أرشيف التصنيف: الحديقة الخلفية

عاشق العصور الوسطي..بقلم د. رضا عبد الرحيم

د. رضا عبد الرحيم

بدأ أمبرتو إيكو حياته باحثأ فى دراسات السميوطيقا-علم

يدرس أنساق العلامات والأدلة والرموز، سواء أكانت طبيعية أم صناعية- فى القرون الوسطى ثم ذاع صيته كاروائى بعد صدور روايته الأولى “أسم الوردة” عام 1980 م – كان وقتها فى الثامنة والأربعين من عمره – وهي رواية بوليسية غير تقليدية تدور أحداثها في دير يعود للقرون الوسطى.ولتصبح حدثا عالميا فى مجال النشر إذ بيع منها أكثر من عشره ملايين نسخة. لتعرف الشهرة طريقها إليه ،وتسعى الصحف إلى مقالاته الثقافية ،وبات إكو يُعد أهم كاتب إيطالى على قيد الحياة وقتئذ وحتى رحيله يوم الجمعة الماضية عن عمر 84 عاماً. وقد في منزله بشمال إيطاليا.

استمر في القراءة عاشق العصور الوسطي..بقلم د. رضا عبد الرحيم

الوووووه.. من الأدب الساخر لنورهان صلاح

        _  ألو . ألو ألوووه . نحن الآن فى وقت التجارب  _

       ————————————————–

_  يا دكتور فرحان . كان الفريق مغلوب اتنين صفر . وفى آخر عشر دقايق الكابتن طلعه . وهوه طالع حضن زميله اللى نزل مكانه وخبطه على راسه . وبعدين وطى عالارض وسجد . سجدة شكر .. الكوتش راح ضربه شلوت كفاه على وشه قدام الكاميرا . وقال له :  بلاش منظره فارغة .. فريقك مغلوب اتنين صفر . وانت لعبت زى الزفت . يعنى إيييه .؛ انت راضى وضميرك مرتاح وبتسجد سجدة شكر . ولا علشان أمك تشوفك فى التليفزيون . ولا علشان يقولوا عليك اللعيب المؤمن الذى يرضى بقضاء الله . الكابتن سيد لما شاف كده .. بص له بتبحر وقال : قولنا لكم بلاش كلام فى الدين ولا فى السياسة . هنا كورة وبس . أفففف . ؛؛   يا دكتور فرحان أنا مكلف من جهات عليا . انى امنع أى حد يتكلم فى الدين أو السياسة … ليييه ؟؟ قولت لى لييه ؟ وسوف أجيبك . علماء الدين يتحدثون عن دين آخر غير ديننا  وحشوا ما يعتقدون فى رؤس العوام الذين يستهوون الحكايات والأساطير والمعجزات الإلهية التى تحط فجأة على رؤوس المؤمنين . وأصبح من السهل جداً أن تتهم أحدهم بالكفر لأنه لا يصلى . أو تقول رضى الله عنه عند ذكر صحابى زنديق . ؛؛

_  يعنى انت يا ابراهيم اللى حتمنع الكلام ده . ؛؛

_  أيوه …. لزماً حتماً ولابود أمنع الكلام ده . يا دكتور فرحان . اثنان يخربان أى بلد .  الدين والسياسة اذا تناولهما الجهلاء . ؛

.. لما كبرت الفكرة فى رأسى . أردت تنفيذها فوراً . كتبت مقالات فى هذا الاتجاه لكنها لم تكن كافية ولم تعطنى كل الرضا . فعزمت على الالتحام بالناس في الشارع وعلى المقاهي ودور العبادة ودور السينما .. كنت أقف على كرسى خيرزان كالواقف على منبر واستهل كلامى ببسم الله . ثم أصلى وأسلم على من لا نبى بعده . ثم أقول : أما بعد .. وأصل هذا كله بخطبة عصماء .

_  أيها الناااااس ….. لا دين يشفع لنا غير العمل . العمل من العبادة ولا رب يغفر لنا إن ضلت قلوبنا عن الصراط . أيها الناس الله فى الفعل . والحياة فى التقوى . والنبى مات بعد تبليغ الرسالة ولا نبى بعده .. والقرآن كتاب الله ولا كتاب معه . ولا قداسة لأحد غير النبى . أيها الناس لا دين فى السياسة . لا تدخلوا الثابت فى المتغير . ولا سياسة فى الدين . ولا تحملوا الدين كذب الساسة . فهم ليسوا أنبياء ولا من الصالحين . أيها الناس .. كل الناس سواسية كأسنان المشط . لا فضل لمسلم على ملحد إلا بالتقوى فدعوا الملك للمالك . هو أولى بالحساب والبيان . أيها الناس . كلكم من آدم . وآدم من تراب .

.. كان هذا استهلالى . لأشد الناس الى ما اقول . فتشرئب رؤوسهم نحوى . حينها استغل اللحظة . وأصيح منفعلا كمن يمتلك اليقين . ايها الناس . لاااا دين فى السياسة . ولا سياسة فى الدين . ؛

_  أنت علمانى يا ابراهيم . ؟؟

_  أنا عقلانى يا دكتور فرحان .

_  طيب .

.. لما دعانى صاحبى وأجبت .. ذهبنا الى قهوة فوقها حزب . ولما شربنا واسترحنا قليلاً . صعدنا الى فوق .. شقة ضيقة جدا كثر فى زحامها رائحة العرق . العرق الحريمى طاغ وقاسى على كل ذى أنف . هتافات مدوية تهز جدران العمارة . كلها حول يسقط يسقط . ولا هتاف للبناء . وكأن السقوط هو الاسهل والأحوط  ويعجب الغوغاء .. أخذ رجل ستينى الميكروفون وأخذ يكيل الاتهامات لكل من فى البلد من الرئيس حتى الخفير .. كانت الاتهامات خطيرة جدا . بعضها إن صدق يؤدى الى المشنقة . الجو خانق . لكن الكل يبتسم والسلام باليد والشفاة . أخذ الرجل يشوح بيد . ويمسك الميكرفون بيد . وفى كل جملة يشرك الشعب فى تكوينها . وكأنه وريث البلد الاوحد . ولدية توكيل رسمى نظمى فهمى من الشعب ذات نفسه .

_  عايز يمسك رئيس جمهورية . وهو حمار ما بيفهمش حاجة متضايق اوى أنه خرج من المعادلة .

