أرشيف الأوسمة: فردوس عبد الرحمن

المرأة المهجورة. بقلم: فردوس عبد الرحمن

المرأة المهجورة

يقول كارل جوستاف يونج: إن كل نصر يحتوي بداخله جرثومة هزيمة مستقبلية.

هذا هو المبدأ الذي أنطلق منه عندما أتناول انتصارات المرأة التي أحرزتها عبر كفاحها النسوي الطويل. فقد نالت في كثير من الأحيان حقوقها الاجتماعية والقانونية، بالإضافة إلى حقها في العمل، لقد أثبتت المرأة بالفعل تفوقها في كثير من الأعمال، وبدت المنافسة على أشدها بينها وبين الرجل، منافسة أثبتت جدارة المرأة في خوض أكثر الأعمال صعوبة، كانت دائما حكرا على الرجال. ولكن أي أرض تلك التي تقف عليها الآن وتفخر بالمساواة؟

استمر في القراءة المرأة المهجورة. بقلم: فردوس عبد الرحمن

نص حالة ..قصة : فردوس عبد الرحمن

أشعر بالفقد .. حزنى للفقد مختلف عن أمى وخالتى وبنت خالتى وصديقاتى فى الجامعة .. ربما لأننى أدرك أن علاقاتى العاطفية دائما غير حقيقية .. ربما لأن الآخرالذى أحبه ليس موجودا الا فى ذهنى أنا .. مهما كان اسمه ” حسام ” أو ” على ” أو ” سعيد ” ، ومهما اختلف العالم الذى أدخله معه .. فى الجامعة أو على ” النت ” ، وربما لأننى مازلت فى سن المراهقة ومن حقى أن أجرب مشاعر سمعت عنها كثيرا .

                                                                       ( 1 )

استمر في القراءة نص حالة ..قصة : فردوس عبد الرحمن

سرد الأحلام..(ملف خاص): إعداد: مرفت يس

عن الأحلام سألوني..سيد الوكيل

لا أدرى إذا كانت الأحلام غريزة من غرائز الكائن الحي؟ صحيح أن بعض التجارب العلمية أكدت أن الحيوانات يمكنها أن تحلم أيضا، غير أن أحدا منها لم يخبرنا بما حلم، وربما لم يفكر فيما حلم عندما يستيقظ.. لهذا فثم اعتقاد أن طبيعة الحلم عند البشر ثرية ومتنوعة بثراء وتنوع الوجود البشري. الأحلام هكذا، أشبه بملفات مخفية نسيناها في غمار الحياة، تظهر فجأة على سطح المكتب، وفق آلية عمل ذاتية للجهاز العصبي.. لهذا هي وجود حي بداخلنا، ضاغط وملح، بما يجعلها أقرب ما يكون إلى الغريزة. لكن الفرق بين أحلام الحيوانات وأحلامنا، هي طبيعة إدراكنا لها. وهذا الإدراك هو عمل الوعي البشري، إنه في تطور دائم، متفاعل مع الخبرات والمعارف التي مرت بها رحلة الوجود الإنساني منذ خلقه الأول.

الإنسان البدائي عرف الأحلام، لكنه خلط بينها وبين الحقيقة، لدرجة أن بعض القبائل البدائية كانت تعاقب رجلا يحلم بمضاجعة امرأة جاره، بل ويمتد العقاب إلى المرأة كونها ذهبت إليه في الحلم.

مع إدراك الإنسان بوجود قوى إلهية عليا، أخذ الحلم بعدا ميتافيزيقيا. وتحكي لنا الأساطير، عن ملوك سارعوا بقتل أطفالهم، بعد رؤية في حلم بأن هذا الطفل سيقتل أباه يوما، أو بعد فتوى من عرافه بأن ( أوديب ) سيقتل أباه ويضاجع أمه.

لقد رسخت الكتب السماوية هذا المعنى عن الحلم بوصفه نبوءة، فثم أنبياء ألهمتهم الآلهة بنبوءات وحملتهم رسائل، صارت حقائق. هكذا ظل ارتباط الحلم بالحقيقة سعيا بشريا حتى الآن، وكأن الحلم، أداة من أدوات المعرفة.

لقد أفضى هذا الاعتقاد الراسخ بواقعية الأحلام، إلى علوم متخصصة في تفسير الأحلام.. إذ كان اليقين بواقعية الأحلام الذي كتب به ( ابن سيرين)  تفسيره، هو الذي منحه حق الوجود حتى الآن،  وبعد مضى ثلاثة قرون على ثورة العلم، الذي نقل الحلم من فضاء الميتافيزيقا إلى فضاء علم النفس، ثم علم الدماغ، حيث تمكن ( سيجموند فرويد )  من ربط الحلم بالواقع الداخلي للحالم، فبدلا من السعي إلى تفسير الحلم نفسه، أصبح الحلم وسيلة لتفسير السلوك الإنسانية، والظواهر والأعراض النفسية التي يعانيها الحالم. وهكذا لم تعد الأحلام مجرد نبوءة ترغب في التحقق، بل حقيقة ترغب في التعبير عن نفسها.

والآن.. إذا كان الإبداع الأدبي هو حراك داخلي، قلق ومتوتر، يرغب في التعبير عن نفسه، وإعلان وجوده في صيغة من صيغ التعبير التخيلي، فما الفرق بين الحلم والإبداع إذن؟؟

الحلم كما يقول ( إيريك فروم ) هو إبداع الحالم.  الحلم هكذا مادة إبداعية نفرض نفسها علينا في النوم، ولا يمكننا تجاهلها في اليقظة.. تلك آلية عمل قريبة من آلية عمل الكتابة الأدبية، فتجاربنا الواقعية التي حفرت عميقا فينا، نكتبها في قصصنا ورواياتنا، عبر منظومة من الأخيلة والرموز والعلامات، فتصبح شيئا محاكيا لما حدث في الواقع، ولكنها ليست الواقع بالتأكيد.

 لهذا.. فكما سكنت الأحلام أساطير الأولين، سكنت روايتنا، وقصصنا، ومسرحياتنا، وأفلامنا، ولوحاتنا التشكيلية… بل سكنت ( بوستاتنا ) على شبكات التواصل الاجتماعي. فمطلقو الإشاعات ضد الأنظمة السياسية، والمروجون لها، يعبرون فقط عن أحلام مجهضة عجزوا عن تحقيقها.

***

نخصص هذا الملف عن علاقة الأحلام بالإبداع الأدبي. وهي علاقة قديمة، تبدأ كما أسلفنا مع الأسطورة، بوصفها كيانات حكائية، كما نجدها في أشكال السرد الفني القديمة ( ألف ليلة وليلة ) على سبيل المثال. ثم نجدها في الرواية الحديثة منذ ديكاميرون  ودون كيخوته، وها هي، في القصة القصيرة، تصبح فنا أدبيا مستقلا على نحو ما يستهدفه هذا الملف.

