أرشيف الأوسمة: قصص

قراءة في قصص ( دموع الألوفيرا ) بقلم: عبير سليمان

دموع القهر وآلام الوحدة تبلل صفحات قصص ميرفت يس
إنها ليست فقط دموع الألوفيرا ، إنها قطراتٌ وندفٌ من القهر وكبت مشاعر النساء من قبل الأسرة أو المجتمع ، وصور تفيض بالألم تعبر برقة ورهافة حس عن آلام النساء في عمر ما بعد الأربعين ، كما نرى من خلال الصور أيضاً هواجس الوحدة ، جرائم الشرف ، صراع المرأة الداخلي بين الرغبة والكرامة ، والصراع بين الأمل في الحرية وبين الخوف من إجهاض الأحلام.
في باقة قصصية جميلة وعذبة استطاعت ميرفت يس التعبير عن هموم المرأة المختلفة .


أعجبتني أيضا قصة امرأة وحيدة ، وسادة ، عازف الناي ، أنفاس ، وطبعا ألوفيرا ، وكنت أتمنى أيضا أن أكتب عن روبوت ، القصة التي تعبر عن فكرة الهروب من الروتين ومن الالتزامات اليومية التي تأخذ من طاقتنا وجهدنا الكثير ، لكن بداخلنا يظل هناك شغف يدفعنا إلى سرقة وقت ولو صغير للقراءة والكتابة والتحليق بالخيال بعيدا عن واقع يقتل أرواحنا ببطء ، ونجد هنا أن ميرفت وصفت أحلام البطلة البريئة التي سحقت وكنست مع التراب الذي يجمع كل يوم في المكنسة أو تحت شعيرات المقشة اليدوية ، فتقول :” في حجرتها تمسك قلمها ، تترك لخيالها العنان ، تكتب عن فتيات حسناوات يرتدين زي أميرات يرقصن ، عن قبلات ممنوحة ، أحضان ، ابتسامات ، ضحكات ، فراشات ملونة، وزهور “.
كما نلاحظ أيضا تكرار فكرة قتل الفتيات وإغراقهن في النيل ، كإحياء لموروث فرعوني لكن في صورة أشد قسوة وأكثر ظلمة وسوداوية ، فالمرأة المغدور بها هنا هي عادة فتاة مراهقة ، تم انتهاك براءتها واغتيال شرفها ، وتحميلها وحدها جريرة انعدام ضمير وحياء الفاعل .

استمر في القراءة قراءة في قصص ( دموع الألوفيرا ) بقلم: عبير سليمان

الرحيل. قصة: مصطفى الخياط

الرحيل

غرفة في إحدى المستشفيات.. سرير مرتفع من موضع الرأس، تستلقي عليه سيدة مُسنة يبدو عليها الإعياء الشديد.. يتصل جسمها عبر أسلاك وأنابيب رفيعة بأجهزة قياس وعبوات محاليل بلاستيكية.. ملاءة زرقاء باهته تغطيها من غير انتظام.. ضوء الغرفة خافت وكئيب.. رجل جالس على كرسي يحازي قدميها، يخاطبها مُلتاعًا..

  • أنا شريف يا ماما

استمر في القراءة الرحيل. قصة: مصطفى الخياط

قراءة في قصة ” الملهى القديم” لإبراهيم أصلان

سحر عبدالمجيد

ترتكز القصة على ثلاث محاور أساسية بهذا الترتيب ( المكان / الزمن / الرجل/ المرأة ) .

يبدأ تجلى المكان بداية من العنوان، ولنا أن نتخيل كم الزخم والذكريات التى يضج بها المكان، ونوعية الشخوص المترددة فيه، يأخذ أصلان المتلقى لهذا المكان الصاخب قديما / الهادئ حد الموت الآن.. ومن هذه اللحظة الهادئة جدا تماما ينطلق للشخوص.. تأتى الشخوص مناسبة تماما لحالة القدم التى يبدأ بها ويحدد الزمن الذى ينطلق من خلاله..الرجل ضئيل الحجم.. خال من الضخامة، كذلك المكان البطل الأول / الميدان نفس حال الرجل كان ( خاليا ) حتى الأعمدة رفيعة منحنية.. كل المكان ينطق بالقدم والتهالك..تدور القصة من خلال أربعة مشاهد متتالية

