يوسف جوهر…. للإبداع أوجه متعددة (ملف خاص)

للذاكرة فحسب

كتبها: سيد الوكيل

في سنوات صباي كانت اسماء مثل: إحسان عبد القدوس ، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وأمين يوسف غراب، وصوفي عبد الله، ويوسف جوهر.. هم الأكثر شهرة لدى جمهور عام من القراء. ومع الوقت أدركت جمهورا آخر، لا يحظى بنفس الشهرة، ولكنه الأكثر صخبا. ينظر إلى مثل هذه الأسماء بقليل من الاهتمام، كونهم لا يمثلون نموذج الرواية الواقعية.

من وجهة النظر التاريخية كانت هذه مرحلة التحول من الآثار الرومانسية، إلى الواقعية برافديها الاجتماعي والاشتراكي المؤدلج، تلك التي سادت منذ الخمسينيات بدفعة قوية من ثورة يوليو. لكن المهم أن ننتبه إلى أن محطات التحول ليست عابرة،  بقدر ما هي زرقاء اليمامة التي ترى من بعيد. تشير إلى المستقبل ولكنها لا تضع استراتيجيات لغزوه.

وظني أن مرحلة الثمانينيات التي اكتملت فيها شخصيتي الأدبية، كانت محطة تحول من الواقعية المؤدلجة، إلى أخرى أكثر انفتاحا. هكذا يبنى التاريخ الأدبي بالتراكم فالجديد لا يأتي من فراغ. بل ينهل كثيرا من آثار القديم.

إن البعد الاجتماعي وقضاياه لم يكن غائبا عن يوسف جوهر، كما لم يكن غائبا عن إحسان عبد القدوس وكل كتاب هذا الجيل. صحيح أنها كانت مموهة بآثار رومانسية، نتيجة للغة الشاعرية المحتفية بالمجاز. لكن هذا كان سمة أدبية وإنسانية في هذا العصر، أي أنها جزء من لغة الواقع. كما أن مفهومهم للواقع لم يكن كليا ومؤدلجا، بقدر ما هو نتاج تأملات شخصية وملاحظات فردية تعبر عن وعيها الخاص.

فإذا كان إحسان عبد القدوس مهتم أكثر بقضايا المرأة ونصيبها في مجتمع ذكوري، واهتم محمد عبد الحليم عبد الله بالمجتمعات المهمشة ذات الطابع الريفي، فإن يوسف جوهر كان أكثر تعددا في رصد قضايا الواقع، والتقاط موضوعات غير مطروقة وإن بدت ثانوية، على نحو ما نجد في روايته ( أمهات في المنفى ) التي تناولت شريحة من المسنات اللاتي بلا عائل، فتشرد بعضهن، ولاذ الأكثر حظا بدور المسنين، فعشن عزلة بائسة استعدادا للموت اللاتي كن يتمنينه كل صباح.

وفي مجال كتابة السيناريو للسينما، وهو مجاله الحيوي الكبير، اهتم بقضايا حساسة ودقيقة، منها سيناريو فيلم ( البيه البواب) الذي يلمح إلى ظهور طبقة طفيلية نمت على نحو عشوائي، وسببت تغيرات فادحة في بنية المجتمع الاقتصادية والأخلاقية، بل والثقافية. وهنا نذكر بتحذير ( ماركس) من هذه الفئة التي اسماها البروليتاريا الرثة. ويستطيع أي منا ملاحظة توحش هذه الفئة وقدرتها على التهام الطبقة الوسطى، وسعيها إلى الطبقة الأرستقراطية على نحو ما صورها الفيلم الكوري (بارا سايت) بعد أكثر من عشرين عاما من البيه البواب.

في هذا الملف، نقدم بانوراما عن يوسف جوهر على سبيل حفظ الذاكرة، إيمانا منا، بأن دور المؤرخ الأدبي الذي غاب، سيعود يوما.

ونؤكد أن الملف مازال مفتوحا لأي إضافة، في أي وقت، ترد إلينا على إيميل الموقع:sadazakera2018@gmail.com

كل الشكر لكل من أسهم في هذا الملف، الذي اقترحة وأسسه الكاتب محمود حسانين، وقام على إعداده الكاتبة مرفت يس.  

محمود قاسم

محمود قاسم

”يوسف‏ ‏جوهر” أبونا‏ ‏الذي‏ ‏عاش‏ ‏في‏ ‏الأرض

بقلم‏ : ‏محمود‏ ‏قاسم‏ ‏ـ‏ ‏كاتب‏ ‏وناقد‏ ‏فني

لا‏ ‏يمكن‏ ‏الكتابة‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏, ‏دون‏ ‏الإشارة‏ ‏إلي‏ ‏قوة‏ ‏علاقتي‏ ‏به‏ ‏وشموخ‏ ‏إنسانيته‏, ‏فهو‏ ‏الكاتب‏ ‏الذي‏ ‏قرأت‏ ‏بعض‏ ‏مجموعاته‏ ‏القصصية‏ ‏وأنا‏ ‏في‏ ‏مقتبل‏ ‏حياتي‏ ‏كقارئ‏, ‏ثم‏ ‏حين‏ ‏كنت‏ ‏جنديا‏ ‏في‏ ‏القوات‏ ‏المسلحة‏, ‏فأرسلت‏ ‏إليه‏ ‏مقالي‏ ‏من‏ ‏البحر‏ ‏الأحمر‏, ‏كرئيس‏ ‏تحرير‏ ‏لمجلة‏ ‏السينما‏ ‏والمسرح‏, ‏فكان‏ ‏أول‏ ‏مقال‏ ‏طويل‏ ‏ينشر‏ ‏لي‏ ‏كاملا‏ ‏في‏ ‏حياتي‏, ‏وفي‏ ‏أول‏ ‏مرة‏ ‏أنزل‏ ‏فيها‏ ‏إلي‏ ‏القاهرة‏ ‏بعد‏ ‏الانتهاء‏ ‏من‏ ‏الخدمة‏ ‏العسكرية‏, ‏زرته‏ ‏في‏ ‏مكتبه‏. ‏ولم‏ ‏أنس‏ ‏قط‏ ‏جملته‏ ‏التشجيعية‏ ‏التي‏ ‏تتبعتني‏ ‏في‏ ‏حياتي‏: ‏يا ولدي‏ ‏سوف‏ ‏يكون‏ ‏لك‏ ‏شأن‏ ‏عظيم‏, ‏وهل‏ ‏يمكن‏ ‏للمرء‏ ‏أن‏ ‏ينسي‏ ‏المكالمات‏ ‏الهاتفية‏ ‏الدافئة‏ ‏التي‏ ‏بدأت‏ ‏ذات‏ ‏مساء‏: ‏اليوم‏ ‏عيد‏ ‏الحب‏ ‏و‏ ‏كل‏ ‏سنة‏ ‏وأنت‏ ‏طيب‏ ‏ولم‏ ‏تنقطع‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏التهاني‏ ‏بالعيد‏ ‏المصري‏ ‏للحب‏ ‏طوال‏ ‏أعوام‏ ‏حياته‏ ‏التالية‏, ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تدرك‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏يفعل‏ ‏ذلك‏ ‏مع‏ ‏جميع‏ ‏من‏ ‏يعرفهم‏ ‏من‏ ‏الأجيال‏, ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏زرته‏ ‏في‏ ‏بيته‏ ‏في‏ ‏المعادي‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏ابنته‏ ‏تركته‏, ‏وخشية‏ ‏عليه‏ ‏أغلقت‏ ‏باب‏ ‏الشقة‏ ‏بالمفتاح‏ ‏حتى‏ ‏لا يتعرض‏ ‏لأي‏ ‏خطر‏, ‏وصار‏ ‏من‏ ‏الصعب‏ ‏الدخول‏ ‏إلي‏ ‏الشقة‏, ‏وبدافع‏ ‏الحب‏ ‏والاحترام‏ ‏لأستاذي‏ ‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏شراع‏ ‏الباب‏ ‏انحنيت‏ ‏إلي‏ ‏يده‏ ‏أقبلها‏ ‏خاصة‏ ‏أصابعه‏, ‏وعندما‏ ‏دخلت‏ ‏البيت‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏ ‏أدركت‏ ‏السمو‏ ‏الحضاري‏ ‏الذي‏ ‏تتمتع‏ ‏به‏ ‏أسرته‏.‏

إنه‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏الذي‏ ‏تربينا‏ ‏علي‏ ‏يديه‏ ‏كروائي‏, ‏وكاتب‏ ‏سيناريو‏, ‏وكاتب‏ ‏مقال‏, ‏حالة‏ ‏بالغة‏ ‏الخصوبة‏ ‏منذ‏ ‏الشباب‏ ‏في‏ ‏الأربعينيات‏, ‏حتى‏ ‏قبيل‏ ‏الوفاة‏, ‏وحالة‏ ‏من‏ ‏الإخلاص‏ ‏لرفاق‏ ‏حياته‏, ‏وعلي‏ ‏رأسهم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏, ‏ثم‏ ‏ثروت‏ ‏أباظة‏ ‏الذي‏ ‏استقال‏ ‏من‏ ‏رئاسة‏ ‏الكتاب‏ ‏تعاطفا‏ ‏معه‏. ‏اليوم‏ ‏يتم‏ ‏تكريم‏ ‏اسمه‏ ‏ككاتب‏ ‏سينمائي‏ ‏في‏ ‏مهرجان‏ ‏عريق‏, ‏وأقل‏ ‏ما يمكن‏ ‏أن‏ ‏نفعله‏ ‏هو‏ ‏تحيته‏ ‏لأنه‏ ‏مر‏ ‏بنا‏, ‏لا يزال‏ ‏يثرينا‏, ‏ونحن‏ ‏لا نكتب‏ ‏عنه‏ ‏للتكريم‏ ‏بقدر‏ ‏الشعور‏ ‏بالامتنان‏ ‏لما‏ ‏لعبه‏ ‏في‏ ‏حياتنا‏ ‏بقوة‏ ‏ولنبل‏ ‏كبير‏, ‏في‏ ‏مقابل‏ ‏وغدنة‏ ‏قوبلنا‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏البعض‏.‏

يوسف‏ ‏جوهر‏ (1912 ‏ـ‏ 2001) ‏هو‏ ‏المحامي‏ ‏الذي‏ ‏لن‏ ‏يعتزل‏ ‏هذه‏ ‏المهنة‏ ‏وهو‏ ‏يكتب‏ ‏اسمه‏ ‏علي‏ ‏السيناريوهات‏ ‏الأولي‏ ‏له‏, ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏جاء‏ ‏من‏ ‏طنطا‏ ‏للإقامة‏ ‏في‏ ‏القاهرة‏, ‏وهو‏ ‏يجمع‏ ‏بين‏ ‏كتابة‏ ‏القصة‏, ‏والسيناريو‏, ‏والحوار‏, ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏منتج‏, ‏رصد‏ ‏نقوده‏ ‏لإنتاج‏ ‏فيلم‏ ‏أرضنا‏ ‏الخضراء‏ ‏حول‏ ‏الإصلاح‏ ‏الزراعي‏ ‏عام‏ 1954, ‏وقد‏ ‏اقتبس‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏قصص‏ ‏الأفلام‏ ‏الأجنبية‏, ‏ولم‏ ‏يكن‏ ‏يذكر‏ ‏اسم‏ ‏المصدر‏, ‏كما‏ ‏يحسب‏ ‏له‏ ‏أنه‏ ‏حول‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏النصوص‏ ‏الأدبية‏ ‏المصرية‏ ‏الصعبة‏ ‏إلي‏ ‏أفلام‏ ‏ذات‏ ‏مذاق‏ ‏بالغ‏ ‏الرقي‏, ‏ومنها‏ ‏دعاء‏ ‏الكروان‏ ‏والحب‏ ‏الضائع‏ ‏عن‏ ‏روايات‏ ‏طه‏ ‏حسين‏, ‏وارتبط‏ ‏كثيرا‏ ‏بمخرج‏ ‏من‏ ‏طراز‏ ‏بركات‏.‏

ليوسف‏ ‏جوهر‏ ‏مسيرة‏ ‏يجب‏ ‏التركيز‏ ‏عليها‏, ‏وقد‏ ‏تغيرت‏ ‏هذه‏ ‏المسيرة‏ ‏بشكل‏ ‏ملحوظ‏ ‏أثناء‏ ‏حياته‏, ‏ففي‏ ‏المرحلة‏ ‏الأولي‏ ‏كانت‏ ‏الأفلام‏ ‏التي‏ ‏يقدمها‏ ‏مختلفة‏ ‏إلي‏ ‏حد‏ ‏كبير‏ ‏عن‏ ‏السينما‏ ‏الكوميدية‏ ‏لكل‏ ‏من‏ ‏أبو‏ ‏السعود‏ ‏الإبياري‏, ‏وبديع‏ ‏خيري‏, ‏وكان‏ ‏غزير‏ ‏الإنتاج‏ ‏في‏ ‏السينما‏, ‏ومن‏ ‏مجموعاته‏ ‏سميرة‏ ‏هانم‏ ‏التي‏ ‏نشرت‏ ‏ككتاب‏ ‏في‏ ‏سلسلة‏ ‏كتب‏ ‏للجميع‏, ‏وفي‏ ‏بداية‏ ‏السبعينيات‏ ‏اتجه‏ ‏لكتابة‏ ‏روايات‏, ‏وانشغل‏ ‏بمقاله‏ ‏الأسبوعي‏ ‏في‏ ‏جريدة‏ ‏الأهرام‏, ‏حتي‏ ‏جاءت‏ ‏المرحلة‏ ‏التي‏ ‏بدأ‏ ‏يحول‏ ‏رواياته‏ ‏إلي‏ ‏أفلام‏ ‏يكتبها‏ ‏بنفسه‏ ‏خاصة‏ ‏أمهات‏ ‏في‏ ‏المنفي‏ ‏من‏ ‏إخراج‏ ‏محمد‏ ‏راضي‏, ‏لكنه‏ ‏لم‏ ‏يهتم‏ ‏بتحويل‏ ‏كل‏ ‏الروايات‏ ‏التي‏ ‏كتبها‏ ‏إلي‏ ‏أفلام‏, ‏ومنها‏ ‏علي‏ ‏سبيل‏ ‏المثال‏ ‏شخلول‏ ‏وشركاه‏ ‏التي‏ ‏تحولت‏ ‏إلي‏ ‏مسلسل‏ ‏تليفزيوني‏ ‏بما‏ ‏يعني‏ ‏انه‏ ‏كتب‏ ‏كافة‏ ‏أنواع‏ ‏الكتابة‏ ‏من‏ ‏قصة‏ ‏وسيناريو‏ ‏حوار‏.‏

