قذارة نفس. قصة: إبراهيم صالح

قَذَارَةٌ نَفْسُ

تنظر لي كى أعطيك المال لا لن اعطيك أياه، أعمل لتحصل عليه نعم أعمل لتحصل عليه ليس ذنبى أنك لا تحصل على ما يسد رمقك وجوعك؛ نعم ليس ذنبى هذا فأنا أيضا مثلك لا أحصل على ما يكفينى كما أن كل البشر مثلنا لا يحصلون على ما يكفيهم

هذه هى الحقيقة التى يجب علينا أن نعلمها ونتعلمها جميعا العمل نعم العمل وليس الشحاذة هو السبيل للنجاح والتقدم والرقى، وما دام الأمر كذلك إذا فلا تنظر لى مليا لا تتفرس فى وجهى هكذا يا مُتفرس الوجوه هيا اعمل اعمل إنى أراك شابا فى مطلع الشباب، ولديك سواعد فتية قادرة على نقل جبل المقطم من مكانه، ولكنك متكاسل وتدعى الفقر بكل سُبله لتحصل على غرضك.

آه إنى أتألم أتوجع اشعر بالوخز الشديد يضربني في جنباتى، ومن ثم أعود لأعطيه ما منعتنى نفسى عنه بحججها اللامتناهية. يبتسم يتهلل وجهه المدبب ويشرق، والأكثر من ذلك يدعو لى بالستر وعدم الفضيحة، ولكن لماذا تدعو لى بهذا يا هذا؟ الأولى لك أن تدعو لنفسك أولا كى لا تفعلها ثانية معى أو مع غيرى، أدعو إذا لنفسك واتركنى وشأنى أنا وربى فنحن على إستعداد أن نتصافى سويًا بلا تدخل منك أو من غيرك

سحقًا لهذا فها انت لليوم التالى تقابلنى وبنفس المشهد، بنفس السحنة الخبيثة المستجدية، .ولكننى اليوم وللأسف الكبير، ليس معى أموال فى جيبى لقد أنفقتها كلها فى شراء عددا من الكتب و بعض من المتطلبات الأساسية آها آها كم اود لو قابلت صديقى الحميم والكريم “منير” ليقرضنى المال لأتزود بالوقود اللازم للحركة والدفع. تعودت على ذلك منه ولكن للأسف لا أستطيع أن أطالبه بذلك الآن فى هذا الوقت الكئيب الحالى لأن شركة المقاولات التى يعمل بها محاسبًا قد قررت خفض رواتب موظفيها-ركود ما بعد الثورة والإفراط فى حب الوطن تسبب له ولغيره فى موجة بلاء

تبًا لك أيها العامل القذر أتسبنى تلدغنى بوسخ لسانك لأننى لم أعطيك المال اليوم أصار الأمر فرض عين وإلا فاللعنة والسحق؟!. آها يا ناكر الجميل يا خسيس. هكذا أنتم يا ملاعين فى كل زمان ومكان إن أُعطيتم حمدتم وشكرتم وإن منعتم تنكرتم وتبجحتم

الآن أتذكر وتتجسد الأشياء أمام عينى كما تجتمع الصور والمشاهد لقد عانيت منكم الكثير والكثير فى الماضى. أذكر هذا العامل الذى كنت قد علمته خلال عملي فى فصول محو الامية؛ فعلى الرغم من أننى قد محيت أميته وجعلته يسمع ويرى بعد أن كان أبله؛ إلا أنه فى أول مرة تفتيش على شخصى من الإدارة المسئولة كان أول المسارعين من العمال الذين كنت أدرسهم إلى سبى وشتمى