هل يعني هذا أن ثمة فارق بين الحلم في الرواية والحلم في القص؟

هذا ما نعتقد.. فالحلم في الرواية له وظيفة في خدمة الفضاء الروائي، وتوسيع أفقها الدلالي، ومن ثم يظل أثره محدودا بتحقيق وظيفته، وبعدها يذوب داخل الفضاء الروائي، بوصفه عنصرا من عناصره.. أما في القصة القصيرة، ونظرا لطبيعة الوحدة الموضوعية لها، وكثافتها، فالحلم ليس عنصرا فيها بل هو القصة نفسها. إنه يطمح إلى إبراز أخيلته، ورموزه، وآليات إنتاجه، بل وقدرته على تشكيل الأبعاد الزمكانية  والشخصيات بما يكسبها أبعادا متجاوزة للواقع.  

عندما كتب نجيب محفوظ ( أحلام الفترة الانتقالية ) أعطانا مشروعية، أن يكون الحلم فنا سرديا مستقلا، يقف إلى جوار القصة القصيرة، يمكن أن نسميه حتى الآن ( سرد الأحلام ).. لكن المغامرة الأولى – عند محفوظ – لكتابة الأحلام في ذاتها، كانت عام 1982 م تحت عنوان ( رأيت فيما يرى النائم ) ويمكن ملاحظة رغبة الراوي في الإخبار ( اللغة الإخبارية) التي تشابه لغتنا عندما نستيقظ من النوم ونخبر شخصا ما بما حلمنا كأن نقول ( رأيت في منامي أنني أفعل كذا وكذا.. إلخ) ومن ثم فهي مجرد حكي للحلم يستسلم للطابع الإخباري، محدود الأثر الدلالي على نحو ما نجد في رواية ( حديث الصباح والمساء) حين يرى (يزيد المصري) في المنام  شيخه القليوبي جالسا في المقابر، يدعوه لأن  يقيم خلوته له في المقبرة المجاورة لمقبرته. بسهولة ندرك إن الحلم هو عتبة لموت يزيد المصري. تلك هي وظيفة الحلم في الرواية. أما في (أحلام فترة النقاهة ) فلم يكن لقاء الراوي ( بالست عين)  في ( أفراح القبة) خبرا يخدم دلالة مغايرة، بقد ما كان تجسيدا لحضور حقيقي، هو موضوع النص. إنه حضور نلمسه شكلا وموضوعا وشعورا. نقرأه وكأننا نراه، أو وكأننا نشارك الراوي حلمه. فلا شيء قبله، ولا شيء بعده، ولا مُدخلات خارجية فيه، تسعى لتفسيره،  أو التعليق عليه.إنه حضور فحسب. هكذا يظل الحلم مكتنزا بطبيعته التي نراه عليها،  بلا معقوليته، وألغازه، وشطحاته الغرائبية المفارقة للواقع. بما يعطي للقارئ وحده، حق اقتناص الدلالة، من بين براثن اللاوعي الجمعي الذي يسكننا نحن البشر. إن الحلم مقصود لذاته في ( أحلام فترة النقاهة) على نحو ما يفصح العنوان، بوصفه نصا قصصيا مكتملا بذاته، وليس مجرد تقنيه في خدمة فضاء سردي أكبر منه. هكذا أدرك نجيب محفوظ أن القالب القصصي، مؤهل بطبيعته لسرد الأحلام.

خلافا للسرد القصصي والروائي، فإن أحلام نومنا  بلا عتبات ولا مقدمات، نجد أنفسنا داخلها فجأة، ونخرج منه كما دخلناها بلا نهايات حاسمة، دونما تحصيل لأي معنى. وعندما نستيقظ نحاول تذكرها ربما يمكننا أن نقف على بعض المعاني، لكن علماء الدماغ يؤكدون أننا لا نتذكر منها سوى نسبه ضئيلة جدا. فالحلم هو نشاط عصبي وظيفته التخلص من بعض الذكريات والصور المخزنة في الذاكرة بما تحمله من مشاعر معطلة مثل مشاعر الذنب، أو الدونية.. الأحلام إذن عملية تطهير للوعي يقوم بها اللاوعي . أي أن القول بأن نجيب محفوظ كان يكتب أحلاما رآها فارغ من المعنى. فلا أحد يمكنه أن يتذكر الحلم، وما نحكيه بعد يقظتنا عن أحلامنا، هو تصورنا الواعي عن نشاط اللاوعي،  والمسافة بينهما واسعة وغير مأمونة، لهذا فإن كتابة الحلم هو خلق إبداعي تماما، ينتجه وعينا الجمالي، وليس توثيقا أو تدويرا لأحلام رأيناها.

لكن.. ما لو أردنا كتابة حلم رأيناه بالفعل؟

تخيل أنك تمشي في شارع مظلم تماما، وفجأة ومض ضوء خاطف واختفى، فإن كل مار رأيته هو انطباع عام عن شارع ما، أما إذا طلب منك أن تصفه، فإن خبراتك السابقة بالشوارع  ووعيك بمحتوياتها، هي التي ستكون أدواتك في الوصف. لهذا فإن ما تصفه سيكون من إبداعك أنت، ويخصك أنت وحدك. كذلك ما نكتبه بوصفه أحلاما، هو إبداعنا الذي يخصنا.

أما إذا كانت فكرتنا عن آليات كتابة الأحلام غير واضحة، فعليك أن تقرأ هذا الملف، ففيه وجهات نظر، وطرائق مختلفة في فن كتابة الأحلام، وكعادتنا ندرك أن الاختلاف ليس خصومة، بقدر ما هو سمة تفاعلية، توسع فضاء الإبداع.

 

الجزء الأول

: مقالات عن الأحلام

فدوى العبود

الحــــلم والشيــــفرة الســريّـــة للمعرفــة والــوجود

سيد الوكيل

فن كتابة الأحلام ..تأسيس نظري : سيد الوكيل

الجزء الثاني:

نماذج من سرد الأحلام

نجيب محفوظ

الحلم 16..من المجموعة القصصية : رأيت فيما يرى النائم

حكاية الرجل الذي لم يحلم أبدًا..طارق إمام

رغم الظلمة …رغم النوم..طارق إمام

كنت أضحك في حلمي….قصة : رءوف مسعد

الجمعية …قصة: حلمي محمد القاعود

برج الحمار: قصة: عبدالقهار الحجاري

نصوص في لمح البصر…سيد الوكيل

رجل وحيد يخشى الأحلام…قصة :أحمد أبو خنيجر

الحلم الذي لن أرويه لجدتي…قصة: صفاء النجار

قصر الأموات قصة : شريف صالح

علاء الدّين وامرأة تحلم..قصة: روعة سنبل

كشوفات مصطفى يونس

الحلم ..قصة : مصطفى لغتيري

أطياف محفوظية…عبير سليمان

الجزء الثالث

قراءات نقــدية في نصـــوص الأحــــــلام

دمحمود الضبع

البنية والتجريب في أحلام نجيب محفوظ

 