استمر في القراءة قراءة في قصة ” الملهى القديم” لإبراهيم أصلان

قصص للكاتبة الليبية : عزة كامل المقهور

ليبيا

حوش اليتريك ( قصة الأسبوع ) للكاتبة الليبية : عزة كامل المقهور

طريق السكة (قصة قصيرة لـ عزة كامل المقهور)

الرجل… قصة : عزة كامل المقهور

قشور الكاكاوية..قصة:عزة كامل المقهور

عليوة الببغاء …قصة :عزة كامل المقهور

زيتون…قصة:عزة كامل المقهور

حذاء الماء…قصة:عزة كامل المقهور

الطباخة : قصة :عزة كامل المقهور

امرأة على حافة العالم ..قصة: عزة كامل المقهور

الأوتاد

قصة: محمد المخزنجي

ثلاث شجرات أمام البوابة، شجر غريب، ساكن، وقور، تمتد فروعه وما تلبث أن ترفد فروعًا تتدلى متجهة إلى الأرض.

يخبرني الجنايني الطيب العجوز، باسمًا، أنها شجرات نادرة من نوع “التين” ويشير إلى الفروع المتجهة إلى الأرض، ويشرح لي كيف أنها ستغوص في التربة، كالخيمة: تقوم على عامود واحد، وتشدها عشرات الأوتاد.

جاءوا “يُجمّلون” المدخل برصيف من البلاط الأسمنتي.. تركوا حول جذوع الشجرات فراغًا قليلًا، لكنهم حالوا بين الفروع الهابطة والوصول إلى التربة.
يهز العجوز رأسه محتجًا، متمتمًا: “غلط، أكبر غلط”، فلا أعرف سببًا لقوله.

في مدة وجيزة طالت الشجرات.. سمقَت كما لم أعتد أي نوع من الشجر. أقول للعجوز عن ملاحظتي، فيظل على حزنه المحتج وهو يشير إلى الفروع المدلاة، وقد عجزت عن الغوص في بلاطات الأسمنت، فجفت، هشيمًا. ثم يشير إلى أعالي الشجرات مهمهمًا: “هم م.. صحيح طالعة فوق فوق في السماء، لكن..”.
ويتجه إلى الجذوع قائلًا وهو يهزها: “ضعيفة جدًا في الأرض”، ويدهشني إلى حد الفزع أن أرى يديه الضعيفتين تحركان الشجرات السامقات بيسر، وكأنه ينفخ في قشات طفت على ماء!


من الكتاب القصصي “الآتي”

إلى أمى _ قصص: حسين منصور

                               (1)

     جلست أمي تتذكر الأمراض   التي   لبست أجسام إخوتى  واحدةً واحداً ، وعندما سألتُها عنى قالت (أربع سنوات في الحمى ) ثم أخذت تحكى كيف كنت أطلب الفاكهة في غير أوانها0

   أذكر أن أمي كانت تأخذ أختي الصغرى تدور بها وكيسها فارغ ، ثم تعود من السوق بلا مانجو ، المانجو طلبته أختى فى أوانه0

استمر في القراءة إلى أمى _ قصص: حسين منصور

فكري عمر …قصص قصيرة

الطريق بين البحر والسماء( قصة الأسبوع )