_  أيوه يا ستى .. مقضيها معارضة على أى شئ . عالحلو والوحش الله يرحم زمان أيام ما كان بيلف عالدول يبوس الايادى وياخد البركة.

.. هذا ما سمعته من اثنين فى حديث خافت .. امرأتان وبينهما شاب يبتسم للمنصة . وأنا أحرك رأسي وعيناي وأراقب تفاصيل ما يجري في هذا المكان . إذ سقط نظري على منضدة حولها اشخاص يتحدثون .

_  هذا النظام العفن لابد أن يرحل . وسوف ننصب هذا الرجل رئيسا للبلاد . رجل وطني وينتمى الى الزعيم الخالد .

_  مادام الامر كذلك . لن أرضى بأقل من رئاسة الوزراء .

_  حقك يا سعادة الريس .

.. لما حمل الهواء هذا الكلام وتركه عند أذنى اليمين . أدركت أن لحظتى قد حانت . وأنى لابد أن أصعد المنصة لأقول شيئاً للناس .

_  ايها الناس .. أنتم تتحدثون الى انفسكم كمجانين العباسية . ايها الناس . لا تنصطوا للجاهل ولا للإمعة . ولا تتخذوا من طالب المنصب خليلا .. أفيقوا يرحمكم الله . ايها الناس لا دين فى السياسة . ولا سياسة فى الدين .

أشبعونى لطماً وركلاً .. فنجوت بنفسى وصاحبى ونزلنا نقفز السلم من الدور العشرين . كانت قدمى تطير . فقد كانوا خلفى يتصايحون . كااااافر …. خاااين …. حرااااااماااااى . ؛

_  وأيه رأيك فى تعديل الدستور ؟

_  لا تعليق .. لكن على علمى . كل شيء فى الحياة يتغير وهذه سنة الحياة .

.. بعد أن صلينا العشاء مع الجماعة. جلسنا على مقهى نستريح ونلملم افكارنا المتصارعة ونتحدث كما يتحدث الناس فى أى شيء بغية التسلية .

_  هذا ما حكيته للدكتور فرحان بالتفصيل كما رويت لك . وأظنها تنفع قصة . أو رواية وسط هذا الإسهال الروائى الحاصل الآن .

_  خلاص اعملها رواية ونعمل لك حفل توقيع .

_  والله فكرة . ونقول التجريب فى الحداثة . ليه لاء .. ؛

_  يبقى تستعجل تقرير الدكتور فرحان . ولزماً حتماً ولابد أن يكتب في تقريره أنك بكامل قواك العقلية .

.. كان خلفنا فرح شعبى وكانوا يجهزون للحفل . ويضبطون صوت المكرفون …. ألو .. ألو ألووووه …. 2 \ 4 \ 6 \ 8 \ 10 … ألو ألوووووه .. نحن الان فى وقت التجارب .. ألو ألوه .

نورهان صلاح                                           

جمهورية إدريس..مقال على عبد الرازق

جمهورية إدريس

الكاتب والمسرحي الذي ضل الطريق للطب”يوسف إدريس”

  •  

من مواليد 19 مايو 1927 وتوفى  1 أغسطس 1991 لا يمكن لنا ان نعبر ذكرى ميلاد يوسف إدريس دون أن نتوقف على جانب من مسيرته ..

ربما  ليس من السهولة بما كان أن تتحدث عن عميد القصة العربية وطبيبها النفسي الذي أدرك  كيف يصنع عالما خاصا له فى فن كتابة القصة   ..سيعتقد البعض أنى أغالى في قدره لكن حينما نقف على ما ترك لنا يوسف إدريس ندرك بما لا يدع  مجالا للشك أننا أمام عميد القصة ..

فقد ترك لنا  خمسة عشر مجموعة قصصية  وثمان روايات وثمان مسرحيات إلى جوارعدد  كبير من المقالات متنوعة المناحي بين السياسة والأدب والفكر

ربما لست بالجدارة التي تخول لي أن أتكلم عن التجربة الإبداعية عند إدريس  لكن سأتوقف معكم عند الأعمال السينمائية المأخوذة عن نصوص إدريس.

 متوقفا عند ظاهرة ربما…. دعوني أكون أكثر جرأة لأقول من الأكيد انك لن تجدها مثلها عند غيره ، مجموعة بيت من لحم المكونة من اثني عشر قصة تم تحويل ست قصص منها إلى أعمال سينمائية

سأتحدث  عن أربع منها .

كرسي الفرعون

 (فيلم قصير)

صدقوا أو لا تصدقوا ..يكفى أنى رايته وحادثته وقابلته وشاهدت الكرسي،فاعتبر أنى رأيت معجزة ،ولكن المعجزة الأكبر ،الكارثة ،أن لا الرجل ولا الكرسي ولا القصة كانت تستوقف أحدا من المارة في ميدان الأوبرا لحظتها ولا في شارع الجمهورية ولا في القاهرة أو ربما الدنيا كلها ..كرسي هائل تراه فتظن انه قادم من عالم آخر أو أقيم من اجل مهرجان..ضخم كأنه مؤسسة ..واسع القاعدة..ناعم،فرشه من جلد نمر ،ومسانده من الحرير

هكذا وصف يوسف إدريس الكرسي فى قصته حمال الكرسي ليتم من بعده طارق خليل في فيلمه كرسي الفرعون ما قال إدريس في هذا الحوار الساخر

–           ايه الكرسي دا ..دا حلو أوى

– دا حمل يا أبنى..أنا شايله على كتفي سنين ..وبدور على الإله امون علشان ينزل يقعد بقى ..خلاص انا تعبت

–           وانت بتدور على امون بتاعك دا من امتى يا حج ؟

-من اول النيل دا ما ابتدى يجرى ف الارض دى الإله آمون قلى  “يا شيال ارفع الحمل ..ومن ساعتها وأنا عمال ألف وأدور على الإله أمون علشان انزل الكرسي

–           يا نهار اسود ..يعنى أنت شايل الكرسي دا على دماغك من ساعتها ..ليه يا عم ؟! نزله،اكسره، احرقه، آنت مزهقتش ..متعبتش..الكراسى دى اتعملت  علشان نقعد عليها مش علشان نشيلها فوق دماغنا ..

