(بلاغة الصمت عند إبراهيم أصلان) بقلم : سيد الوكيل

640x480

كثير من نقاد إبراهيم أصلان التفتوا إلى المكان في أعماله، ولفتوا الانتباه إليه بوصفه دالاً جماليًا على الهامش الاجتماعي، الذي يصور المناطق والأحياء الشعبية الموزعة على جوانب القاهرة؛ وهي بطبيعتها مجتمعات حديثة، تعكس نوعية ثقافية تميزها عن صورة الأحياء الشعبية التي نجدها عند نجيب محفوظ مثلاً. وقد رأينا هذا الحضور المكاني في رواية (مالك الحزين) على نحو واضح،كما يظهر في قصصه، في صورة كادرات بصرية محدودة عادة، على نحو ما نرى في قصة (بحيرة المساء) عندما يصبح المقهى القابع على طرف الحي بجوار النهر. هو مسرح أحداث القصة. لكن المفارقة، تكمن في أن البحيرة ليست مكانًا بقدر ما هي معنى مجازي يشير إلى سكون وصمت المساء. يعطينا هذا انطباعا بأن الزمن وليس المكان هو موضوع القصة، وسنرى، أن حضور المكان في هذه القصة لا يميز نفسه على نحو ذاتي أو مستقل عن أمكنة أخرى بعيدا عن تأثيرات الزمن فيه. ولا نعني بذلك البعد التاريخي للمكان على نحو ما نشير إلي حارة نجيب محفوظ بوصفها تشكيلا معماريا. بل نعني البعد الديموجرافي بوصفه بعدًا ثقافيًا يتشكل عبر علاقة جدلية بين المكان والزمان والإنسان. فالواقع أن لا وجود لأحدهم بمعزل عن الآخر. وفي اعتقادي أن كل المحاولات النقدية لعزلها أفضت إلى رؤى منقوصة ومحرومة من الفيض الدلالي.

عندما نفكر على هذا النحو، سنكتشف، أن الزمن له حضور كببر ومميز في قصص إبراهيم أصلان، حتى أن كثيرًا من قصصه، تبدأ من جملة افتتاحية، تشير صراحة إلى الزمن من قبيل: (هذا الصباح – بعد العصر ـ بعد منتصف الليل، وغيرها) وكأن هناك ساعة، تقبع في خلفية الأماكن وتحدد حركة الشخصيات فيه.

هذا الحضور الزمني يبدو لافتا منذ مجموعته القصصية الأولى (بحيرة المساء). فقصة (الملهى القديم) تبدأ على هذا النحو: “في النصف الأخير من الليل، وقف رجل ضئيل الحجم يرتدي معطفًا أسود على حافة الشاطئ”. أما القصة التالية مباشرة (البحث عن عنوان) فتبدأ هكذا: “بعد منتصف النهار بقليل، كان هناك رجل نحيل يسير في خطوات مستقيمة على طوار الشارع الطويل الذي يقسم المدينة إلى قسمين”. وفي قصة ( العازف) نجد: “في الليل كنت مستلقيا على فراشي الصغير أعيد قراءة الرسالة الأخيرة التي وصلتني من أمي”.

استمر في القراءة (بلاغة الصمت عند إبراهيم أصلان) بقلم : سيد الوكيل

الكتابة من أجل المتعة في ” ملكة الغجر” …بقلم : عاطف محمد عبدالمجيد

غلاف مملكة الغجر

يقولون إن الكون أعد لكل واحد منا خطة على مقاسه، وأنا أصدق ذلك لأنني لا أجيد صنع شيء في حياتي سوى الكتابة.وإذا لم يكن هذا الكتاب جيدًا بما يكفي فأنا في مأزق حقيقي.     هذا ما تفتتح به القاصة ثناء حسن مجموعتها القصصية ” ملكة الغجر ” الصادرة عن دار شرقيات منذ سنوات. بداية ندرك أننا أمام كاتبة لا تكتب لمجرد الكتابة وفقط، بل تسعى لأن تقدّم للقاريء شيئًا تراهن على جودته، حتى لا تقع في مأزق الكتابات التي لا تساوي ثمن الحبر والأوراق التي كُتبت عليها.المجموعة تضم عددًا من القصص القصيرة متفاوتة المساحة، أصغرها لا يُكمل ثلاثة أسطر، وأكبرها يقترب من الخمس صفحات، وهي القصة التي جعلت اسمها عنوانًا للمجموعة، وهي أيضًا القصة الوحيدة في المجموعة التي كتبتها القاصة باللهجة العامية.