تُراب النخل العال

غِنـــــاء

الجميلة وفارس الرياح

قصص قصيرة لـ جبير المليحان

جبير المليحان ـــ السعودية ـ حائل ـ قصر العشروات
مؤسس شبكة القصة العربية
http://www.ArabicStory.net
مؤلفاته:
**ـــ مجموعة ( الهدية ) قصص أطفال ، صدرت عام 2004 ، من قبل العلاقات العامة بشركة أرامكو ، الطبعة الأولى 150 ألف نسخة ، وزعت مجاناً .
**ــ مجموعة قصصية بعنوان : الوجه الذي من ماء ـ دار الانتشار العربي 2008 ـ إصدار نادي منطقة حائل الأدبي .
**ــ مجموعة ( قصص صغيرة) دار المفردات عام 2009 ، مطبوعات نادي الجوف الأدبي .
**ــ مجموعة ( ج ي م ) دار أثر ـ عام 2012 .
**ــ رواية(أبناء الأدهم ) دار جداول ، بيروت ، نوفمبر، 2016م.
** ـ مجموعة(سيرة الصبي) نادي القصيم الأدبي 2021
** ـ مجموعة ( مراجيح بشرية) تحت الطبع
** ـ رواية ( أول القرى) جاهزة للطبع.
**عمل في الصحافة متعاونا ومتفرغا، وكان آخر عمل له فيها مدير تحرير جريدة اليوم بالدمام.
**عمل في التربية: معلما، ومديرا، ومشرفا تربويا ومديرا لمركز إشرافي
**رأس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي مدة خمس سنوات ،انتهت بتقديم أعضاء المجلس استقالتهم احتجاجا على وزارة الثقافة والإعلام لحجب لائحة الانتخابات .
**فاز بجائزة أبها عن الفرع الأدبي لعام 2010 .
**تم تكريمه بتاريخ 15أكتوبر 2015 ،ضمن المبدعين في دول الخليج العربي في المجالات الثقافية والأدبية والفنية خلال الحفل الذي أقيم بالعاصمة القطرية على هامش الاجتماع الواحد والعشرين لأصحاب السمو والمعالي وزراء الثقافة في دول المجلس.
**تم تكرمه من قبل نادي الرياض الأدبي في ملتقى النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية
الدورة السادسة. والمكرس للـــ “القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية: مقاربات في المنجز النقدي” 27ـ29 جمادى الآخرة1437هـ ، 5ـ7 أبريل2016م .
**فاز بجائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودية عن “روايته” أبناء الأدهم” مارس عام 2017م ، والمقامة ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي بالرياض.

أكياس

الجراد… قصة : جبير المليحان

النعل

بلح القرى

البناية

قصص صغيرة

أجنحة الحصان

قصة للكاتبة هالة البدري

أجنحة الحصان

  • لا يخض ولا يحلب.
  • سأشتريه، قلت لك. سأشتريه.

فارق السن الكبير بينهما لم يكن يمنع أن تجادله، ومنذ عرفت أن في البيت ألف دينار كاملة لا ينقصها فلس واحد لم تهدأ، ولم تكف عن الشجار آلاف الأميال تفصل بينها وبين عالمها الذي وُلدت فيه. رحلت وراء حلمها بالأرض والبيت مع زوجها الذي سبقها إلى الحياة بربع قرن. ورغم دقة ملامحها، وسمرة بشرتها، وجفاف لحمها الذي يغطي هيكلا صغيرا نسبيا كإحدى بنات “قنا” إلا أن اللكنة القاهرية في لهجتها تجعل المرء يحتار إلى أي القرى تنتمي. ولأن “أبو شريف” من نفس بلدتها، فقد قبل الأهل أن ترحل معه إلى العراق. ولم تكن في حاجة إلى فتح “خشمها”، لأن الرحيل جاء انقاذا من هم يومي يتفتح كل إشراقة شمس.

جلس ممددا ساقيه، سانداً رأسه إلى الحائط الأسمنتي، ولهيب نيران الصيف يضرب الحجارة في الحديقة، اصطدمت عيناه بخضرة متناثرة تقاوم الصحراء. تنهد.

استمر في القراءة أجنحة الحصان

رباعية العاشـق

محسن يونس..

( مهداة إلى كل العشاق الحقيقيين )

( 1 )

غراب ديامو النوحى ساكن أعالى الأشجار عشق ، والعشق داء ليس له دواء إلا من رحمه رب العباد ، فأنزل عليه النسيان بعد مكابدة أهوال السهد ، وعذابات الحرمان ..

