وخزة..قصة: محمد عطية محمود

الوخزة ـ التي تبدو في ظاهرها خفيفة ـ على الكتف المجاور للأنامل الملسوعة التي امتدت، لتنبه الجسد نصف الواعي.. نصف المخدر، للاستيقاظ، كانت ندبًا غائرًا اخترق منكَ الجلد واللحم والعظم ونفذ إلى نخاعه.. وجعًا يدب في الروح التي كانت عانقت غفوتها القسرية، من بعد صهيل وركض؛ لتستفيق وتدرك في التو واللحظة أن الذي هنا ليس هنا، وأن الذي هناك ليس هناك..

ظلَّت تتململ إلى جوارك.. تجترح الصمت اللعين بجوفها.. يطلقه احمرار عينيها اللتين لم يطبق عليهما جفن طوال الليل، كلماتٍ تتخبط في الحلق.. تغصه.. تقلِّبه على جمر انتظارها لكلمة طائشة قد تخرج من فيك، حال استيقاظك غير المدرك المباغت، كي تكبل بها قدميك.. تغُل بها يديك.. تبقيها سيفًا مسنونًا مسلطًا على رقبتك، تتعلق بها سندًا ضدك؛ لتشرع بعدها في عويل وبكاء ساخطين تنفث به حمم غيظها المختزنة بداخلها، أنَّ الذي يرقد بجوارها صامتًا صمت الجبال، هو من لا يريد أن يطلق لها سراح مشاعرها (التي تجحد بها، ولا تعطيها إلا بحساب).. ولا يحقق لها ذاتًا في فضاء لا ينبغي ألا يكون لسواها، وهو يهيم بذاته وروحه في طرقات أخرى بعيدا عنها!!

راحت تتزحزح بعيدًا عنك.. تجر أغطية الدفء، التي لا تدفئك، إلى خصرها الذي يتلوى غيظا.. تسحبها نحو كتفيها.. تجمع شتات كيانها كقنفذ يشرع أشواكه تجاهك، فينقض عليك برد قارس من بين الفراش وبين الغطاء، لا يشفع له صهد أنفاس مفترض وجودها في فضاء الغرفة.. يتشبع به طرف الغطاء الذي كان يتدلى على الأرض؛ لتنضاف برودة جديدة إلى برودة قدميك الصاعدة حتى ربلتي ساقيك وركبتيك، برغم مرور ساعات الليل الطويلة وجسدك ثابت تحت الغطاء..

تنكمش في أقصى الفراش، ووجهها الحانق لصق الحائط.. يعلو صوت زفير أنفاسها، حادًا منتظمًا، ثم يضطرب متقطعًا.. يهمد مكتومًا.. تستدير بنصف وجهها تتقلب على عجيزتها، ثم ترتد مرة أخرى نافثة غبار صدرها المحتنق المحبط من عدم استثارة غضبك، في وجه الحائط، ثم تعود متبرمة على صمتها، في حين تخدش فضاء الصمت مناوشات أصوات عصافير شقشقة الصباح التي تحط على جدار مسقط النور الجانبي، لتداعب الروح للحظات، ثم تمضي تاركة المكان للصمت المحفوف بالحذر..

Mohamad_attia@hotmail.co.uk

فكرة واحدة بشأن "وخزة..قصة: محمد عطية محمود"

أضف تعليق