أنا المغنى. قصة: عامر سنبل

 

-عينى عليك ياحسن،عندما قلت ياليل طرب الفلاحون وتهامست الصبايا،وامتلأت الليالى بفرح مغمور بنجوم الليل وغلالة من الحزن .

لما غنيت!،لم تنس المر والقمل والقرد،كنت أفاقا تجوب القرى
داخل ثوبك القديم وقشفك المحرشف،تحمل بطنا طاوية وجرابا خاويا
فى آخر النهار يكون التعب قد نال منك،تجلس على أى جسر وتحصى غلتك،كيزان ذرة،أرغفة يابسة،بصل، جبن قديم، تهمس للقرد:
–  ربنا يتوب علينا من نوم العازب وعجين الفلاحة ياميمون
يبكى  ويمسح عينيه ،يفعل القرد مثلما يفعل حسن و يربت على ظهره.

اكتشف المداحون ذلك الأسى وتلك البحة فى صوتك فبعت القرد وابتعت الناى ،غنيت فغنت الطيور على الشجر وطربت الصبايا من الشجن المشحون فى صوت الفتى،سال المال بين يديك،فكثر الإدام،ولبست الديباج والدمقس.

تاب الله عليك ولم يتب على القرد، ذهب مع قرداتى آخر ليواصل جوعه و تشرده ،يعجن عجين الفلاحة وينام نوم العازب.

وشدوت ،ياهذا الصوت الشجى المفعم بالأسى،و الناى المبحوح،وحكايات الأحباب،وبدران الذى خان الأدهم،ملكت القلوب الخضراء التى تهفو إلى الحب،تتطلع إليك بعيون جائعة إلى العشق و الفرح.

فى آلاف العيون والأعناق التى تشرئب إليك،ترى عينى القرد الذى بعته،مليئة بالبؤس والشقاء،يقدم بعيد ويقف فى الصفوف الخلفية…
يرقبك ويبكى ويزفح،يبدو لك كإنسان معذب له حقوق عليك،يرعبك ذلك ياحسن وتود ألاتراه.

ذات ليلة وأنت عائد إلى قريتك فى الليل وحيدا،رأيته!

ذات الطريق الذى قطعتاه معا آلاف المرات فى الأيام الخوالى
ذات العينين المعذبتين،لكنها غاضبة هذه المرة ،انطلقت تعدو،سقط منك الناى،استدرت لتلتقطه وتوقفت مذعورا،واجهت عينين حمرواين حاقدتين،ووجها مشعرا كريها وأنفاسا لاهثة،صرخت:

–  روحوا لى ياهوه!
القرية مظلمة وصامتة وبعيدة،ماكينة الرى تدق على الترعة،تطفئ الأرض الشراقى لزراعة الأرز.

–  روحوا لى ياهوه!
لاشيئ غير صدى صوتك فى فضاء الغيطان الممتدة فى الظلام.

–  روحوا لى ياهوه!
نجمة بذيل تشق السماء ،تحرق شيطانا غامر بحياته وظهر فى سماء الله.

–  روحوا لى ياهوه!!
الضفادع والخنافس والكلاب تمزق السكونى الكونى المرعب،الممتد فى الآفاق.

–  روحوا لى ياهوه!!
أيام القرد ولحظة رضا تساوى العمر كله،ياليل ياعين حلم ليلة وفقدان كل شيئ القرد والغناء وذكريات التسول فى الطرقات،فى القيظ وتحت المطر.

 – روحوا لى ياهوه!!
النجوم تبعثرت فى فوضى عارمة،والقمر فى المحاق والقرية فى سابع نومة.

  – روحوا لى ياهوه!
قضيب من الحديد يمرق فى الهواء،تختفى خلف الناى وترتجف،تستسلم لمصيرك المؤلم برضا تام.

قبل أن يرتطم القضيب بدماغك، تتذكر أن حياتك لم تكن سوى سلسلة متصلة من الألم ،يغمرك إحساس رحيم بالموت، شيئ ما جعلك تود أن تغنى أغنيتك الأخيرة ،تنفست بحرية ولم تعد ترى شيئا،إنفك الظلام البهيم عن الوهم فذاب،أشرقت الأرض بنور ربها، زقزقت العصافيرعلى الأشجار،مشيت منتصبا على الجسر ولم تنظر إلى الخلف، صفرت فى الناي وشرعت فى الغناء.

 

أضف تعليق