اعتبرني حلما فدوى العبود

اعتبرني حلما :مقولة كافكا الشهيرة عندما قضى ليلة في بيت صديقه ماكس برود، ودخل بالخطأ غرفة والد ماكس ، وفزع الرجل ، فما كان من كافكا إلا أن انسحب بهدوء معتذرا وهو يقول له تلك الجملة التي استلهمتها الكاتبة فدوى العبود عنوانا لقراءتها في نصوص الأحلام و نشرت في كتاب الديكاميرون  2020الذي أعدته الكاتبة السورية روعة سنبل وقدمت له قراءات نقدية فدوى العبود.  اقتبس الكتاب اسمه  من عنوان رواية (الدّيكاميرون) للكاتب “جيوفاني بوكاشيو”؛  التي تسرد قصّة مجموعة أشخاص هربوا من الطاعون، واختاروا -وهم في خلوتهم في منطقة ريفية- أن يسردوا في كلّ ليلة قصصًا تخفّف عنهم عناء الوجع، فتكون الحصيلة كلّ صباح عشر حكايات،ومن هنا جاءت فكرة الكتاب عن جدوى الحكاية وهل هي مجدية؟ “فكانت  هذه النصوص  إجابة   صريحة  عن دور الحكي  في المقاومة .احتوى على  خمسين نصاً قصصياً اندرجت  تحت ثيمات خمس هي “المرايا” و”القطارات” و”الحبال” و”الفقاعة” ويختتم الكتاب بثيمة “الأحلام وتحتوي على تسعة نصوص لمجموعة من الكتاب  هم زهير كريم ، هبة شريقي، مهند الخيكاني ، غفران طحان، نبأ حسن مسلم ، صلاح حيثاني، حنان الحلبوني، زوران جيكوفيتش، سيد الوكيل. تبقى  الأحلام كثيمة هي الأمل في الخلاص وتوقع الأفضل عن طريق الحكي ؛ “نحكي لننجو ” “.

كُتاب الديكاميرون

المدد المحفوظي في كتابة الأحلام …ومشروعية الحلم كنص أدبي

نماذج تطبيقية لشريف صالح ومحمود عبدالوهاب

مدد الأحلام …سيد الوكيل

د. خالد عبد الغني

العودة لأحلام نجيب محفوظ آخر أشكال السرد في الأدب ([1])

قراءة في لمح البصر بقلم فردوس عبدالرحمن

الغوص في اللاوعي والبحث عن أسطورة الذات الخاصة

أحمد رجب شلتوت وقراءة في نصوص” أضغاث أنفاس

أحلام نسوة يعانين القهر والاستلاب

مرفت يس .. قراءة في مشاهد عابرة لرجل وحيد للكاتب أحمد أبو خنيجر

المزج بين الأسطورة والحلم في ” مشاهد عابرة لرجل وحيد”

الحلم فى القصة المغربية….الطيب هلو

الإيقاع السردي وحداثة القصة القصيرة ـ إيقاع الحلم نموذجاً

الجزء الرابع

قراءات عـن بنية الحـلم في الرواية

علي كاظم داود

السرد بالأحلام في رواية ” لاريب فيه” لطاهرة علوي

منير فوزي

قراءة في نص (أحلام سرية) للروائي مصطفى بيومي

الحلم في النص السردي بين التخييل والتفنين:

تأويل الحلم عبر الذاكرة في رواية كيميا للكاتب وليد علاء الدين

الجزء الخامس:

قــــراءات

الحلم كهندسة عقلية..عمرو عزت وفن تعبير الرؤيا: محمد عبدالنبي

أدب الأحلام ..قراءة في كتاب عبده وازن “غيمة أربطها بخيط” بقلم حسن عبدالله

” كتاب النوم”هيثم الورداني …عندما تستيقظ الغفوة : طارق إمام

لغة الروح والنفس المنسية ..مرفت يس

كتاب الأحلام بين العقيدة والعلم للدكتور علي الوري ..قراءة صالح البلوشي

شغف المبدعين: فردوس عبد الرحمن

الكتابة الإبداعية

للكتابة الإبداعية، مهمة استرداد الذات وانتشالها من أيدي الآخرين، ومن ثمة إيقاظها، ورج عناصرها لإعادة تشكيلها من جديد. لهذا فإن ما نجده من شغف في الكتابة الإبداعية، لا نجده في كل حقول المعرفة العلمية والنفسية والفلسفية  مهما كانت أهميتها وقيمتها.

الكتابة تجعلنا ننظر إلى كل تلك العلوم من فوق، تجعلنا حاضرين دائمًا بالدم واللحم والأعصاب، لنضيف إليها أكثر مما تضيف إلينا هي، فبرغم أن كل تلك العلوم تتحدث عن الإنسان، إلا أنها باردة، تنتمي إلى صقيع الوجود، أما الكتابة المشحونة بالذات فهي اكتشاف النار، نقلة نوعية في حياة البشر، الذين يسودون الصفحات، دون أن يفعلوا ذلك، يلهثون وراء شيء آخر غير وجودهم الحي، وعندما يصلون إلى الآخرين، لا يتركون سوى موت بارد.

الكتابة شغف. لا تكتب، لا تقرأ إلا بشغف، دون هذا لن يبقى شيء، لن يبقى شيء، ذلك هو العمل الإبداعي وهو كل شيء.

الطبيعة الداخلية للكاتب المبدع، هي من تكشف له نفسها، وتنطق بأشياء، لم يكن بمقدوره قولها خارج حالة الإبداع، لأن العمل الإبداعي، ليس هو نفسه الكاتب، بل هو شيء فوق شخصي. يرى يونج أن الأهمية الخاصة لعمل إبداعي حقيقي، من نجاته من حدود الشخصي، وارتفاعه فوق الاعتبارات الشخصية لمبدعه، وليس في مقدور الكاتب المبدع سوى طاعة النبض الغريب الذي يغلي فيه، شاعرًا أن عمله أكبر منه، وأنه يحرك طاقة ليست له، ولا سلطة له عليها.

في هذا المقال سوف نحاول تبيان أسرار اللغة الإبداعية، بما أن النص الفني بالأساس هو كائن لغوي.