بالنظر‏ ‏إلي‏ ‏القائمة‏ ‏المنشورة‏ ‏في‏ ‏الويكيبديا‏, ‏سوف‏ ‏نكتشف‏ ‏أن‏ ‏القائمة‏ ‏الحقيقية‏ ‏للكاتب‏ ‏أكبر‏ ‏بكثير‏ ‏من‏ ‏العناوين‏ ‏المنشورة‏, ‏فيوسف‏ ‏جوهر‏ ‏هو‏ ‏أحد‏ ‏كتاب‏ ‏السيناريو‏ ‏الأكثر‏ ‏غزارة‏ ‏في‏ ‏السينما‏ ‏المصرية‏, ‏وهو‏ ‏أحد‏ ‏الأطول‏ ‏عمرا‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏المجال‏, ‏وقد‏ ‏كتب‏ ‏القصة‏ ‏والسيناريو‏ ‏والحوار‏, ‏كلا‏ ‏منهم‏ ‏بشكل‏ ‏منفصل‏, ‏أو‏ ‏الثلاثة‏ ‏مجتمعين‏, ‏كما‏ ‏كتب‏ ‏أغلب‏ ‏أنواع‏ ‏السينما‏ ‏من‏ ‏الأفلام‏ ‏الغنائية‏ ‏والاستعراضية‏, ‏والفيلم‏ ‏الكوميدي‏, ‏والفيلم‏ ‏البوليسي‏, ‏والرومانسي‏, ‏وأحد‏ ‏أشهر‏ ‏أفلام‏ ‏الحركة‏, ‏كما‏ ‏اقتبس‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏الروايات‏ ‏المصرية‏ ‏للدكتور‏ ‏طه‏ ‏حسين‏ ‏ونجيب‏ ‏محفوظ‏, ‏وتوفيق‏ ‏الحكيم‏, ‏وهم‏ ‏الأسماء‏ ‏الذين‏ ‏كانوا‏ ‏متجاورين‏ ‏في‏ ‏المكاتب‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏, ‏عندما‏ ‏فتحت‏ ‏جريدة‏ ‏الأهرام‏ ‏أبوابها‏ ‏ليكون‏ ‏لهم‏ ‏مكان‏, ‏ومرتبات‏ ‏في‏ ‏مبني‏ ‏مؤسسة‏ ‏الأهرام‏, ‏كما‏ ‏أن‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏رجع‏ ‏إلي‏ ‏النصوص‏ ‏الأدبية‏ ‏العالمية‏ ‏لتحويلها‏ ‏إلي‏ ‏أفلام‏, ‏وللأسف‏ ‏فإن‏ ‏عناوين‏ ‏هذه‏ ‏الأعمال‏ ‏علي‏ ‏الشاشة‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏المصدر‏ ‏الأساسي‏ ‏إلا‏ ‏في‏ ‏مرات‏ ‏قليلة‏ ‏للغاية‏ ‏مثل‏ ‏فيلم‏ ‏أمير‏ ‏الانتقام‏ ‏المأخوذ‏ ‏عن‏ ‏الكونت‏ ‏دي‏ ‏مونت‏ ‏كريستو‏, ‏وهو‏ ‏الفيلم‏ ‏الذي‏ ‏كتب‏ ‏حواره‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏واجتهد‏ ‏فيه‏ ‏الكاتب‏ ‏لتحويل‏ ‏شخصية‏ ‏البحار (أدمون‏ ‏دانت)‏ ‏إلي‏ ‏فارس‏ ‏صحراوي‏, ‏فتغيرت‏ ‏آلية‏ ‏الهروب‏ ‏من‏ ‏السجن‏ ‏المتاخم‏ ‏للمياه‏ ‏حين‏ ‏قفز‏ ‏البحار‏ ‏في‏ ‏الماء‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏قام‏ ‏الحارس‏ ‏بوضعه‏ ‏في‏ ‏الجوال‏, ‏أما‏ ‏حسن‏ ‏الهلالي‏ ‏في‏ ‏الفيلم‏ ‏فقد‏ ‏بارز‏ ‏الحراس‏, ‏وأفلت‏ ‏من‏ ‏السجن‏ ‏بأسلوب‏ ‏مختلف‏ ‏تماما‏, ‏وقد‏ ‏دأب‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏كتابة‏ ‏الحوار‏ ‏في‏ ‏الأربعينيات‏ ‏لفترة‏ ‏غير‏ ‏قصيرة‏, ‏واستفاد‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏مهنته‏ ‏كمحام‏, ‏ثم‏ ‏تفرغ‏ ‏لكتابة‏ ‏السيناريوهات‏, ‏وفي‏ ‏آخر‏ ‏سنوات‏ ‏حياته‏ ‏كان‏ ‏يكتب‏ ‏الفيلم‏ ‏بأكمله‏, ‏والغريب‏ ‏ان‏ ‏الكاتب‏ ‏لم‏ ‏يقم‏ ‏قط‏ ‏بتحويل‏ ‏إحدى‏ ‏رواياته‏ ‏كي‏ ‏تكون‏ ‏فيلما‏ ‏عدا‏ ‏رواية‏ ‏أمهات‏ ‏في‏ ‏المنفي‏ ‏كما‏ ‏لم‏ ‏يترك‏ ‏رواياته‏ ‏كي‏ ‏يكتبها‏ ‏آخرون‏ ‏كأفلام‏ ‏سينمائية‏, ‏وفي‏ ‏ذلك‏ ‏غرابة‏, ‏ولم‏ ‏أشأ‏ ‏أن‏ ‏أسأله‏ ‏عن‏ ‏التفسير‏, ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏منشغلا‏ ‏في‏ ‏الكتابة‏ ‏الموازية‏ ‏مهما‏ ‏كانت‏, ‏والغريب‏ ‏أنه‏ ‏تفرغ‏ ‏للصحافة‏ ‏في‏ ‏سنواته‏ ‏الأخيرة‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏اهتمامه‏ ‏بالهم‏ ‏الاجتماعي‏, ‏وكان‏ ‏عنده‏ ‏المخزون‏ ‏ليكتب‏ ‏أفلامه‏ ‏الأخيرة‏ ‏ومنها‏, ‏الرجل‏ ‏الثالث‏ ‏والفضيحة‏, ‏وأغلب‏ ‏الظن‏ ‏أن‏ ‏جوهر‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏هو‏ ‏مؤلف‏ ‏فيلم‏ ‏الرجل‏ ‏الثالث‏ ‏لعلي‏ ‏بدرخان‏, ‏وقد‏ ‏أبدي‏ ‏دهشته‏ ‏عندما‏ ‏أخبرته‏ ‏أن‏ ‏اسمه‏ ‏مطبوع‏ ‏علي‏ ‏الفيلم‏ ‏وابتسم‏ ‏بدون‏ ‏تعليق‏, ‏وأعتقد‏ ‏أن‏ ‏التفسير‏ ‏وحده‏ ‏يخص‏ ‏المخرج‏, ‏فقصة‏ ‏الفيلم‏ ‏تنسب‏ ‏إلي‏ ‏ضابط‏ ‏شرطة‏ ‏يدعي‏ ‏محمد‏ ‏عباس‏, ‏حول‏ ‏تجربة‏ ‏شخصية‏ ‏تخصه‏ ‏في‏ ‏عمله‏, ‏وكان‏ ‏المخرج‏ ‏عز‏ ‏الدين‏ ‏ذو‏ ‏الفقار‏ ‏قد‏ ‏كتب‏ ‏اسمه‏ ‏كمؤلف‏ ‏مشارك‏ ‏في‏ ‏فيلم‏ ‏الرجل‏ ‏الثاني‏ ‏عام‏ 1959, ‏وأن‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏كتب‏ ‏السيناريو‏ ‏والحوار‏ ‏للفيلم‏ ‏الذي‏ ‏يعتبر‏ أايقونة‏ ‏ثمينة‏ ‏في‏ ‏الفيلم‏ ‏البوليسي‏.‏

من‏ ‏المهم‏ ‏التعرف‏ ‏علي‏ ‏علاقة‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏بزملاء‏ ‏المهنة‏ ‏حين‏ ‏كتب‏ ‏السيناريوهات‏ ‏لأفلامهم‏. ‏وخاصة‏ ‏توفيق‏ ‏الحكم‏, ‏والدكتور‏ ‏طه‏ ‏حسين‏, ‏فقد‏ ‏كتب‏ ‏للحكيم‏ ‏فيلمين‏ ‏هماالرباط‏ ‏المقدس‏ ‏والأيدي‏ ‏الناعمة‏ ‏وكلاهما‏ ‏من‏ ‏إخراج‏ ‏محمود‏ ‏ذو‏ ‏الفقار‏, ‏فهناك‏ ‏شبه‏ ‏التزام‏ ‏بكتابة‏ ‏الرباط‏ ‏المقدس‏ ‏كما‏ ‏كتبها‏ ‏الحكيم‏, ‏حول‏ ‏فكرة‏ ‏الأنثى‏ ‏التي‏ ‏تدخل‏ ‏حياة‏ ‏راهب‏ ‏الفكر‏ ‏فتغير‏ ‏له‏ ‏حياته‏, ‏تماما‏ ‏مثلما‏ ‏حدث‏ ‏للراهب‏ ‏في‏ ‏رواية‏ (‏تاييس‏ ) ‏لأناطول‏ ‏فرانس‏, ‏فارتقت‏ ‏المرأة‏ ‏فكريا‏ ‏وإنسانيا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏إيمانها‏ ‏بافكاره‏, ‏أما‏ ‏هو‏ ‏فقد‏ ‏صار‏ ‏متصابيا‏, ‏وأصبح‏ ‏دنيويا‏, ‏أما‏ ‏مسرحية‏ ‏الأيدي‏ ‏الناعمة‏ ‏فان‏ ‏التلامس‏ ‏بين‏ ‏المسرحية‏ ‏والفيلم‏ ‏باهت‏ ‏بشكل‏ ‏ملحوظ‏, ‏ويمكن‏ ‏ألقول‏ ‏إن‏ ‏نجاح‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الأفلام‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏قوة‏ ‏الكتابة‏ ‏عند‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏النص‏ ‏الأدبي‏ ‏عند الحكيم‏, ‏ومن‏ ‏هنا‏ ‏تأتي‏ ‏عبقرية‏ ‏الكتابة‏ ‏للسينما‏ ‏عند‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏.

‏وبدا‏ ‏ذلك‏ ‏أكثر‏ ‏وضوحا‏ ‏في‏ ‏دعاء‏ ‏الكروان‏ ‏فالنص‏ ‏الأدبي‏ ‏مثل‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏نصوص‏ ‏طه‏ ‏حسين‏ ‏القصصية‏ ‏تتكثف‏ ‏الحدوتة‏ ‏في‏ ‏إطار‏ ‏من‏ ‏الإسهاب‏ ‏في‏ ‏الحكي‏, ‏والرواية‏ ‏تعتمد‏ ‏علي‏ ‏مناجاة‏ ‏الفتاة‏ ‏لطائر‏ ‏الكروان‏ ‏التي‏ ‏تكاد‏ ‏تسمع‏ ‏تغريده‏ ‏ولا تراه‏ ‏وقد‏ ‏قامت‏ ‏آمنة‏ ‏في‏ ‏الرواية‏ ‏بالهرب‏ ‏مع‏ ‏عشيقها‏ ‏إلي‏ ‏العاصمة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏وقعت‏ ‏في‏ ‏حبه‏,‏دون‏ ‏أي‏ ‏عقاب‏ ‏سماوي‏. ‏وبالنسبة‏ ‏لفيلم‏ ‏الحب‏ ‏الضائع‏ ‏لبركات‏, ‏فان‏ ‏التشابه‏ ‏الوحيد‏ ‏بين‏ ‏العملين‏ ‏هو‏ ‏العنوان‏, ‏فليست‏ ‏هناك‏ ‏علاقة‏ ‏قط‏ ‏بين‏ ‏الاثنين‏: ‏الفيلم‏ ‏ـ‏ ‏الرواية‏, ‏حيث‏ ‏إن‏ ‏الرواية‏ ‏تدور‏ ‏في‏ ‏قرية‏ ‏فرنسية‏ ‏تنطبق‏ ‏عليها‏ ‏سمات‏ ‏الريف‏ ‏الفرنسي‏ ‏التي‏ ‏عاشت‏ ‏فيه‏ ‏بطلة‏ ‏الرواية‏ ‏العزباء‏, ‏أما‏ ‏الفيلم‏ ‏فيتكلم‏ ‏عن‏ ‏الزوج‏ ‏الحائر عاطفيا‏ ‏بين‏ ‏زوجته‏ ‏وصديقتها‏ ‏الأرملة‏.‏

أما‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏فقد‏ ‏كتب‏ ‏له‏ ‏الكاتب‏ ‏سيناريو‏ ‏رواية‏ ‏بين‏ ‏القصرين‏, ‏وفي‏ ‏البداية‏ ‏كان‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏مرشحا‏ ‏لإخراج‏ ‏الفيلم‏, ‏ويبدو‏ ‏أن‏ ‏خلافا‏ ‏حادا‏ ‏حدث‏ ‏بين‏ ‏المخرج‏ ‏حسن‏ ‏الإمام‏ ‏ويوسف‏ ‏جوهر‏, ‏وقد‏ ‏سمعته‏ ‏يشكو‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏أن‏ ‏الإمام‏ ‏حول‏ ‏الفيلم‏ ‏إلي‏ ‏مظاهرة‏ ‏للرقص‏, ‏لذا‏ ‏فإن‏ ‏جوهر‏ ‏لم‏ ‏يشترك‏ ‏قط‏ ‏في‏ ‏الفيلمين‏ ‏التاليين‏ ‏من‏ ‏الثلاثية‏, ‏في‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏الأحوال‏ ‏كان‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏ ‏يقوم‏ ‏بمشاركة‏ ‏المخرج‏ ‏كتابة القصة‏ ‏والسيناريو‏ ‏خاصة‏ ‏مع‏ ‏عز‏ ‏الدين‏ ‏ذو‏ ‏الفقار‏ ‏في‏ ‏فيلمين‏ ‏متتاليين‏ ‏متفردين‏ ‏هما‏ ‏طريق‏ ‏الأمل‏ 1958 ‏والرجل‏ ‏الثاني‏, ‏وقد‏ ‏كتب‏ ‏جوهر‏ ‏حوار‏ ‏الفيلمين‏ ‏وحده‏, ‏فالعادة‏ ‏أن‏ ‏المخرج‏ ‏يقوم‏ ‏بالاتفاق‏ ‏مع‏ ‏كاتب‏ ‏السيناريو‏ ‏علي‏ ‏صيغة‏ ‏التعامل‏ ‏بينهما‏, ‏وعلي‏ ‏كل‏ ‏فإننا‏ ‏أمام‏ ‏فيلمين‏ ‏شديدي‏ ‏التباين‏, ‏وكانت‏ ‏هذه‏ ‏عادة‏ ‏عز‏ ‏الدين‏ ‏ذو‏ ‏الفقار‏, ‏فالفيلم‏ ‏الأول‏ ‏يدور جزء‏ ‏منه‏ ‏في‏ ‏المحاكم‏ ‏حيث‏ ‏إن‏ ‏الفتاة‏ ‏تنسب‏ ‏إلي‏ ‏نفسها‏ ‏التهمة‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏شقيقة‏ ‏حبيبها‏ ‏وأنها‏ ‏هي‏ ‏صاحبة‏ ‏الخطيئة‏ ‏حتي‏ ‏لو‏ ‏أدي‏ ‏ذلك‏ ‏إلي‏ ‏حبسها‏ ‏وانتهاء‏ ‏علاقتها‏ ‏بالحبيب‏ ‏الذي‏ ‏سيدافع‏ ‏عنها‏, ‏أما‏ ‏فيلم‏ ‏الرجل‏ ‏الثاني‏ ‏فهو‏ ‏أكثر‏ ‏أعمال‏ ‏السينما‏ ‏البوليسية‏ ‏اكتمالا‏ ‏حول‏ ‏رجل‏ ‏العصابة‏ ‏الخفي‏ ‏الذي‏ ‏يدير‏ ‏عمله‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الرجل‏ ‏الثاني‏ ‏الذي‏ ‏يبدو‏ ‏ظاهرا‏ ‏أمام‏ ‏الأنظار‏ ‏ولا يعرف‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏أحد‏, ‏باعتبار‏ ‏أنه‏ ‏يمتلك‏ ‏نشاطا‏ ‏اجتماعيا‏ ‏في‏ ‏الواجهة‏, ‏أما‏ ‏عصمت‏ ‏فهو‏ ‏الرجل‏ ‏البالغ‏ ‏المهارة‏ ‏الذي‏ ‏يكتشف‏ ‏حقيقة‏ ‏الضابط‏ ‏الذي‏ ‏اندس‏ ‏بين‏ ‏رجاله‏ ‏بهدف‏ ‏التعرف‏ ‏علي‏ ‏أسراره‏ ‏خاصة‏ ‏اسم‏ ‏الرجل‏ ‏الأول‏, ‏وقد‏ ‏بدت‏ ‏مهارة‏ ‏السيناريو‏ ‏في‏ ‏شد‏ أنظار‏ ‏وانتباه‏ ‏المتفرج‏, ‏وتميز‏ ‏المخرج‏ ‏في‏ ‏إدارة‏ ‏الفيلم‏ ‏مثلما‏ ‏أدار‏ ‏الرجل‏ ‏الثاني‏ ‏شبكته‏ ‏الإجرامية‏.‏