قلنا إن غراب ديامو عشق ، والمعشوقة هى تلك البومة الصغيرة ، ذات العيون الخضراء الكبيرة ، جننت الغراب باستمرار حملقتهما مع إدارة رأسها لو أرادت رؤيته داخل محجرى عينيها الخضراوين الجميلتين .. أليس عاشقا ؟! ما معنى ذلك ؟ .. معناه أن بعض البلاهة يمكننا أن ننعت بها بعض العشاق ، ولله فى خلقه شئون ..

استمر في القراءة رباعية العاشـق

عزت القمحاوي في “مواقيت البهجة”..د. عبدالعزيز المقالح

-1-

الكتابة عالم جميل ساحر، مفعم بما لا يمكن تصوره من التعابير المدهشة التي تعبر العين سريعاً لكي تستقر في الوجدان، والكاتب الحقيقي، الكاتب الموهوب، هو ذلك الذي يأسرك بأسلوبه قبل رؤاه منذ الجملة الأولى، ويدفعك إلى التحليق معه في عالم الجمال مهما كان لون الكتابة التي يبدعها، شعراً، أو قصة، أو رواية، أو حتى موضوعاً فكرياً، ومن هنا لم تعد الأفكار على أهميتها في الأنواع الأدبية، هي ما يبحث عنه القارئ، الأسلوب بالنسبة له هو الأهم لأنه الذي يكسو الفكرة بما يليق بها من ألق، ومن إيقاع عذب، لاسيما عندما يكون الكاتب على وعي تام بلغته، يجعله يتحول معها إلى فنان بارع، يجيد العزف على آلاتها بإتقان شديد، ويشعر في لحظات الجلوس لديها كأنه كيميائي متمكن، يسعى إلى تحويل تراب اللغة إلى تبر.

استمر في القراءة عزت القمحاوي في “مواقيت البهجة”..د. عبدالعزيز المقالح

جمال الغيطاني ..قصص وقراءات

ولد جمال الغيطاني في إحدى مراكز جهينة بمحافظة سوهاج هاجرت أسرته إلى حى الجمالية وأكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة الجمالية ، وفي عام 1959 أنهى دراسته الإعدادية من مدرسة على الإعدادية، ثم التحق بمدرسة الفنون والصنايع بالعباسية  

ترك مشروعا أدبيا ضخما مابين القصة والرواية  والمقالات في الأدب والسياسة ..كتب  بصوته الخاص  محاولآ بالكتابة إعادة ترميم الذاكرة أواستعادتها ودائما نجد الهم السياسي حاضرا لافكاك منه في كتاباته

وأصدر كتابه  أوراق شاب عاش منذ ألف عام  سنة 1969والذي ضم خمس قصص قصيرة ، اعتبرها النقاد بداية مرحلة مختلفة للقصة المصرية القصيرة  ننشر في هذا الملف قصة  منه بعنوان ” هداية أهل الورى لبعض ماجرى في المقشرة ” ثم توالت الإصدارات ومنها

 ، الزويل ، حراس البوابة الشرقية ، متون الأهرام ، شطح المدينة ، منتهى الطلب إلى تراث العرب ، سفر البنيان ، حكايات المؤسسة ، التجليات (ثلاثة أسفار) ، دنا فتدلى ، نثار المحو ، خلسات الكرى ، الزيني بركات ، رشحات الحمراء ، نوافذ النوافذ ، مطربة الغروب ، وقائع حارة الزعفراني ، الرفاعي ، رسالة في الصبابة والوجد ، رسالة البصائر والمصائر ، الخطوط الفاصلة (يوميات القلب المفتوح) ، أسفار المشتاق ، سفر الأسفار ، نفثة المصدرو ، نجيب محفوظ يتذكر ، مصطفى أمين يتذكر ، المجالس المحفوظية ، أيام الحصر ، مقاربة الأبد ، خطط الغيطاني ، وقائع حارة الطبلاوي ، هاتف المغيب ، قصتين في الكتاب الخامس لمنتدى إطلالة الأدبي ، توفيق الحكيم يتذكر ، المحصول

ترجمت العديد من مؤلفاته إلى أكثر من لغة، فترجمت إلى الألمانية “الزيني بركات، وقائع حارة الزعفراني، رواية رسالة البصائر المصائر”.