الفراعين خلصوا خلاص ..هيجى اليوم وهقعد انت سامعنى هيجى اليوم وهقد

صوت نشرة الأخبار

“تلقى السيد الرئيس برقيات التهاني من ملوك و رؤساء  وقادة الدول العربية والإسلامية و الإفريقية يهنؤن سيادته بفترة رئاسة جديدة بعد منافسة شهد  العالم بأنها قمة في النزاهة والشفافية “

الفيلم فائز بجائرة أفضل فيلم ساخر لمهرجان الفيلم الأمريكي الدولي (AIFF)2010

ﺇﺧﺮاﺝ وسيناريو وحوار: طارق خليل

قصة  يوسف إدريس

بطولة : حسن عبد الفتاح و مجدي إدريس (حامل الكرسي)

اكبر الكبائر

 (فيلم قصير)

محمد فلاح من الذين يطلق عليهم نساء القرية الجدعان لا من الجدعنة ولكن من حداثة السن والعزوبية وخلو البال …يعمل بالغيطان ماهر في فلاحته حتى تكاد تراه هو وفأسه شئ واحد

يحتاج أثناء عمله لرشفة ماء تروى ارض شفاهه التي تشققت فيلجا لبيت الشيخ ليجد زوجته صابحة تؤدى الصلاة ،فيرقبها حتى تنهى صلاتها لتأذن له بالشرب ثم تطلب منه أن يملا الزير لها وقد رأت فيه من فتوة الشباب وترى جوعها لتلك الفتوة في ظل الزوج الذي أخذته الحضرة من البيت فتحاول أن تأخذ منه الجرة لتكمل ملئ الزير فيتماسا ،فينزاح ستر رأسها ،فيدرك فيها الشوق فيضمها فتتملص منه

وتقول :-اوعى بقى نقضت وضوئي يا آخى

لكنه شدد من التفاف ذراعه حولها فقالت :- لا لا  أنا في عرضك ..الشيخ زمانه جاى

فيرد بصوت مبحوح متحشرج كأنه صراخ داخلي ينبح من الأزل :- هو فين

:- زمانه بيصلى وجاى

:- امال ميته؟

:-بعد العشا

:- هو مش هيكون هنا؟

:- لا حداه الليلادى مولد

تبدءا بعد العشاء سهرتهم بالضم وصوت الحضرة ،بالشوق وهزة جسد الذاكرين ،بالسقوط فى حب الشاب وسقوط  الزوج فى حب الحضرة وإهمال البيت

مشاهد سريعة يصنع بها المخرج حالة من الصراع توهج العقل والقلب معا

من اخطأ الزوجة ؟الشيخ ؟الجدع ؟الحضرة ؟الشوق ؟

بطولة :-عبير الضمرانى (صابحة )/ مجدي عبد الظاهر (الشيخ)/مختار جوهر (الشاب محمد )

سيناريو وحوار :محمد ماهر

إخراج:  احمد عادل 

الجنس وانحرافاته في شارع بسادة بقلم د.خالد عبدالغنى

 

         قدم سيد الوكيل في شارع بسادة معالجة للجنس وانحرافاته المختلفة بشكل أوضح ما تكون في عمقها ودلالاتها النفسية والاجتماعية وما يترتب على ممارسة تلك الإنحرافات من مشكلات دفع ثمنها شخصيات الرواية في مصائر مأساوية تعبر عن الأسى الإنساني بوجه عام. فيقول المؤلف في أحد حواراته الصحفية :”خلق الإنسان ليجمع بين النقيضين في خلق واحد وفضله على جميع ما خلق . والجنس هو التمثيل الأبرز لتماهي المقدس والمدنس، فهو الوسيلة التي اختارها الله لعملية الخلق لتكون دالا قويا على وجوده وقدراته ، ولكن الإنسان هو الكائن الوحيد الذى ارتقى بالجنس من الأداء الوظيفي لمجرد التناسل وحفظ النوع ، إلى الأداء الجمالي ليصبح الجنس فعلا خالصا لذاته، وفى هذا الارتقاء نوع من التقديس، وهو معنى صوفي يتجلى في لحظة التوحد الحقيقية بين الثنائيات المتضادة ، الروح أو الرجل والمرأة أو المقدس والجسد والمدنس.    

         منذ البدء يجب أن نقر بأنه لا ينبغى فهم الجنس كونه مجرد حاجة بيولوجية حيوانية قائمة فى ذاتها وفى معزل عن حياتنا النفسية، فالجنس له مكانه الطبيعي باعتباره وسيلة رئيسية تنفذ فى كل ناحية من حياتنا للأنس والمتعة وكرباط لا بديل ولا مثيل له للجمع بين الذكر والأنثى فى نفس واحدة.

       فالإنسان كائن جنسى إلا إنه نصف كائن فالأصل الروسى لكلمةsex   معناه أيضا  نصفhalf  منقسم وناقص يسعى إلى أن يكون كاملاً والجنس يحدث انقسامًا عميقاً فى الأنا  التى هى بطبيعتها ثنائية الجنس فهى ذكر وأنثى معاً، وإذا ما نظرنا إلى مفهوم الجنس  فى التحليل النفسى نجد أنه لا يدل فى التجربة والنظرية على الأنشطة واللذة المتوقفين على عمل الجهاز التناسلي فقط بل تدل كذلك على سلسلة من الإثارات والأنشطة، الفاعلة منذ الطفولة والتى تمد الشخص بلذة لا تختزل إلى مجرد إرواء حاجة فسيولوجية أساسية مثل التنفس والجوع ووظائف الإخراج.. الخ، كما أنه يوجد على شكل مكونات فيما يطلق عليه اسم الشق السوي من الحب الجنسي.