ارتبط‏ ‏الكاتب‏ ‏بالمخرج‏ ‏بركات‏ ‏في‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏أعماله‏, ‏وعمل‏ ‏في‏ ‏فيلمين‏ ‏غنائيين‏ ‏للمخرج‏ ‏عاطف‏ ‏سالم‏ ‏هما‏ ‏يوم‏ ‏من‏ ‏عمري‏ 1961 ‏وزمان‏ ‏يا حب‏ 1972, ‏وكلاهما‏ ‏من‏ ‏الأفلام‏ ‏الغنائية‏, ‏وهما‏ ‏مقتبسان‏ ‏من‏ ‏فيلمين‏ ‏أمريكيين‏ ‏مشهورين‏ ‏تم‏ ‏إحداث‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏التغيرات‏ ‏عليهما‏, ‏الفيلم‏ ‏الأول‏ ‏مأخوذ‏ ‏من‏ ‏الفيلم‏ ‏الأمريكي‏ ‏إجازة‏ ‏رومانية‏ ‏لويليام‏ ‏وايلر‏ 1954, ‏وفيه‏ ‏يلتقي‏ ‏صحفي‏ ‏بأميرة‏ ‏في‏ ‏مدينة‏ ‏روما‏ ‏قررت‏ ‏الخروج‏ ‏من‏ ‏روتين‏ ‏القصر‏ ‏لتعيش‏ ‏علي‏ ‏سجيتها‏ ‏يوما‏ ‏كاملا‏, ‏مع‏ ‏الصحفي‏ ‏الذي‏ ‏التقت‏ ‏به‏ ‏في‏ ‏القصر‏ ‏في‏ ‏اليوم‏ ‏التالي‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏عادت‏ ‏إلي‏ ‏مكانتها‏ ‏كأميرة‏, ‏والطريف‏ ‏أن‏ ‏السينما‏ ‏المصرية‏ ‏قدمت‏ ‏هذا‏ ‏الموضوع‏ ‏في‏ ‏أفلام‏ ‏عديدة‏ ‏منها‏ ‏أجمل‏ ‏أيام‏ ‏حياتي‏ ‏إخراج‏ ‏بركات‏ ‏عام‏ 1972, ‏أما‏ ‏الفيلم‏ ‏الثاني‏ ‏زمان‏ ‏يا حب‏ ‏فهو‏ ‏مأخوذ‏ ‏عن‏ ‏أهلا‏ ‏سبتمبر‏ ‏وهو‏ ‏فيلم‏ ‏شبابي‏ ‏حول‏ ‏الثري‏ ‏الذي‏ ‏عاد‏ ‏إلي‏ ‏قصره‏ ‏فجأة‏ ‏فاكتشف‏ ‏أن‏ ‏حارس‏ ‏القصر‏ ‏العجوز‏ ‏قد‏ ‏حوله‏ ‏إلي‏ ‏منتجع‏ ‏خاص‏ ‏به‏ ‏تأتي‏ ‏ابنة‏ ‏الأخ‏ ‏إليه‏ ‏متصورة‏ ‏أن‏ ‏جدها‏ ‏هو‏ ‏الثري‏ ‏صاحب‏ ‏المكان‏ ‏يوسف‏ ‏جوهر‏, ‏واحد‏ ‏من‏ ‏أبرز‏ ‏آبائنا‏ ‏الذين‏ ‏عاشوا‏ ‏معنا‏, ‏وحول‏ ‏لنا‏ ‏هذه‏ ‏الأرض‏ ‏إلي‏ ‏منتجع‏ ‏جميل‏ ‏مليء‏ ‏بالقصص‏ ‏المبهجة‏, ‏والعاطفية‏ ‏والمشاعر‏ ‏الإنسانية‏ ‏الشجية‏.‏

يوسف جوهر

نماذج من قصصه

قصة ” يد على الزناد”

من مجموعة ” دموع في عيون ضاحكة”

ما كدت اصل إلى بيتها عقب استغاثتها التليفونية, حتي أبتدرتني  قائلة: أنا امرأة شقية عاثرة الحظ وأية شقائي أني تزوجته, وربطت حياتي بحياته, ولو كان الأمر اقتصر علي الزواج, لاستطعت أن احتمل, فكم من النساء يؤاكلن الرجال علي مائدة واحدة, ويقاسمنهم الفراش, ويحتملن في سبيلهم آلام الوضع, ومع ذلك يضمرن لهم الاحتقار, ولكن مصيبتي أني أحببته, وتصور شقائي إذ أحب ذئبا ماكرا, قاسي القلب, ولا أطيق له بعادا.

وخنقتها العبرات فكفت عن الكلام ريثما تجفف دمعها, بمنديل لا أدري من فرط رقته, أهو من الحرير أم هو قطعة من التنهد, خرجت من صدرها الرقيق, وتجمدت في نسيم الهواء البارد, وانتهزت فرصه اشتباك منديلها بأهدابها, وابتسمت الابتسامة التي كنت اكظمها احتراما لألمها وتعاستها, فإن الذئب الذي تشكوه كان صديقي, وكنت أعهده حملا وديعا, يعيش في مرعي الزواج منذ شهرين, ويطعم ناعم البال عشب الحب, وسألتها وهي تبعد قطعه التنهد المتجمدة عن يعنين جميلتين, كدرهما البكاء:

ماذا فعل الذئب يا سيدتي.؟

قالت: إنه خائن يخونني مع أخرى.

– متأكدة أنتِ ؟

– تأكدي من أني أراك أمامي, إن رقم تليفونها مقيد في مفكرته,

– إن أي زوج مهما بلغ به حب المخاطرة لا يجرؤ أن يضع في مفكرته رقم تليفون ناعم.

– نسيت أنه ذئب ماكر لقد رفع صمام القنبلة ذكر رقم التليفون وإلي  جواره حرفان فقط هما س . م. وما احسبك تزعم أن الرجال يرمزون الي اسماء الرجال بهذه الطريقة.

– معك حق وبعد ذلك واجهته بالتهمة؟

– تظنني بلهاء أواجهه بالتهمة لكي يأخذ حذره ويخفي معالم الجريمة, ويهرب من انتقامي.

– وإذن فقد رسمت للانتقام خطة؟

– بدأت بحرب الأعصاب أنني دائما أطالبه بأن يذكر لي اسما جميلا, لسيدة يبدأ بحرف س.. وأكرر هذا علي الطعام, وقبل النوم وعندما يفتح عينيه في الصباح, وتصور الدهاء إنه يبتسم ابتسامة لا لون لها ولا رائحه, وهو يسالني بلا اكتراث, ماذا أقصد بهذا السؤال, الذي اسقيه له في ساعات منتظمة, وكأنه الدواء.

–  يا له من دواء مر المذاق.

بدأت غريمتي  تتجرعه أيضا, أدرت النمرة التي ضبطتها في المفكرة, وأجابني صوت رقيق, أدركت أن رقته من الأسباب التي جذبت زوجي, ومضيت استدرجها وأسالها, منذ متي بدأت علاقتها بحبيب القلب, فشتمتني وقفلت التليفون في وجهي.

– طبعا إن من تسرق الأزواج لا تتورع عن السباب.

– وللسباب عقاب.. قلت لنفسي ربما يكون لهذا البيت رجل, وجعلت أدير قرص التليفون مرات في اليوم, حتي أجابني صوت خشن, وبعد حوار قصير أدركت أنه الزوج, وصارحته أن زوجته تخونه, وسأل في لهفة :

(مع من ؟..)

ووجدت نفسى أذكر له اسم زوجي وعنوان مكتبه, وصارحته أن الدليل الحاسم موجود في مفكرته التي يحملها في جيبه.. رقم التليفون المشئوم..

وانفجرت باكية, وعاد المنديل الصغير إلى الاشتباك بأهدابها, وهى تقول:

– هذا هو السبب في أنى استدعيتك, أخاف أن يقتلوه ..

وبينما هي تكفكف دمعها, بتلك السحابة الناعمة من التنهد, التي تجمدت في الهواء, فوجئنا بالذئب قادما بادى الإعياء, ورأسه مغلف بالقطن والشاش, وقال وهو يهالك في مقعده, يرقب شحوب زوجته:

– أولى بك أن تبهجي, فإنك كنت على وشك أن تصبحي أرملة على يدى مجنون كاد يودى بحياتي..

وسألته عن جلية الأمر فأجاب, وشبح الرعب يدب في عينيه:

– صرفت المساعدين وبقيت وحدى في المكتب, لدراسة بعض القضايا كما أفعل أحيانا, ودق جرس الباب الخارجي, فذهبت وفتحته, وإذا فوهة مسدس مصوبة إلى صدري, وقدرت أنى أمام لص فاجر, وأخرجت في الحال حافظة نقودي, أفدى بها حياتي, ولكن الرجل الضخم ألقى الحافظة في وجهى, وطلب مفكرتي, وهو يدفعني إلى الداخل بلا هوادة, وأمرني أن ألصق وجهي بالحائط رافعا ذراعي, وجلس يقلب أوراق المفكرة بأصابع محمومة, ثم صاح فجأة كالنمر الضاري قائلا:

– ثبتت عليك الجريمة.

فأدرت عنقي وسألته في أدب بالغ, عن أي جريمة يتحدث, فاندفع يطبع أنفى في الحائط, وهو يزمجر حانقا:

– هذه نمرة تليفوني التي كنت تتحدث فيها إلى زوجتي, مدونة في مفكرتك.

وألهمني حب الحياة أن أصيح, وهو موشك أن يضغط على الزناد: – حذار إنها رقم ورقة يانصيب لا نمرة تليفون .. ألست ترى إلى جوارها حرفي س.م أنني أعنى بهما سباق المواساة .. وقد قيدت الرقم عندي لأن الورقة نفسها في حيازة صديق شاركني فيها .

وتطاير الشرر من عينيه, وصرخ وهو يضرب رأسي بموْخرة المسدس:

– إنها أكذوبة تحتال بها علي النجاة ..

فشكرت له تلطفه أنه ضربني وأسال دمي بموْخرة المسدس لا فوهته, وعمدت الى التليفون, وخاطبت الصديق الذي يحتفظ بالورقة والدم يسيل من رأسي متوسلا إليه أن يوافيني بها حالا, وإذا هو ينبئني أنه مزقها منذ ساعتين, وهو جالس في بار الأنجلو, بعد أن راجع السحب, وعرف أنها خاسرة, عند ذلك ضحك المجنون ضحكة صفراء وقال لي, بلهجة من صح عزمه على أمر:

– اعترف بكل شيء قبل أن أزهق روحك.. وقل الحقيقة ولا تلق ربك بوجه اسود.. هل سرت معها إلى آخر الشوط.

وانطلقت, من حلاوة  الروح, اقسم بأغلظ الإيمان أنى بريء, وسمح لي  أن أعصب بمنديلي جرح رأسي, ورضى أن يحقق دفاعي, ويصحبني إلى بار الأنجلو لكى نبحث في القمامة عن الورقة الممزقة, وأنذرني أن يده, وهو إلى جواري ستكون طول الوقت على الزناد, وأنه سيطلق النار فورا, اذا حدثتني النفس بالاستغاثة, أو الهرب ..

وبعد بحث, محفوف بالخطر, تحت مقاعد رصيف بار الأنجلو, وجد الورقة الممزقة ووجدت حياتي.

واستأذنت المجنون في أن أذهب إلى طبيب لأضمد جراحي..

وسألت صاحبي المسكين, وانا ابتلع ابتسامة تريد أن تنزلق إلى شفتي:

– ألم تستوضح كيف اتفق له أن يعرف أن مفكرتك تحوي رقم تليفونه.؟

فاجاب:

– وهل تظن أن من الحكمة توجيه الأسئلة إلى مجنون يده على الزناد.؟

قلت وأنا أنظر إلى دموع التوسل في عيني زوجته:

– على كل حال أن تقع بين يدي مجنون أسلم عقبى من أن تقع بين براثين مجنونة.

وأجابت والتوسل ينتقل من عينيه إلى ابتسامتها:

– هذا حق وخاصة إذا كان جنونها .. مبعثه الحب.

قراءة في متن القصة

الكادرات البصرية في قصة ( يد على الزناد)

محمود حسانين

استهلال مونودرامي يدلف بك إلى شوق المعرفة, تستمر البطلة في السرد لصديق زوجها في لهفة لما يمكن أن يحدث لزوجها, الراوي العليم صاحب ملمس الوصف, في تلك الجملة يجعلك تشعر بما يريده الكاتب:

” وخنقتها العبرات فكفت عن الكلام ريثما تجفف دمعها, بمنديل لا ادري من فرط رقته, اهو من الحرير ام هو قطعة من التنهد, خرجت من صدرها الرقيق, وتجمدت في نسيم الهواء البارد, وانتهزت فرصه اشتباك منديلها بأهدابها”

اعتمدت القصة على كادرات استعان بها الكاتب في الدخول إلى عالم التخيل لمشهد القتيل المفترض, كما يجعل من لهفتك على المعرفة انشطار للهفة البطلة لمعرفة ماذا سيحدث أيضا, المفارقة التي لم تعد لها نصيب الأسد في الكتابات بعدما حلت محلها تقنيات الفن القصصي نفسه, حيث التكثيف وقوة اللفظ  أو كما يطلق عليه فزياء اللغة علم المعنى أو الدلالة, فالنص الذي نحن بصدده يراوغ التأويل بين فكرة المتلقي ولعبة الكاتب السردية, لقد سلب الراوي العليم بكل خفة القارئ إلى سحر تصوير المشهد حتى أدق التفاصيل لم يتركها, وأنساه لهفة المعرفة, كما استطاع ان يهدئ من لهفة البطلة وهو يلقي الكرة في ملعب المستمع/ صديق الزوج, فجعل من لهفتها ترجي بعدم البوح بما علمه منها, ليترك الراوي العليم  لوكيشن التصوير لأحداث قصته, وفي أجواءه الترقب وعلامات التعجب والاستفهام, فيكون بذلك قد جعل المتلقي يستمتع بمشهد مقسم إلى ثلاث كدرات, تحمل كل منها وجه يعلوه تعبير مختلف, ما بين الطمأنينة والإرهاق الزوج, والسخرية والتهكم في وجه الصديق, والاضطراب والراحة التي كست وجه الزوجة.

” وسألت صاحبي المسكين, وانا ابتلع ابتسامة تريد أن تنزلق إلى شفتي:

– ألم تستوضح كيف اتفق له أن يعرف أن مفكرتك تحوي رقم تليفونه.؟

فاجاب:

– وهل تظن أن من الحكمة توجيه الأسئلة إلى مجنون يده على الزناد.؟

قلت وانا انظر إلى دموع التوسل في عيني زوجته:

– على كل حال ان تقع بين يدي مجنون أسلم عقبى من أن تقع بين براثين مجنونة.

وأجابت والتوسل ينتقل من عينيه إلى ابتسامتها:

– هذا حق وخاصة إذا كان جننها .. مبعثه الحب.”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

120761936_377303999946170_3547807781264472540_n

 قصة المعلم لوقا

اجتاز الترام الميادين والشوارع، وأخذ ينساب بين الحقول في الطريق إلى الأهرام؛ وكان القمر قد نفض الغيوم عن وجهه، وبدا سافرا يضحك للحقول، ويحنو على النباتات المرتجفة في نسيم الليل، ويناغي الأغصان المشرئبة اليه من أعالي الأشجار، فانبسطت أسارير (المعلم لوقا) سائق المركبة، وفارق العبوس وجهه الهزيل اليابس، وأخرج علبة سعوطه وأدناها من أنفه، ييلتمس الصحو والانتعاش.

لم يكن الرجل في حال حسنة، لأن الليلة باردة قارسة البرد، وهو مسن، ليس في هيكل من اللحم ما يقي عظامه المقرورة، ولو كان معافى لما شكى، لكنه مريض، مبهور الأنفاس من السعال، معصوب الرأس، يحرك عينيه بعناء كأن السعال قد شدهما في محجريهما بخيوط قوية. . . ما كان أحوجه أن يأوى الى فراشه! لكنه آثر أن يشتغل الليلة، ليظفر بيوم راحته في الغد، لأن الغد (عيد الميلاد) وهو يريد أن يبقى في البيت مع زوجته (كتُّورة) وابنته (ياسمينة) يستقبل المهنئين بعودة الأيام، والمتمنين أن يمضي الحول، فاذا بياسمينة أم لطفل جميل.

وإذ ذكر (عم لوقا) فناته ابتسم، ونظر في ساعته يتعجل ميعاد العودة، ثم أرسل بصره في الطريق أمامه، وابتدأ يغرق في تأملاته: كم له من السنين وهو يقف هذه الوقفة؟!. . إنه الآن شيخ! كان فتى عندما ارتدى سترة (المصلحة) للمرة الاولى. كان وجهه ناضراً، وشاربه أسود مفتولا! وكان له حاجبان جميلاً! وكان شعره مرتباً معطراً!. . أما الآن فقد صار يابس الوجه! ظهر الشيب في حاجبيه، وعبثت بجمالهما الأيام! ولم تعد رأسه معطرة مزينة، بل استغنت عن المطر بأرد الصابون؛ ولم يعد للمشط معها شأن، لأن شعرها قد انتحل، ولم تذر الأيام منه غير بقايا مبعثرة متباعدة. . . وندت عن صدره آهة طويلة وهو يغمغهم: (ما أعجب أمر الحياة!!).