استمر في القراءة جمال الغيطاني ..قصص وقراءات

ترزاكي، قصة : سيد الوكيل

 

 من مجموعة قصص أيام هند 1990

 

تــرزاكـــــي 

قصة: سيد الوكيل

 

عندما قال لي أنه أيضًا طبيب، جاءني صوته غائرًا ممطوطًا كالآتي من عالم آخر. كان لا يزال محدقًا في الحجر، والجمرات المتوهجة عليه، تلك التي يقلّبها بماشة نحاسية صفراء، مشرشرة من الأمام، ومشغولة على رسم امرأة عارية من الخلف.

يمص أنفاس المعسل فيتوهج الفحم، ويشع ضوءًا يصبغ وجهه بحمرة النار، والمعسل المحروق يصنع مع رائحة العطن التي شممتها منذ دخولي البيت، مزيجًا يعطي المكان خصوصية تتناسب مع النقوش التي في السقف، وفوق الجدران، والبلاط الملون الذي تحت السجادة المهترئة، المبسوطة حتى الباب المشغول بمنمنمات تتناغم مع تعشيقات زجاج النافذة.

كنت تواقًا لرؤية الشقة الشاغرة فتركت عيني تمسحان المكان، وراح أنفي يلتقط الرائحة التي تتجدد كلما تململت، أو تحركت على حرف السرير: عطن فرش مخزون، وعرق قديم، وكمكمة تتركز في هذا السرير، المدقوق بأويما تمثل طفلين من الملائكة المجنحة بينهما قلب، يخترقه نصل نبل. قال:

ـ أنا أيضًا طبيب

كررها، وربما أدهشتني المفاجأة فقلت:

ـ هل تهزل؟

رماني بنظرة ملتهبة من خلال الدخان المتكاثف أمام وجهه، فلاحظتُ دموعًا تلمع فيها انعكاسات الضوء الخافت، المنساب من النافذة الكبيرة، حيث يتشكل الدخان والألوان في الضوء، وتأتي الأصوات من ورش المناصرة، وتتداخل مع كركرة الماء الذي في دورق الشيشة المدندشة كعروس.

استمر في القراءة ترزاكي، قصة : سيد الوكيل

“قدري الشواف” – قصة لـ مصطفى يونس

البدايات لا تنبئ أبدا
بالنهايات، ولا دليل في شروق الشمس من الشرق في صباح اليوم على حتمية غروبها غربا
في نهاية اليوم، وليس بالضرورة أن ينتهي اجتماع السحب في السماء بنزول المطر،
وحياتي أكبر دليل على كل هذا..

من كان يتصور بأن أتنقل في حياتي من مكان إلى مكان بعيدا عن الحارة – حيث نشأتي الأولى – حتى ينتهي بي المطاف أن أتناول فنجان قهوتي في تلك الشرفة الجميلة المطلة على تلك المساحة الخضراء الواسعة، التي لم أكن أتخيل يوما أن أقضي أيام شيخوختي قبالتها..

لعلها نادرة صارت تلك اللحظات التي تحضرني فيها ذكريات زمن الطفولة البعيد. تفنى الذاكرة فيما يبدو مع تقدم السن، أو ربما ضجيج الحياة صار لا يفسح مجالاً للحظات الصفاء التي يستلزمها اجترار الذكريات.

أيا كان الأمر، فدون
مقدمات يلح على ذهني منذ الصباح اسم استدعى معه كل روائح الزمن القديم..

 “قدري الشواف”..

ربما استدعى الاسم إلى ذهني مقابلتي بالصدفة لأحد أبناء أخيه منذ ايام في مصلحة الجوازات بينما أعد العدة
للسفر للعمرة.