     ومن ثم فلم تأخذ الوظيفة الجنسية حقها فى التنظير الكافى لفهم دورها الإنسانى الجديد وهو دورها فى توثيق التواصل بين البشر ، أساسآ بين الجنسين ، دورها كدافع تجاوز هدف التكاثر، ودورها كلغة دالة لها ما تفيده وتحققة هذا على مستوى التنظير، أما على مستوى الممارسة فإن الإنسان عبر مراحل تطوره وحتى وقتنا هذا؛ راح يمارس هذا الدور وينظمة ويبرره ويشكله ويغلفه ويكشفه ، ويخفيه ويظهره  فى محاولة الإنسان لكى يؤكد وجوده إنساناً من خلال حضور الآخر. كما يعد الجنس من المفاهيم التى لم يتم الاهتمام بها ودراستها دراسة كافية على المستوى النفسي قبل ظهور التحليل النفسى ولكننا نجد أن أكثر ما تكون دراستها فى الحقل الطبى الفسيولوجى ولما كان لفرويد أثر كبير فى الكشف عن بناء الحياة النفسية للإنسان عامة وعن مفهوم الجنس بصفة خاصة حيث كشف لنا عن جانبين للحياة الإنسانية هما الجانب البيولوجى للجنس من حيث هو حاجة والجانب الإنسانى من حيث هو رغبة. ولقد كشف فرويد عن الكثير من مشاكل الجنس وأن يقدم فى إيضاح مشاكل المرض النفسى ولعل أهم ما فى حدسه هو إلغاؤه للحدود المصطنعة للجنس وقصره على التناسل، فبرفع هذه الحدود بدأ تاريخ الفرد يتصل، لقد أصبح من الميسور أن ندرك السلوك الراشد فى ضوء أصوله الطفلية وأن نلم بمعنى الطفولة ، كما استطاع أن يكشف فى الجنس أمراً بديهياً لقد كان الجنس مرادفاً للتناسل وكان التناسل محكاً للنشاط الجنسى لذلك حار الإنسان فى نشاطه التناسلى.  فالطفل رغم عدم نضجه التناسلى يبدى سلوكاً جنسياً لا تخطئه العين. والراشد المنحرف تناسلياً لا يبدى فى سلوكه الجنسى مظاهر تناسلية محطماً بذلك هو والطفل قاعدة فهم الحياة الجنسية ، وعند مقارنة الدفعة الجنسية لدى الكائنات الحية وارتقاءها فقد أوصلنا إلى ثلاث نقاط واضحة كشفت عن قانون عام لفاعلية هذة الدفعة وهو أنه كلما ارتقينا فى السلم الحيوانى تأخر سن البلوغ والنضج الفسيولوجى ومن ثم فأن فعل التناسل يتأخر. ويتعقد شكل اختيار الموضوع الجنسى /الجنس الآخر/. وبعدت  الصلة بين الهدف الجنسي / التناسل، وبين النشاط الجنسى / اللذة. وإذا كان التحليل النفسى قد أقام نظريته فى مراحل النمو النفسى ابتداء من الوظائف البدنية فى تتابعها الزمنى عبر النمو إلى المراحل النفسية التى يجتازها الإنسان على التعاقب، فقد تحولت الرضاعة والتغذية  إلى المرحلة الفمية، كما تحولت عمليات الإخراج من تبول وتبرز إلى المرحلة الشرجية وبالتالي فقد تحولت العملية التناسلية إلى ظاهرة الحب والعشق العاطفى.

         تحدثت الرواية عن الجنسية المثلية و تناولته بين صور الجنس المختلفة لأنه حالة موجودة في الحياة، ولكن الرواية لا تحتفي به بقدر ما تنشغل بعذابات أصحابه كحالات إنسانية لاتستطيع أن تتصالح مع الآخر ولا حتى مع نفسها، أنها أكثر درجات الاغتراب الإنساني شراسة . هكذا كان سمير وهدان أحد شخصيات الرواية ، كانت أمه تقدم الذبائح للولي ، تبكى وترجوه أن يهبها ولدا بعد أن أنجبت سبع بنات ، وعندما رق الولي لحالها بدل جسد البنت التي في بطنها إلى ولد ونسى أن يبدل روحها ، فخرج سمير إلى الحياة بجسد رجل وروح امرأة .

        فمثلاً : “ذلك الفتى الذي يمشى فى السوق ، ويصدم مؤخرته بالفلاحين فى الزحام ، لـه روح سمراء ونحيلة ، والفلاحون لفرط سذاجتهم يعتذرون له ، وسيضحك الخبيرون بالسوق وحيل خولات البندر، وربما يشيعونه ببعض السباب والبصق ، يغالون فى ذلك ويلتفتون حولهم ليتأكدوا أن أحداً رآهم وهم يفعلون ذلك . سيتبادلون ابتسامات وغمزات لها معنى ، وسيتحدثون من فوق ظهور الحمير وهم فى طريق عودتهم ، وسيشعر الواحد منهم بالفخر وهو يحكى كيف فهمها وهى طايره. لكن الأكثر شباباً منهم أو أولئك الذين لم تصبهم البلهارسيا بأورام البروستاتا ، ستدق قلوبهم. إنهم خائفون . ويتمنون لحظة ، لو أن الله غفل عنهم . غير أن الفتى المعذب لا يعدم واحداً على الأقل أفلت من عيون الملائكة .أو زاغ منهم لبعض الوقت ، هو لا يفكر أن يذهب به إلى أرض أبى خليفة فالعيال الشياطين يلعبون هناك طول النهار ، وصبيان مدرسة الصنايع يعرفونه جيدا ، وليس بوسعه أن يصحبه إلى المقابر كالمرة السابقة ، إذ أن حارس الجبانات هناك ، ذلك العجوز المقزز يعرفه جيداً ، ولن يفوت تلك الفرصة ، وهو مهما كان ، يكره أن تمس مؤخرته يد اعتادت تجوس فى جثث الموتى”

         كما تحدثت الرواية أيضا عن الاستمتاع الذاتي – الإستمناء – وهو انحراف أيضا من انحرافات الجنس حين قال السارد: “وتطير ذيل الفستان الواسع بقدر الريح ، وتكشف كل الشموس والأقمار، يكون هذا من فعل الشيطان ، لكنها بنت رومانسية فعلا ، صحيح هى شهية ولكن بلا وهج كزهرة قرنفل ، ومباغتة بلا ارتعاش يسكن جسمها ، ثم أنها لا تشبه صوفيا فى شيء ، لكن الشيطان هيأ للولد ذلك حتى يعيش فى الغواية ، فنهداها طالعان بلا تفجر، وما فى عينيها حزن وليس شهوة ، ولو انسحبَ الآن إلى حجرته المحوية ورأى صورتها التى علمه الشيطان كيف يرسمها لتأكد له ما أقول . النهود لها إيماءاتها الخاصة جداً . حتى أنها لا تتشابه فى الصور، وجميعها تغمره بالشهوة، فيضع المنقد بين فخذيه ، فإذا زلزلته سعفة الوهج ، يفكر طويلاً فى مصير حيواناته المنوية حين تقفز فى النار”

      وتناولت الرواية من ضمن ما تناولت قضية التحرش الجنسي كما في حالة ذلك الشيخ حيث يقول السارد :” أما شيخنا الصغير ، فسوف يختفى تماما .هو ـ فى الحقيقة ـ كان مهيئا للاختفاء ، سيحدث هذا بعدما اتهمته صاحبة البيت بالتحرش بابنتها القاصر ، طبعا فضيحة ، كان يحتاج لفضيحة حتى يشعر الناس به ، فضيحة ستجعله حديث الناس لبضعة أيام وكأنهم فوجئوا بوجوده بينهم . سيختفى تماما ، لكن الناس ستذكره كثيرا ، كلما مرت فى شوارعهم بنتا بعيون شقيه ، ونهدان لعوبان ، لابد اتعبا الشيخ الصغير كثيرا قبل أن يمسك بهما ” .

