صافرة النهاية، قصة: محمد القصبي

……….

صديقي فجأة اختفى.. كان ذلك منذ سبع سنوات.. رغم حساسية عمله لم يدفعني فضولي الصحفي أن أسأل عن مهام منصبه طيلة علاقتنا التي امتدت أكثر من عشر سنوات.. كلما التقينا أو تهاتفنا.. نخوض أكثر في أموري الأدبية والصحفية والأسرية.. وأيضا عن بعض أموره الإنسانية ..ولاشيء عن عمله.. آخر مرة التقينا.. فاجأني :

-عارف أنا جاى منين ؟

ألمح في لكنته التي اعتاد أن تكون خالية من دسم الانفعالات .. بعضا من الاضطراب.. سألته بقلق:

– منين؟

– من الاستاد!

– استاد أيه.. النهاردة مفيش ماتشات !

– اشتريت ربع كيلو لب.. ورحت هناك.. وقعدت في المدرجات أتسلي!

وكأنها لحظة تمرد متوقعة على نظام وظيفي وحياتي أمضى ربع قرن أسير جبروت طغيانه.

-فيه أيه..؟ شكلك مش عاجبني!

– شعور غريب يلازمني من فترة.. وأنا ماشى في الشارع.. بحس إن مش ده الشارع بتاعي.. وأنا في البيت مع أولادي بحس إن أنا فى وادي وهم في وادي.. لما بسمع أغنية بحس إن الأغاني دى مش لي.. لما بقعد اتفرج على المسلسلات بحس إنها معمولة لناس تانيين.. والإعلانات إما عن موبايلات ودقايق هتكسبها أو أكل.. برضه مش لي.. حتى الطعام.. في البيت والعزومات والمطاعم والفنادق.. ما بلاقيش الأكل البسيط اللى كنت عايش عليه..

ويسألني صديقي:

– مش هو دا الموت.. إنك تحس إن الدنيا دى مش بتاعتك !

ولماذا أتذكر صديقي الآن؟

لم يفارقني طيفه لحظة واحدة منذ أن اختفى.. لكنها كلماته الأخيرة.. أنسحق بين حروفها.. وحتى سؤاله الأخير هو أيضا سؤالي: مش هو دا الموت.. إنك تحس إن الدنيا دى.. مش بتاعتك !ّ!

أين أنت يا صديقي؟ لو ظهرت.. لو قدر لنا أن نلتقي مجددا ..لاصطحبتك إلى ستاد القاهرة، وصعدنا إلى أعلى المدرجات.. نتجاور.. نتطلع إلى فضاءات الملعب الخاوية.. صامتين إلا من قزقزة اللب ..في انتظار.. صافرة النهاية !

أضف تعليق