 لقاء سريع، عرفت منه خلاله بأنه يعد نفسه للسفرلبلد أوربي لزيارة أحد أبنائه، كان الرجل يقاربني في السن تقريبا، ولكن كان لم يزل
في ملامحه شيئا من وجهه الشاب، جعلني أتعرفه فور لقائي به. لعله تذكرني بصعوبة، أوكان تعجله الخلاص مما أتى لأجله، جعل لقاءنا ينتهي سريعا، لكنه على العموم كان لقاء أسعدني بحق، ولعل جل ما كان سبب سعادتي هو انتعاش مفاجئ اعترى ذاكرتي على أثرها استدعت معه أشياء كثيرة من الزمن القديم، كنت قد ظننتها ذهبت عني إلى الأبد.
أسماء وشخوص وأحداث عادت لتشعرني بمدى غنى الطريق الذي أشرفت على بلوغ نهايته، وكان “قدري الشواف” من أبرز تلك الوجوه.


لعل ابن أخيه هذا قد نساه أو تناساه، أو ربما كان يجهله برغم صلة الدم، وقد يكون كل ما يعرفه عنه لا يتعدى ما أعرف بالفعل، وكل خبر بعد ذلك يعد دربا من التوقعات والأساطير..

تستدعي الذاكرة بصعوبة ملامح الأستاذ “قدري الشواف”، فلا أتذكر سوى أنه ليس في ملامحه شيء مشوه أو مستفز يعلق بالذاكرة، ولكن لا تخطئ تذكر طلعته الأنيقة قياسا إلى زمنه، واهتمامه بمظهره، كونه منتميا لطبقة المتعلمين القلائل في حارتنا وما يجاورها من أحياء..


كان الابن الثالث في أسرة فقيرة الحال، يعولها أب بائع طرشي أورث صنعته لأغلب أبناءه، غير أن تفوق “قدري” في دراسته كفل له من المعونات الحكومية والمنح ما جعله يسلك طريقا آخر، ولكنه اكتفى بالحصول على الابتدائية، وهو ما أهله ليعمل مدرسا في إحدى المدارس الأهلية القريبة من محل سكنه، وخلال سنوات ابتاع بيتا صغيرا بالحارة قريب لمحل إقامة
عائلته، وافتتح سلسلة زواجات الأسرة حين اقترن بـ “منيرة” بنت “عطوة الفحام” وهي خطوة جعلت أسهم أسرته ترتفع في المنطقة ورقتها قليلا
في السلم الاجتماعي..

لعل حياة الأستاذ “قدري” كانت لتمر بشكل عادي، أو هكذا كانت لتبدو في سنواتها العشرة التالية، منذ استقراره مع عروسه في بيته الصغير، ثم انجابه لثلاثة أبناء نابهين، وعلاقة المودة التي كانت تربطه وعائلته بعائلات أخوته، وأيامه العادية الموزعة بين عمله وبيته وجلساته شبه الإسبوعية على مقهى “الوردة الفينيقية” في الميدان مع ثلة الأصدقاء الذين لم يكن ليتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة، ولكن كل شيء تغير فيما بعد..


2

ربما بدأ الأمر في تلك
الليلة التي سمع فيه الناس في حارتنا صوت الصراخ والولولة يتصاعد من نوافذ بيت “شعلان” فتوة الحارة حاملا نبأ وفاته المفاجئ، ودون سابق انذار.

أعقب تلك الليلة ثلاث ليال صامتة كئيبة، غلقت فيها الدكاكين والبيوت، واعترى سكانها التوجس متغلبا على الحزن لوفاة فتوتهم، واحتل صوان عزاء الفقيد صدر الحارة مستقبلا المعزين من سكان الأحياء المجاورة وعصابات فتواتهم.

كان أعداء “شعلان” المتربصين أكثر من محبيه، وأغلب زيارات العزاء تلك كان لا تخلو في باطنها من غرض استطلاع ما تمضي إليه الأمور في حارتنا بعد سقوط فتوتها القوي، والاحاطة باسم خليفته المنتظر، ومدى استعداده لاحترام معاهدات الصداقة والسلام التي أبرمها سابقه أو تسخير الحارة ورجالها في استكمال معاركه مع أعداءه..

