صدور المجموعة القصصية “الابكم”للأديب الراحل علاء قدري



عن دار ميتا بوك للنشر والتوزيع وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على وفاته تصدر المجموعة القصصية “الأبكم” للكاتب المصري علاء قدري، الذي توفي في عام 2018م عن عُمر يناهز 54 عاما، بعد حياة ثرية حرص خلالها على أن يكون حضوره الإبداعي هامسا، وبلا صخب، ومتناسبا مع حضوره الإنساني الشفيف، وربما لذلك آثر عدم نشر قصصه أثناء حياته، كان هناك دائما حزن ما يكسو نظرته للحياة،

ويَحُد من اقباله على مغرياتها المعروفة، رغم أن روحه كانت عاشقة لكل مفردات الأحداث التي تموج من حوله، لا يكل من رصدها وتأملها وتدوين ملاحظاته عليها، حتى أن تردد خطوته بين “الحزن والعشق” بدا وكأنه السمة التي يريد لها أن تميز كتاباته عن الآخرين، لذلك لم يمل من سماع جملتها الأثيرة بأن هناك دائما ما هو أفضل، وبطواعية لبَّى دعوتها للتريث حتى النهاية، فلم يَنجُ من كتاباته ـ التي تناثرتْ في أماكن كثيرة ـ سوى بعض القصص التي كان ينشرها على صفحته بالفيس بوك، تحت ضغوط الأصدقاء، أو في الفترات القليلة التي ترجَّل فيها الحزن، وهدأ التردد، لينتصر العشق.
تمثل مجموعة “الأبكم” كل أعمال علاء قدري القصصية التي أمكن جمعها، وما عدا ذلك كان مقالات وكتابات أدبية وعامة، مثلتْ وجهة نظره عن الفن والحياة وذاته الراصدة، وتضم المجموعة 28 قصة قصيرة، منها: الأبكم، عصيان، خليها على الله، رؤيا الصبي، عمارة الحاج بلبل، يوم الانحراف، ثمار الجنة، التلاتة اللي نجوا من الحرب العالمية الأولى…، وغيرها من القصص التي يميزها التنوع الفني شديد الثراء، فعلى مستوى الشكل تراوحت النصوص بين القصة الطويلة والقصيرة جدا، بين السرد والشعرية، بين البناء التراكمي والأبنية التي تتكئ على تقنيات السينما والموسيقى والفوتوغرافيا.
وفي الوقت الذي سعت فيه شخصياتها بين الشوارع والبيوت ووسائل المواصلات والطرق السريعة والغرف المغلقة، وانتقلت من دروب الحارات إلى رحاب وعبق الأماكن التاريخية، ملتحفة بدفء الشمس الذي يهب الحياة رغم انتشار الموت، وظلام الليل الذي يهب الستر رغم رسوخ المخاطر، تحركت معها اللغة بمزيج سلس بين عفوية العامية المفرطة، وقوة الفصحى التجسيدية، وقدرة الشعرية على التعبير وكشف المتناقضات، لتشكل دليلا دامغا على ثراء المضامين التي احتوت حركتها، وشكلت رؤيتها لذاتها، وللعالم الذي تموج فيه.
هكذا أتى ثراء قصص “الأبكم” علامة دالة وبارزة على إدراك “علاء قدري” بضيق وقته بين أروقة الفن، وتعبيرا صادقا عن لهفته الحارقة للتحليق بين أركانه المتسعة، وترك بصمته في كل زاوية منه، ودليلا دامغا على قدرة الإبداع على الوفاء لرجل صَدَّق إيمانه، فصدق الزمن معه.

أضف تعليق