 إن لغة التواصل النفعي الخالص، حسب جان بيلمان، لغة هشة، تخضع لهيمنة مسبقة من المنطق، لذلك لا تمتلك فيها الكلمة، غير مدلول واحد، أما لغة الإنسان الذي يحلم، والطفل الذي يلعب، ولغة الأحمق هي لغة مبهمة، يسكنها اللاوعي ويحرفها باستمرار، وهذا ليس ما نقصده بالطبع ونحن نتحدث عن اللغة الفنية التي يسكنها اللاوعي أيضًا، فاللغة الإبداعية، هي مُكوِّن من الاثنين، الوعي، واللاوعي، وهي ليست مجردة من مدلولاتها المنطقية العادية، لكنها تتحول إلى نظام آخر من الدلالة، يسميه اللاكانيون، نسبة إلى لاكان، (التدلال الفائض)، وهو مجموع مؤثرات المعنى، من مشاعر وانفعالات غريزية وغامضة، والتي لا يمكن أن تترجمها الألفاظ، أو حتى تكون في متناول مفاهيم الوعي نفسه، ذلك ما يكوِّن اللاوعي داخل اللغة، واللاوعي يملك القدرة على تغيير اللغة، حيث تخترق المادة اللفظية، بلاغة نوعية، تأتي من تحويل مقامات النوم، ومقامات البراءة الطفلية، إلى حالة إدراكية، أي أن ما يُسمى في اللغة العادية هذيان، يتحول داخل اللغة الإبداعية، إلى حالة عميقة من كثافة الإدراك، الذي يستطيع أن يفهم المنطق اللغوي الخاص للنفس، ليركب الألفاظ من جديد، ليتسق مع منطقها هي. هذا ما يجعل اللغة الأدبية مجازية، لأن النفس، لا تفكر إلا بالمجاز ولا تنطق إلا به، مما يجعل اللغة، أدة تنقيب في أغوارها.

ولأن عالَم النفس متشظي، شذري، كما نراه في الأحلام، فلا معنى هنا من استخدام كتابة نسقية، مترابطة، متسلسلة، لتخدم الحكاية، فما يعنينا هنا، ليس الحكاية، بل تلك الكيانات المتناثرة داخل الذات المبدعة. يرى برجسون أن مؤلف الدراما، لا يحتاج أن يرى شخوصه في الحياة من أجل أن يصورهم، إنما هو يستخرجهم من ذاته التي تضم ذوات أخرى، كان يمكن لأي واحدة منهم أن تكون ذاته لو وافت الظروف، فشخصية مؤلف الدراما تضم شخصيته التي يعيشها لنفسه وتضم إلى ذلك عددًا من الشخصيات غافية أو نائمة، لا يزيد هو على أن يوقظها، فإذا هي تتحرك وتسعى وترقص، فيبدأ المؤلف في تصويرها. لكن تحريك تلك الشخوص كما يضيف الدكتور يحيي الرخاوي، يؤدي إلى قلقلة وتحريك البناءات النفسية وإعادة تركيبها وتوليفها، فالإبداع في نظره هو التنشيط النوبي للكيانات الداخلية في عملية ولافية إبداعية. وهذا في رأيي هو الفرق بين المبدع والمريض النفسي، فعملية التعتعة والقلقلة تحدث أيضًا في المرض، مما يعرض صاحبه للتفكك والتناثر، أما المبدع وحده فهو الذي يستطيع أن يقبض على تلك الكيانات المفككة ليعيد البناء. وعملية البناء هذه هي ما تخلق الدراما البشرية الزاخرة التي ينقلها لنا، لتتحرك معها كياناتنا نحن أيضًا. لا تستطيع المعرفة العقلية أن تفعل ذلك، وحده الإبداع الرؤيوي، كما أسماه يونج. هذا الإبداع الرؤيوي، هو اختبار التجربة الداخلية للإنسان وصياغتها، وهو  لا يحاول أن يفعل شيئًا أكثر من رصد الكائن وهو يكون، فلا يبني لنا مثلًا معرفة عن دخيلة الكينونة، كما تفعل العلوم النفسية، كي تتم السيطرة على تشظيات الإنسان، ولا تحاول أن ترسم صورة كلية للوجود في نسق فكري متماسك، إنها فقط، تدخلنا في متاهة وضياع، لتفكيك الكائن المتماسك زيفًا، هكذا هي اللغة الفنية التي تحمل طاقة تفكيك وهدم، ليس لبناء أكثر صلادة، بل محض فضح وتعرية لهشاشة الوجود الإنساني، وطفولته المزمنة، وأوهامه التي هي أكثر واقعية من الواقع ذاته، وهو ما يُسمى عبر لغة حسية كثيفة، هي لغة الفن،  دقة وظيفة اللاواقع.

نستطيع ونحن نقرأ ذلك النوع من الإبداعات الرؤيوية، أن نعيش كل جملة بحقها تمامًا، دون الحاجة إلى النظر إلى السياق الذي وُضِعت فيه، ودون اتصالها بالحكاية التي قيلت من أجلها.فهي كلمات مشحونة، ممتلئة بمضامينها، هكذا تتحول من مجرد رموز أو علامات دالة على المعنى المقصود، إلى كيانات مستقلة بذاتها. وهذا ما يسمح بالنظر إلى عتمة الروح، وللبدايات الأولى للنفس، تلك الكيانات البعيدة والمتوارثة، داخل كل نفس إنسانية. هكذا لغة، تساعد المبدع على ذلك، فهي الأصداء العائدة من ماضي البشرية، بما أن اللغة حامل للتاريخ كله.

الكتابة الإبداعية إذن هي حفر لغوي، يستطيع أن يصل بنا إلى الطبقات التحتية من التاريخ البشري، الذي صيغ من قبل بلغة أسطورية، فاللغة هي بيت الوجود كما قال هايدجر.

   لكنه من المؤكد أن تلك الخبرات الأصلية للإنسان لا يحملها الوعي المعاصر، حتى وإن كان الكاتب قد قرأ كثيرًا من الأساطير، وتاريخ الإنسان البدائي، فالمعرفة العقلية، لا تستطيع، أن تصعد بتلك الكيانات البدائية، كجسد متعين داخل الوعي. وحده الفن هو من يفعل ذلك، إنه حدس هائل يكافح للتعبير عن نفسه، بلغة تحمل في أغوارها كل تلك الخبرات الأصلية القديمة المظلمة وغير المتشكلة داخل الوعي. لأن اللغة هنا تنفتح على أساطيرنا الشخصية، وفي هذا هدم للغة إخبارية تخدم أغراض الحكاية، وتدمير للغة الاجتماعية التي تبلغنا ما نعرفه سلفًا، وتقويض للقضايا الكبرى التي ترتحل بنا بعيدًا عن أنفسنا.

قيل كثيرًا، إن غواية اللغة، قد تفقد القارئ تواصله مع النص الأدبي، ومع المعاني التي ينطق بها في كليته، ولكن ، ماذا نفعل بكلمات تنام في معناها، كلمات هي علامات فقط، تشير إلى معنًى خارجي عنها وعنا؟ إن لذة النص التي أشار إليها بارت لا تحدث سوى بألفاظ تنكزنا، وترجرج طبقات وعينا، فيبزغ الوجود بشكل آخر، وتتولف الذات الغريبة والمنسية داخل أعماقنا، بالذات الحاضرة التي نعيش بها في هذا العالم. هذا ما يحدث حين نمارس أيضًا القراءة لتلك الأعمال الإبداعية. فالإبداع الفني، يُسمى، حسب بيلمان، (عبر نرجسي) تلتقي فيه، نرجسية الكاتب، بنرجسية القارئ، تلك سمات الصياغة الاستيهامية التي تُنتج اللذة، وتعمل في الوقت نفسه على الدخول في علاقة مع الآخرين، عبر تمدد الذات، من المبدع إلى المتلقي.