استمر في القراءة الكتابة من أجل المتعة في ” ملكة الغجر” …بقلم : عاطف محمد عبدالمجيد

أسوار…قصة : إسلام الحادي

   كل ليلة يصدر صوتاً أشبه بسعال مكتوم أو على الأصح سعال مفتعل ليعلن به قدومه ،تهتز الصورة، يظهر وجهه مبتسما ثم يبدأ في الظهور شيئاً فشيئاً حتى يخرج بكامل هيئته ، كنت أعلم بميعاد خروجه ولكنني كنت أتظاهر بالنوم حتى يأتي ويربت على كتفي كي استيقظ . نتحدث ونثرثر كثيراً ثم حين يخترق شعاع الضوء الأبيض النافذة يدخل مرة أخرى إلى الصورة . غاب فترة ولم يأت ولا أعرف السبب إلى الآن . يدق الهاتف ولا أدري أيضاً علاقة أن يدق الهاتف بدخول عمتي  إلى الحجرة وقولها أجيبي الهاتف يا بنتي  هو مريض اعملي معروف . اضغط زر الإغلاق بعصبية وانتظر قدومه من حيث يأتي كل ليلة …

استمر في القراءة أسوار…قصة : إسلام الحادي

” أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها” ( 2)….لـ طارق إمام

البصيرة

كانت كلما نظرت في وجه رجل، ترى عيني امرأة.

تطالع حيرتهما في الأرض الغريبة، تحت الجبهة الخطأ، تتلمس زرقة الدموع المكحولة في بكاء الرجال الذي لا لون له. تبحث عن أحمر الشفاه بين الشارب واللحية، ولا تمل تتبع سراب الضفيرة في سراب القفا.

من يُصدِّق أن كل الوجوه، كل هؤلاء الرجال، كانوا، بالكاد، وعداً بأخرى؟ وكم رجلاً استطاع أن يدرك أن هاتين العينين اللتين تفتشان فيه، ليستا سوى عينيه، عينيه هو، وقد أطلتا عليه أخيراً، مكحولتين، من وجه امرأة؟

موت الأب

لنحيا حقاً معاً، كان يجب أن أعيش كل تلك السنوات التي قطعتها أنت قبل أن أولد. كأنك، لتضمن لي الحياة من بعدك، خصمت حصتي العادلة من ماضينا المشترك.

رغم ذلك، نحن معاً، في اللحظة نفسها، عالقين في تلك الغرفة المعطلة التي يسمونها الحاضر، وكأن السنوات محض مصعد بين طابقين.

نحن معاً: رجلان أنجب أحدهما الآخر وما زال ينتظر أن يصبح، يوماً ما، في نفس عمره.

كيف تربي المدينةُ كلابها

لا أحد يعرف كيف تربي المدينةُ كلابها، كيف تجعلها تقف عند الأبواب الزجاجية للفنادق، أمام واجهات محال الملابس ومطاعم الوجبات السريعة.. تتأمل البشر.. فقط تتأمل، بما يليق بكلاب تربت في المدينة.

لا تنبح في وجه السادة. لا تطلب الطعام. لا تلاحق عشيقين في شارع مظلم بالنباح.

في المدن الصغيرة لا تفوت الكلاب فرصة للانتقام.

في المدن الصغيرة تموت الكلاب في الطرق وتلتهمها القطط.. لكن في المدينة الكبيرة، الكلاب تعرف ماذا عليها أن تفعل لتعيش طويلاً.

حصان في حجم الكف

هناك، في الغيطان الشاسعة، وحيث صحبوني معهم مضطراً، رأيت حصاناً صغيراً، في حجم راحة اليد. كان يصهل، ربما صهيله هو ما نبهني لوجوده، بينما كان يركض أسفل قدمي كحشرة كبيرة، مختفية بين الحشائش القصيرة، التي سيصير عليّ أن أصفها بالعملاقة بعد ذلك كي أذكره. توقف قليلاً، ليلتقط الأنفاس، حيث تمكنتُ من رؤية لجامه الدقيق، وحوافره التي بدا أنها كانت تؤلمه. كنت أفكر في حمله وتأمُّله بين كفي، لكنني خفت أن يكون مسخاً. لقد كان واقعياً إلى درجة لا يمكن معها وصفه، خاصة بعد أن رفع إحدى قائمتيه الخلفيتين وأطلق خيط ماء ساخن تصاعد معه البخار من الأرض الترابية، ثم قذفت مؤخرته بقطع الروث النفاذة.. ثم صهل مجدداً، صهيلاً كبيراً، لا أدري كيف يمكن الآن لرجل صغير أن يصفه.

القصيدة

يحدث أن تفتش في جيب قميصك عن سيجارة، عن قطعة عملة، عن مفتاح بيت غادرته، فتفاجئك قصيدة.