            كما عرضت ف تركيز شديد للجنس بين على و”مارسا” ونهايته حيث قتله زوجها :” الشيطان هذا .. كان كامناً لعلى ومارسا تحت السرير ، وهو الذي قال لناشد على كل شئ ، ودله على سر جرح فى شفة على ، والخدوش الطويلة فى ظهره ، وشرب معه ثلاث زجاجات عند شنوده ، وشنوده أيضاً شرب معهما ، وكان فى الحقيقة مندهشاً ، فناشد لا يشرب نهاراً”.

            وأوضحت ما كان بين على وزينب من مواقف وخيالات جنسية فيقول السارد ”  ترسل الريح فى ذيل فستان زينب القصير أصلاً، أن اذهبي يا زينب لأم على ، واطلبي منها غربالاً ضيق الثقوب ، أن دعي أصابع علىّ تتسلل تحت فستانك . هكذا تمس النار فخذيها مساً رقيقاً ومرتعشاً ، فلا تقول زينب شيئاً ، فقط تغمض عينيها وتختلج لما تصعد النار إلى شفتيها. “

      وذكرت الرواية البغاء كما في حالة سيدة ألاجا :” إن يوم السوق هذا يوم خير فعلاً. فهؤلاء عشاقها القدامى ، تجار المواشي الذين ضاجعوها واحداً واحداً “.

       كما اشتملت الرواية على أشكال أخرى كثيرة من الانحرافات الجنسية لتؤكد أن الجنس هو المكون الأساسي للإنسان وأن الغواية كانت وما زالت موضع الاختبار الحقيقي منذ أن عرضت على آدم وحواء إلى نهاية الحياة على الأرض ، وبفهم الجنس في حياة الإنسان يتم فهم الكثير عنه وسيد الوكيل في روايته شارع بسادة يؤكد وبشكل أدبي إبداعي ما تقول به نظرية التحليل النفسي .

أطروحات ورؤى (1) إحياء المؤلف في السيرة النقدية../ مختار أمين

    لا شك أننا نعيش عهدًا جديدًا على دنيا المعارف الإنسانية والاستقراء بكل ما ينتجه الإنسان العصري من نتاج فكري وإبداعي، لذا الاعتمال الجمعي على المنتج البشري بشكل شبه حصري يبحث عن التداخل والمشابهة والموائمة والمقارنة أحيانا، فنلاحظ هذا التداخل بين العلوم الإنسانية ومحاولة المقاربة بين نظرياتها وتعريفاتها للاستعانة بالمفهوم الاصطلاحي السائد المائز في علم من العلوم قادر على لمّ الشمول الجمعي لمعارف الإنسان العصري ومدى إدراكه للتطبيق، فلابد أن يكون متسع الدلالة ومتعدد الرؤى متغيّر المقاس شكلا، وحامل لفقه المادة للرد عليها أثناء التطبيق، والمثل حاضر في مشتقات العلوم ونظرياته ومصطلحاته لتصبح مادة dena واحدة قابلة لإنجاب مكونات معرفية متعددة وكمورفيمات أُمْ أرنبية عدد الولادة في البطن الواحدة متمحورة السلالة..

  إذا كان العلم يتداخل ويتعارف ويتقارب لسهولة الدلالة على منتج عقلي بشري جديد، فأوْلى أن يكون المنتج الإبداعي في النص الأدبي الدال على النشاط العقلي وترجمة الشعور حامل الشمول في فهمه  وأدوات تحليله، وهذا يعيدنا عند تحليل النصوص الأدبية الحديثة ومحاولة استقرائها الرجوع إلى النص ما قبل الولادة -أثناء الحمل- أي مرحلة التكوين في خيال المؤلف، والمقصود بها مرحلة التأليف قبل الإنجاب والطرح على الورق، وقد طرحت هذا الفكر ونوّهت عنه في كثير من كتاباتي -ضرورة تأليف النص قبل الطرح- لأن من ينادون بالنص يولد على الورق يشوّهون وجه الإبداع للنصوص الأدبية بمطواة الخلق العشوائي ولكمات عفوية القلم، ربما المبدع يكتب ومضة في الحال أو تولد على فمه حكمة أو استقراء أدبي للحظة عابرة في الحياة، ولكن الجنس الأدبي كامل العضوية والاحترافية لن يولد في لحظة على الورق أبدا، هل يكتب أديب رواية تم تأليفها كلها على الورق أثناء الكتابة؟ لابد للعمل الأدبي المحترف أن يدل على سبب إنجابه، أي أنه ناتج عن حمل لجنين يتكون على مراحل حتى يأخذ شكله الطبيعي ويعلن عن وقت خروجه، وإن سلمنا بهذا ضرورة التأليف قبل الطرح، فعلينا أن ننسب الوليد لأب شرعي هو المؤلف بكل جينات تركيباته العضوية، وأم هي الحياة التي يجامعها بشتى خطوبها لتنال منه وينال منها ليغرز بذرة خياله بمفهومه ورؤاه وكل نوازعه وأثرها عليه لينجبا نصا أدبيا، فكيف لنا أن نقوم بتحليل واستقراء نص حداثي حامل لأجنة متعددة الرؤى دون أن ننسبه إلى أبويه -المؤلف والحياة-  وعندما نجد مولودا تائها -نص أدبي- في حيّنا أول سؤال نسأله له: ـ ابن من أنت؟ وإن بدا متلعثما وتأتي كلماته مشفرة، فعلينا الاجتهاد في تدقيق النظر إلى معالمه، وكما يقال بالمصري (نشبّه عليه) لنعرف من أبوه، لأن الجين غالب على السمات والسلوك، ولأن قريحة الذهن البشري فيما بعد الحداثة ستغرّب النصوص الأدبية من أجناسها ومن ألسنتها وبيئتها وأوطانها، كما يتبادر لنا ما يحدث الآن في التغريب والتهجير للإنسان من عائلته وأسرته ووطنه… قريبا ستتلعثم الألسنة…