نعتقد دائمًا، أن القراءة، فعلًا مؤنثًا، والأنثى دائمًا ما تلعب دورًا ثانويًا، لكن الأنثى في طبيعتها، هي الكينونة الخلاقة، منجبة الحياة، حتى أن المبدع ليبدع بأنثاه الداخلية، حسب يونج، فالقراءة إذن هي التقاء أنثى بأنثى لتكون أنثى مضاعفة، فالكاتب هنا يعيد فتح الأعماق الأنثوية في الكلمات نفسها، كرحم يلد دلالات حية تتنفس. هنا تكون راحة الكينونة. كما يقول باشلار.

ولكن من أين تأتي تلك الراحة؟

إن الكاتب الذي يتمسك بوصف الروح الإنسانية، وليكن في شذوذها، يعرض دخيلتنا المقموعة أو المكبوتة، ونستطيع بالفعل، أن نسترد من خلال هذا الوصف، انفعالاتنا العتيقة، الطفولة التي تعبرها رغبات رهيبة، إنها بلد الحلم كما يسميها جان بيلمان، من هنا يكون التلذذ، ويكون السحر، لمعرفتنا ما كناه، ومالم نكنه أبدًا، لكننا حلمنا بأن نكونه. إننا لا نستعيد ماضينا، بل أحلامنا واستيهاماتنا.

كل ذلك يحدث عبر اللغة، ويبعثها من جديد، من حالة الشيوع والاستهلاكية التي آلت إليها، لتنبض وتصبح كيانًا متعينًا، يحفز الإنسان إلى صيرورة وجودية، بخلاف اللغة الاستهلاكية الشائعة (لغة الكلام) التي تسعى إلى تنميط الذات والعالم، أو اللغة العلمية، الاصطلاحية، المقننة، التي لا يمكن أن يكون لها معان متعددة أو حتى ظلال.

الكتاب الأحمـــر بقلم: فردوس عبد الرحمن

قراءة في كارل جوستاف يونج وأسطورته الخاصة

 

 

عبر تاريخه العلمي والبحثي اهتم كارل جوستاف يونج بدراسة علم الأنثوربولوجي وحرص على تتبع تاريخ الأقوام البدائية وكان على قناعة تامة بأن كل شخص يحمل في داخله هذا الإنسان البدائي بكل طقوسه وأساطيره ورؤيته للوجود ومن هنا جاءت نظريته عن اللاوعي الجمعي الذي يحتلنا جميعًا. آمن يونج بالأسطورة والتي ساعدته دائمًا في الكشف عن خبايا النفس الإنسانية.

بعد أن أنجز الكثير من أبحاثه العلمية.. انتبه يونج إلى البحث عن أسطورته الخاصة، وظل هذا السؤال يؤرقه بشدة “ماهي أسطورتي الشخصية” لأنه أدرك عبر علاجه لمرضاه.. معنى عيش الإنسان دون أسطورة، فالإنسان بدون أسطورة، كأنه اقتُلِع من جذوره وليس هناك رابط حقيقي لا مع الماضي ولا مع حياة الأسلاف التي تستمر من خلاله أو حتى مع المجتمع المعاصر. يقول يونج: ” ماهي الأسطورة التي أعيشها؟ لم أجد جوابًا على هذا السؤال واضطررت للاعتراف بأنني لا أعيش مع الأسطورة أو حتى في الأسطورة، بل في غيمة غير مؤكدة من الاحتمالات النظرية التي كنت بدأت أنظر إليها بفقدان ثقة متزايد.. لذا وبالطريقة الأكثر طبيعية أخذت على عاتقي مهمة معرفة أسطورتي الخاصة واعتبرتها مهمة المهمات”

استمر في القراءة الكتاب الأحمـــر بقلم: فردوس عبد الرحمن

القراءة النفسية للخوف في رواية نيكولو أمانيتي. بقلم: فردوس عبد الرحمن.

تقديم

فردوس عبد الرحمن إذاعية وشاعرة. اكتسبت معرفة عميقة بمشاكل الاضطراب النفسي.عبر برنامجها الإذاعي ( على ضفاف الحياة ) الذي يستضيف أطباء متخصصين في علم النفس، يتناولون فيه حالات متباينة يعرضها للمستمعين على الهواء مباشرة.

رابط تحميل الرواية

https://foulabook.com/ar/book/%D8%A3%D9%86%D8%A7-%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%AE%D8%A7%D9%81-pdf

هناك طفل نائم في البراز

خليط من الدم والبراز، طفل نائم فيه

متى يعتقونه، متى يصعد ليغتسل؟

هل قطعوا أذنيه حقيقة يا أمانيتي؟

بعد أن انتهيت من رواية (أنا لا أخاف) لكاتبها الإيطالي نيكولو أمانيتي، وجدت نفسي أكتب تلك الكلمات، وأثناء تفكيري في استكمالها كقصيدة، صعد الدم إلى رأسي، وقفز إلى ذهني المعادل الموضوعي للرواية كلها.

استمر في القراءة القراءة النفسية للخوف في رواية نيكولو أمانيتي. بقلم: فردوس عبد الرحمن.

سالومي العمياء والأفعى العاشقةبقلم: فردوس عبد الرحمن.

4113425

رؤية لكارل جوستاف يونج..من الكتاب الأحمر

 

أ”” نا ممدد في عمق مظلم، يقف رجل عجوز أمامي، بدا مثل واحد من الأنبياء القدماء، تقبع أفعى سوداء عند قدميه، على مسافة بعيدة قليلًا، رأيت بيتًا بأعمدة، خرجت عذراء جميلة من الباب، كانت تسير بتردد ولاحظت أنها عمياء، أشار الرجل العجوز بيده لي، وتبعته إلى بيته عند أسفل جدار هائل من الصخور، زحفت الأفعى خلفنا، تسود العتمة داخل البيت، نحن في قاعة عالية السقف بجدران متألقة، يظهر في الخلف جحر ساطع بلون المياه، بينما أنظر في الانعكاس، ظهرت لي صور حواء والشجرة والأفعى، لمحت بعدها مشهدًا (1)لأودوسيوس ورحلته في البحار العالية، وفجأة انفتح الباب اليميني على حديقة تملأها أشعة الشمس اللامعة، خرجنا من الباب وسألني العجوز: “هل تعرف أين أنت؟”

أنا: أنا غريب هنا وتبدو الأشياء غريبة أمامي، أنا مشوش كما لو كنت أحلم، من أنت؟

هو: أنا إيليا، وهذه ابنتي سالومي

أنا: ابنة هيرودس، المرأة المتعطشة للدماء؟

إيليا: لماذا تطلق أحكامًا هكذا؟ أنت ترى أنها عمياء، انها ابنتي، ابنة النبي

أنا: أية معجزة جمعتكما؟

إيليا: ليست معجزة، كان كذلك منذ البداية. إن حكمتي وابنتي هما واحد

أنا مصدوم وغير قادر على فهم هذا

استمر في القراءة سالومي العمياء والأفعى العاشقةبقلم: فردوس عبد الرحمن.

