كان سلطان زمانه، يُقبل إذا حلَ الظَهر بمركبته يحمل كلَ ما طاب و لذَ: فاكهة، خضرة نادرة ، حلوى ، لحم غنم و طيور مذبوحة يختارها و يذبحها على عينه على” قورمة” جزَار السَوق يتصاعد غبار السوق الأحمر و هي تتراقص رقصة الروح …و ما إن تسمع زوجته ضجيج السيارة تخرج مع بناتها إلى الفناء لاستقباله ، هذه تأخذ منه ما بيده و الأخرى تحضّر طاس الماء كي يغسل يديه ، بسرعة يوقد الجمر و يتناول شواءه و مائدته النظيفة ثمَ يدخل إلى الحجرة الكبيرة و قد نظَفتها ابنته و أغلقت الباب و النَوافذ
بهوُ إسفلتها الأملس و عطر الرَيحان في المحابس المصفوفة على نوافذها في الهجير يهديانك شيءا من السَكينة ، بعد العصر في أيام الصَيف الممتدَة يجلس تحت سقيفة الدَار الكبيرة ينادي ابنته
ـ خضرة ،ماذا وجدت سيَدك يفعل ؟
تجيب ـ وجدته يلبس الأبيض النَاصع ، و يضع عمامة الحرير اللَامع ، و الخدوم تشوي و تُمرِّق ، و ماء
البئر يتدفَق و سنونوات الدَار تزقزق
… ـ ههههه ، يقاطعها في ضحكة جميلة تلمع أسنانه المغلفة بالذهب في مقلتيها الواسعتين
ولمَا كان لموسم جني الكروم ولائم و احتفالات ، يذبح شاةً و يُعد.َ وليمةً للخيَالة و أصحاب الطَبل و المزمار و كلَ مارِّ يتوقَف عند مدخل بيته يأكلُ و يشربُ و يكمل طريقه ، أمَا الأطفال فيكفيهم اللَعب في السَاحة الرَمليَة للدَشرة حتى الغروب يجتمعون حول موائد الطَعام
تضحك الدَنيا للإنسان أيَاماً و أعواماً و في لحظة يتغيَرُ الزمن و تمحو لحظة اِنشقاء الموت صَفوَ عُمرِ لُجّيِّ…
مرِضت الهادئة و سدَت سُبُلُ الشَفاء أمامها و بسرعة ماتت ، التي ترضى بالقليل ، تُداري العين عن ماله و رزقه تتمنَى له الخير رغم لسانه السَليط ،كان يستحي بها حين تركبُ بجانبه في السيارة ، تركته سيَد زمانه يبحث عن حسناء تأكل الخزانة الممتلئة، كلَ النَسوة ينظرن إليه نظرة الخاطب في جنازتها ، لا يقُلن دعاء الرَحمة و لا كلام المواساة بل يدعون له بلقاء بنت الحلال ، فيبتسم لهنَ و يضربُ يده على جيب سترته الممتلئة و يأمر حفيده بشراء كعكِ لفطور الصَباح للضيوف ،تنفتح أفواههنَ من لفَات النقود و تتعالى دعواتهنَ الفاضحة، يبتسم للجميع عدا بناته تحذيراً من معارضتهنَ على زواجه، فينكمشن و ينهمكن في أعمال البيت و تنكمشُ الصغيرة من وخزِ النَظرات متسائلة عن دلالها . . .!
تقدَمت أخت المرحومة و كلَفها بخطبة العروس ، أعزَ أخواتها ، لا تفارقها ، طمَاعة ،حسودة تحسُدُ أختها على موائدها و مخزنها الممتلئ بشكائر القمح و الشعير و الحمُص و كلَ ما أنجبته الأرض ، خطبت له إحداهنَ كانت فاتنة ،ممتلئة الجسم ، نبيهة ، حادَة الذَكاء ، سليطة اللَسان ،لعيبة و الرَجل لعبتها خاصَة صاحب العمامة، كان كلَ مرَة يشتري لها شيءا من الذَهب ، تلبسه و تمشي تُفرقِعُ اللَبان على أعصاب كنَته الطيَبة و طردتها إلى البيت الآخر كي يخلو لها الجوَ ، بناته و أولاده لا يأتون إلَا في العيد ، تتعمَدُ ملاطفته أمامهم و رفع صوتها و تُسقِطُ عمامته عنوة تُخاطبهم بسخريَة حاجبيها
ـ “هذا الذي تضعون له ألف حساب و تنادونه” سيَدي!
لم يبق غير الصَغيرة لم تجد لها مصرفا ،تتركها عند أخيها و ذهبت لزيارة أمَها ، و لأنَه مزارعٌ تجد سيارته عليها أتربة الحقول، يمرَ على مغسل السيارات كي تركب هي و طول الطريق تُزغرد و تصفَق لصيدها الذي زغرد لها هذه المرَة خاصَة و هي حامل ، و بدأ يُدرك خطأه حين رأى نقوده تنفذ ، وسيرته على كلَ لسان ،تجهرُ بماله و رزقه و أولاده و …و هو عائد من بيت أهلها التقى بأحد معارفه ، و خيوط الكلام تُسحب عرف أزواجها الذين أخفتهم عنه ، كانت تتزوَج بدون عقد و لم تُظهر له إلَا زوجها الأوَل عاد إلى داره و هو يُعيد شريط ذكرى بنت الأصول التي عرفها طفلة ،و كبرت معه التي كانت تغسل “عمامته” في مقدَمة الغسيل و ترتَبها له و أنجبت الأولاد و البنات في صمت ، و تداري العين عن أولاده و ماله و رزقه و تبلع كلامه الجارح في ابتسامة صمت و طاعة ، و غادرت كذلك في صمت …وصل إلى بيت كنَته، خرجت ” خضرة” نزل و رمى رأسه في حجر الهادئة ابنة الهادئة ، تدندنُ له و هي تلعب بخيط الحرير المتدلَي من عمامته ـ أبويا جاء ، أبويا جاء …
خرج أخوها و استغرب من منظر أبيه على العتبة، انحنى عليه يتحسَسه، لم يسمع غير خرير الرَوح يتسارع هاربآ من جسدٍ ضخمٍ لا يشكو علَة.