المؤلف حيًا.. بقلم سيد الوكيل

تستوقفني بعض الرؤى النقدية التي أراها متجاوزة للمألوف والدارج، إذ لدي قناعة، أن النقد يرسف في أغلال أداتية قديمة، تكبله وتحد من قدرته على ملاحقة التغيرات السريعة في الإبداع. في مقابل خفوت النظريات التي كانت دافعًا لتطوره خلال القرن العشرين، بدأ في الترهل، والفقر، حتى أنك في كثير من الأحيان، تسمع كلامًا واحدًا يقال من نقاد مختلفين، عن أعمال مختلفة.

استمر في القراءة المؤلف حيًا.. بقلم سيد الوكيل

راديو الجيران..مقال لسيد الوكيل

راديو الجيران

كما أن ثم اعتقاد الآن، أن سطوع تكنولوجيا الصورة الممثلة في الحواسب الشخصية، ستقضي على الكتاب الورقي، كان هناك اعتقاد أن ظهور التلفزيون، سوف يقضي على الإذاعة. غير أن مثل هذه التصورات، تتجاهل الطبيعة الإنسانية، فالإنسان هو الكائن الوحيد على وجه الأرض، الذي يستطيع أن يوظف حواسه كافة، للحفاظ على نوعه وترقية وعيه بذاته. تمكن الإنسان منذ البداية، أن يحول هذه الحواس، إلى مفاعلات ثقافية، عن طريق نقلها بتلقائية وسرعة إلى المخ، حيث تتم علميات التحليل والتلاقح المعرفي، واستخلاص المشاعر والقيم الجمالية منها. يما يعني أن عمليات التلقي، تصبح أكثر نشاطا وفاعلية، بتوسيع دور الحواس الإنسانية. والواقع أن ما تقوم به تكنولوجيا الصوت والصورة، هو مضاعفة فرص التلقي، بحيث تشمل محيطًا  شاسعًا في أقل وقت ممكن. وهو نفس الدور الذي قامت به المطبعة عند ظهورها.

استمر في القراءة راديو الجيران..مقال لسيد الوكيل

سيد الوكيل في حضرة نجيب محفوظ

 

أصدرت دار «بتّانة» للنشر، مؤخرًا، كتابًا جديدًا عن الأديب العالمي نجيب محفوظ، بعنوان «مقامات في حضرة المحترم»، للناقد والأديب الكبير سيد الوكيل، ضمن إصداراتها المُشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي. 

خصص سيد الوكيل؛ في كتابه «مقامات في حضرة المحترم» فصلا كاملا عن فن كتابة الأحلام، بدراسة وافية لماهية الحلم، وآليه عمله في اللاوعي، وعمق صلته بالإبداع، نتيجة لطاقة التخييل المكتنزة به، وطبيعته الزمانية والمكانية. 

ويقول “الوكيل” عن كتّاب الأحلام من الاجيال المختلفة: “عندما صدرت مجموعة (أحلام الفترة الانتقالية) للقاص محمود عبد الوهاب، أرجأت قراءتها حتى أنتهي من مجموعتي “لمح البصر”، وبعدما قرأت مجموعة (دفتر النائم) لشريف صالح، وقرأت (ما وراء الجدار) لمصطفى يونس، و(أحلام سرية) لمصطفى بيومي، التي أكدت طواعية الأحلام لتنسج نصا روائيا كاملا قبل أن يكتب نجيب محفوظ أحلام فترة النقاهة”. 

ويضيف “الوكيل”: “إن كتابة الحلم، تحفظ لكل كاتب هويته، وعمقه الذاتي، لهذا فالاعتقاد بأن كتبة الأحلام مقلدون لنجيب محفوظ هو وهم ساذج”.

يُعد سيد الوكيل، من أبرز كتاب القصة القصيرة المعاصرة، ومن أكثر الذين بذلوا جهودًا مُثمرة في تمهيد آفاق رحبة لها عبر دراساته النقدية العديدة سواء في الميدان النظري أو التطبيقي. صدر له عدة مجموعات قصصية: أيام هند، للروح غناها، مثل واحد آخر، لمح البصر. 

كتابة الأحلام

كتب: سيد الوكيل

في كتابي الذي سيصدر من مؤسسة (بتانة) خلال أيام، كتبت فصلا كاملا عن فن كتابة الأحلام، بعد دراسة وافية لماهية الحلم، وآليه عمله في اللاوعي، وعمق صلته بالإبداع، نتيجة لطاقة التخييل المكتنزة به، وطبيعته الزمانية والمكانية. كان هذا هو رهاني الشخصي عندما كتبت مجموعتي ( لمح البصر).

وعندما صدرت مجموعة (أحلام الفترة الانتقالية) للقاص محمود عبد الوهاب، أرجأت قراءتها حتى أنتهي من لمح البصر، وبعد ذلك قرأتها، وقرأت ( دفتر النائم) لشريف صالح، وقرأت ( ما وراء الجدار) لمصطفى يونس، وأحلام سرية لمصطفى بيومي، التي أكدت طواعية الأحلام لتنسج نصا روائيا كاملا قبل أن يكتب نجيب محفوظ أحلام فترة النقاهة.  

لم يكن أي من هؤلاء يعلم عن الآخر انه سيكتب مستفيدا من بنية الأحلام، لكن النتيجة أن كان لدينا طرائق مختلفة، لكتابة سردية مميزة، تلحق بفن القصة القصيرة الرحب والمرن، فإذا كان قد استوعب القصة عبر النوعية، و الرقمية، والومضه، والقصة الشاعرة، كما مرر جمالياته إلى قصيدة النثر.. فليس ثم ما يمنع أن يستوعب طرائق جديدة من التعبير القصصي..

