرقة عسكرية , سيارة إسعاف , سيارة شرطة أو سيارة أجرة على الأقل .. لكن لاشيء على الإطلاق لحد تلك اللحظة !!                                           أخذ المكان يترنح ما بين مطرقة الظلام و سندان الصمت .. و هنا تحركت نحو الشارع مباشرة حيث اختفى سور منزلي و لم يبقَ الا ركائز الأساس الإسمنتية الخاصة به , سحبت أقدامي بحذر عبر الأعشاش المائية المحشوة بجذور القصب المحترق . كل المنازل من حولي كانت مظلمة و بلا حياة . ربما أصابت الطائرة الكابل الرئيسي للمنطقة إثناء سقوطها . حدثت نفسي بأمر كهذا و أنا أحاول أن ألمح المحول الفرعي المحشور بين فكي عمودين ابتلعهما الصدأ منذ أمد بعيد وسط الدخان الذي بدأ ينقشع بصورة تدريجية .       لا يهم .. فأنا الآن وجهاً لوجه مع ما بقي صامداً من الهيكل المعدني المحترق !!                              إلى اليسار قليلاً حيث تحتشد قطعان النفايات التي كنت أكدسها هناك بصورة غير شرعـية , لمحت الطيار . كان كما ولدته الحرب تماماً ببزته العسكرية و حذاءه الجلدي . لم تمسه النار على الإطلاق , على ما يبدو فأنه قد قفز من المروحية قبل الانفجار بلحظات .. حيث طوقته سيور من الحديد و الجلد و تكورت قريباً منه حقيبة من القماش تحوي على مظلة داكنة مفرودة بصورة جزئية فضلاً عن خوذة مهشمة .                  الرجل كان فاقداً لوعـيه و إضافة لذلك كان قد فقد الأزرار الثلاثة الأولى من لباسه العسكري و بان من تحته طقم فانيلة بلون رمادي قاتم . لاحظت حول عنقه القلادة التعريفية .. اسمه لم يكن واضحاً , لكن فصيلة دمه     ” كما هي فصيلة دمي . و هذه هي كل الأضرار التي أقف عليها لحد الآن .                            A ــ ” 

استمر في القراءة هبوط اضطراري ..قصة نبأ حسن مسلم

أيام الأمس

قصة:

مهند الخيكاني (العراق)

في الآونة الأخيرة طرأ أمرٌ عجيب تسلل إلى حياتي دون مقاومة تذكر ، وعلى غير المعتاد كان يبدأ من لحظة ارتداء نظارتي الطبية السوداء ، ذات الإطار البلاستيكي والعدسات المدوّرة الشبيهة بعينيِّ بعض السيارات المؤنسنة وأغط بعدها في نوم عميق .
تقول زوجتي : كل ليلة تشخر مرتين حد الاختناق وتشهق شهقة غريق ، ثم تستمر في نومك السلس السريع مثل قطار الرصاصة .

استمر في القراءة أيام الأمس

رانيــة


قصة:

 هبة شريقي (سوريا)

