قصص قصيرة:  بقلم: محمد عبد العال

الهزيمة

( 1 )

أقربهم إليه استبعد أن يكون قد انتحر , وإن كان قد صارحه من قبل بأن هذه الفكرة كثيؤدرا ما تصطاده من عتمة هذا البحر حيثما الموج يجتاح السفن التى تأمل أن تحلم .. أقربهم إليه قال : لقد كان بيدو حزينا , شارد النظرة والعينين فى طريق لا يعود .. ردوا عليه : ألم يقل أنه شاعر ؟ تلك هى عادات الشعراء .

أقربهم إليه نظر إليهم , ود لو يتكلم , أن يقول : نعم تلك هى عادات الشعراء حين يحبون ولا ينالون , يتمنون ولا يقدرون ,, يرون ولا يخرصون , يبكون وينفجرون فى الضحك , والأهم أنهم لا ينامون ورغم ذلك يحلمون , ود أن يتكلم , أن يقول , لكنه آثر الصمت , آثر ألا يقول وكانوا قد تركوه وكانوا قد ذهبوا فى الشوارع وابتلعهم الأسفلت

( 2 )

شهد بعضهم بأنهم قد رأوه راكبا ودراجته وكان مسرعا , وكان نهر من الملح والعرق يفيض على وجهه , وكادت سيارة أن تصدمه لولا انتباه سائقها الذى ترجل عنها مسرعا وسبه قائلا : ماذا به هذا المجنون ؟ ألم يجد سيارتى ليموت تحتها ؟ وتأتينى مصيبة من ورائه , وقال بعضهم أنه شوهد يشترى جرية المساء وقرأ الصفحة الأخيرة منها _ وهى صفحة الرياضة _ أثناء تناوله العشاء فى مطعم الفول الشهير فى المدينة وأنه _ هذه المرة _ لم يخرج السوس من الطبق ولم يبصق اللقمة عندما أحس بالرمل تحت لسانه وكان يبكى حتى أن دموعة أغرقت الطبق فلم يعد يحتمل مزيدا من الملح .. أقربهم إليه قال : كانت عيناه تتهجيان كلمة وداع .. دمعة (واو) .. دمعة (دال) .. دمعة (ألف) .. دمعة (عين)

( 3 )

بكت الفتاة التى كانت عيناها النجلاوان تفيضان بحبه .. الفتاة التى كان قلبها يزغرد بعشقه , الفتاة التى لم تكن لتنساه .. الفتاة التى تعجبت كثيرا عندما عاد من الخارج ليشترى فقط دراجة , الفتاة التى تزوجت بكت .. بكت .  

وجع

( 1 )

جاءوا , تركت لهم البيت , شوارع تعذبنى ثم تسلمنى لشوارع تنفينى , المكتبة بجوارها محلات الذهب , وصلت إلى النهر , كان ممدودا على الأرض مجهدا , يلفظ آخر ما تبقى له من أنفاس ..

قلت : اضطررت لبيع الكتب , لقد أجبرونى , بطنى يأكلها الجوع وليس معى نقود , والتراب اليوم له ثمن . لم يرد , كان يبكى بنشيج مكتوم . قلت هل هو الطوفان , ومضيت دون أن أنال الإجابة .

( 2 )

دخلت دكان الذهب , فوجدتهم . صرخت فى وجه البائع : ماذا تبيع ؟ صرخت فى وجه المشترين : ماذا تشترون ؟ حاولت أن أضربهم , أن أحطم المكان , حاولت يا صاحبى .. حاولت . وهأنذا بين جدران أربعة وسقف ونافذة من حديد وصدأ يغمرها ليل قارس , حيث لا ذهب ولا كتب .

الحفرة

كان يسير لا يدرى لأين .. فقط يسير . فاضت الهموم وناء الظهر بالأحمال . وجد نفسه على باب الحديقة فدخل . يا الله .. ما كل هذا الجمال ؟ وهذا النظام والترتيب المتقن.. أى يد لفنان فعلت هذا ؟ .. شجر وثمار وورود, ماء رقرراق سلسال وعصافير تصدح باللحن الفرح , ونسيم طرى حنون . ظهر الرجل لا يدرى متى وكيف ؟ يحمل فى يده جاروفا .. فقط جاروف . صرخ : ” أحفر الأرض ” .. قال : ” لماذا ؟ “.. صاح : لا تسل .. أحفر فقط .. أحفر وإلا .. “.

التراب يتصاعد والعرق يهبط والتعب يحط , وما زال يحفر .. رأسه بمستوى الأرض وما زال .. رأسه تبتعد لأسفل تبتعد .. يغور فى باطن الأرض .. يغور .. يغور بعيدا .. والعمق ساحقا .. ساحقا .. هبط إليه الحبل  وسمع الصوت الزاعق : ” اربط الجاروف بالحبل ” , ففعل .. ارتفع الجاروف .. ارتفع حتى اختفى .. وبدأ الرجل بالأعلى فى ردم الحفرة غير عابئ بالصراخ .

أضف تعليق