 وظني أن كتابة الأحلام أكثر نضجا في هذا السياق، نظرا لطبيعتها الجمالية التي أشرنا إليها في البداية. فالأحلام ذاتية كما أجمع علماء النفس، واقع داخلي، يخص صاحبه، ومهما تشابهت أحلامنا، فلكل حلمه الدال عليه، بمعنى أن البصمة الشخصية للحالم، لا يمكن تزييفها، أو تقليدها مهما تشابهت الأحلام.

إن كتابة الحلم، تحفظ لكل كاتب هويته، وعمقه الذاتي، لهذا فالاعتقاد بأن كتبة الأحلام مقلدون لنجيب محفوظ هو وهم ساذج.. وفي هذا الملف الذي نفتتحه بأحلام محمود عبد الوهاب، سنقدم نماذج لفن كتابة الأحلام، ونتعهدها بتعقيبات وشروح يسيرة.

 وهذه دعوة لتكتبوا أحلامكم.. إنها تجربة ثرية، فريدة، لتعرف ما بداخلك.

لكن كتابة الحلم لا تعني أننا نحلم ونكتب ما حلمنا به، إنها تأمل للمحة وامضة في ذهنك، تفضي إلى تتبع عميق في مسارات اللاوعي، بعوالمه الغامضة، تستهدف بحثا في صندوقك الداخلي فقد تجد فيه كنزك، وقد تجد رعبك، وقد تجد ما لم يخطر لك على بال. لكنك حين تنتهي، ستعرف أن بداخلك إمكانات كانت مهدرة، وتري ذاتك في كل مناطق ضعفها وقوتها.

وفيما  يلي ننشر نصين من نصوص الأحلام، متفقين في الموضوع ، وهو الحلم بالأم، ولنرى كيف تتفاوت التجربتين من حيث الرؤية، وطرائق التعبير، بما يعني أننا أمام نصوص فنية، أكثر من كونها مجرد حلم، يمكنها أن تتميز بالشاعرية، والشفافية، أو بالغموض والغرائبية، على نحو ما تكون الأحلام.      

الأم 531583_10151375550041821_581649886_n.jpg

قصة لمحمود عبد الوهاب    

 رأيتها كثيرا بعد وفاتها، في البدايات كل ما كنت أشعر به هو وجودها –فقط-في المكان، ثم عند تتالى المرات أخذ الوجود يزداد اقترابا وكثافة، لم يكن قد مضى على موتها أكثر من شهر عندما بدأت أراها ثانية، كان هذا عكس ما حدث مع الأقرباء الآخرين، وأقربهن خالاتي.

 ظهرت لى كثيرا بعد ذلك، وعقب كل ظهور كنت أفيق على حالة من السعادة غير مكتملة، كأني أريد شيئا أكثر من مجرد الوجود، وصالا أكبر يدوم، إلى أن رأيتها مرتين متتاليتين، وبدا لى الأمر كأن إحداهما تسليم للأخرى، ففى البداية رأيتنا خارجين من مكان أشبه بمول ذى باب زجاجى كبير، وما إن تركت يدها لانشغالى بشأن ما حتى اختلط عليها الأمر فاتجهت نحو الزجاج ظنا منها إنه الباب. أسرعت إليها وأخذت يدها غير أن نتيجة الحركة السريعة أن قدمها التوت.

وفى المنزل أحضرت الماء الساخن وبعض الملح وبدأت أدلك قدمها، ويبدو أنى دلكت بطريقة خاطئة مما حدا بها إلى أن تنهرني قائلة:

–         ده تدليك ده؟

أثر الحلم كان السرور بعد الاستيقاظ، لم يهمنى نهرها لي، بل أسعدنى أن صوتها كان قويا ووعيها كاملا. رأيتها قوية.

ثم رأيتنى ثانية وقد أوصلتها بالسيارة من مكان إلى آخر، ثم فتحت باب السيارة ومددت لها يدي على اتساعها لتمسك بها كيفما ترغب، ثم رفعت يدي بها فقامت، مشينا خطوة إلى الخلف كى نغلق الباب، نظرت إلى حيث تريد أن تذهب، كان سورا ممتدا لناد كبير، وقد تكاثفت عليه الأشجار بصورة جميلة، أما الشمس فكانت رقيقة إلى درجة أن أشعتها تكاد تبين، خلال الأغصان، كخطوط ذهبية متقطعة.

كانت داخلة وحدها إلى النادى للقاء بعض الأقارب، وطلبت منى ألا أنتظرها لأنهم هم من سيقومون بتوصيلها فى آخر اليوم، فسألتها:

–         أوصلك لجوه طيب؟

قالت لى بابتسامة شجاعة:

–         لا مفيش داعي، أنا عارفة طريقى كويس.

وقبل أن تغادرنى فاجأتنى بشئ لم أعهده من قبل، قبلتنى على عينى وغادرت، فصحوت أتحسس رطوبة شفتيها وأبتسم من فرط القرب.

 

 

حبر على ورق

قصة لسيد الوكيل  images.jpg

 

كل شيء هنا قديم، سجائر البحار، زجاجات الخمر المعتق، الأدوات المكتبية، أوراق الكتب الصفراء. وللدكان رائحة عميقة وغامضة، أشمها كلما مررت من هنا، وفي كل مرة، سأجد نفسي أدفع الباب الزجاجي، وأقف في مواجهتها، وستلقاني بنفس الابتسامة حتى أشعر بالخجل، فأحنى رأسي وتغمرني رغبة في بكاء. أغالبها وأقول:

ـ أريد حبرا لأكتب.

ـ كم مرة قلت لك أنك صغير على الكتابة بالحبر.

أعرف أن أمي أوصتها ألا تبعيني الحبر أبدا، وتعرف أن محاولاتي لن تتوقف عن سؤالها. في كل مرة تواجهني بابتسامتها الغامضة، وملامحها الذكورية، وعريها النبيل. كانت قوية كأنها منحوتة من رخام وردي. ولما رأت دموعي، جلستْ على الأرض، فانحسر فستانها الحريري عن فخذيها. أغضمتْ عينيها، وأنا اتسلل وأجلس على حجرها، وأدس رأسي بين نهديها حتى شممتُ رائحة البحر، وسمعتها تهمس:

 ـ المرحومة أمك كانت زميلتي في المدرسة.