(سيدالوكيل كما يراه الآخرون….. ( ملف استثنائي في عيد ميلاده :إعداد مرفت يس

في مقالة له ..  تحت عنوان “شهوة أن يرانا الآخرون ” كتب سيد الوكيل  ” في عام 1995كتبتُ روايتى( فوق الحياة قليلا) التي تتناول حيوات الأدباء وفي 2011 كتبت روايتى التي تتناول ميتات الأدباء وظل السؤال الذي يؤرقنى: مامعنى أن اكتب عن الآخرين بدلا من الانتظار أن يكتب الاخرون عنى؟”

ومن هنا جاءتني  فكرة هذا الملف  لنرى سيد الوكيل بعيونكم ، وليس أجمل من هذه المناسبة لنحتفل به ومعه بيوم ميلاده

هذا الملف إنساني في المقام الأول، مغلف بمحبتكم،  وكأننا كنا بحاجة لمن يلكزنا برفق لنعبر عما بداخلنا ؛  فجاءت رسائلكم تحمل كل هذا القدر  من البهاء والجمال لصديق وأستاذ  وأب ومبدع

د مصطفى والوكيل

كما يليق بسيد الوكيل….

كتب د مصطفى الضبع

 

كما يليق برجل زرع شارع بسادة في وعي محبي هند وأيامها.

كما يليق بسيد الوكيل الصديق حين تكون الصداقة قدرا من الذكريات، ومزيدا من الحنين الذي سجلته أيامنا، وبعض منجزات كنا نعتقد أنها مساحتنا الصافية لصنع عالم أفضل مازلنا نحتفظ بحلم البقاء فيه دون التخلي عن مساحة من الأحلام المتآكلة، ودون الاستسلام لصقيع مقيم أو فساد يلون أيام الوطن.

كالعادة سأكون صادقا معك، فحين نكتب تتلاشى داخلنا كل مساحات الزيف التي نتنفسها، ورائحة الأشخاص الذين أجبرتنا الأقدار على التقاطع معهم ولو لحين، سأكون صادقا بقدر ما بيننا من ذكريات ومنجزات وأفكار وأحلام ويقين وبعض ظنون وبقية طموح وبصيص أمل، ووعد بلقاء مؤجل.

استمر في القراءة (سيدالوكيل كما يراه الآخرون….. ( ملف استثنائي في عيد ميلاده :إعداد مرفت يس

عن اللاوعي الجمعي: فردوس عبد الرحمن

Fardous Abd El Rahman
Yesterday at 12:30 AM·
لقد اتخذت العقائد مكان اللاوعي الجمعي، عبر صياغة محتوياته على نطاق أسمى وأشمل، لكن هذا بالتحديد، هو ما دفع تلك النماذج الأصلية بعيدًا، لتدخل في طي النسيان، ونحن نعرف بالطبع أنه كلما كانت العناصر النفسية مكبوتة ومنسية وبعيدة عن الوعي، كلما تضخمت واشتغلت بضراوة أكبر داخل المسارات النفسية وساهمت في انحرافها عن الطريق السوي للنضج والاكتمال.
يتساءل يونج: “ما الذي أخر الإنسانية في اكتشاف اللاوعي وإخراج مخزونه الغني بالصور الأبدية؟ لأن لدينا صيغة دينية لكل شيء نفسي”
لكن الأديان في حد ذاتها ليست هي من فعلت هذا، بل تجميد رموزها واختزالها إلى مجرد عناصر إيمان، هو من أفقرها وبدد سحرها وقطعها عن الصور الأبدية التي انحدرت منها، ففقدت جاذبيتها التي كانت تغمر الروح بالطاقة الحية، لأن الطقوس والعبادات هي القوى الشافية، ولها وظيفة الحماية من خطر اللاوعي. كانت وسيلة الإنسان للحماية من قوى الطبيعة الخطرة والمتوحشة، هي إنتاج منحوتات، أو رسومات، أو طقوس تحاكي تلك الحركة العنيفة للطبيعة، التي انقلبت إلى حركة عنيفة داخل نفسه هو، وكانت تلك الرموز، طريقه للفصل بين ذاته وبين ما يحدث بداخلها من دراما وصراعات، وكأن هذه الرموز التي أنتجها، هي البديل لما يهدده داخليًا، ومن ثَمَّ، أصبحت بمثابة القوى الروحية الشافية من خطر اللاوعي، أما إذا تسطحت الرموز والعبادات، وانفصلت مع الزمن، عن الصور البدئية الحية، سوف يسود بحر اللاوعي المظلم، وينطفئ ضوء الوعي، حيث إن الرموز الأصلية هي الطبقات التحتية، الغائرة في عمق التركيب البشري، وانفصال هذه الطبقات عن بقية الكيان الإنساني، يحرمه من الولاف، أي ضم هذه الطبقات مع بعضها البعض، ومع الكيانات الأرقى لديه، مما يسمح بقبول التناقض والتعدد، وتلك هي مسيرة النمو، أو كما أسماها يونج، رحلة التفرد.
ويبقى السؤال، كيف يتم قتل الرمز، وبالتالي فقدان جاذبيته وفاعليته الوقائية بالنسبة للروح؟
بعقلنته وتبريره وتثبيت معناه، وتقديسه، حيث إن الرموز الأصلية تستقي سحرها وجاذبيتها، من غموضها ومعانيها نصف الواضحة، لأن اللاوعي الشبحي، يشبه الحياة تمامًا، والحياة مجنونة وذات معنى في آن واحد، لهذا فإن تنقية الرمز الديني وتنزيهه ليكون أحادي المعنى، لهو بمثابة إفقار وتسطيح له وقطعه عن منابعه الحية الموجودة داخل اللاوعي الجمعي، ومن هنا يصبح الرمز ميتًا، لا حياة فيه، ولا يقوم بوظيفته النفسية الشافية، وهي مجابهة المناطق المظلمة داخل النفس وتأمين خطرها، بالإضافة إلى إغناء الروح ووصلها بما انقطع من حياة الأسلاف، لتتدفق حيواتهم داخل حياتنا وتتضاعف الطاقة الحية لدينا، وهي قوة الحياة في داخلنا والتي تحتوي على القوة الروحية أيضًا. هذا ما يفسر لنا، لماذا نرى أشخاصًا ذوي وجدانات حية ومعالم روحية سامية، يبتعدون عن المفاهيم المستقرة دينيًا، ويلجؤون إلى طرق أخرى للوصل الروحي، منها التصوف على سبيل المثال، والذي أعطى للرموز الدينية معان أخرى قد تكون متناقضة أحيانًا، وفسر الخير والشر بوجهة نظر أخرى، وأعطى للخطيئة نفسها قيمًا مغايرة عن تلك التي استقرت عليها المفاهيم الدينية والأخلاقية الثابتة. فالرموز الأصلية كما ذكرنا، والتي مازالت تحيا داخل نفوسنا، تحمل المعنى ونقيضه في ذات الوقت. إن تقديس الرمز، هو الذي يؤدي إلى اختزاله أو إنكاره من الأساس، لأن فكرة التقديس والتنزيه لا تحتمل التناقضات التي يحملها الرمز الأصلي، حتى أن الدكتور يحيي الرخاوي، وهو يصف طبقات الوجود البشري في كتابه (قراءة في عيون الناس) رأى أنه في إحدى طبقات الوعي الإنساني المعاصر، هذا الحكيم المقدس أو النبي، لكنه مغتربًا، جافًا، وربما ميتًا، بل شبهه بسليمان الحكيم، حين ظن الجن أنه حي، بعد أن مات وهو متكئ على عصاه، إلى أن نخرها السوس، فانكسرت، وانكفأ هو على وجهه، فعرف الجن أنه مات وانطلق في نشاطه العبثي وعربدته. هذا ما يفعله التقديس غالبًا، يميت جزءً من الروح الحية، فتنطلق العفاريت، منفلتةً منها، إنها حالة من الاعتمادية، والعجز الغائر، والهشاشة الداخلية، التي تسمح أيضًا بشيطنة الداخل، وانفصال الطبقات النفسية عن بعضها البعض.
#كيانات_منسية

