أرشيف الأوسمة: قصص من المغرب

سهرة مع الثعابين

قصة: نقوس المهدي

“كانت إرادتي هي وحدها التي تتلقى الضربات وتردها نظرات غاضبة وصمتًا. وظللت كذلك. لم أرهب، لم أتراجع”
شرق المتوسط – عبد الرحمن منيف

وصلت إلى البيت متأخرا، وقد رحل النهار، وغسق الليل، وأطلقت المصابيح السنة نورها تنفخ في العتمة فتميد، حين أدرت المفتاح في ثقب الباب، انفتح بسهولة، وجدتهم بانتظاري، وكأنما كنت انتظر مجيئهم، جاؤوا، ما من أحد شاهدهم، أو شعر بهم وهم يتسللون إلى البيت، بيتي، كنت قد قرأت في كتاب “منتخب الكلام في تفسير الأحلام” المنسوب خطأ لابن سيرين، و”تعطير الأنام في تفسير الأحلام” لعبد الغني النابلسي، وكتاب “الإشارات في علم العبارات” لابن شاهين أشياء عن تأويلات لرؤيا ثقب الباب، وقد بلغ إلى علمي أنه ورد عن النبي قوله: ( إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا عالما أو ناصحا )، لكن الحاصل أن الأمر ليس رؤيا ولا أضغاث أحلام بل واقعا مريرا تعجز الأحلام عن تصويره واحتوائه

، حتى الطيور التي كانت تأتي للمبيت على حافة الكوة الصغيرة وتؤنس وحشتي بزقزقتها الوديعة العذبة الأليفة أخلفت وعدها الليلة، أصغي لرفيف أجنحتها الخفيفة والرشيقة وهي تجفل مذعورة، والبقال الشديد الفضول، والذي لا تفوته حركة مارق ولا رجفة جفن، ويعلمني بين الفينة والأخرى عن أوصاف محددة لأصدقاء يسألون عني في الغياب، لم يشاهدهم وهم يفتحون الباب ويدخلون، لم يحددوا موعدا قبليا، لكنهم حضروا بكل عدتهم وعتادهم، حينما نشرت مقالات حول المادية الجدلية والعلمانية والفكر العقلاني ورسالته في تحرير الوعي البشري، نقد الفكر الديني والتطرف وانعكاساته على السلم العالمي، البروليتاريا ودورها في تحرير السوق، الاستعمار الجديد وإمعانه في استغلال البلدان وتجويع الشعوب، هيمنة الامبريالية المتوحشة ويدها في استعباد الأمم، اليسار المتكلس، الكومبرادور والإقطاع والصراع الطبقي، إضرابات العمال، البورجوازية الجنينية، مرض الشيوعية الطفولي، العبودية الطوعية وأشياء أخرى في امتداح الأنظمة الفاشية، وقد كان عليهم الحضور قبل هذا حين كتمت، خطأ وتهورا وسوءا في التقدير، أنفاس صديقتي الحسناء بواسطة جدائل شعرها الفاحم الناعم الطويل المسبسب، بعدما ساورتني شكوك حول تصرفاتها الغريبة والمريبة، وحملها تقاريري إلى البوليس السري بدل إيصالها إلى رفاقي في التنظيم السري، بالوقت الذي كانت تغافلني فيه وتحرق خطاباتي خوفا علي من الاعتقال، وتترجمها إلى رسائل غرام تتفنن في تدبيجها تحت أسماء مستعارة لعشيقات من وحي الخيال، الغزالة الهيفاء الرقراقة التي دفعت حياتها بفعل كذبة سوداء، تسقيني السلافة، تشعشعها بسلسبيل غنجها وحلاوة بسمتها ورقة حنانها الوارف، صديقتي الوديعة التي عجزت جدران غُرفتي الصغيرة عن تحمل أسرارنا الكتيمة المغرية، فهجمت عليها ذات عصرية، طوقتها بذراعي، وأنخت عليها بكلكلي، وأجهزت عليها بالقبلات الحارة أزرعها وأطبع أختامها على خديها وشفتيها ونحرها، وزنديها، وكتفيها وصدرها الخصب، فيما راحت تصرخ وتستغيث وتحاول الإفلات من قبضتي دون طائل.

استمر في القراءة سهرة مع الثعابين

نبوءة..قصة حسن أجبوه

المغرب

قررت العيش بدونها. نعم، مللت زرع أعضاء ليست لي، ترفضني، تستغلني فتجعل مني خادما مطيعا لرغباتها وشهواتها. تظن أم أولادي بعدما لاحظت كثرة التغيير الذي أحدثه بوجهي كل مرة أني زير نساء، حتى أنها أسرت إلي ذات ليلة، بجمالي ورمانسيتي المفرطة، هي التي قبلت الإرتباط بي فقط هروبا من عوزها وطمعا بثرائي. فمن هاته المرأة التي تقبل الزواج من مسخ بدون أذن !

منذ وعيت نفسي لا أكاد أتذكر حدثا عشته بدون أن أتعرض للسخرية من منظري. بالبيت والشارع والمدرسة، قالت أمي أن مجيئي بينهم كان عقابا إلاهيا لتقاعسهم عن التبرك بضريح شريف البلدة..الذي استجمع كل دعواته عليها، فرماها بسهم ناري أبي، أحست باختراقه بطنها ذات ليلة قمرية. فمن عادات حوامل البلدة التزلف للشريف بالمنن والعطايا، ليرزقهم الذرية السليمة الصالحة ! لكن للأسف ما باليد حيلة وقت مخاضها بي، كان والدي بعيدا، ولم تف بوعدها للشريف، فولدتني مشوها بدون أذن. لذلك وجدتني محط سخرية الجميع.