واكتابت نفس (لوقا) واشتد عليه صداعه، واستيقظ سعاله، فاضطربت الصور في مخيلته، وانهدت قواه، ولم يعد يملك كل وعيه، وصار يستقبل بذهول هذه الأصوات المنصبة في أذنيه من ضجيج العجدلات، وصريرا لآلة، وهمهمة الأشجار في أذن الليل. . . فلما وصل التراتم الأهرام تهالك في مقعده، وأغمض عينيه وهو يتحسس بيده جبهته الملتهبة، ويحدث نفسه: لا بأس. سأقضي العيد مع ياسمينة، وارتسمت فوق شفتيه ابتسامة سعيدة، ورقص شاربه الفضي.

حاول لآن ينام ريثما يحين وقت العودة، لكن الالم كان يحتدم في جمجمته، ويتردد في عظامه فيعيده إلى اليقظة. . . وأخيراً آثر أن يفكر، وأن يرسل روحه في ماضيه.

واضطربت مقلتاه خلف جفنيه المقفلين! فقد ذكرلا (آلة القيادة). آلته المحبوبة، التي يحركها فتندفع المركبة، وتشق الطريق وهي تغنى بعجدلاتها فوق القضبان!. . واشتاقت يده أن يلمسها، ويشركها سعادته بالعيد، فمد نحوها يديه، ما أعزها عليه! أليست رفيقة حياته، وعشيرته الدائمة، كزوجته كتورة سواء بسواء!.

وتقلصت ابتسامته عن شفتيه!. ذكر سيئات آلته، وانها لم تكن له مطيعة ولا موانية في بعض الاحيان. وبدت امنام عينيه صور أشلاء مبعثرة، وطربوش فارق جبهة هشمتها العجلات. ودم قان يبلل الحصى ويصبغ القضبان!. . وذهب يستر عينيه بيده المرتجفة النحلية، فقد ذكر موقفه في قفص الاتهام، في محكمة الجنايات، والنائب يحدث المستشارين قائلاً: كان الصبي وأخته في طريقهما إلى المدرسة عندما دهمهما هذا الرجل الشرير المستهين بالارواح من العدل أن ينال أقصى القصاص.

لقد برأته المحكمة. (ومضت عشر سنوات) لكنه يشعر للآن أنه مذنب. وأنه قد ارتكب خطأ ما. وخيل اليه ان الصغيرين ينظران اليه بعيون بريئة عاتبه مملوءة بالألم. وأن أبويهما يجدد ان الحزن في العيد ويذهبان الليلة الى الكنيسة في ثياب سوداء يلتمسان العزاء ويسألان النعيم لولديهما والسلوان لأكبادهما الحرى، فانسابت الدموع من بين جفنيه وبللت وجهه النحيل، وغمغم بصوت حزين (رحماك يا رب)

وارتد فكرة من هذه الجولة في الماضي. وذكر أن (ياسمينة) تنتظره ليشاطرها طعام العيد ورأى مائدة شهيةـ متعددة الالوان عقب أيام الصوم. وما تنالو فيها من طعام غليظ مجهز بالزيت، فسال لعابه. وبدأت اساريره تنبسط. . وبدأ يصفح عن آلته العزيزة وما فعلت طالما مكرت به كتورة واذنبت اليه وسامحها فلا ضير ان سامح آلته المحبوبة.

وأخذ القمر يغالب الغمام ثم احتجب، وأظلمت الدنيا وامتدت ظلمتها الى روح (المعلم لوقا). . عاد فذكر شيخوخته، وان الحياة ستتبرع له بأيام أخرى قليلة إن كانت كريمة. من يدري قد لا يأتي عليه عيد جديداً. . قد تقضى (ياسمينة) العيد الآتي وحدها، وتشتمل بثوب أسود، وترسل أثوابها الزاهية الملونة الى المصبغة: ويطفئ الحزن لمعان عينيها، ويذهب ببهجة قلبها، وتصير ابنة يتيمة منكرة!. .

نشر يديه في الهواء كأنه يحاول ان يحميها، ثم سقطت يداه فوق ركبتيه، وانتابته رعدة، وأخذ السعال يصخب في صدره. ففتح عينيه وأخذ يحدق في الظلام وقديمم وجهه شطر الصحراء ورأس نفسه يرتقي الاهرام كما كان يفعل ايام الشباب! وخلال انه جالس على القمة يستعرض الحياة من هناك، ويرسل بصره من مكانه العتيد في القفر البعيد الممتد!. . هو واحد من هذه الهوام الزاحفة على ظهر الارض يسحقها الموت بقدمه وهي تسعى، فتضير نسياً منسياً كهذه الحشرة التي يدوسها عابر السبيل!.

وبدت له الحياة متعبة ثقيلة لا خير فيها. . . ما اشبه برجل سائر على الرمال، تائه ضال، يسير نحو مصير مجهول تضربه الشمس، ويقرسه البرد، وتروعه وحوش الفلاة. . . يسير ويسير، وهو ينشد الواحة. ويحتمل الصعاب والمشاق على أمل أن يستريح عليها راحة الأبد، ولا يعود يخشى عرياً ولا جوعاً. . .

ماذا كسب من حياته!. . لا شيء. عمل، وعرق، وخبر. . . ليست هناك مسرات. ولد وتألم، سيموت. لم يبق غير المرحلة الاخيرة. . .

وحدق في الآلة التي امامه، وهي جالسة صامتة، تنتظر يده لتدور، وتفنى الوقت في الدمدمة. لم تعد جميلة في عينيه! ود لو يحطمها! رأى نفسه عبدا لها مربوطا بها يطوف واياها حول المدينة كما تطوف البقرة الذلول حول الساقية كل النهار. أي فرق بينهما!. . بل انه اسوأ منها حالاً! هي تعمل لقاء حفنة من الشعير، وهو يعمل لقاء أجر لا ينيله بين الناس الترف الذي نالته بين البهائم. . .

ماذا أصاب من حياته!. . تنبهت روحه، وأحس كأنه قد حمل على كتفه من ركبوا معه طيلة مدة خدمته. ذكر مركبة الدرجة الأولى التي تكون الى ظهره اذ يقود الترام. وذكر المترفين الذين يصعدون اليها. ناس من طينة غير طينته. ليسو قوما مملقين متعبين مثله أيديهم ملساء ناعمة لم يجر عليها العمل الشاق. وجباهم منبسطة مطمئنة لم يبللها عرق الكفاح، وليس على وجوهم ثوب الذل الذي نسجه على وجه الضنك والزمان اللئيم. . ذكر كبرياء بعض السادة وعجرفة بعض السيدات. وخشيتهن على أثوابهن الجميلة أن تمسها سترته الخشنة أو يداه الشقيتان.

ذكر كم منهم ومنهن يندفعون الى باب المركبة وهو يهم بالمسير فتكاد أقدامهم تزل، فيقتحمونه بأبصارهم وتزدحم أفواههم بكلمات الازدراء والتحقير، ويصعقونه بأبصارهم الآلهة وهم يصرخون (يا اعمى) بينما يقيدون (نمرته) في مذكراتهم ذات الجلد الجميل المزركش، ليبلغوا شكواهم الى الشركة، حتى تجزيه بخصم بضعة أيام من راتبه!. . كم من الأيام عمل بلا اجر، بفضل هذا العنف من الناس! كم غضب ويئس وطاش حلمه. ورد لو يقتاد المركبات الى النيل لينتقم ويستريح. . عاد الى حلق المعلم لوقا طعم المرارة الذي يغص به المضطهد والمظلوم. وامتدت انامله المرتجفة الى القطعة النحاسيةالمعلقة بياقته. وقد نقشت عليها (نمرته) فأحسن كأنه مسجون محكوم عليه بالعمل الشاق مدى الحياة، وغمغم. (يا رب رحماك!. .)

ونظر في ساعته. . . بعد قليل سيعود الى القاهرة. سيجمع في طريقه الخارجين من المسارح والصالات. عشاق مسرات الليل زبائنه الدائمين، وشر الراكبين. رحم الله ايام الماضي! لم يكن الناس قد تعلموا الافراط في السهر، فلم يكن الطريق يزدحم عندما ينشطر الليل. وكان يسوق بسرور واطمئنان لا يخشى شيئاً، لأن الطريق خال والناس في مضاجعهم يستقبلون احلام الفجر. . أما الآن فيجب ان يجلو أعصابه ويشحذ حواسه، ويلزم جانب الحيطة والحذر، لأن الحانات بدأت ترفض المتهالكين على الشراب، وتطرد النائمين فوق الموائد. وهم الآن مبعثرون في الطريق يترنحون وقد يحلو لبعضهم أن يداعب السائق، أو يغني وهو جالس بين القضبان!.

وقد بدأت الصالات والمراقص تلفظ روادها. دور الدعارة تتقيأ من ابتلعتهم أول الليل. والفتيات خارجات من دور السينما في رفقة الفتيان! في ذراع كل فتاة شاب! والذراع حار! لا تحلو لهم إلا حفلات الليل! تنهد (المعلم لوقا) وهو يفكر ويحدث نفسه: رحم الله ايام زمان! أيتغير الناس هكذا! أين جيل (كتورة) وعهد الحرائر! أين الثياب الفضفاضة! أين البرقع الابيض. واليشمك، والحبرة! ذهبت الحشمة وولى الوقار الادبار من (بر مصر)!. . ولم يعد النساء يعنين بصيانة أجسامهن من عبث الناظرين لا يرى فقدت هيبتها وأصبحت وسيلة بنات البلد لهز الاارداف!. .

ومض السخط في عيني (المعلم لوقا) وحوقل وهو يعيد في ذهنه صورة هؤلاء الفتيان الذين وقفوا بجانبه بالأمس بعد منتصف الليل. كانت رائحة الخمر تنبعث من أفواههم، والكلمات البذيئة تتكاثر عند شفاههم كما يتكاثر الذباب عند الأقذار. كانوا يتهامسون متهكمين بطربوشه الباهت الملوث، وكيف اسودات حافته. . . وأخذ يجذب شعرات شاربه بعنف وأنامل متوترة!. .

واتسعت حدقتاه فجأة!. . صور عنيفة كانت تخطر أمام عينيه! ذكر أنداد هؤلاء الغلمان من أربعة عشر عاماً خلت. . كانوا رجالا بأرواحهم فتياناً بأجسادهم. لأن الزمان كان يخلق في الفتيان جهد الرجال. كانت الأرواح كاملة النمو تامة النشاط. لم يكونوا يتحدثون عندما يقفون خلفه عن الفتيات والموادات، لأن حديثاً آخر كان يشغلهم. ولم تكن تنبعث من أفواههم رائحة الخمر بل قد كانت تقبل الى قفاه اذ يتناقشون أنفاس حارة، نرسلها صدور ألهبها الشوق للحرية. لم يكونوا ضاحكين ساخرين، بل قد كانوا أغلب الوقت حزانى واجمين، ينظرون في صحف الليل فيصمتون ويطيلون الصمت، وهم يحدقون في أعمدة الصحيفة بيضاء لا كتابه فيها، لأن يداً تحب مصر تبعثر الحروف المصفوقة حتى لا تستيقظ الأرواح لكن الأرواح يقظي متنبه، تقرأ الحديث، وتعلم الخطب وإن لم يكن كتوباً!. .

لم يكونوا يتهكمون به، بل قد كانوا يحدثونه عن مصر الفتاة، والمستقبل، والأيام الآتية!. . ويناشدونه ان يلبي داعي الوطن يوم يطلب الوطن المضني دماء بنيه يجدد بها الحياة.

وازدحمت أمام عيني (المعلم لوقا) الصور المجيدة. وبكى كأن العام 19، والتلاميذ عائدون من مدارسهم يملأون الترام ويكونون مواكب جميلة متنقلة هاتفة للحرية! وهو القائد لهذه المواكب لانه السائق، قائد فخور تياه، لا يزعجه رفيف الرصاص، تطلقه أيد أثيمة. مشتاقة لابادة الارواح. دائبة على صراع الأحرار. وتمثل في ذهنه صورة الفتيان وهم يسقطون مجندلين يهزون الأعلام في أيديهم وهم يتخبطون في دمائهم. وذكر كيف غلى الدم في عروقه فقفظ من الترام وتلقى العلم عن أحد الشهداء وذهب يعدو في الطرقات يزأر بأن الحياة لمصر والنيل لبنيه!. . وأحسن بدم البطولة يعود فيجري في عروقه، ويجدد في صدره الحياة، فشمخ بأنفه، وصعر خده، وابتسم ابتسامة استحمت في الدمع المتهاطل من عينيه، ودس يده في جيبه يلتمس علبة سعوطه وأفرغ ما فيها في أنفه وهو يغمغم! (ياما شافت العين يا لوقا. .)

وكأن صدره لم ييحتمل هذا الأنفعال فاستيقظ سعاله، وأخذ يعبث بانفاسه في غير رحمة ولا هوادة، حتى اغرورقت عيناه وانصدع جنباه. هي نزلة شعبية مزمنة مضت سنين وهو يتطبب، وينفق في الادوية نصف اجره الضئيل على غير جدوى. ولم تكن النوبات بادئ الأمر حادة هكذا ولكن مهنته هي التي قضت عليه استقبال هواء امشير البارد وهواء بؤونه الناري هو ما أحدث هذه التهيجات بصدره واتلف رئتيه. . كم هم بترك العمل، ثم كان يذكر حاجة عياله للقوت. فيعود وهو ناقم. يعود لخدمة سيد يرى أرواح خدامه أرخص من أن تفتدى بالواح من الزجاج تقيهم تغيرات الجو! ليس أمامه الا ان يخضع، ويحتمل، ويدفع ثمن قوته من حياته، وينفق سلفا أيامه الآتية ليتقي غوائل الجوع في الغد القريب!. .

ولم تتركه غلته ليفكر، وبدأ يسعل من جديد. . وتنهد. . لو كان له أولاد لكان الآن في دفء الفراش. رجل سيء البلخت. دفنهم بيده اربعة. غيبهم التراب وهم في سن الشباب ليتهم ماتوا صغارا كاخواتهم الآخرين قبل ان تتعلق روحه بهم ويحبهم حبا مفرطا كانت يد المنون تقصفهم كما تقصف الريح السنابل وقد بدأت تمتلئ بالقمح. .

واشتد البرد، وازداد الليل حلكة، وساد الارجاء صمت عميق، وأخذ الرجل ينتفض، خيل إليه أن أولاده الأربعة يحيوطون به، جالسين في اكفنمهم لا تبين منهم غير وجوهم الشاحبة، وانهم يعتبون عليه اهماله في علاجهم، وعدم مواظبته في السهر عليهم في مرضهم، وأمضه هذا الخاطر وأقلق روحه، وذهب الشك الماكر يعذبه، وذهب الوهم يصور له انهم يحتضرون الساعة بين يديه، وانه يسبل أجفاههم، ويطبع على جباههم القبلة الاخيرة.

كان يحسب أن الجراح قد اندملت، وأن يد النسيان قد مسحت الاحزان عن صدره، فاذا بالذكرى تمزق هذه الغشاوة الرقيقة التي نسجها الزمان وإذا بالجراح تتفتح، وإذا به يحسن ان بين جنبيه كبداً قد اخترمها الأسى، فلم يبق منها غير قطعة كالاسفنج راوية من قيح الحزن وصديده.

ووضع يده على جنبه يلم بها حشاه الممزق، وأخذ يبكي. . يبكي؟!. كيف! لم يكن يبكهم وقد كان الحزن جديداً، لأنه كان وقتذاك رجلا قوياً. وكان يزعم أن البكاء للاطفال والاحتمال للرجال، لأن الرجل كفؤ لحمل اثقال الهموم. بل قد كان ينكر على زوجته أن تعول ونتحب، ويطلب منها أن تكون امرأة صبوراً قوية، وكم اختطف حزام من وسطه وانهال عليها بالضرب الموجع – لترأفبنفسها! فما باله الآن يبكي وقد صار شيخاً؟! ان الاطفال اضراب للشيوخ في الابانة عن عواطفهم!.