الكتابة الشذرية: بقلم فردوس عبد الرحمن

في النهاية..

العالم جنون مطبق ويعمه الظلام، وما لدينا لا يزيد عن ذرة من عقل، ومضة أو نتفة من حكمة، وهذا ما يبرر وجود الكتابة الشذرية، ويمنحها شرعية الوجود، باعتبارها ومضة خاطفة، كأنما الكاتب يقبض على تلك الومضة من وسط هذا السيلان من الوجود المظلم، وبالتالي فتلك لحظة وعي قصوى، ننفذ من خلالها إلى عمق الوجود.

ذلك بالتأكيد غير التفسخ والتحلل الذي يصيب التفكير والتعبير عنه، وإن تخفى ذلك وراء دعوى فنية بتحطيم النسق، فالمتلقي يستطيع بشدة أن يفرق بين الكتابة الشذرية والتي تضيء من داخلها، وبين التفسخ المفتعل في الكتابة، الذي يجعل المتلقي، حتى وإن كان من أنصار تفكيك السرد وتحطيم أنساقه، يصرخ في الكاتب:

 أعد لي النسق كي أتواصل معك.

أرض الأطفال، وسر الإبداع. بقلم: فردوس عبد الرحمن

بساط “لمح البصر” وعالم الحلم:

كنت قد قرأت قصص ( لمح البصر) لسيد الوكيل عند صدورها، لكن عندما بدأ ينشرها على موقع ( ذاكرة القصة) أتاحت لي قراءة كل نص مفردا، أن ألمح ما لم يلمحه بصري من قبل، وأثناء تأملي لبعص النصوص، انفتح عالم أو سع كثيرا منها، دفعني إلى الكتابة عن سر الإبداع عموما.

 ( كيانات منسية) هو عنوان كتابي الجديد الذي يصدر قريبا من دار روافد،  فيه أقتفي أثر النصوص الإبداعية التي سقطت في روحي كإضاءات مفزعة، أسير معها في رحلة داخلية مليئة بالدهشة والغرابة، لأن من تكلم بلغة كياناته المنسية الأولى، فهو يتكلم بألف صوت، إنه يفتننا ويحول قدره الشخصي إلى قدر البشرية، فتلك كيانات مشتركة، تخصنا جميعا يرصد كتابي أسرار الإبداع في عدد من الأعمال المصرية والعالمية، ننشر منها جانبا صغيرا هنا، عن نصوص الأحلام التي كتبها سيد الوكيل في مجموعته (لمح البصر) أولا لكونها كانت مهلمتي الأولى لأشرع في كتابي ( كيانات منسية) وثانيا، لأن كثيرا من نصوص المجموعة منشور على موقع ذاكرة القصة، بحيث يمكن الرجوع إليها إذا شاء قارئ هذا المقال.

ما أكتبه هنا ليس نقدا أدبيا، ولكنه محاولة، لنرى كياناتنا المنسية، التي تتسلل إلى كتاباتنا خلسة، لتواجهنا بما نجهل عن أنفسنا.

 وظيفة الحلم أهم من تفسيره، فالإنسان لا يستطيع العيش داخل وعي أحادي، هو وعيه الظاهر، وعي الحياة اليومية، إنه ينام كي يدخل إلى مناطق وطبقات أخرى من وعيه، تتناثر فيها أجزاؤه ثم تتحد، تتبعثر فيها أزمنته وأمكنته، ثم تتداخل مع بعضها البعض. فالإنسان أكبر وأكثر من نفسه التي يعرفها، وإن لم يدرك ذلك، تهش عظامه ويتغضن لحمه، ويشيخ عقله سريعًا، والحلم هو الباب الملكي لإدراك كليّته. فمن يوقفني على أرض الطفولة سوى الحلم، ومن يعيدني إلى الوعي الطفولي الأول سواه؟

قصة “شجرة الألعاب”

1796066_10152562474353591_5734349627842953737_o

 

رأيت الجنزير والقفل على الباب، فعرفت أنهم قرروا عقابي. سأمضي ليلتي في الشارع حتى لا أضيّع كتبي المدرسية مرة أخرى.

من الأفضل ألا أذهب بعيدا عن البيت، سأجلس هنا، على هذا الحجر، بجوار تلك الشجرة  التي تعرفني، طالما تسلقتها بحثا عن طائراتي الورقية.

 

 الكلاب التي تنبح من بعيد تعرفني، وربما تبحث عني الآن.

 السماء  بدأت رعدها، وربما سينزل مطر. فيصبح لحقيبتي المدرسية الفارغة فائدة. أن أدس فيها رأسي، وأغطي عينيى وأذني.

ياااه.. الحقيبة تحتفظ بروائح قديمة لسندوتشاتي. تشعرني بالجوع، فأتذكر أنني لم آكل منذ الصباح، تشعرني بالجوع حتى أنني أميز كل رائحة وأتذوقها. اللانشون والجبن الأبيض والنستو والبيض. ولكن.. هل يمكن للكلاب أن تشمها وتأتي؟ 

كلما فكرت في الكلاب أرتجف وأرى أنيابها تقضم مؤخرتي. ترى أين هى الآن؟ أنا لا أسمعها، فقط أسمع دفقات مكتومة، هينة، متتابعة. دفقات لا أعرف وصفها، ولكني أراها كتلة كبيرة من الضباب، تتدحرج فى أول الشارع، كلما اقتربت تكبر.  تكبر حتى تبتلع الشارع والسيارات المركونة على جانبيه وأعمدة النور المطفأة والبيوت. تقترب حتى تبتلعني، أنا والشجرة التي راحت تهتز، وتسَّاقط أشيائي كلها، طائراتي الورقية وكراتي المطاطية، وأوراق ملونة لحلوى أكلتها، ودمية تقول ماما، كنت اشتريتها لابنتي في عيد ميلادها الثالث.