أنت لن تعرف إن كانت القصيدة فاجأتك في قصاصة منسية بقاع الجيب، أم أنها ما تزال  في رأسك التي تفكر في قطعة العملة، في السيجارة، أو في مفتاح البيت.

في جميع الأحوال: القصيدة كتبت.

الوصية

(إلى ابنتي كرمة)

تلك الجوارب الدقيقة الملونة، الأحذية التي تبدو غير حقيقية، التي تشبه اللعب، التي كلما استوعبت قدميكِ كنتُ أشهق للمعجزة. وأصابعكِ، تلك المقتطفات، التي لا تُصدِّق أننا لكي نصل ينبغي أن نمشي.
كل هذه الخطوات هنا، في هذا البيت، في هذه الغرفة، وأنتِ هناك، تكبرين في طفولةٍ أخرى. كل هذه الخطوات المفرغة من صوت لقائها الأول بالأرض، صارت الماضي الوحيد الذي يمكن أن تعرفه طفلة، إرثك الوحيد المتروك لرجل.
كل هذا تركته أقدامُكِ خلفها، ميلاداً مترباً تحت سريري، كأنكِ كنتِ جنيناً فقط في أحذيتِك.

 

 

أشياء ).. قصص قصيرة جدًا :للكاتب سيد نجم )

رنين جرس                                                                                 

يرن جرس المنبّه، استيقظتُ.. يرن جرس التليفون، لا أردّ.. يرن جرس أبواب المترو، أختنِق من الروائح. اليومَ رن جرس بوابة مبنى عملى، لم أدخل، رن جرس سيارة إسعاف بجوارى.. توقفتُ، بنظرة فضولية تعلقتُ بالنافذة كى أرى ما بداخلها.. وجدتني أنظر نحوي وأضحَك!

 

 سؤال 

 يشعر بالضجر من صوت الأجراس، عندما كَفّ جرس باب الشقة والتليفون والموبايل ومنبّه الصباح وباب الأسانسير.. انتبَه، سأل كل مَن يقابله، إنْ كان ما يزال حيًا؟!

******

شاشة الحاسوب                                                                       

كتبَ أول جملة في القصة، فورًا مسَحها مِن فوق سطح الشاشة.. هكذا كان مع الورق، حتى تمتلئ السلة بالقصص المجهَضة. اليومَ حدثَ ما لم يتوقعه، انتهى من القصة، فنظر إلى جواره، صدمته كومةٌ من الأوراق، فقال:

“يبدو أن الشاشة استوعبت كل خبرات الورق القديمة!”

******

بريد إلكتروني                                                                             

آخِر كل ليلة وقَبل الخلود إلى النوم، أتصفّح بريدي الإلكتروني، أدركتُ أن يدًا خفية تكاد تنطلق وتقفز من الشاشة.. بانَ لي أنها تعلقت بنظارتي الطبية، تركت لي أخرى، حتى الصباح أتساءل: هل أستخدِمها أم ماذا؟ 

*****

مِرآة                                                                                    

يقولون إن الابتسام أمام المِرآة، يجعلك شخصًا سعيدًا عند بلاد الغرب، وتصاب بالجنون عند بلاد العرب، شئتُ التجربة، وأنا أتمنى أن انعكاسي يوافقني، وقفتُ أمام المِرآة لم أرني!

*******

الطين                                                                                      

اشترى الفازةَ المصنوعة من طين الأرض، خزفًا فخمًا، انتابَه الرعب حين تحطمت، بانت له بقايا ديدان تسعى، عظام أجِنةٍ مجهَضة، وأشياءُ أخرى لم تخطر على باله أبدًا.. أن يراها!

******

نظارة                                                                                   

أقابِلها مبتسِمًا، نجلس فوق الأريكة عند ضفة النهر، كدتُ أسقط في مياهه، نصحتني أن أستخدِم نظارة طبية. في اللقاء التالي، وفوق عيني النظارة، نظرتُ إليها وقلت: “أحِبّك” كما كنت أفعل، لم أذهب في اللقاء التالي.

******

الشطرنج                                                                                  

منذ سنوات يلعبان لعبة الشطرنج لأنها للأذكياء فقط، في كل مرة يهزم (س) وينتصر (ص). اليومَ ملَّ (س) الهزيمة، ووافَقه (ص)، حاولا البحث عن لعبةٍ بديلة، اكتشفا أنهما لم يلعبا غير الشطرنج، بعد البحث اكتشفا أنهما كانا يلعبان الشطرنج على ضفة النهر، فضحكا طويلا لأن عينيهما لم ترياه، لم يحاولا النظر إلى مياه النهر، ولم يمارسا الصيدَ ولو لمرة واحدة…!