وأهمته هذه الفكرة، وأزعجه أنه صار ضعيفاً يضطهده الحزن فلا يستطيع حبس دمعه، وكتم أنينه وحدث نفسه: (والله طيب يا زمان! بقيت عيل يا لوقا! فين عزم الرجال!. .)

وصعب عليه الامر فاستخرط في البكاء وأخذ ينشج نشيجاً عالياً. وإذ هو في بكائه فاجأته نوبة السعال، وكانت هذه المرة قوية مجتاحة متلفة. . وأحس (المعلم لوقا) كأن روحه تتسرب من بين جنبيه. وكان أعضاؤه ترتجف وتتشنج، وأنفاسه تختلج في صدره اختلاجاً قوياً. ثم أخذت حركته تهدأ، ورعدته تسكن، وأنفاسه تعود الى الخمود.

وشعر (لوقا) في تلك الآونة بشوق شديد لياسمينة، وخيل له أنها مقبلة اليه فابتسم، ومد نحوها يديه، ثم سقطت يداه الى جانبه، ومال عنقه الى كتفه. .

وأزف وقت العودة، وذهب (الكمساري) يتفقد صاحبه، وهمس في أذنه: لوقا. كل عام وأنت طيب. الدنيا برد. سوق بسرعة هلكنا. يتوب علينا!. .

كان لوقا فاتحا عينيه يحدق في الفضاء، لكنه لم يجب رفيقه، فاغتاظ، وظنه لا يحفل بحديثه فلكزه واذا به يتداعى بين يديه. .

وظهر له ما خفى من أمر زميله، وحدق في عينيه فلعم أن (المعلم لوقا) قد أنتهى أمره مع الحياة فاسبل جفنيه. ومزق السكون صوت ينادي: (لا حول ولا قوة الا بالله. . . انا لله وانا اليه راجعون!. .

كانت (كتورة) تغط في النوم، وكانت الأبنة جالسة في ثوب العيد تنتظر أباها وقد لعب القلق بفؤادها، فلما قرع الباب تهلل، وجهها وهتفت وهي تضع يدها على المزلاج: (ابي، كل عام، وانت بخير).

ولم يجب أبوها، لأنه كان نائماً على كتف رفيقه. وكان يبدو على وجهه ان نعاسة عميق، وانه لن يستيقظ سريعاً، وحدق ياسمينة في وجهه لعله يلين ويستيقظ، فلم تظفر بغير تلك الابتسامة الواضحة على شفتيه، كان كان سعيداً، موفور السرور بالوصول (الى الراحة)

قصة

منــــــــال

إني نشأت يتيما لا أعرف لي أبا إلا أخي‏,‏ وإني لأري نفسي وأنا أمشي إلي جواره طفلا تنتهي قامتي عند مرفقه وينقر علي رأسي بأنامل يسكنها الحنان‏..‏ ولم يذهب من أذني أبدا صوته العطوف وهو يخاطبني في كل أمر وكأني مثله رجل كبير‏,‏ وفي تلك الأيام لم نكن نستقر في مكان‏..‏

وكان عمله يقتضيه الانتقال من قرية إلي قرية‏..‏ لكي يصلح‏,‏ ويشرف علي صيانة ماكينات الري‏.‏
ومن أجل ذلك كانوا يسمونه الباشمهندس‏,‏ وقد عرفت فيما بعد أنه لم يكن يحمل شهادة في الهندسة‏,‏ ولكن كان مع ذلك خبيرا بحرفته خبرة ذائعة تدعو أصحاب الماكينات المعطلة إلي انتظاره‏.‏

كما ينتظر أهل المريض طبيبهم في لهفة وترقب‏.‏
وكان ذلك يروقه‏..‏ ويهمس لي كلما نجح في اصلاح عطب‏,‏ وفي صوته زهو‏:‏ انظر إلي هذه الحقول الخضراء‏..‏ اني من أسباب خضرتها‏..‏ لولاي لجفت وقتلها الظمأ‏.‏

وذات مساء قال لي أخي‏:‏ سنبقي في هذه القرية مالك الأرض يضره توقف الماء‏..‏ وقد اتفقت معه علي مرتب‏..‏ حقا ان أرباحي الآن أكثر‏..‏ ولكن تنقلاتي تعطل تعليمك وينبغي لك منذ الآن ان تواظب علي دراستك‏.‏

وقبل تعيين أخي كان يدير وابور الري اسطي اسمه عباس‏..‏ وقد مضي عباس في خدمة المالك سنين لم يألف فيها ان يكون له رئيس ولذلك لم يبد عليه أنه سعيد بمقدم أخي‏..‏

وزاده غضاضة اننا أعطينا بيتا من البيوت المخصصة لكبار الموظفين‏,‏ وقد علق علي ذلك بقوله‏:‏ الناس مقامات ياباشمهندس‏,‏ وهو يخفي تحت الابتسام مرارة التهكم‏.‏

وبعد أيام تعطلت الماكينة الكبيرة ووقف عباس يراقب أخي وهو يحاول اصلاحها‏..‏ وعلي سيماه خوف التلميذ بين يدي معلمه‏.‏
ولكن المعلم مني هذه المرة بالاخفاق‏..‏
ومضي النهار وهو عاجز عن أن يصنع شيئا‏..‏ وخشوع عباس أخذت تطفو علي سطحه‏..‏ الشماتة‏.‏
وقال أخيرا‏:‏ أنا ذاهب لأنام تحت التوتة في الفضاء‏..‏ ايقظني إذا دارت هذه المخروبة‏.‏
ولكنه تننوقف عند الباب واستدار وأضاف‏:‏ ليت صاحب الأرض لايعلم حتي لايقول جبتك ياعبدالمعين‏..‏ واختفي قبل ان يكمل المثل ولو بقي لرأي أخي والاصرار يخالط العرق علي جبينه‏.‏
وقبيل الفجر أثمر الاصرار ثمرته‏..‏

ودارت المخروبة‏.‏ وفي الطريق قال لي أخي ويده المتعبة تستقر علي رأسي كدأبه‏:‏ الماكينة مظلومة يابني‏..‏ عباس عطلها عمدا لكي يثبت عجزي‏,‏ ولكن الله وفقني وعرفت علة الخلل‏.‏
واندفعت أقول له وقد اخذني الغضب من هذه الحادثة لابد ان تفضحه أمام المالك ولكنه ضحك وقال بصوت يندفع فيه الاعياء بهدوء‏:‏لاياهاني‏..‏ سأعالج الأمر بالحب لأن الحب يغلب‏..‏
لم أفهم قصده‏..‏ ولكني فهمت فيما بعد‏.‏
في الاسبوع نفسه مر صاحب الأرض وسأل أخي عن خلل الماكينة‏,‏ فأجابه أنه ماكان ليهتدي إلي سببه لولا ان عاونه عباس علي أمره‏..‏ وقبل ان ينصرف الباشا قال له أخي‏:‏ ياسيدي ان لي رجاء‏..‏ البيت الذي خصصتني به بجوار الموظفين الكبار أكرمتني به ولم تكرمني‏..‏ جيراني ليسوا من طبعي‏,‏ فهم ناس متعلمون يتكلمون في أمور لا أفهمها‏..‏
أنا في السياسة بجم وفي الفلسفة مثل هذا الحمار الذي يجر هناك‏.‏

أنا بينهم كالأطرش في الزفة‏..‏ مهندس نعم‏,‏ ولكن مهندس بنور الله‏…‏ لم أذهب إلي كلية‏..‏ ولم تكتحها عيناي باسمي في شهادة‏..‏ فارحمني ياسيدي من البيت الفقر‏,‏ وانقلني إلي المسكن الخالي الملاصق لمسكن الاسرة‏..‏ عباس رجل يفهمني وأفهمه‏..‏ يأكل مثلي علي الطبلية ولايستنكف ان يتمني بوجهه علي مجري الماء الاسمر ويلعق منه‏..‏ ويعود مثلي آخر النهار وعلي بدنه العفريتة الزرقاء إلي البيت وعلي وجهه الشحم والزيت والتعب‏..‏ طريقنا واحد فكيف لانسكن جنبا إلي جنب؟ وقال المالك‏:‏ أنت مش وش نعمة‏..‏ ولكن لك ماتريد‏.‏

وقبل شهر فهمت ما يقصده أخي من ان الحب يغلب‏..‏ ان عباس انقلب من عدو إلي ولي حميم‏.‏ولم يكن يصدر في طبعه عن دهاء وحذر‏,‏ ولم يكن همه منصرفا إلي اتقاء اذي عباس‏,‏ ولكنه كان يهفو لي أن يكسبه صديقا‏..‏ اكتساب الاصدقاء وتحصيل الحب كان هوايته ولذلك لم يكن يعنيه ان يندم عباس علي اساءته ويطلب غفرانه‏..‏ وكان أجمل من ذلك عنده ان يبادله الابتسامه‏,‏ ويتأبط ذراعه ويقتطع من رغيفه لقمه يأكلها بشهية‏.‏

ولست أدري كيف صارت اسرة عباس اسرتنا‏.,‏ ولامتي أصبح خبزهم خبزنا‏..‏ كل ما اذكره ان ذلك حدث من غير عمد وبلا كلفة‏.‏
وفي أيام كثيرة كنت استيقظ في الصباح لأجد نفسي نائما عند أفرنجية‏.‏
وأفرنجية كانت زوجة عباس‏.‏وقد سميت كذلك لأنها ولدت شقراء‏..‏ شعرها فاتح وعيناها زرقاوان لاتستطيعان مواجهة ضوء النهار من وراء أهداب في لون قش القمح‏.‏
وعندما رأيتها أول مرة لم أكن قد قابلت من قبل عدوا للشمس‏..‏ وأصابني من لون بشرتها شعور‏,‏ وأنا اصافحها بأني أضع يدي في شيء من الدقيق‏,‏ والنوم عند أفرنجية كان لذيذا‏..‏ فقد كانت لها ابنة في مثل عمري‏,‏ كانت منال أحسن حظا من أمها‏,‏ ورثت منها حسنها ولونها ولم ترث عدواتها للشمس‏.‏
وكانت منال شيئا كالدمية‏..‏

دقيقة الصنع‏..‏ النظر إليها يذهب بالملل ويضع ضحكات صامتة قريرة داخل النفس‏.‏
وفي ليالي الشتاء الباردة‏,‏ في تلك القرية السحيقة من قري الدقهلية كانت أفرنجية تفرش لنا السجادة فوق الفرن بعد ان يذهب دخان الوقود‏..‏
وكنت أقبع إلي جوار منال ريثما يفرغ أخي من مشاكل ماكينات الري‏..‏ ولكن اخي لم يعد ليجدني مستيقظا أبدا‏,‏ فقد أتقنت التناوم والغطيط‏..‏ ولم يكن النظر إلي وجه منال الملائكي شيئا يمكن التفريط فيه‏.‏

وبعد أن يذهب أخي بدوني أطلق سراح مقلتي الحبيستين تحت جفوني وانظر من فجوة اللحاف إلي عباس وهو جالس إلي الطبلية يمضغ طعامه بصوت مسموع‏.‏
وكان يعيني علي احتمال هذا الصوت ان افرنجية كانت تغني وهي تروح وتجيء بصوت أحمر لو ان للأصوات لونا‏..‏ وكانت كلمات الحب تنساب حلوة من بين شفتيها وكنت أري ظللها وكأنه يرتعش كلما طرحه المصباح علي الحائط‏..‏ وأرد بصري إلي محياها وألمحها ترنو إلي عباس وهي تغني‏..‏ ولكن غناءها لم يكن يزيده كما يزيدني صحوا‏..‏ ويغمض عينيه فجأة وينبعث من أنفه صفير قبيح وتكف أفرنجية عن الغناء‏..‏
ولكن الرياح كانت تذهب بالرماد في الصباح‏..‏ وكان غناء افرنجية يصل إلي أذني وأنا في قمة شجرة التوت القريبة من البيت أهز أغصانها ومنال راكعة تحتها تجمع ثمرها الحلو وترفع نحوي وجهها الضاحك‏,‏ تطلب المزيد‏.‏
وتمضي السنوات وغناء أفرنجية لاينقطع‏..‏ ولكن الصوت الذي تخيلته دائما أحمر صار أبيض في مشاعري صوت به برص‏..‏ به عداوة للشمس ونفور من النور‏.‏

وانقطع الصوت فجأة‏..‏
كان ذلك في آخر عام من أعوام دراستي الثانوية التي واصلتها في مدرسة المنصورة وكنت أعود إلي القرية علي دراجتي آخر النهار‏,‏ وفي ذلك المساء وصلت إلي البيت وأنا واثق ان غناء أفرنجية وشيك الوصول إلي أذني ولكن الصمت الذي لم أتعوده اشعرني في الحال بغيابها‏.‏
وفي مثل تلك الساعة كنت أجد أخي في البيت ولكن الباب كان مغلقا ولم يكن في البيتين ضوء ينبعث من الداخل وذهبت إلي الماكينة‏..‏ ورأيت وجه أخي مكفهرا‏..‏ وقال لي وصوته شاحب‏:‏ إني أعمل بدلا من عباس لأنه غائب‏..‏
وسألت أخي‏:‏ هل تطول غيبة عباس؟
وصمت طويلا ثم ابتدرني‏:‏ كبرت‏..‏ إذا أئتمنتك علي سر‏..‏ هل تحتمله أم تفشيه؟ عباس ذهب يبحث عن زوجته‏..‏ فقد هربت مع عشيق‏..‏من كان يتصور ان هذه الزوجة الطيبة‏….‏

وهممت أن أصرخ به‏:‏ أنا اتصوره‏..‏ القصة فيها فصول مودعة في ذاكرتي منذ كنت صبيا‏..‏ وعباس يحمل بعض الذنب‏..‏
ولكني بدلا من ذلك وجمت‏..‏

وسكت اكتفي بالتفكير في أمر منال‏..‏ ماذا يحدث لها عندما تعرف؟
وكانت منال بعيدة عن القرية في تلك الأيام‏..‏ فانها كانت طالبة في الفنون الطرزية في القسم الداخلي‏..‏ ولم تكن تحضر من المنصورة إلا في الاجازات الكبيرة‏.‏
وتنبهت علي صوت أخي يقول‏:‏
مسكينة منال‏..‏ يجب ان نتعاون علي حجب الحقيقة عنها‏.‏

وهكذا انبئت عندما عادت إلي البيت أن أمها سافرت إلي أقارب لها في المنوفية‏..‏
ولم تكره منال غياب أمها‏..‏ فان كلمات الحب التي كانت تغنيها أمها كانت لاتزال عالقة بالاوراق الخضراء التي تكسو أغصان شجرة التوت وكانت تشتهي ان تغنيها بصوتها‏..‏ في اذني‏.‏

وانتهت العطلة‏..‏ وعادت منال إلي المدرسة قبل عودة أمها من رحلتها‏,‏ ولكني لم اقترب من مدرسة الفنون الطرزية‏,‏ كما كنت أفعل من قبل‏,‏ ولم أظهر لمنال التي تعودت ان تراني من نافذة بمبني النوم في بعض الامسيات‏,‏ ولم اتلكأ حول السور لكي أبادلها نظرة‏,‏ وهي تقف مع زميلاتها في الفسحة بين الدروس‏.‏
وهكذا كنت بعيدا عنها عندما جاءها أبوها بذلك النبأ الملفق عن موت أمها‏..‏ وكان هذا الموت آخر ما يلجأ إليه لتعليل غيابها بعد أن أعيته الحيل في العثور عليها وذهب بحثه سدي‏.‏
ولكي يحمي عباس تلفيقه ترك عمله عند صاحب الارض إلي عمل آخر في عزبة نائية حريصا علي ألا تعود منال إلي القرية بعد انتهاء العام الدراسي وأن تظل بمنأي عن الحوادث‏.‏

وظننت أن ذلك سيغنيني علي الهروب من الحب العذب‏..‏ ولكني فوجئت برسالة منها تبوح لي فيها بأن هذا البعد بيننا قضي علي آخر ما كان يمسكها بالحياة‏,‏ وانها لاتدري لماذا تعيش بعد أن صار يعوزها حتي البكاء علي صدري‏.‏
وكان توسلها الكبير المبلل بالدموع أشبه بالنداء الآخير الذي ترسله الباخرة قبل ان تغرق ومع ذلك صممت اذني وقلت لنفسي في حزم‏:‏
نعم‏..‏ أنا عبدالتقاليد‏..‏ ودماء الريف الغبية تجري في عروقي‏..‏ لن أتزوج‏..‏ أمها هربت