الرمز والدلالة في عالم الطفولة:

أرض الأطفال طفولية، بمعنى أنها مصدر دائم للميول والدوافع الطفولية، ولهذا السبب لا يرحب الذهن الشعوري بها ويكبتها باطراد. الموقف العقلي للوعي الحالي، غير متكيف مع الحياة بصورة طفولية، بل ومعادٍ لها. هذا يزيد الافتقار إلى الوحدة الغريزية، الذي يصير افتقارًا للروح، فطبقًا لنظرية تحليل المعاملات لإريك بيرن، إن استبعاد الطفل الداخلي للشخصية، وركله بعيدًا عن وعيها، يصيبها بالتصلب والجمود، ويدخلها في شيخوخة مصطنعة، لأن الطفل هو مصدر الإلهام والإبداع، هو التجدد والدفق اللازم للحيوية بداخلنا، أو كما يقول يونج: “أرض الطفولة هي رأس النبع”، ولا يمكن العثور على رأس النبع، إلا إذا رضي الذهن الشعوري، بأن ينقاد إلى أرض الأطفال، ليتلقى هناك الهدايا من اللاشعور،. هذا هو عمل الحلم، لكن الروح التي تتحدث بداخله، لا تنافق الذهن الشعوري، ولا تحدثه عن جنة الطفولة لتغريه بالولوج إليها. الطفولة عجز وخوف وهواجس وخيالات مرعبة، الطفولة نقص واحتياج، هكذا كانت طفولة الإنسانية أيضا عند الإنسان البدائي، وهو موروث أسطوري، يتسرب إلى لا وعينا، وهذا الموروث هو ما نسميه، كيانات منسية. لابد أن ندرك هذا حتى لا يحاصرنا الطفل المذنب المهمش، بعوزه.

 تمرينات (المخطط) للعالم النفسي جيفري يونج، تقوم على تذكر أحداث الطفولة المؤلمة، إنها تدعونا إلى لقاء طفلنا الحزين، المكبل، تطلب منا أن نطمئنه ونربِّت على ظهره، كي تدخلنا في حالة والدية  جديدة حانية، لطفلنا الداخلي.

أعتقد أن نص (شجرة الألعاب) هو تحذير للذهن الشعوري، من أن يدفعه الخوف، إلى نكران طفله، فتتحول أرض الطفولة إلى كتلة من الضباب، تبتلع الحياة برمتها، ماضيها وحاضرها، طفولة الحالم وأبوته، فالذي لا يرى طفله الداخلي، لا يعثر على أبوته الحقيقية.

نأمل بأن هذا التطواف حول النص، يفتح آفاقا لدى القارئ، ليعيد قراءة القصة، ربما يلحظ رموز الحلم في الشجرة، والدمية، وكتل الضباب، والأبواب الموصدة بأقفال حديدية.

 

نبض الذات   قراءة في النصوص السردية لكتابي  ” انا العزير و العقل الخفي ”  بقلم د. رمضان بسطاويسي محمد

48255900_2582003431826375_5401328215497113600_n

في هذين الكتابين،  تأخذك نصوص الكاتبة (فردوس عبد الرحمن) إلي رحلة استثنائية مثيرة -في الثقافة العربية – داخل مسارب نفس ثرية الوجدان شاعرية الملامح، وتمرق بك إلى متاهات ذات مرهفة الحس، رقيقةالحاشية، أرهقها طول العذاب، وناءت بما تحمله من آلام، في صيغة سردية شجاعة ومدهشة ومفعمة بالصدق والبوح الشفيف، والتصويرالمذهل لتفاصيل آلام وعذابات رحلة الألم، و قد أصابتها الدهشة من توالي الكشف، و زوال الحجب، و التصورات والأوهام. فأرادت أن تشرك القارئ معها في هذه البصيرة، لعلها تكون وسيلة للشفاء الذاتي و بداية المخاض و الولادة الجديدة للوجود، و الوعي و الحياة.

 و لذلك فإن النصوص مكتوبة بانفعال و صدق، و يظهر هذا واضحًا في توجيه الحديث إلي ذاتها، لتعلن فرحتها بهذه الرؤى التي تمخضت عنها تجربة الألم و أزمة الوجود التي عاشتها  فأصبحت تري الوجود، و الآخر بشكل مختلف.

استمر في القراءة نبض الذات   قراءة في النصوص السردية لكتابي  ” انا العزير و العقل الخفي ”  بقلم د. رمضان بسطاويسي محمد

الكتاب الأحمر. الأسطورة الخاصة. بقلم: فردوس عبد الرحمن

عبر تاريخه العلمي والبحثي اهتم كارل جوستاف يونج بدراسة علم الأنثوربولوجي وحرص على تتبع تاريخ الأقوام البدائية وكان على قناعة تامة بأن كل شخص يحمل في داخله هذا الإنسان البدائي بكل طقوسه وأساطيره ورؤيته للوجود ومن هنا جاءت نظريته عن اللاوعي الجمعي الذي يحتلنا جميعًا. آمن يونج بالأسطورة والتي ساعدته دائمًا في الكشف عن خبايا النفس الإنسانية.

بعد أن أنجز الكثير من أبحاثه العلمية.. انتبه يونج إلى البحث عن أسطورته الخاصة، وظل هذا السؤال يؤرقه بشدة “ماهي أسطورتي الشخصية” لأنه أدرك عبر علاجه لمرضاه.. معنى عيش الإنسان دون أسطورة، فالإنسان بدون أسطورة، كأنه اقتُلِع من جذوره وليس هناك رابط حقيقي لا مع الماضي ولا مع حياة الأسلاف التي تستمر من خلاله أو حتى مع المجتمع المعاصر. يقول يونج: ” ماهي الأسطورة التي أعيشها؟ لم أجد جوابًا على هذا السؤال واضطررت للاعتراف بأنني لا أعيش مع الأسطورة أو حتى في الأسطورة، بل في غيمة غير مؤكدة من الاحتمالات النظرية التي كنت بدأت أنظر إليها بفقدان ثقة متزايد.. لذا وبالطريقة الأكثر طبيعية أخذت على عاتقي مهمة معرفة أسطورتي الخاصة واعتبرتها مهمة المهمات”

استمر في القراءة الكتاب الأحمر. الأسطورة الخاصة. بقلم: فردوس عبد الرحمن