كانت تسري في العزاء همسات ببعض الأسماء التي سمحت لطموحها أن يتمدد في اتجه احتلال مكان “شعلان”، وبدأت الأصوات تعلو بها رويدا رويدا حتى ليلة العزاء الثالثة والأخيرة، حين انبرى “صابر العتماني” شيخ الزاوية بخطبة عصماء في حضور”غالي النطع” فتوة الحبانية عن فضل الصبر على المصائب، وما تركه “شعلان” من سيرة طيبة وأعمال خيرة كان أولها الدفاع عن حارتنا ضد أعدائها حتى أنه أبى أن يترك مهمته دون أن يسلمها إلى من يأتمنه على استقرارالحارة وأمنها، وهو ما جعله يزور الشيخ “صابرالعتماني” في منامه ويؤمنه على اعلام أهل الحارة بأنه لا يأمن عليهم من بعده إلا بأن يضعهم وأهليهم وأموالهم تحت حماية فتوة الحبانية.

لم ينتهي الشيخ من خطبته، فقد غطى على صوته، وصمت صوان العزاء تكبير وتهليل رجال “غالي النطع” ومن ورائهم أغلب رجال الحارة ممن رأوا في رؤيا “العتماني” سبيلا للخلاص من قلقهم وترقبهم على مستقبل حارة تنقصها يد فتوة قوي يحميها من أطماع الفتوات والعصابات، بينما اكتفت الأقلية بصمت المندهش وهي تشاهد فتوة الحبانية وهو يخرج من الصوان محمولا على الأكتاف من صوان عزاء “شعلان” الذي تحول بلحظات لصوان فرح لمبايعة “النطع”.


3

في اليوم التالي حملت نسمات العصر الهادئة نبأ مجاهرة الأستاذ “قدري” بالمعارضة والسخرية مما حدث في عزاء فتوتنا المتوفي، ورفضه مبايعة الفتوة الجديد الذي أتى بناء على رؤيا وصفها بأنها مشكوك فيها وتحتمل الكذب أكثر مما تنبئ بالصدق في فحواها..

“لم نعرف في سيرة”شعلان” ما يجعله وليا من الأولياء، ولا عالما من العلماء حتى نلتزم حتى لو من باب الحياء بوصيته المشكوك في صدقها أصلا”

بل لقد ذهب الأمر إلى
شخص الشيخ “العتماني”..

“”العتماني” ضرير، ولم ير “شعلان” في حياته حتى يتعرف عليه في
منامه.. ومنذ متى كان لـ “العتماني” كرامات الصالحين؟!”

 كان “قدري الشواف” رافضا، وبشكل قاطع، لان نولي أمرنا من لم نعرف بناء على رؤية في منام أحدنا..

 بدأ الأمر بهمس انساب في جنبات الحارة يتهم الأستاذ بالخروج عن جماعة المسلمين، ثم سرعان ما تعالت الأصوات، وكان أغلب أصحابها
من العربجية وأصحاب المهن الذين تجمعهم ليالي الأنس في مقهى الحارة الوحيد، تسخرمنه وترميه صراحة بالجنون والكفر لطعنه – من وجهة نظرهم – في حقيقة البشائر الإلهية في رؤى الصالحين.

– كثيرا ما خاطب الله أنبيائه في منامهم وأمرهم، وأبو الأنبياء رأى أنه يذبح ابنه فامتثل للرؤيا، فكيف لا نطيع ونمتثل؟

– الأستاذ بيته مليء بكتب الأجانب الكفرة.
– بل لعله جاسوس مندس وذنب من أذناب الانجليز المحتلين!

– كيف نسمح أنيكون بيننا كافر كهذا؟!

بل ووصل الأمر ببعض السفهاء – في الأيام التالية – ان يسلط عليه أطفال الحارة ليزفوه بالأغاني والتهليل في ذهابه وايابه.. وبقي هو مصمما على رأيه دون أن يمالئ أو يوارب.

 من ناحية الفتوة الجديد فلا أذكر أنه قد احتك به. أظن أنه كان يكن له نوعا ما من الاحترام، كان يسمع ما يدور في الحارة ويكتفي بالصمت الراضي، بعضهم كان يتقرب له بسب الأستاذ في حضرته ويصيح غاضبا أو مصطنعا الغضب..

– كيف يطعن في أحقيتك بزعامة الحارة وأنت خيرالفتوات وأحقهم بها.