 

 

 

جنية الكلمات.. قصة قصيرة بقلم: رفقي بدوي

 

كنت فارساً ،وترجلت لما قتلت جوادي حين صهل ، وعلم أعدائي موضعي ، دعيني أبكي جوادي الذى خانني ، وصهل .
أذهب حين تغيب الشمس ،متوكئا علي عصاى التي لم أعد أهش بها علي أحد لحظة غضبي ، وليس لي فيها سوى مأرب واحد ،أتساند عليها لتسندني ، وما جئت لأجلس علي المقهي الذى لم تعد مقاعده من سعف ،إلاّ لألقاها ، تتمايل بضفيرتها ، وأنا أجالسني واجتر، فيؤلمني رقصي علي ما مضي ، فأكتبها حكايات وروحي تحترق كما فتيل القنديل ،انير وانير قبل أن أنطفأ ، وترتاح عصاى مني.
أغني اجترارًاً،وألحاني أنتِ أنا ، أدق ناقوس الوقت وحوريات الليل يبكينني ،ويبكين أجسادهن اللاتي لم أخط عليهن خطا ،والتصقت بقلبكِ ، وتحصنت بحضنكِ ،أقلب البومات مُخيلتي لأستعيدني من أزمنة مضت ،فلا أجد سوى صورتكِ محتضنة كراساتكِ علي صدركِ وضفيرتك تتراقص علي ظهركِ ، فأغفو علي كرسي السعف ،أغفو علي هوى السنين .بعدما انسربت فحولة الوقت ولم يعد الناقوس يدق فاتشمم رائحة العشب الذى بللته ، ولم يبق لي سوى اجترار .. سوي اجترار .
حان وقت اللقاءفي السيئات والحسنات، وقصتي لم تكتمل ، لما حبستني جنية الكلمات ومنعت عني المدد وقالت :-“ياسيد الكلمات التي لم تقل ،قل في عينيَّ ولا تجتر ذكرياتك ،فلقد جئتك من كل الجهات ،سأسجنك في حروفك المنثورة فلا تقدر علي نسجها كلمات ومعان ، وا اسفي عليك،فلقد ابيضت عيناك من الحزن قبل أن تقول كلماتك التي لم تقلها ، ،أبكي فلست وحدك من بكي .”.
– اجيريني وبوحي ،اجيبيني هل سكن جسدى النسيان،حين ادرككِ نسياني ، اجيريني لتدركني الكلمات فاصير صرخة في ضلوعك ، قولي لي كيف نسمي لقاءنا لقاءً ونحن بعده نفترق، وما ابيضت عيناي إلاَّ من فراقك،ولا اسألكِ عن الأسباب فاسئلتي مذبوحة علي مذبح شفتيكِ ،اجمعي حروفي،تزيني بها عقداً لجيدكِ أو قرطاً ،واسمعيني هسيس روحك فيعيدني لنول الحروف ، فقد سئمت كرسي السعف ،وسئمت ذاكرتي المثقوبة ،وليس لي غيركِ اجيريني لاشبُك وردتي بشعركِ فينفتح بابك الموصد وأنسل من فرجته .
-:”وا اسفي عليك، لن امنحك أكثر مما منحتك إياه ، تستحلبه كلما جلست علي كرسي السعف بعدما ذبلت ورداتك التي اهديتها للعابرات ،وما اكتفيت بطيبي يفوح عبقه فيك ، فتنجب كلماتك التي عجزت عن إنجابها بدوني ،و ما اكتفيت بي !!أنا جنيتك فالزمني طوعاً أكفيك .”.
– فلمن أجئ بالوردة سيدتي ،لمن ؟ وأنا ما فعلت شيئاً يباعدكِ عني ،أنتِ أنتِ ـ وأنا أنا أدق ناقوس الكلمات كلما أتت حوريات الليل ليجلسن معي ويرتشفن دموع اشتياقي لكِ ،أعيدى لي حمحماتي وصهيلي ،فقد قتلت جوادي حين خان ،وأنا لم اخنكِ لتهجريني بعدما صرفتِ حوريات الليل عني وصرت موقوفاً عليكِ ،ليس غيركِ،اجيريني وبوحي هل سكن جسمي النسيان حين ادرككِ نسياني ،اجيريني وانطقيني،فأشبك وردتي علي صدركِ وينفتح بابك الموصد وانسل من فرجة التمني حاملاً الوردة السؤال .
لمن أجئ بالوردة ؟
” لا تبكي طفلي ، لا تبكي فأنا التي دللتك، ضع الوردة علي صدرى ،ضعها ، ولا تبتعد عن مداري فتهجرك كلماتي ،ضعها ينفتح بابي ،ومن فرجته ادخل وخذ كنزى “.