لقد قال: إنه احيانا يفعل كذا وربما لا يفعل كذ،ا ودائما وأبدا نقول له كذا فيقول لنا إنتظروا ربما غدا أو بعد غدا. قال كل ذلك بالكذب المعتاد عليه، وذلك على الرغم من أننى لم أفعل ما تبجح علي به؛ بل كنت بإستمرار أصل قبل موعدى أنتظرهم واجهز افكاري وادواتي ، بينما كانوا هم يزوغون ويدعون ما يدعون حتى أن المدعى هذا المفترى على شخصي كان يسكن في محافظة اخرى بعيدة عن القاهرة  وكان دائمًا هو وغيره يتوسلون الي ان أتركهم قبل الميعاد ليلحقوا بالقطار قبل فواته عليهم، كنت ألين لظروفهم وأشعر بالألم المصحوب بوجع المعدة لأجلهم، إلا أنهم فى أول إختبار حقيقى لإختبار الصدق، والإنسانية باعونى ولم يسموا علي

لاشك أنها الطينة المتسخة التى ترفض مفارقتهم أو يرفضون هم تطهير أنفسهم منها -نفس طينة عامل القمامة – هذا الذى منحته بالأمس ملا يستحق فدعى لى واليوم يدعو علي بل وينظر إلى شخصي بإزدراء.

حسبى الله ونعم الوكيل يجب ألا أهتم ولا أجعل حادثة كهذه تؤثر على حكمى على البشر لأكون متسامحا معهم كيسوع البار لأُذكر نفسى به فلقد سبوه وآذوه؛ رغم أنه أبرأهم من المرض والجرب كما رد إليهم أبصارهم تبا للبشر. آهًا لأمضى إلى عملي وأنسى الأمر. لكنني أتفاجأ بأحد الزملاء يقابلنى فيقول لى: كيف حالك

اجيبه بالحمد والشكر على كل حال اللهم إلا من بعض المنُغصات الضرورية

ولكنى أريد منك شىء

–        أن كان المراد فى المال فانى اعتذر وبشدة لا يوجد لانه يوجد افلاس تام جفاف وجدب والله اعلم بالغد

لا ليس الأمر متعلق باقتراض او سلفة سريعة بل اريد منك شيئا اخر

اذا فلتطلب ما تريد طالما انك ستبتعد بطلبك عن المال الذى لا املكه الان فلا باس

اريد منك حذاءك

حذائى كيف هذا ولماذا الحذاء بالتحديد وليس قميصى او حتى بنطالى؟

لانه دائما زاهى ولامع وانا فى حاجة اليه فى حفل الغد المدعو اليه من قبل اصدقاء هاميين جدا جدا

لا باس ولا مانع عندى ان تاخذه ولتاكيد ذلك ها هو

اه شكرا لك كم هو رائع جميل حتى ان جلده مثير

نعم انه جلد طبيعى مائة فى المائة فانا لا احب التزييف او الكذب خصوصا فى الجلود

وها هو حذائى خذه

لابأس لأرتديه حتى أعود إلى منزلى ولكن قل لى متى تعيده إلي فلا أملك إلا هو فى واقع الأمر