استمر في القراءة نبوءة..قصة حسن أجبوه

المغاربي..قصة: محمد امباركي

غرقت في غيبوبة طويلة جدًّا. دخلتُ بطولها كتاب “غينس” للأرقام القياسيّة. أبقى عليّ أفراد أسرتي حيًّا سنينًا عددًا لمحبّتهم لي ولكوني ثريًّا أيضًا. استفقتُ من غيبوبتي بقدرة قادر في يوم مشهود لم تغب فيه الشّمس عن منزلي الفاخر… تطلّعتُ إلى وجهي في المرآة، شهقتُ شهقة زلزلت دواخلي وغُمِيَ عليّ… وجدتُ نفسي كمثل مومياء فرعونية. أكل الهزال وجهي وصار كمثل عجين فطير لم يختمر. ابيضّ شعر رأسي ولحيتي وحاجبي ورموشي. تحوّلتُ إلى ما يشبه الإنسان الأبلق. وجدتُ صعوبة في الكلام بسبب التصاقِ لساني بلهاتي وتيبّسِ فكّاي. لم أتمكّن من الكلام والحركة إلّا بعد حصص مكثّفة من التّرويض.

وهكذا عدتُ إلى الحياة  حيث ولدتُ ولادة ثانية أجذلتني وأبلجتني وأبهجتني حتّى إنّي رقصتُ طربًا.

استمر في القراءة المغاربي..قصة: محمد امباركي

مَاتَ لِأَجَلِهِ..قصة: محمد امباركي

 

عثرتُ على وثيقة تاريخية مثغورة. أكلت الأرضةُ حواشيَها ووسطها. تمكّنت من ملء ثغراتها بمعونة صديق متخصّص في التّاريخ. كتبها مؤرّخ مجهول، فقال: وردت على عامل حاضرة شرق المملكة الشّريفة؛ «وجدة» رسالة استفسار من السّلطان بالحضرة العليّة «فاس» العامرة:

استمر في القراءة مَاتَ لِأَجَلِهِ..قصة: محمد امباركي

الملائكة لا تُحلق فوق البلدة. قصة: قصة عز الدين الماعزي/ المغرب

إن الرائي نفسه يكون قاب قوسين أو أدني من رؤية الملائكة، وهي ترفرف بأجنحتها البيضاء فوق القرية الصغيرة. ارتبكت، وأنا أتابع مشهد كلاب متعددة الألوان والأشكال تتبع أنثى يمارس عليها الجنس بحرية في الشارع، في نفس اللحظة فقدت القدرة على التواصل، تحول جسمك إلى مرتبك..

استمر في القراءة الملائكة لا تُحلق فوق البلدة. قصة: قصة عز الدين الماعزي/ المغرب

همس الشيطان…قصة: عبد الهادي صديقي

بكل ثقة حدَّثَ عَليٌ أمه الخمسينية التي ليس لها في الوجود سواه من الآدميين، وقال لها، أعدك أمي أني سأصبح رجلا ذائع الصيت في المدينة، وعندما أخرج يوما لزيارة أحد ما سيكون الحرس بكل جنباتي، والمارة يخافون أن يتعثروا بي أو يعكر أحد مزاجي. فرحت الأم فرحا شديدا بالخبر، وذهب خيالها بعيدا عما سيكونه ابنها في قادم الأيام، فكرت ورأته في صورة أمير، وزير، سفير… نَظَرَتهُ في عدة صور جميلة، وكان يكبر أمامها كل يوم  وتكبر معه أحلامها. ذات مرة دخل الشيطان عقل علي ووسوس له بقوله: إذا أردت أن تكون رجلا عليك أن تذوق من الخمر، فالخمر لم يخلق إلا للرجال، بادره الشك حول رجولته، وفكر في الخمر، بدى له ثمنه رخيصا، اقتنى قنينة واحدة، أفرغها كلها في بطنه، تغير مزاجه نحو الأسوء، بدأ يشتم الجيران، يلعن أباه الذي تركه وحيدا في الحياة، بكى لمعاناة وحزن أمه، تذكر شابا ثلاثيني العمر يقطن بجوارهم يُعَنّفه كل يوم صباح مساء، قرر لحظتها أن يتخلص منه، ذهب مسرعا إلى منزل أمه، أخذ سكينا ورثه عن أبيه، فخرج مسرعا يبحث يمينا ويسارا عن مُعَنّفه، فتراءى له من بعيد رفقة صبية يحدثهم عن بطولاته التي كسبها بامتطائه ظهر الفقراء والمساكين والضعفاء، فقصده وما أن وقف أمامه حتى أغمد السكين في جانبه الأيمن، فسقط من شدة الطعنة أرضا يلفظ أنفاسه الأخيرة، وفرح الشاب علي ظنا منه أنه فاز بالمعركة وتغلب هذه المرة على الذي كان بطلا عليه لمدة ليست بالقصيرة.

استمر في القراءة همس الشيطان…قصة: عبد الهادي صديقي