وبدلا من أن أذهب إلي منال‏,‏ شددت رحالي إلي القاهرة بعد أن قبلت أوراقي في كلية الهندسة‏.‏
ومضي عامان‏..‏
ولكنهما لم يذهبا بمنال من رأسي‏..‏
حاولت أن أنساها بالدراسة الشاقة‏..‏
وأصبحت في المقدمة‏..‏ ولكنها بقيت في رأسي‏..‏
وقال لي الخزلان انسها وامحها من ذاكرتك إلي الأبد‏.‏
وخضت من أجل ذلك صمودا فائقا‏.‏

ولكن الحريق الذي حسبته انتهي يشتعل فجأة حين وصلتني برقية من أخي يقول فيها‏:‏ تزوجت منال‏..‏
وكتبت إليه‏:‏ لاشك انك جننت‏..‏
فهل تتزوج وأنت في الخمسين فتاة في نصف عمرك؟ وهل نسيت؟
ولكني مزقت الرسالة قبل ان أكملها‏,‏ وبدلا من ان ابعث بها استقبلت العروس في بيتي‏..‏ جاء بها أخي إلي القاهرة في رحلة شهر العسل‏.‏
وفي الاسبوع نفسه وصلت إلي أخي برقية من القرية تفيد ان ماكينة الري تعطلت والمحصول في نقص خطير‏.‏
وقال أخي في مرح‏:‏ سأصلحها في غمضة عين وأكون هنا في الصباح‏.‏

وتركني لمنال‏..‏ لا أدري كيف صارحتها في اللحظة التالية وأنا أصرح‏:‏ انك سر أمك‏..‏ هل تحسبينها ماتت؟انها هربت‏.‏
وثبت منال من الشرفة من ارتفاع سبعة ادوار‏..‏ هل وثبت لأنها كرهت الحياة؟ أم حاجز الشرفة كان قصير وتعثرت فيه قضاء وقدرا‏..‏
لست أدري‏,‏ الذي أدريه انني قاتل في الحالتين عندما لطمت منال بالحقيقة‏.‏


أمهات في منفى يوسف جوهر

شريف الوكيل

كتب يوسف جوهر عددًا كبيرًا  من القصص منها سميرة هانم ونار ورماد وعلى الرغم من أن القصة القصيرة قد استأثرت بالكاتب زمنا طويلا من حياته، إلا أن السينما قد وجدت فى هذه القصص مادة صالحة لأفلامها فظهرت قصصه فى عديد من الأفلام، كما شجعته على أن يقوم بكتابة السيناريو لبعض أعمال توفيق الحكيم(الرباط المقدس والأيدى الناعمة) وأيضا طه حسين (دعاء الكروان)

بدأت كتابات يوسف جوهر فى الظهور للقراء عام ١٩٤٠ من خلال  صفحات آخر ساعة والرسالة والثقافة وأخبار اليوم، التى اختصها بإنتاجه لسنين طويلة، وفى عام ١٩٤٥ فاز يوسف جوهر بأول جائزة من  مجمع اللغة عن روايته “عودة القافلة” وكانت هذه الجائزة بمثابة الاعتراف بيوسف جوهر كاروائى من أساتذة كان هو شخصيًا يدين لهم فى تشجيعه ورعايته فى مقتبل حياته الأدبية منهم محمود تيمور واحمد حسن الزيات ومحمد فريد أبو حديد وأحمد الصاوى محمد .

كتب جوهر  للمسرح مرة واحدة فقط بالاشتراك مع الفنان سليمان نجيب، وكانت بعنوان «كلنا كده» وتحولت تلك المسرحية إلى فيلم سينمائى، وكان من أول الأعمال التى أدخلت يوسف جوهر إلى عالم السينما

وقد وقع الإختيار على روايته الشيقة “أمهات فى المنفى” وقد  تحولت إلى فيلم من إخراج الفنان محمد راضى، ولعب شخصيات الرواية/الفيلم مجموعة كبيرة ومتميزة من نجوم السينما ، تتقدمهم الفنانة أمينة رزق، يرافقها عادل إمام وإسعاد يونس وماجدة الخطيب والسيد راضى، والفنان جلال الشرقاوى، وإيمان ونجوم آخرين… تظهر رواية يوسف جوهر

أن المال يمكن أن يكون نقمة على أصحابه وليس نعمة فى بعض الأحيان، وأنه طارد للسعادة بل ربما يجلب معه التعاسة أحيانا أخرى ، ليصبح العيش معه نوع من العذاب المقيم…وتصنف راوية “أمهات في المنفى” أنها رواية واقعية بل شديدة الواقعية، نظرٱ لأن جميع أحداثها قريبة منا جدٱ، وليس لعنصر الخيال دور فيها، لأنها تحدث كثيرٱ جدٱ ويمكن للإنسان أن يصادف في معاملاته اليومية شخوصاً كشخوص يوسف جوهر بجميع الخصائص التي صورها لهم دون مبالغة…فالرواية إستمدت وقائعها من البيئة المصرية الصميمة بعدما طغت المادة فوق كل المشاعر الإنسانية،  وإنجرفت النفوس نحو هذا التيار الطاغي، فضاعت القيم الأصيلة الراسخة من تراحم وود وعطف ومشاركة إنسانية وجدانية، وتضحية تصل إلى حد البذل والفداء، فأصبحت المادة هي القيمة العليا فى حياة معظم البشر، يهرع نحوها الناس فى سباق محموم  يطلبونها  إطلاباً، متوسلين إلى ذلك بالمشروع من الوسائل وغير المشروع منها، وهو الأرجح والأعم، ليسود بين هؤلاء البشر المبدأ المكيافيلى الأشهر “الغاية تبرر الوسيلة” فيتحول البشر لثعالب تتظاهرَ بالرحمة، وحفظِ الوعود، والشعور الإنسانيِ النبيل والإخلاصِ، والتدين، وتلتصق بهذه الصفات إيما إلتصاق، ولكنْهم يعدون أنفسهم  عندما تقتضي الضرورةُ، فيصبحون  متّصفًين بعكسها… أدار يوسف جوهر روايته حول الأسرة المصرية، وهى المحور الأساسى فى هذا العمل الفنى، حيث تعيش مستورة في بيت متماسك بفضل القيم الروحية والدينية المتأصلة في الأب- وهو رجل قانون يعرف الحدود والحقوق ويرعاها وزوجته التي لا تكف عن الصلاة والصوم والدعاء، وابن لهما يدرس الطب، وثلاث بنات ليس في سمعتهن ما يشين…وبوفاة الأب والابن وزواج البنات انفرطت حبات العقد التي كانت تجمع الأسرة تحت سقف واحد، وبقيت الأم وحيدة تجتر الذكريات في بيت واسع كبير  مستأجر من سنوات طويلة بإيجار زهيد، وفي حين هاجرت واحدة من البنات إلى أمريكا، عاشت الثانية في حي شبرا الشعبي مع زوج يعمل كاتباً بسيطاً في المحكمة، وأقامت الثالثة في الثغر السكندري إذ كان زوجها يعمل موظفاً في الجمرك.

وعندما تعرض المجتمع المصرى للهجمة المادية الشرسة التي عصفت بكل متعارف عليه من القيم، والفضائل، قررت البنتان بيع البيت الذي تعيش أمهما فيه، حيث يقع فى شارع رئيسي من شوارع القاهرة، ويمثل ثروة مهدرة، ممكن أن تكون سببٱ فى تنقلهما من مستوى الطبقة المتوسطة إلى مستوى الطبقة صاحبة رؤوس الأموال فقامتا ببيع البيت دون استشارة الأم .

وتحولت مقتنياته من الأثاث إلى “كراكيب” جرى التخلص منها لدى باعة “الروبابيكيا”- وبالمثل صارت الأم مثل أثاث البيت لاأهمية له، وأصبحت  تنتقل كالضيف الثقيل بين  بيوت بناتها، وهى تراقب عن كثب وفي غيظ مكتوم،  كيف أطاحت الثورة المفاجئة بصواب إبنتيها…وتحولت حياة الأسرة إلى رغد العيش، والمكاسب السريعة من المقامرة والتهريب والمتع الجسدية المحرمة وصولا لمعاقرة المخدرات وأعمال التزوير والتورط فى علاقات آثمة، ولكن سرعان ماإنقضت أيام النعيم  واللعب بالنقود، بعد  تورط إحدى البنتين في علاقة آثمة، تخلصت من آثارها بالإجهاض أولاً ثم الانتحار في آخر الأمر.

وهكذا إنفرط عقد الأسرة، منهم من ذهب إلى غياهب السجون ومنهم من أفلس تماما

أما الأم، فقد أودعت بيتاً للمسنات لتقضي فيه بقية عمرها، منبوذة من أبنائها رغم كل التضحيات والتنازلات التى قدمتها لبناتها نادبة حظوظها في الحياة.

هذا هو موضوع راوية “أمهات في المنفى” التي نسج خيوطها الكاتب والأديب  يوسف جوهر باقتدار وبأسلوب سلس بسيط ومنطقى، فلا نجد أى مواقف مفتعلة، أو تعارضت مع الهدف من الرواية، أو محاولة الخروج من مأزق ترتيب الأفكار أو تلفيقها لكى يتخلص من تسلسل الأحداث وترابطها ببعض، فقدم لنا جوهر أسلوبه فى الأدب الروائى العربى، المتماسك مع ترابط وقائع مايكتبه فى القصة القصيرة والرواية،ترابطاً محكماً، وليس فيها مط ولاتطويل للأحداث بلا داع، ولاوجود للمصادفة فى مجريات الرواية ، كذلك لانجد أى شخصية دخيلة أو أقحمت على الأحداث دون أى هدف فنى لها…يستشعر القارئ لأسلوب يوسف جوهر النزعة الأخلاقية أثناء السرد لأى واقعة معينة يتعرض لها، رغم أن جميع شخوص  الرواية يمثلون الانحراف بدرجاته المتفاوتة   فنجد الأم المخلصة لأسرتها بصدقها وبحبها للجميع،  هي الوحيدة التي بقيت متمسكة  بعرى الأخلاق، يلاحقها غيظ كامن بداخلها واستسلام لامفر منه، ومن خلال ماأصاب المجتمع من خلل، فى مسار الحياة الطبيعية، تلاحقنا مفارقات مضحكة ساخرة كدأب يوسف جوهر فى معظم ماكتبه ولدينا قصته “البيه البواب” والتى قدمتها السينما فيلما ساخرٱ، أكبر دليل ساقه الكاتب لإثبات القصور أو الخلل الجذرى الذى أصاب المجتمع ، يظهر ذلك جليٱ على الخادمة التى تحولت إلى سكرتيرة، وكاتب المحكمة وقد فتح مكتب محاماة…فهذه المفارقات عند مؤلفات يوسف جوهر تشكل جزءاً أساسيٱ من التصميم الروائي، الذي تكتمل به الصورة الكاملة لأشخاص الرواية في الواقع، مبينة التحول الغير أخلاقى فى الأسرة ، وكذلك المجتمع.

لقد أتقن جوهر  في هذه الرواية صناعة الصورة الكاملة للأسرة، التى تفسخت أواصرها، من خلال حبكة وحواراً ووصفا تصويريٱ رائعٱ، فجائت الأحداث منطقية ومترابطة، لتضيف على العمل الروائى كل آيات الصدق،  فى صنعة إحترافية لايمتلكها الكثير ، ولكن يوسف جوهر يمسك خيوطها وعناصرها ببراعة وإقتدار وهذا ماكان يميزه جيدٱ فى كل أعماله .

ومن المفارقات الطريفة، أن كاتبنا كان يعمل بالمحاماة بعد تخرجه من كلية الحقوق، ليهجر العمل بالقوانين ويتجه إتجاه يغير كل حياته ،ليجعله من أعلام الفن والأدب والسينما أيضا ، فقد قدم اكثر من سبعين عملا للسينما، مابين كتابة القصة والرواية التى تحولت إلى أفلام وكتابة السيناريو والحوار لروايات كبار الكتاب ،منهم طه حسين ونجيب محفوظ واحسان عبد القدوس…ورغم ذلك لم ينال شهرة هؤلاء الكبار ، ولم يعبأ لهذا حيث أبهرته السينما أكثر ، فأعطاها الكثير من الحب من البداية…يقول جوهر : “السينما هى التى تساعدنى أكثر فى توصيل الكلمة للناس، لأن السينما هى الكلمة الجديدة فى حياتنا الحاضرة، ففى مصر هناك نسبة من الأميين، وبالسينما نستطيع أن نوصل الكلمة والصورة لقطاع كبير من المشاهدين، ففى القاهرة مثلًا فى العروض الأولى للسينما دخلها مليون ونصف المليون متفرج، ولم يكن بمصر فى ذلك الوقت مليون ونصف المليون قارئ»

أمهات في المنفى فيلم مصرى من نوعية الدراما السوداء إنتاج عام ١٩٨١، بطولة عادل إمام و ماجدة الخطيب و إسعاد يونس و السيد راضي وجلال الشرقاوى وغيرهم من النجوم،  عن قصة الكاتب يوسف جوهر وإخراج محمد راضى .

وكعادة الأم التى تضحى بنفسها، وسعادتها من أجل أسرتها وأبنائها…كانت أمينة رزق وقد تفوقت على نفسها دائما فى دور ليس غريبٱ عليها، الأم المغلوبة على أمرها، لتتفوق أيضا تقريبٱ على معظم من قدمن دور الأم على الشاشة، بإستثناء الفنانة والأم الرائعة فى كل ماقدمته “فردوس محمد” وأعتقد أنه لايختلف إثنان على ذلك

فقد لعبتا دور الأم الطيبة البسيطة الحنونة بإقتدار وتميز، يشعرك عظمة اداءهن بأنهن لايمثلن دور الأم رؤية بل أنهن يؤدين حقيقة دورهن فى الحياة…الأم .

قدم عادل إمام في الفيلم شخصية حسونة، موظف الجمارك الذي يرفض التعامل في وظيفته خارج حدود القانون. يقاوم حسونة إغراءات المال والرشوة. اعتمد الفيلم الأسلوب الرمزي لتمرير رسائل مهمة بعيداً عن الكوميديا، والحديث عن الفساد في الإدارات الرسمية.

وبالطبع جلال الشرقاوى “غول التمثيل” لكل الفنون مسرح وسينما وإذاعة وأيضٱ التليفزيون، ممثل من العيار الثقيل الذى يزن آداءه أي عمل يشترك فيه مهما كان حجم الدور الذى يقدمه … ناهيك عن محمد راضى الثعلب العجوز وقدراته على تقمص الشخصية التي يقدمها، كمن يسحب السجادة من تحت أقدام المشاهدين، فلا يعرفون أيحبونه أم يكرهونه من شدة البساطة فى الآداء…وتأتى ماجدة الخطيب بأداء هادئ متزن كما عهدناهه فى ماتقدمه كثرثرة فوق النيل وزائر الفجر وإمتثال وغيرها الكثير، فحصات على لقب “دلال المصرية”…أما عن إسعاد يونس الممثلة الشقية والمميزة بخفة دمها وحضورها فكان دورها مناسب وسهل .

“امهات فى المنفى” معرض لصنوف من البشر يختلفون في منابتهم ولكنهم يتفقون في مشاربهم، قدمها لنا قلم الكاتب يوسف جوهر، بإقتدار …ولما لا وقد أهدى كل حياته وعصارة فنه للناس، من خلال كتابات متميزة تستحق القراءة،  تحولت معظمها لأفلام مميزة تستحق المشاهدة، من كاتب كبير يستحق التقدير .

