قصة محمد فايز حجازي
ماذا بك ! ماذا دهاك! لماذا صمتك الغريب والمهزوم هذا! أوقد فقدت عزمك إلى هذا الحد!
صمت كئيب وبائس ككآبتك وبؤسك، شارد أنت دائما، عشش الحزن في عينيك فأمستا بلا حياة، زائغتين، تائهتين كمن تبحثان عن شيء مفقود.
صدقني لا وجود لما تبحث عنه، لا وجود لهذا الشيء على الأرض، لا وجود له على الإطلاق.
ما الذي أتى بك إلى هنا! وما أدراك ما هنا! أتدري أين أنت الآن!
أين مرحك! انطلاقتك! عزيمتك التي عُرفت بها! إقبالك على الحياة بصدر عار كما الأبطال! لطالما كنت نموذجًا وقدوة يُحتذى بها، لمن خلفوك في مدرسة أو جامعة أو مهمة صعبة في عملك.
أوتذكر إصرارك الدائم على التميُز! تفوقت في دراستك الثانوية تفوقًا تحدث الناس عنه، وكذا الحال في جامعتك أيضًا، تخرجت مهندسًا كفًأ، أسست حياتك وأسرتك بنفسك، عصاميًا أنت ولا ريب عندي في ذلك.
أوتذكر بيتك وأولادك! دعني أخبرك بأنهم يشتاقون إليك كثيرًا، ويبكون لأجلك كثيرًا. زوجتك أيضًا برغم كل شيء تشتاق إليك، صدقني أنا أخبرك بالحقائق، الحقائق مجردة ولاشيء سواها.
أراك تستجيب الآن، أرى عينيك تلمعان عندما حدثتك عنهم، تحدث بالله عليك وابتسم.
ابتسم كما كنت تفعل دائمًا، أنت تدرك تمامًا ما آلت إليه أمورك، نعم تدركه وتعي جيدًا ماذا يعنيه وجودك منذ ما يقرب من شهرين، في تلك الغرفة المُعتمة والمُخيفة، وتعلم الأسباب يقينًا، سأقولها لك، أو بالأحرى سأُذكرك بها، ولكن لا تغضب.
سأذكرك بها وكلي مرارة وأسف، أنت تعس، ضعيف، هش، لو تحدث أحدهم أمامك لانكسرت مُجددًا.
أنت رخو، نعم رخو كقطعة قماش مهترئة ومبتلة لا حاجة لأحد بها، سوي تنظيف مُعدَة أو إماطة أتربة عالقة، على حائط قذر أو منضدة مُتسخة.
أرجوك لا تغضب من صراحتي هذه، أو فلأقل لك، اغضب، فقد تكون نجاتك في غضبك، تكلم واغضب، لا تهرب وتلوذ بالصمت كما تعودت أن تفعل دائما، أتدري ما الذي أودى بك إلى هنا!
صمتك من فعل! صمتك الحاني حينما كان يتحتم عليك أن تتحدث بقوة، وابتسامتك الصافية البلهاء عندما كان لابد لك أن تصرخ، عذرًا لكلمة بلهاء، ولكني أعنيها تمامًا.
إذ ما معنى أن تستسلملقاهريك وسجانيك، ومن وضعوا خناجرهم المسمومة في قلبك، وأتوا بك إلى هنا صاغرًا ضعيفًا مهزومًا! ما معني هذا سوي أنها بلاهة وبلادة أيضًا! نعم أنت بليد المشاعر، تحملت حماقاتهم وابتلعت سخافاتهم جميعًا، جيرانك وأصدقاءك وأقرباءك،خجلك العظيم، وحياؤك الشديد ليسا مبررًا لأن تخضع كل هذا الخضوع.
أم أن قلبك من الضعف والوهن ما جعلك خاضعًا مستكينًا!
بئس الرجل أنت.وأرجوك لا تحدثني كثيرًا عمن خانوك ومزقوا أحشاءك ومثلوا بك حيًا، نعم فعلوا، فعلوا ذلك وأكثر، ولا أنكر ذلك البتة، ولكنك في الأخير من أقدمت على الانتحار بمحض إرادتك، ومزقت نياط قلبك واحدًا تلو الآخر.
كنت تردد دائمًا أن من يحترم نفسه، لابد أن يتعرض للوقاحات وأن تناله الإهانات، أي سخف هذا!
ومع كل ما لاقيت مما ينوء بحمله الجبال –يالعجب– فأنت برغم كل هذا مازلت حيًا ترزق، وليس هذا فحسب، ولكنك لم تختل أو تفقد عقلك.
صدقني أنت لست مُختلًا، وتعي تمامًا ما آلت إليه أمورك وفي أي الأماكن أنت، بل ومازلت قويًا صلبًا ومؤمنًا، أنا متأكد من ذلك تمام التأكد.
أخيرًا دعني أقولها لك مُخلصًا، مازالت الفرصة قائمة أمامك وبقوة، بين يديك لم تضع.
بين يديك أنت، أنت وحدك ولا أحد غيرك.
فرصتك الأخيرة، ومازالت نجاتك بإرادتك.
فقط عليك أن تقرر.. بقوة هذه المرة تقرر.
أنصت إليَّ جيدًا، سيدخلون عليك الآن ليقتادونك عنوة كما إعتادوا أن يفعلوا معك دائمًا مذ جئت إلى هذا المكان القبيح. سيقتادونك للغرفة المجاورة لعنبرك المشؤوم هذا.
سيقتادونك لجلسة الكهرباء التي حان موعدها الآن.
إياك أن تنصاع.. تكلم.. قاوم واعترض.
إياك أن تستسلم هذه المرة كسابقيها… إياك أن تستسلم…
إياك…
فجميع من يحبونك في انتظارك…
يبكون كثيرًا ويصلون كثيرًا من أجلك
أخبرني يا صاح… قل لي بالله عليك… هل تستطيع!