غدا فى مثل هذا الموعد سأعيده شاكرا لك

لا لا شكر على واجب فنحن زملاء عمل والآن اسمح لى أن أتركك لأعمل

تفضل تفضل

أعبر خطوات إلى الأمام لأفارقه إلى حيث مكتبى الصغير الكائن فى آخر الحجرة الكبيرة الموجودة بالمصلحة الحكومية لازال الجميع شرود لم يفيقوا من الأمس على فلم يبدءوا العمل بعد لا زالوا يتحدثون فى امر برامج الفضائيات اللامنتهية وما حدث وما جرى ومن المخطىء ومن الشريف وما وما تقريبا نفس الكلام ونفس الشعور اللاراضى واللامتيقن، ولكن قُتل القذافى ومات انيس منصور، آه آه إننى ابكى وبشدة على كلاهما على الأول القاتل السفاح، وعلى الأخير على الأول لإننى كنت اتمنى نهاية اكثر كوميدية متلائمة مع شخصيته، وعلى الثانى فلقد كنت أود لو ألقاه لأتعلم منه لقد كان يمثل لى الحلم لقد جذبنى بجاذبية كتاباته. آه الآن احزن لقد فوت الفرصة على نفسى كان بإمكانى الذهاب إليه ومجالسته والتعلم منه. لقد كان ذكىا وحاد البصيرة منتبه دائما لكل ما يجرى حوله، لكنني وبجهلى ضيعت الفرصة من أين آت بمنصور آخر، لا يوجد  لا يوجد سوى ثراثرة عموما الله يرحمه. ولكن لأعمل الآن أعمل بقوة فالعمل عبادة عند المؤمن والملحد، حقا إنه كذلك ولكن ليس هنا ليس فى تلك الدواوين القذرة بل هى فى بلاد العالم التى لا تثرثر كثيرا نعم ولكن ليس لى شأن بالآخرين ليجلسوا ويتوددوا هم إلى بعضهم البعض ولأعمل انا ولكن عملى مرتبط بالاخرين منبنى عليهم، إذا ماذا افعل جميع الزملاء ليسوا نمطى لا يوجد واحد منهم يشبهنى الجميع فهم متى نظروا إلى فإنهم ينظرون لي على انى مخلوق غريب شاذ، ولكن ليكن سأعمل لأكتب تقريرا اليوم واقدمه لمديرى العمل لن يستغرق منى سوى ساعتينن لأبدأ وبهذا الشكل اكون قد انجزت المهمة صحيح صحيح، إذا هيا يابطل لتتقدم به اذهب إلى المدير فى مكتبه، افعلها بلا مماطلة هكذا

السلام عليكم سيدى

وعليكم السلام والرحمة كيف الحال

بخير وها هو تقرير العمل

جميل جميل اتركه لى وسوف افحصه اضعه اعود إلى مكتبى افكر، واشحذ تفكيرى كله وانا ماض لماذا لايهتم المدير بما اقدمه له هل معنى ذلك انى عملى لا يمضى للأمام أم ماذا؟ ولكن عمرى هنا تخطى الخمس سنوات عمل ولا شكوى منى يبدو إنه لا يهتم لانه لايهتم وليكن فقد فعلت ما طلب منى وليس على أكثر من ذلك ولكن تمهل يا فتى نعم تمهل اتئد المصلحة العامة بناء الدولة نحن فى مرحلة صعبة علينا إثبات وجودنا، إذا ففى المرة القادمة أسأله لأعرف

فات الوقت مر بسرعة ما أبرقه هذا المخلوق الزئبقى العجيب، إنه لا يمهلنا ولا يتريث معنا أرى الزملاء يهمون بالإنصراف أراهم كما هم لم يفعلوا شىء فقط أجلوا حكايات التوك شو التى بدأوها الى الغد لينهوها وإن كانت لا تنتهى ولكن الغد هو يوم الجمعة يوم المليونيات. إذا فإلى الأحد