*********************************

                              يوسف جوهر أديب كبير متواضع الحظ

وديع فلسطين 

بدأ يوسف جوهر مسيرته في هذا الدرب منذ الثلاثينيات من هذا القرن حين شرع ينشر أقاصيصه في “مجلتي” لصاحبها أحمد الصاوي محمد، وذهب في إخلاصه لهذا الفن إلى حد هجرة المحاماة التي مارسها حيناً من الزمن ثم فزع منها إلى فنون الرواية بعدما تأهب لها بكل أدواته: فبيانه عربي ناصع مطواع، وحبكته الروائية شديدة الإتقان، وقدرته على سبك الوقائع الروائية التي يستقيها من أحداث الحياة الجارية قدرة أستاذية، وموهبته في إثارة أسباب التشويق لدى القارئ موهبة فطرية، هذا إلى قدره على التفريغ في الشخوص بحيث لا تتكرر في أعماله الروائية المختلفة، كل هذا مع استعداد طيب للسخرية ولإبراز المفارقات، فضلاً عن استخلاص العبرة من تجارب الحياة بتلقائية تفرض نفسها، وليس بإلقاء المحاضرات وتلقين المواعظ، مع حرص شديد على الابتعاد عن الإسفاف أو الخوض في المباذل- وهي التي تغري بعض كتاب القصة بتجسيمها بل بإدارة موضع القصة كله حولها، باعتبارها محورها الرئيسي.

قرأت ليوسف جوهر للمرة الأولى وأنا طالب جامعي “بين عامي 1939 و 1942” فاستهواني أسلوباً وموضوعاً حتى إذا ما طلب مني أستاذ الدراما الإنجليزية اختيار أقصوصة عربية ونقلها إلى اللغة الإنجليزية وقع اختياري على أقصوصة أعجبتني ليوسف جوهر منشورة في مجلة “الاثنين” التي كانت تصدر وقتها عن دار الهلال، وقمت بترجمة هذه الأقصوصة فنالت إعجاب الأستاذ الأمريكي الذي قال لي إن هذا النمط الرفيع من الكتابة يؤهل صاحبها للعالمية، ولم أكن وقتها أعرف يوسف جوهر إلا بالاسم، ولكن اتفق بُعيد ذلك أن دعاني بعض الشبيبة إلى حضور محاضرة ليسوف جوهر في ناديهم، فرحبت بدعوتهم ونعمت مع الحاضرين بحديثة العذب الذي صاغة في قالب روائي، ثم خلونا إليه بعد المحاضرة في لقاء أدبي حميم، ومنذ ذلك الحين انعقدت بيني وبينه صداقة لم تنقصم عراها حتى الآن، سداها الإعجاب بخلقه السامي، ولحمتها الإعجاب بأدبه الرفيع.

وهذا الإعجاب بأدبه الرفيع هو ثمرة متابعة حثيثة لمسيرة هذا القاص المبدع الذي امتلك ناصية التقنية الروائية، سواء وهو يكتب أقصوصة أو رواية أو نصاً سينمائياً مما يسمونه “بالسيناريو” فهو أمين على أداء رسالته، لاتستهويه الاعتبارات التجارية، ولا ينساق وراء الشهرة العارضة التي تقتنص من أي سبيل.

لماذا بخس حقه؟

وقد هالني- وهو من المفارقات الغليظة- أن يكون حظه من عناية الدارسين والنقاد حظاً التواضع، إن لم يكن محاولة منهم لإهماله وجحد فضله، وكنت أعزو هذا إلى افتقاره إلى أسلحة “العلامات العامة” وترفه عن مطاردة النقاد والمشرفين على الصفحات الأدبية لكي يقوموا “بتلميع” اسمه وتسليط الأضواء عليه، هذا في الوقت الذي كان فيه الدكتور طه حسين يصر على ألا يكتب سيناريو رواياته التي حولت إلى أفلام سينمائية إلا يوسف جوهر وحده، اطمئناناً من عميد الأدب العربي إلى تفرد يوسف جوهر بالقدرة التامة على نقل النص المكتوب إلى عمل سينمائي خلو من التشويه، مع استخدام لغة للحوار يرتاح إليها طه حسين.

بل إن فوز يوسف جوهر بجائزة الدولة التقديرية لم ينبه الدارسين إلى تقصيرهم في حق هذا الأديب الكبير، فبقي حيث هو منكور الفضل مبخوس الحقوق.

والحقيقة أن هناك كثيرين من الأدباء والشعراء الذين عاشوا وملأوا الدنيا ثم غفلت عنهم عيون الدارسين وباتوا من مظاليم الأدب، ومن قبيل التمثيل أذكر بعضاً ممن عرفت مثل محمد سعيد العريان، وعادل الغضبان، ومحمد عبد الغني حسن، ومحمد الأسمر، والعوضي الوكيل، ونقولا يوسف، وعبدالرحمن صدقي، ومحمد مصطفى الماحي، ومحمود غنيم، والقائمة طويلة.

ومن فترة قريبة تلقيت محادثة هاتفية من طالبة جامعية في قنا اسمها “إيمان محمد إلياس” قالت فيها إنها تعد أطروحة جامعية عن يوسف جوهر، وإنها لم تجد مشقة في الوقوف على آثاره بعدما طبعت ثمانية أجزاء من مجموعة هذه الآثار الكاملة بالإضافة إلى مجموعة أخرى نشرها مركز الأهرام للترجمة والنشر بعنوان “شخلول وشركاه”، ولكن أعياها أن تعثر على كلام ذي شأن لنقاد الأدب يمكن الاعتداد به في دراسة جامعية منهجية كدراستها، وقالت إنها راجعت نسبة كبيرة من المؤلفات الروائي ونقده، ففجعتها ظاهرة الإهمال شبه الكامل ليوسف جوهر، مما أضطرها إلى الاتصال الشخصي بالنقاد عساها تظفر من كل منهم برأي مكتوب تستعين به في إعداد أطروحتها في الإطار العلمي السليم، فجاء اكتشافها المتأخر لهذه الحقيقة معززاً لاكتشافي المبكر لها، فكيف غاب النقد الأدبي تماماً عن عالم يوسف جوهر “وأيضاً عن عالم الروائي الكبير أمين يوسف غراب؟” وكيف سكت أرباب الأقلام من الدارسين عن العناية بهذا الركن الركين من أدب الرواية والأقصوصة؟ وهو ما يفجر قضية صارخة في أدبنا المعاصر، وهي أن الآثار الأدبية إنما تعامل من جانب النقاد بكيلين: إسراف هنا وتقتير هناك، وأضواء ساطعة هنا وتعتيم هناك، مع أن مهمة النقد الأساسية هي وضع كل كاتب في موضعه الصحيح استناداً إلى عمله وليس إلى علاقاته أو نفوذه أو منزلته في “سيرك” المجتمع، واكتشاف الأدباء حتى وإن كانت لهم شهرة خاملة.

أمهات في المنفى

وإن استحال التمثيل على أدب يوسف جوهر من مجمل آثاره، فقد اخترت نموذجاً من أعماله هو رواية “أمهات في المنفى” لأقول فيها كلمة اتصاف يرضى عنها ضميري، ولأحاول بذلك تدارك ما اجترحته من تقصير متطاول في حق يوسف جوهر، وإن كان عذري أنني لست ناقداً محترفاً، كما أن أسباب النشر كثيراً ما تدير ظهرها لي.

“أمهات في المنفى” رواية استمدت وقائعها من البيئة المصرية الصميمة بعدما انجرفت في تيار المادة الطاغي، فضاعت القيم الأصيلة الراسخة من تراحم وود وعطف ومشاركة إنسانية وجدانية، وتضحية تصل إلى حد البذل والفداء، وشهامة أريحية تلقائية، وأصبحت المادة هي القيمة العليا في الحياة، يطلبها الناس إطلاباً، متوسلين إلى ذلك بالمشروع من الوسائل وغير المشروع منها- وهو الأرجح الأعم.

كانت الأسرة المصرية التي أدار يوسف جوهر حولها وقائع هذه الرواية- والأسرة كلها هي “البطل” في هذا العمل الفني- تعيش مستورة في بيت متماسك بفضل القيم الروحية والدينية المتأصلة في الأب- وهو رجل قانون يعرف الحدود والحقوق ويرعاها- وزوجته التي لا تكف عن الصلاة والصوم والدعاء، وابن لهما يدرس الطب، وإن احترمه المنون قبل الأوان، وثلاث بنات ليس في سمعتهن ما يشين.

وبوفاة الأب والابن وزواج البنات انفرطت حبات العقد التي كانت تجمع الأسرة تحت سقف واحد، وبقيت الأم وحيدة تجتر الذكريات في بيت يضم تسع غرف مستأجر من سنوات طويلة بإيجار زهيد، وفي حين هاجرت واحدة من البنات إلى أمريكا، عاشت الثانية في حي شبرا الشعبي مع زوج يعمل كاتباً بسيطاً في المحكمة، وأقامت الثالثة في الثغر السكندري إذ كان زوجها يعمل موظفاً في الجمرك.

وعندما تعرض المجتمع للهجمة المادية الشرسة التي عصفت بكل متعارف عليه من أصائل القيم، ومتوارث الفضائل، رأت البنتان أن البيت الذي يؤوي أمهما في شارع رئيسي من شوارع القاهرة يمثل ثورة مهدرة تنقلهما- إن ظفرتا بها- من مستوى الطبقة المتوسطة إلى مستوى الطبقة اللاعبة بالأموال. فقامتا ببيع البيت دون استشارة الأم وعلى الرغم من معارضتها الشديدة فإن البيت هو بيت الذكريات الجميلة التي لا يصح التفريط فيها، ولكن الأمر كان قد تقرر فعلاً، فبيع البيت وتحولت مقتنياته من الأثاث إلى “كراكيب” جرى التخلص منها لدى باعة “الروبابيكيا”- أو سقط المتاع، وصارت الأم “ملطشة” تنتقل كالضيف الثقيل من بيت الابنة في شراً إلى بيت الأخرى في الإسكندرية، تراقب عن كثب وفي غيظ مكتوم كيف أطاحت الثورة المفاجئة بصواب الابنتين، ففتحت السكندرية بيتها للمقامرين والمرتشين والمهربين وعشاق الترخص الأخلاقي، وتحول زوج الثانية إلى مزور ومعاقر للمخدرات في حين تورطت زوجته في علاقة آثمة مع شاب إيطالي تخلصت من آثارها بالإجهاض أولاً ثم الانتحار في آخر الأمر.

ولماذا ازداد النهم إلى المال، انفضح أمر المقامرين والمهربين فاستقروا في غياهب السجون ولقيت الابنة الباقية من شقيقتها المهاجرة ترحيباً بالانضمام إليها، أما الأم، فقد أودعت بيتاً للمسنات تقضي فيه بقية عمرها منبوذة من ذوي الأرحام، نادبة حظوظها في الحياة.

نقمة المال

وعبرة الرواية هي أن المال لم يكن نعمة لأصحابه بل كان نقمة عليهم، وأنه لم يجلب السعادة بل جلب معه التعاسة، وأن متع الدنيا استحالت إلى عذاب مقيم.

هذا- بإيجاز مخل- هو موضوع راوية “أمهات في المنفى” التي نسج خيوطها يوسف جوهر باقتدار أستاذي وبأسلوب هو من أنصع الأساليب وأنقاها في الأدب الروائي العربي عامة، وإذا بحثت في الرواية عن مواقف افتعلها المؤلف وتعارضت مع المنطق، أعياك البحث، وإذا تربصت للمؤلف عساك تعثر على مصادفات لفقها لكي يتخلص من مأزق في سلسال الرواية، لم تعثر على شيء، وإذا نقبت عن عبارة نابية انزلق إليها قلم الكاتب، فلن تقع على شيء من هذا القبيل، فالراوية متماسكة تطرد مع أحداثها اطرداً منطقياً سلساً، وتترابط وقائعها ترابطاً محكماً، وليس فيها شخوص أقحموا دون مسوغ فني على أحداث الرواية.

وليس يخلو أسلوب يوسف جوهر من سخرية واضحة تنساب في سياق السرد الروائي وهي تمثل في حقيقتها “موقفاً أخلاقياً” من جانب المؤلف إزاء واقعة معينة عرضت له ومن سخرياته أنه كثيراً ما يستخدم تعبيرات الصحف الدارجة إحكاماً لمقاصده، فيقول مثلاً: إن المدين “لم يجدول” ديونه، وإن هناك “استراتيجية” لا تخفي حكمتها على اللبيب، وإن الممثلة الناشئة “لم تقدم تنازلات” وإن “وراء كل مرتش عظيم امرأة” وإن الدكتور “أعطى لشرف المهنة إجازة” وهلم جرا.

وقد يسأل القارئ: إلى أي مذهب من المذاهب تنسب راوية “أمهات في المنفى”؟ والجانب الأكيد هو أنها رواية واقعية، بل صارخة في واقعيتها، لأن جميع أحداثها قريبة المنال، وليس لعنصر الخيال دور فيها أو في اختلافها، ويكاد المرء يصادف في معاملاته اليومية شخوصاً كشخوص يوسف جوهر بجميع الخصائص التي صورها لهم دون مبالغة، وإذا كان جمي شخوص هذه الرواية يمثلون الانحراف بدرجاته المختلفة، فإن الأم المؤمنة هي وحدها التي بقيت مستمسكة بعرى الأخلاق- على غيظ كامن واستسلام لا معدى عنه- ومع ذلك فوجئت بالصحف تنشر فضيحة اكتشاف أرملة محام- وهي الأم- تدير بيتها مع ابنتها لممارسة القمار! ذلك أن بانتها وزوجها حررا عقد الشقة باسم الأم تفادياً للتبعات القانونية، وهكذا لوث اسم الأم دون جريرة، ودفعت ثمن صلابتها الأخلاقية حين تخلي عنها في منفى يسمونه “بيت المسنات”. وإذا كانت الابنة التي هاجرت إلى أمريكا سلمت بدورها من هذا العفن الخلقي، فهي سعران ما تطبعت بطبائع الحياة في المهجر وتخلت عن أمها في أيام عمرها الأخيرة.

كما أن في الرواية مفارقات مضحكة ساقها المؤلف من قبيل التدليل على أن هناك خللاً جذريا أصاب المجتمع، سواء في الحياة الواقعية أو في العمل الروائي، فالخادمة قد تحولت إلى سكرتيرة يتبارى المقامرون في خطب ودها، وخادمة أخرى تحولت إلى زوجة لرب البيت لترعى أولاده بعد انتحار زوجته حتى لا تكون سيرتها مضغة في الأفواه إذا ما عملت في بيت رجل أعزب، وكاتب المحكمة فتح مكتباً للمحاماة واستخدم فيه محامياً ناشئاً يدفع له خمسين جنيها شهرياً، فيقوم الكاتب بإعداد المذكرات والإعلانات بخبرته التي حصلها من العمل كاتباً في المحكمة، في حين يقوم المحامي بالتوقيع على هذه الأوراق لإكسابها الشكل القانوني، فإذا استقل المحامي بعد ذلك بمكتب خاص به، استخدم نفس هذا الكاتب عنده بأجر شهري قدره عشرون جنيها.

هذه المفارقات هي “توابل” في رواية “أمهات في المنفى” وإن كانت تشكل جزءاً من التصميم الروائي الذي تكتمل به صورة التفسخ الفاجع الذي عرا هذه الأسرة التي لها أشباه كثيرة في الواقع، فالمؤلف لم يبتكر هذه المفارقات كاشف وليس من منظر “عين الرضا” التي تكل عن وصف كل عيب، وتتستر على كل عمل مذموم تضج منه نواميس الأسوياء من البشر.

أصناف من البشر

ورواية “أمهات في المنفى” معرض لصنوف من البشر يختلفون في منابتهم ولكنهم يتفقون في مشاربهم، فهناك ثري الحرب الأمي، والطبيب المنحرف، والزوجة الصورية لتسهيل عقد الصفقات، وهنك كاتب المحكمة الذي يعامل الناس بمقدار ما يدسونه له من رشاوي في درج مكتبة المفتوح، وهناك البلطجي “قفه” الذي يترفق بضحيته ماقبل الفلوس، وهناك النصاب الذي يستولى على مدخرات البسطاء ويهرب إلى الخارج، وهناك رجل الدين البسيط الحال الذي يشكو قلة الأجر وكثرة العيال الذين يفتكون بحلة العدس وهي تغلي، ثم يسأل: “هل نضع للحلة قفلاً أو نضعها في حراسة الجيران”؟ وهي شخصيات متفردة قل أن يجتمع مثلها في عمل روائي واحد، وإن حفل المجتمع بصنوف كثيرة منها، ولا يشد عن هذه الشخصيات إلا الأم المسكينة “صفية” التي لم يبق لها في منفاها ف بيت المسنات إلا صورة أبنها الطبيب الراحل تتأملها وتضمها إلى صدرها وتنهمر من عينيها الدموع السخينات.