تعلّمتُ الكلام باكراً، هكذا تقول أمّي، وابنةُ خالي (رانية) التي تكبرني بعشرة سنوات تشهَدُ على ذلك، كانت طفلةً بقوامِ أنثى شهيّ وعاطفة بالغة وشهيّة أيضاً، وكنتُ لعبتَها (أمّ لسان) كما كانَتْ تناديني وتضحكُ بعدها.
كان عمري ثلاث سنين عندما سألني البقّال مُلاطِفاً:
– ما اسمك يا عمّو؟
فأجبتُه بعد ثوانٍ من التّفكير:
– رانية.
– اسم جميل مثلك! وكم عمرك؟
وبسرعة أجبت:
– تلَطّعش
ضحك البقّال كثيراً وحمَلني وقبّلني على وجنتَيّ وهو يقول: “صبيّة ما شاء الله!” .
ثمّ أنزلني من حضنِه وقال:
– إن أخبَرْتِني ما هو حلمك عندما تكبرين، سأعطيك هذا. (وأشار إلى كيس بطاطا مقرمشة ولذيذة )
وبينما كنت أمسحُ آثار قبلاتِه بطرَف كُمِّ سترتي، وقفتُ أفكّر في جوابٍ للسّؤال الذي لم أفَهمْهُ، ثمَّ هرعْتُ إلى رانية أسألها:
– رانية! رانية! ما هو حلمي؟
ضحكَتْ كثيراً وحملَتْني وقبّلَتْني على وجنتَيّ وهي تقول: “أمّ لسان! ألَا تعرفين ما هو حلمك!”.
ثمَّ أنزلَتْني من حضنِها، جلسَتْ أمامي وبدأتْ تشرح لي معنى هذه الكلمة اللّامعة، ودون أن أمسح آثار قبلاتِها، جلسْتُ أراقب شفتيها الممتلئتَين والورديّتَين.
أعطتْني بعض أمثلة، قالتْ:
– مثلاً، حلمي أن أنجِبَ ابنةً مثلك، حلمي أن أصبح مغنِّية مثل (نجاة الصّغيرة)، حلمي أن أسافر إلى باريس مع حبيبي، حلمي أن..
قاطعتها:
– لماذا لا تُنجِبين ابنة مثلي؟
– لأنني لست متزوّجة، ثمّ إنه لن يكون هناك أحد مثلك في العالَم.
– ولماذا لا تُصبِحين مغنِّية؟
– لأنّ خالَكِ لن يسمح لي.
بتَملمُلٍ:
– لماذا لا تسافِرينَ إلى باريس مع حبيبك؟
– لأنّه لا يملك النّقود الكافية.
ثمّ حملَتْني في حضنها وقالت:
– والآن! ما هو حلمك يا أمّ لسان؟
وبسرعة أجبتها:
– حلمي أن أصبح جميلة مثلك.

استمر في القراءة رانيــة

غيمةٌ على تلّ

قصة :

 زهير كريم (العراق)

حلمتُ ذاتَ ليلةٍ بأنني صرتُ غيمةً، نعم غيمة، وهذا لا يبدو غريباً مادام متوافقا مع فكرة العزلة التي أفضّلها أحياناً، إذ يبدو المرء خلالها ناصع الوجود وهو ينزع القناع، تاركاً للهواء العبث قليلاً ببراءته المتوارية، فتظهر الابتسامة نزيهة، والعينان مسترخيتان على مسطرة الأفق، والقلب ينبض بإيقاع شعريّ، والجسد يأخذ حيّزاً كأن العالم يخلو من الانحناءات.

استمر في القراءة غيمةٌ على تلّ

الديكاميرون..

اضغط الرابط لتحظي بمتع السرد القصصي

https://drive.google.com/file/d/1JNc87wTlbM1VpJdUNrqyfzmGXOsk7oqB/view?usp=sharing

هذا الكتاب على قدر كبير من الأهمية، ليس فقط لأنه يحوى عشرات القصص القصيرة من كتاب متفاوتين في جنسياتهم وأعمارهم ليبدو انتقائيا على نحو خاص. لكنه أيضا معد بطريقة موضوعية. إنه يظهر عددا من الثيمات الشائعة في كتابة القصة القصيرة، ويمكننا أن نقارن بين الأساليب المتعددة لكتابة الثيمة الواحدة، ومن ثم فله بعد تعليمي في طرائق التعبير وأساليب السرد. ما أعنيه هنا، أن هذا الكتاب يجب ألا يقرأ على سبيل التعرف بل على سبيل المعرفة.

شكرا للمبدعتين: فدوى العبود، روعة سنبل اللتان قامتا على إنجاز هذا العمل المتميز

والشكر موصول لكل أعضاء فريق العمل معهما

فدوى العبود

روعة سنبل