كثيرون من الزملاء لن يعودوا إلى منازلهم بل سيبدءون من جديد أعمال اخرى لزيادة الدخل الذى لا يزيد أبدا ولكنها أى الأعمال اقل احتيالا من اعمال الوظيفة. فمصطفى سيركب سيارته التاكسى ليعمل بها فى صمت بلا ضوضاء، أو ضجيج. هو يحب ذلك حتى فى العمل لا يثرثر كثيرا وإن كان أيضا لا يعمل كثيرا وحتى الآن لم اتذوق هذا الرجل حتى الان هو مجهول بالنسبة لى ولا استطيع فهمه، أما عبد القوى فأمامه حلقة نقاش دينية فى إحدى المساجد بميدان العتبة، سيُمارس عمله مع الباعة هناك سيفتي لهم  لأنه دائم الفتوى لا ينضبها أو يستنفذها حتى في ظل إشكالياتها وصعوبتها العملية، فهو يفتى فى كل وقت وحين، حتى اننى اظن من كثرة دخوله الحمام انه يأتيه الوحى وهو  بداخله. المهم انه رغم انه كثير الفتوى إلا انه لا يفتى لنفسه بأن العمل عبادة وضرورة لذا فهو فى أغلب الوقت فى العمل لا يعمل فقط يصدر بسرعة فتاويه لكل الزملاء حتى الأخوة المسيحيين انفسهم يستفتونه فيفتيهم ولا اعلم كيف له أو لهم بذلك؛ وهو الغريب عن دينهم ولكن لأنه يريح الجميع بذكاءه وكياسته،  فانهم يقبلون عليه ومن ثم تنتشر تجارته فلا تبور أبدا. اما الآن بوصفى موظف فقط فلن اتوجه إلى اى مكان نعم ساكتفى بالعودة إلى منزلى لأنعم برؤتى ابنتى الصغرى عمرها الآن ثلاث سنوات ورغم ذلك عنيدة قوية الشخصية لم نكن نحن كذلك ونحن صغار كانت النظرة من عين امى او ابى تردعنا وتجعلنا ننكمش فى اماكننا كالقطط ، وتلك عادة من كبر أن يقول نفس الكلام ويسير على نفس نهج الأسلاف، لا اعلم لماذا نسحق الحاضر بألاعيب الباطل يبدو أن هناك أمور كثيرة فى حياة الانسان يفعلها هكذا بطريقة ديناميكية الية، دون ان يدرى لماذا ولكن ليكن لأعود من حيث بدأت لأعود إلى حياتى السلمية ولكن لأشترى بعض إحتياجات المنزل هناك احد الباعة ينادى على لأعرج عليه واشترى لفتاتى الصغيرة منه، لأنها تحب اتوقف أمامه إنه يفحصنى كما يفعل الجميع ينظر إلى تعبيرات وجهى وعينى اللهم اخزيك أيها الإبليس انها اوهام إنه لا يريد أن يستشف لنفسه ان كنت من النوع الذى يضحك عليه بسهولة ام من هذا النوع المستسلم اظن أنه فطن للأولى وفورا قام على عجل بشحن حبات  داخل الشنطة كأنه حاوى يجيد تحريك أصابعه ويديه بخفة ولكننى سامت ان ادفع مالا فى منتجات غير صالحة رباه ماذا أفعل ان كل فعل لى مشكلة وكل سكوت مشكلة اكبر لكننى لن اسكت ساطالبه بحقى

يا هذا توقف عن شحن حبات فاسدة داخل الكيس معظمها لن يرضى بأكله حتى حيوان جائع

نعم اتخوننى هات المال وإلا

والا ماذا ؟

قللت وحقرت من شانك بمد يدى عليك

هات

لا لن اعطيك ما لا تستحقه القانون بينى وبينك

القانون اتهددنى لترى ماذا سيفعل القانون معك، وانت مهشم الراس مُنكسها

يمد يده يجذبنى بقوة احاول ان ارد فعله الشرير فقط دون ان اوجه اليه ما يزيد عن ذلك لكن شرف الرد لم يفلح فى منع ضربات أخرى سقطت على من الخلف من زملاءه ومن يريد ان يثبت حسن الجوار أرانى اسقط على الارض جراء زيادة الأعداد، إنهم يتساقط فوقى. آها لقد ضاعت هيبتى ضاعت لقد فعلها هذا القذر معى هذا اللص فعلها هو ورفاقه أمثاله، حقا ما قاله وعد فأوفى. كان لابد لى ان اتعقل الأمور وأكبر رأسي، طالما إنى أعرف معادن هؤلاء وأتعامل معهم إستنادا الى ذلك  الفهم الصحيح مني، آها لعقلى المتحجر آها لنفسى غير الحكيمة، دائما ما يجرني هؤلاء إلى الأسفل، إلى القاع، إنهم عقدتي، نعم هم سبب تأخري، وعقمي، ولكن ماذا أفعل مع نفسي، ماذا أقول لها كيف اطوعها وأجعلها ساكنة بلا حراك بلا مشاعر قصوى، بلا إجهاد، ويلي ويلي

أضف تعليق