إن يوسف جوهر قد أتقن في هذه الرواية الفن الروائي حبكة وحواراً ووصفا وتصويرا بحيث اطردت الأحداث في تسلسل منطقي فيه كثير من الصنعة الأستاذية، وليس لاصطناع الناشئ عن العجز، وهو يمسك في يديه القادرتين بجميع خيط الأشخاص والأحداث ليؤكد الترابط والتماسك اللذين يحققان للعمل الروائي كل آيات الصدق، ولن تصادف في الرواية حشواً أو تزيدا، لأن كل عنصر من عناصرها يخدم المعمار الشامل للرواية ببراعة واقتدار.

فإذا جئنا إلى عنوان الرواية وهو “أمهات في المنفى”، عن لنا أن نسأل: من هن أولئك الأمهات؟ هل هن اللائي هاجرن إلى الخارج إيثاراً منهن لمنفى اختياري؟ أو إنهن نزيلات بيت المسنات، ومن جملتهن الأم التي غدرت بها بناتها؟ الأرجح أن المؤلف أراد بالمنفيات نزيلات بيت المسنات، وإن كنا لا نعرف شيئاً عن ظروف نفيهن، وسوءا أشتابهت ظروف نفيهن مع ظروف الأم “صفية” أم لا، فالمؤكد أن بيوت المسنات مهما توافرت فيها أسباب الراحة والعناية، هي المنفى الأرضي الذي يفضي لامحالة إلى النفي بين القبور واللحود بعد وقت يقصر أو يطول.

وصفوة ما يقال إن رواية “أمهات في المنفى” هي رواية تشد القارئ وتستهويه لقدرة يوسف جوهر على إضافة عنصر التشويق في كل فصل من فصولها، ولصدق الكاميرا الروائية التي يلتقط بها مناظره، ولا متلاكه لناصية البيان، يوظفه في خدمة الحوار والسرد أجمل توظيف وأبلغه.

محمود حسنين

يوسف جوهر

“فلسفة التهكم من الحياة”

محمود حسانين

تقول الكاتبة سوزان سونتاج: الأدب يعلمنا الحياة, ما كنت لأكون الشخص الذي أنا إياه, لو لم أكن أفهم ما أفهم”

تحيلنا تلك الفلسفة التي تتحدث بها “سونتاج” إلى فلسفة أخرى, هي فلسفة التهكم من فهم ما لم يكن الإنسان يفهمه, كما نجد تلك الفلسفة في قصة “غريق على شاطئ التوبة” للكاتب يوسف جوهر, عندما يقول واصفا احد أبطال القصة: “الأستاذ شرارة ليس رجلا مملا.. هو قارئ صحف نشط, ومتخصص في أخبار الاختلاسات وجرائم السطو على المال العام, وعنده مثل كلاب البوليس حاسة شم قوية, تتعرف على السرقات حتى لو كانت تتخفى في ملابس تنكرية, مجهزة في دكاكين القانون التي تبيعك عباءة الحق منسوجة من خيوط الباطل”

“عناق الموت والحياة” هذا عنوان مجموعة قصصية, عثرت عليها أثناء ترتيب المكتبة, تصفحتها.. الكاتب يوسف جوهر..! كان الاسم ليس غريب على أذني بين الكتاب, رغم قربه إلى الذاكرة, أخذت انعش ذاكرة الأنترنت عنه, وجدت على موسوعة ويكيبيديا سيرة عن الرجل, كم نحن على جهل أبناء السبعينيات وجيل بداية الثمانينات, فما بالنا بجيل التسعينات وجيل الألفية الجديدة, الذين يصدعوننا بالبيست سيللر, وحفلات التوقيع إلى غير ذلك, شعرت بان الجيل الجديد يحتاج إلى من يكرمه بباقة ورد من بستان الأقدمين, كتبت ومازلت ابحث عن آخرين أمثال احمد ذكي محفوظ وعادل كامل ومحمد عفيفي ونعمان عاشور وفتحي غانم, وعمالقة الإبداع في هذا الجيل, الرعيل الأول من كتاب الفن الروائي والقصصي, من امتلكوا فلسفة الوعي المستنير, التهكم من الحياة بجرة القلم على الأوراق.

الحياة الإبداعية:

يوسف جوهر ابن مدينة قوص، محافظة قنا، ولد في عام 1912، اهتم والديه بالتعليم واكمل دراسته حتى سنة 1935, بعد  تخرجه من كلية الحقوق، عمل لسنوات في مجال المحاماة، ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي اهتم يوسف جوهر بكتابة القصة والرواية, فهو روائي ذو طابع خاص, كانت علاقة بالرواية عندما فاز عام 1942, بجائزة مجمع فؤاد الأول للغة العربية, برواية “عودة القافلة” التي سميت بعد ذلك ” جراح عميقة” وقد فاز في تلك الجائزة عادل كامل بالمركز الأول, ونجيب محفوظ بالمركز الثاني, وهو بالمركز الثالث, وتم تحويلها إلي فيلم سينمائي بعد ذلك، أعماله تتميز باللغة السهل الممتنع، وبأسلوب السخرية, كان كاتب صحفي وكاتب سينمائي, تحمس للكتابة للسينما من منطلق أنها الكتاب المفتوح, لمن لا يقرأ ولا يكتب، وعمل على إيجاد صلة بين الأدب والسينما، فكتب سيناريوهات لأشهر قصص توفيق الحكيم وطه حسين وغيرهما من الكتاب، وكما يقول د. ثروت فتحي في حوار له مع الأديب يوسف جوهر، قد أغوت السينما يوسف جوهر بأضوائها وبريقها, وانقاد لها مسحوراً, وغرق في بحار غرامها، وقدم خلال 58 عاماً ما يزيد على مائتي سيناريو للسينما، و500 قصة قصيرة.

كتب عنه الكاتب محمود قاسم في موسوعة الأفلام العربية – المجلد الثاني

قدمت رسالة ماجستير بعنوان “خصائص الاسلوب في قصص يوسف جوهر”  بكلية دار العلوم ,جامعة القاهرة, باسم الباحث حامد احمد محمد الشيمي, 2009

كتب مصطفى بيومي في البوابة نيوز عنه وعن بعض اعماله عنة 2012

كما نشرت له قصة “الطامع” في موقع الأنطولوجيا 2018

كتبت هدى زكريا في اليوم السابع 2010, عن مجموعته القصصية “المصباح الأعمى”

في فبراير 1998, كتب بمجلة العربي الكويتية, وديع فلسطين تحت عنوان” يوسف جوهر اديب كبير متواضع الحظ” مقالا شبة تفصيلي عن حياته وبعض أعماله.

وفي موقع فيتو قدمت ثناء الكراس الحوار الذي أجره الصحفى محمد السيد شوشة في مجلة الجيل الجديد, عام 1954, يدافع فيه عن نفسه فيقول:
لم أهجر القصة القصيرة والأدب ولم أفضل السينما من أجل الفلوس”

جاء الحوار ردا على اتهامات الوسط الفنى للأديب بأنه هجر القصة القصيرة إلى كتابة السيناريو في السينما من أجل المادة حتى طغت شهرة يوسف جوهر كسينمائى على شهرته كأديب.

قال يوسف جوهر:

“لست أدرى لماذا يعتبرون كتابة السيناريو ليست من صميم العمل الأدبى مع أنها نوع من العمل القصصى، بل أن كتابة السيناريو عمل أدبى أشق من القصة القصيرة، لأنها تقوم على ترجمة المشاعر والخلجات إلى صورة مرئية تتجسد في شخصية حية على الشاشة“. أن اعتقاد البعض أن الكتابة للسينما أربح من الكتابة والصحافة وهم قديم، لأن الكاتب الناجح يستطيع أن يربح من قلمه في أي ميدان، كما يربح من السينما، لأن السينما لاتدفع الأجور العالية إلا للكتاب المجيدين أصحاب الأسماء اللامعة، وأخيرا أظن أن السينما لا تتعاون معى على أساس أنى بهلوان أو ممثل، أو أنى أبو لمعة أقول النكتة، وإنما تتعامل معى لأنى يوسف جوهر الكاتب.

أعماله الأدبية:

كتب المجموعات القصصية منها, الحياة قصص, سميرة هانم, دموع في عيون ضاحكة, أمهات لم يلدن أبداً, ابتسامات حية رقطاء, رسائل غرامية, نار ودماء, عناق الموت والحياة.

وكتب روايات منها, جراح عميقة, أمهات في المنفى, الصعود إلى قمة التل, عودة القافلة, دوامات في نهر الحب.

وكتب بالمجلات  مقالات وقصص منها:

صور وخواطر- مجلة الثقافة, وفي وناكر, مجلة الرسالة, الغني والفقير للأبروبير, مجلة الرسالة, رسالة النقد – الحياة قصص,       مجلة الرسالة, أخر الأبطال,  مجلة الرسالة الجديدة, الثوب الأزرق, مجلة الرسالة الجديدة, القبلة عند الغدير, مجلة الرواية, لعنة,      مجلة الرواية, التراب الأحمر, مجلة الهلال, الحب يكسر قوسه (قصة) مجلة الثقافة, قد أقبل الصبح (قصة) مجلة الثقافة, يا نجمة الفجر (قصة) مجلة الثقافة, الطامع, قصة مجلة الرسالة, المعلم لوقا – قصة, مجلة الرسالة, هذا أنت – قصة, مجلة القصة, إذا كانت لغزاً..فهى كألغاز الكلمات المتقاطعة! مجلة الهلال.

له أكثر من سبعين عمل وسيناريو من سنة 1944.

منها:

الرجل الثالث, سواق الهانم, الفضيحة, الطقم المدهب, البيه البواب, موعد مع القدر, أمهات في المنفى, نغم في حياتي, زمان يا حب, هاربات من الحب, ليلة واحدة, زوجة بلا رجل, صيف قوي الذاكرة, معبودة الجماهير, الأيدي الناعمة, الرباط المقدس.

وسيناريوهات منها:

بين القصرين – 1962 – سيناريو وحوار, يوم من عمري – 1961 – سيناريو وحوار, دعاء الكروان – 1959 – سيناريو وحوار, مصطفى كامل – 1952 – سيناريو وحوار

رحيـــــله:

ومثل الكثير الذين تظلمهم منابر الأعلام, عندما تكون هناك أحداثا عظيمة بقدر فاجعة رحيل العظماء, فقد كان رحيله في عام 2001، وهو اليوم نفسه الذي وقع فيه الاعتداء الشهير لبرجي التجارة العالمي, الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، وترك هذا التوافق تأثيرًا سلبيًا على اهتمام الصحف ووسائل الإعلام بخبر وفاته، فلم ينل ما يستحقه من الاهتمام والمتابعة.

يوسف جوهرفي سطور

        روائى وكاتب قصصي وسينمائي وصحفي واستاذ بمعهد السينما    12 ديسمبر 1912-  11 سبتمبر2001

ولد بمدينة قوص محافظة قنا سنة 1912؛ تخرج في كلية الحقوق 1935، وعمل لسنوات في مجال المحاماة ، شارك في كتابة السيناريو والحوار لعشرات الأفلام المصرية ، من أبرزها ( الروح والجسد ، سماعة التليفون، دائما معاك، الرجل الثاني) بالإضافة لعمله السينمائي ، كتب العديد من المجموعات القصصية والروايات ، توفي سنة 2001 عن عمر 89سنة

خريج كلية الحقوق 1935

اشتغل بالمحاماة ، عضو مجلس إدارة مؤسسة السينما

قام بتدريس القصة السينمائية

مقرر لجنتي السينما والقصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب

عضو المجالس القومية المتخصصة شعبة الأدب ولجنة القصة

السكرتير العام لجمعية الأدباء

رأس تحرير مجلة السينما والمسرح

شارك في إنشاء معهد السينما وفي إعادة قانون اتحاد الكتاب

ظهر إنتاجه الأدبي 250 قصة قصيرة نشرت في مجلات السياسة الأسبوعية، والثقافة والرسالة وآخر ساعة وأخبار اليوم من سنة 1932وحتى سنة 1961

مجموعاته القصصية

الحياة قصص

سميرةهانم

دموع في عيون ضاحكة

أمهات لم يلدن أبدا

ابتسامات حية رقطاء

رسائل غرامية

نار ودماء

صور من مفكرة يوسف جوهر

رواياته

جراح عميقة

أمهات فى المنفى

الصعود الى قمة التل

عودة القافلة

دوامات فى نهر الحب

له أكتر من سبعين روايه تحولت الى افلام من سنه 1944

فيلموجرافيا

تأليف 64 عمل)

الرجل الثالث فيلم 1995 سيناريو وحوار

سواق الهانم فيلم 1994 تأليف

الفضيحة فيلم 1992 قصة وسيناريو وحوار

الطقم المدهب فيلم 1990 قصة وسيناريو وحوار

امهات فى المنفى فيلم 1981 قصة وسيناريو وحوار

الايام مسلسل 1979 أشرف على السيناريو والحوار

نغم فى حياتى فيلم 1975 سيناريو وحوار

زمان يا حب فيلم 1973 سيناريو وحوار

هاربات من الحب فيلم 1970 قصة وسيناريو وحوار

ليلة واحدة فيلم 1969 قصة وسيناريو وحوار

زوجة بلا رجل فيلم 1969 مؤلف

فتاة الميناء فيلم 1964 قصة وسيناريو وحوار

بين القصرين فيلم 1964 السيناريو والحوار

الأيدى الناعمة فيلم 1963 سيناريو و حوار

يوم من عمرى فيلم 1961 سيناريو

الرباط المقدس فيلم 1960 سيناريو وحوار

الرجل الثاني فيلم 1959 قصة

عش الغرام فيلم 1959 قصة وسيناريو وحوار

نور الليل فيلم 1959 حوار

مع الايام فيلم 1958 قصة وسيناريو وحوار

فتى أحلامى فيلم 1957 قصة وسيناريو

طريق الأمل فيلم 1957 قصة وسيناريو

كفاية يا عين فيلم 1956 قصة

العروسة الصغيرة فيلم 1956 قصة وسيناريو وحوار

الغائبة فيلم 1955 حوار

ايام و ليالي فيلم 1955 قصة

عاشق الروح فيلم 1955 سيناريو

وعد فيلم 1954 سيناريو وحوار

دايماً معاك فيلم 1954 قصة و حوار

لمين هواك فيلم 1954 قصة وسيناريو وحوار

الحياة الحب فيلم 1954 قصة وسيناريو وحوار

الارض الطيبة فيلم 1954 سيناريو وحوار

غلطة العمر فيلم 1953 سيناريو وحوار

شريك حياتى فيلم 1953 حوار

مصطفى كامل فيلم 1952 سيناريو

آمنت بالله فيلم 1952 سيناريو

حبيب قلبي فيلم 1952 السيناريو والحوار

الحب فى خطر فيلم 1951 قصة وحوار

ضحيت غرامى فيلم 1951 قصة وحوار

سماعة التليفون فيلم 1951 قصة وحوار

مشغول بغيرى فيلم 1951 قصة وسيناريو وحوار

امير الانتقام فيلم 1950 حوار

قسمة ونصيب فيلم 1950 حوار

غرام راقصة فيلم 1950 قصة وحوار

صاحبة الملاليم فيلم 1949 قصة وحوار

إجازة فى جهنم فيلم 1949 قصة وحوار

الليل لنا فيلم 1949 سيناريو وحوار

أحبك أنت فيلم 1949 قصة وحوار

فتاة من فلسطين فيلم 1948 حوار

الروح والجسد فيلم 1948 قصة وسيناريو وحوار

المستقبل المجهول فيلم 1948 قصة وحوار

عدو المجتمع فيلم 1947 سيناريو وحوار

العقل فى إجازة فيلم 1947 سيناريو وحوار

القاهرة بغداد فيلم 1947 قصة وحوار

الطائشة فيلم 1946 قصة وحوار

اليتيمة فيلم 1946 قصة وحوار

عودة القافلة فيلم 1946 قصة وحوار

غرام الشيوخ فيلم 1946 حوار

شهر زاد فيلم 1946 حوار

مجد ودموع فيلم 1946 قصة وحوار

هذا جناه أبى فيلم 1945 حوار

قبلة فى لبنان فيلم 1945 قصة

الأبرياء فيلم 1944 قصة وحوار

المتهمة فيلم 1942 حوار

الجوائز

جايزة الدولة التقديرية فى الاداب من المجلس الاعلى للثقافة 1984

جايزة مجمع فؤاد الاول للغة العربية 1942

أضف تعليق