هاتف. قصة: إبراهيم طاهر

منذ قدومها نظنها بكماء، تتجنب النظر إلى عيوننا، نشعر بمجرد المرور بجوارها أنها تكاد تختفي، أدركتُ أنني على موعد مع قصة جديدة وإن تقاربت معظم الحكايات؛ فدار المسنات لا تجد فيها إلا حديث العقوق، والزمن الذي التهم عمرا ثم بصقه هنا في ركن صغير، هو كل ما تبقى لنا كأننا نتدرب على وحدة القبر.

نتطلع إلى الجُدد؛ لعلهن يحملن قصصا مختلفة نجد فيها ما يجدد الحياة، بخلت هذه النحيفة علينا بكلمة، كل ما كنا نحتاجه عنوانا فقط؛ لنبدأ في صياغة باقي الخبر، يزداد غموضها كلما حملت هاتفها وابتعدت، تصبح فرصة لمعرفة صوتها إذا اقترب منها أحدنا؛ لأنها عادة ما تنهر ذلك المتطفل، وينتهي الأمر بقطع المكالمة.

انتهزتُ فرصة فرارها نحو المطبخ فاختبأتُ خلف الثلاجة، لم تلحظ وجودي رغم تلفتها الدائم، راحت تتحدث بحرية، حروفها متقطعة، صوتها مرتعش، من المؤكد أن على الطرف الآخر من يمارس نوعا من القهر، لم تلتقط أذني الكثير، لم أكن في حاجة لأكثر من هذا: ابن عاق يعدها بالزيارة ويتحجج بانشغاله بالعمل، يلي ذلك صوت نحيب تقطعه لترد: خلاص، خلاص مش هابكي، بس نفسي أشوفك، يا حبيبي مصنعك مش بعيد عن هنا.

تتكرر المكالمات وأظل أتابعها كالجواسيس، في إحدى المرات كانت تقول بسعادة: شوفت جوزك يا بنتي في التليفزيون، هو بقى سفير؟  يبدو أن المكالمة انتهت على نحو مفاجئ، ودون وداع.

حركة طارئة بالمكان كشفت عن رحيلها، التهمها الحزن، بعد ساعة امتلأ المكان برجال ضخام يرتدون الملابس الرسمية التي تكشف عن بعض الأسلحة، يحملون جثمانها في هدوء، ويرحلون.

ساد الصمت ساعات كأن شيئا لم يحدث، قبل أن تعود الحركة كأن شيئا لم يحدث، لمحتُ الهاتف أسفل سريرها، التقطه بخفة غير معهودة عني، في البداية لم أعرف ماذا أفعل به. ثم نويت أن اتصل بهما لتوبيخهما، ترددت خوفا من هذه الشياطين التي اقتحمت الدار، ثم عاودتني الشجاعة؛ فلن يعرفوا من المتصل.

وجدت نفسي أذهب لمكان اختبائها عند إجراء مكالمة، أخرجت الهاتف، تلفت حولي كما اعتادت فعله، رأيت شبحها يصرخ، لم أفزع؛ فليست المرة الأولى لي، كثيرات رحلن عن المكان وتركن أشباحهن تحوم حوله.

لم تمر دقيقة حتى أحطن بي وأنا أصرخ: التليفون مفيهوش خط… مفيهوش خط يا… يا ولاد الكلب.

أضف تعليق