لكن الغضب الموالي للفتوة الجديد لم يقتصر على الكلمات وقتا طويلا. جائت تلك الليلة التي كان “زينهم الدرزي” – وكان من أشقياء الحارة – يجلس مع بعض صحبه الذين نجحوا فيما بينهم في جمع ثمن زجاجتي “براندي” اشتروهما من “البار”الجديد الذي افتتح حديثا تحت المبنى الزجاجي الضخم في الميدان مع نصف كيلو من الترمس وبعض الخيار واتجهوا لتجمعهم السهرة ببيت “زينهم” القريب من بيت الأستاذ، ويبدو أن الحديث المخمور اتجه نحو موقف الأستاذ من رؤيا “العتماني”..

– هذا الأستاذ مجنون.

– انها المدارس والكتب التي تفسد عقول هؤلاء وتجعل إيمانهم يتآكل حتى يكفروا بالخالق تماما وينكرون كرامات الأولياء والصالحين.

وارتفعت نبرة الحديث ومعها موجة غاضبة في العيون التي كساها “البراندي” بلون الدم، وصارت الكلمات تتشابك لتنسج نهاية دموية خطتها العقول المخمورة؛ فلم تنته الليلة إلا ومعها حياة الأستاذ وأسرته الذين كانوا يغطون في نوم عميق حين ارتفعت حولهم ألسنة الحريق التي فشل كل جهد في مكافحتها؛ فلم تترك شيئا أو أحدا في البيت إلا كتلة متفحمة دون معالم.

4


تغيرت معالم الحارة بعد ذلك بفترة وجيزة، فمنزل زينهم الهارب من أيدي الشرطة تحول لشونة غلال يمتلكها الشيخ “العتماني” ويديرها ابنه “صالح”، أما فتوتنا “النطع”، فقد حد انشاء نقطة الشرطة في الميدان من سلطته في حارتنا وما حولها؛ واضطر تحت انحسار وتضاؤل حصيلة الاتاوات إلى الاتجاه لتجارة الحشيش.
أنا أيضا تركت الحارة بمجرد تعييني بوظيفة مفتش للري في إحدى قرى الصعيد ولكنني لم أزل أزور حارتنا كلما استطعت للاطمئنان على الأهل والصحبة وإن كان على فترات متباعدة، وكلما مررت بالأطلال المحترقة يعتصرني الألم لمصيره البائس الحزين. شيء ما بداخلي كان يستغرب موقفه كلما تذكرته. 

بعين القلب يجمعني به اللقاء في المنام، فأراه في مقام الشهداء، وأسأله، فيجيبني راضيا..

– لم أكن تقيا ومستقيما كما ينبغي، ولربما لولا كلمة حق صبرت عليها، ولم أحد، ما وصلت مقامي الذي ترى. ….

الكشوفات – الكشف الأول “غروب”

كان مشهداً رائعاً للغروب. وكانت السماء مصطبغة بلون نحاسي رائق لا يفتأ يزداد شحوباً وقتامة، وأريج الزهور يسبح حولنا في تيارات من النسيم بارد عليل مع نغمات حزينة من ” كمان ” بعيد مجهول، أنغام بدت وكأنها تأتى من أعماق الغيب الغامض.
في بعض لحظات كان المكان يبدو لأنظارنا كقطعة من الجنة، وكنا نحن كأهلها سعادة وارتياحاً، وقد ألقى كل منا بجميع ما يعج به عقله من أفكار وذكريات لتسبح حوله في دعة وصمت طويل، لم يقطعه سوى بعض تنهدات غامضة، ربما لذكرى عزيزة تمر بالخاطر أو إشراقه وجه حبيب من صفحات التاريخ المنسي.
وأخيراً ينتهي العزف الغيبي تاركاً مساحات لا متناهية من السكون والشجن، ويغرق الأفق في ظلام سرمدي دامس، فيقول احدنا وهو يمسح صفحة السماء بنظرة ذابلة..

“حتى الفردوس لا يخلو من الظلام والشجن.”
تمر فترة من الصمت الثقيل قبل أن يشير أخر إلي نجم بعيد…

“الظلام أيضا لا يخلو من بريق نجم ما…”