 أظنها بكت، لأن ملحا رقيقاً علق بشفتي، فمصصتُ شفتي وأغمضتُ عيني حتى سمعتُ صخب زملاء المدرسة من حولي، ورأيتُ كاترينا بينهم. لا أعرف متى كبرتْ وطلع لها نهدان جميلان، حتى أنهما غمراني برغبة وشبق، فأخذتني من يدي إلى المخزن.

كان مكتظا بالورق والحبر وعلب سجائر وزجاجات خمر، و ثَمَ لوحة كبيرة  لنساء جالسات على البحر، أغراني عريهن أن أقترب، حتي رأيتُ أمي بينهن، فوقفتُ خلف كرسيها المتحرك، صامتا حتى لاتشعر بوجودي، لكنها التفتتْ إليّ فجأة.

 كانت حزينة، وربما مريضة، وغير قادرة على الكلام. أشارت إلى لحيتي المهملة، ونظارتي، ففهمتْ. ثم نهضتْ، ومضتْ. فتبعتها إلى شارع شبرا. لكنها تجاوزتْ المدرسة، وبيت جدي. وعندما اقتربنا من سينما مسرّة، تركتني هناك،  وعادت إلى البحر.

 

الناقد أ. أحمد طنطاوي.. كتب عن كتاب: “فن كتابة القصة القصيرة ونصوص تطبيقية” لـ د. ‏مختار أمين.‏

احمد طنطاوي

كتب: الناقد أحمد طنطاوي

القصة القصيرة منجزًا إبداعيًا لازمًا وحتمية أدبية في الساحة القصصية تسد ثغرة زمانية ومكانية موجودة قبل ظهور هذا النوع، حيث تتناول الموقف الواحد في مكان غير متشعب وتتعرض لشخصيات محدودة جدًا أو _غالبًا _ الشخصية الواحدة في الموقف المتأزم المشحون شعريًا أو نفسيًا أو حدثيًا، وهو ما لا تعرفه الرواية أو المسرحية (اتساعًا مكانيًا وزمانيًا وتعدد الشخصيات) _ وإن كانت قد تداركته بعدذلك مسرحية الفصل الواحد المقاربة للقصة القصيرة من زواياها البنائية في صيغة مسرحية قائمة بشكل أساسي على الحوار، ثم سدت القصة القصيرة جدًا بعد ذلك النقص الأخير المتعلق بالمشهد الشعرى الخاطف، وهو ما تناولته كتب ودراسات أخرى.

بعد أن انتشرت القصة القصيرة كفن أدبي شيق ومثير للانتباه في التحقق الأدبي العربي، كثرت الكتابات النقدية المعالجة لها والشارحة لفلسفتها وطريقة كتابتها ونقد القصص التي خرجت في إهابها، ولأن الكثرة بطبيعتها هي مجال مقارن، لذا كان صدور كتاب جديد يتناولها هو نوع من التحدي الجاد والصارم، لأنه سيوضع بجانب نظائره في مجال القياس والمناقش، وكان المنطق ألا يبحر هذا الإبحار إلا ربان ماهر له من الخبرة والمكانة الأكاديمية والأدبية النقدية تاريخ طويل ومؤهلات علمية وقرائية راسخة وهو ما نراه في حالة كتابنا الذي صدر أخيرًا للدكتور الناقد مختار أمين بعنوان:

“فن كتابة القصة القصيرة و نصوص تطبيقية”

وهو عنوان يشي بمحتواه وطبيعته التشريحية الخطيرة الأساسية واللازمة لكل ممارس لهذا النوع من الكتابة القصصية، أو لمن يريد الدخول في المضمار ويشترك مع الأدباء الذين هم على الساحة الآن، وبهذا فهو جدير بأن يتم تدريسه في المراحل التعليمية التي تهتم بهذا المجال، فهو بالفعل كتاب يحمل من الجدية والرصانة ما يؤهله لحمل هذا الدور بكل اقتدار.

ولأن الكاتب قد قضى حياته كلها في هموم هذه المجالات القصصية إبداعًا ونقدًا ودراسة ومارسها عمليًا_ كتابة ونقدًا كما ذكرت، كانت معالجته مختلفة عن المعالجات السابقة لنفس الموضوع في الكتب الأخرى، لأنه بالخبرة أدرك جوانب النقص والثغرات التي تعتري كتابات المبتدىء، وما هي الجوانب الغامضة التي يسأل عنها كل من يريد اقتحام الحقل والكتابة، وتقسيم الكتاب يبين هذا فهو يرسم دقائق النشأة والتعريف والخصائص، ثم يتناول عناصر البناء كالفكرة والحدث والزمان والمكان ثم يناقش اللغة والحوار والشخصيات، وبعد ذلك يتعرض للصعوبات المتمثلة في فنيات القصة كالأسلوب والسرد والتكثيف..
للبيان التطبيقي الذي تنطبع عليه هذه المقولات النقدية، فقد كان ضروريًا استحضار النماذج الفعلية السابقة في كتابة هذا النوع سواء عند كتاب الغرب أم الكتاب العرب ثم أنهى الكتاب بالتعرض لنصوص حداثية اكتمالا للموضوع من كافة جوانبه البحثية.

 هذا الجهد العلمي الكبير والرصين لا يستطيع المرء وأي مهتم منصف إلا أن يقف أمامه بكل الاحترام و التقدير، و يدعو من يحاولون الكتابة في هذه الأفرع أن يقتدون بمنهجه، ويتخذونه علامة تُحتذى عند الكتابة النقدية التوجيهية الإرشادية

……………….

أحمد طنطاوي

القاهرة/ 2019-1-18

فتنة اللغة والجسد والروح في سرديات سيد الوكيل

فهد العتيق

اللحظة السردية عند الروائي والناقد المبدع سيد الوكيل تتطور داخل النص مثل عاصفة صغيرة , تنمو وتتشظى, هادئة أحيانا ومتوترة أحيانا أخرى , ربما هي من ذاكرة اللحظة , اللحظة الفنية البكر, التي اختمرت في الذهن طويلا لكاتب مهموم , وهذه هي روح الكتابة الحديثة أو الجديدة , حيث لا دخول تقليدي قصدي مسبق يكسر عفوية واضحة و رفيعة للنص , عفوية فنية مبدعة تكشف بوضوح حالة صدق فني , مثلما تكشف عن كاتب مختلف ومتجدد بأدواته وقدراته , ومهموم بقضايا الإنسان في مجتمعة.

استمر في القراءة فتنة اللغة والجسد والروح في سرديات سيد الوكيل