طيش. قصة: محمد فيض خالد

يكتبها : محمد فيض خالد

هو سليلُ عائلة عَريضة الَحسب مَوفورة الجَاه ، تَمتدُ جذورها في تَاريخٍ حَافلٍ، ليسَ في القريةِ وحدها بل على امتدادِ الزِّمامِ، يتَباهى أفرادها أن جَدهم الأكبر ” الحاج خضر مفتاح ” كان صَديقا مُقرّبا لسكرتير الملك ،ووكيلا لأعماله في الوجه القبلي، يشتري باسمِه حَدائق الفاكهة في المنيا والصَّعيد ، قيِِل زارهم ذاتَ مَرةٍ الباشا ، فكانَ يَوما مَشهودا ،من بَعدهِ تسيَّدوا فأصبحوا زعماء الناحية، عَلا نجمهم ،وذاقوا حَلاوة الثَّراء، تَرامت أفدنتهم تَحتَ عينِ الشمس بلا حِساب، واختلطت دماء أبنائهم في أنسَابٍ أعرقِ الُأسر من السادةِ والأشراف، فاجتمعَ لهم المال والعزوة ، حافظوا على مكانتهم فلم تهتز عقودا

اُغرمَ قلبه بفتاةٍ لأُسرة مُعدمة ،كاَنت بارعة الحُسن ، مكتملة الإغواء ، عَبثت بهِ مُنذ لقائهما الأول ، تلاعبت بَعقلهِ فاستطاعت جّره إليها حتى اُسقط في حَبائلها ، ليصبح من بعدها أسير جمالها، مُبكِّرا أحسّت الفتاة في العاشقِ ضََعفا فلم تُفوّت الفرصة واجهزت عليه ، لم يتردّد في خِطبتها ، خَاضَ مقاومة عائلية عنيفة ، فأمثالها لا تليقُ بأبناءِ الُأسرِ الكريمة ، استمات في طلبه حتى أتم الارتباط ،ومن ساعتها أصبحت ” عزيزة ” حَظية الجاه والمال ، وتحول أهلها بقدرة قادر أصهارا لأسياد الزمام.

مُذ وطأت أقدامها بيته فرضت سلطانها عليه ، كما بسطت من قبل على قلبهِجناح فتنتها، رويدا روضت رجولته ، وكسرت أنفته ، فانساقَ لرغباتها تبَعا لا يَلوي على شيٍء ، يأتمر بأمرها  فلا يعصي لها أمرا،لا يعرف فيها غير اللذة والتشهي ،تراه مسلوب الإرادة وهو يُطالِعُجسدها المُسجّىفوق الفراشِ كقطعةِ المَرمر المصقول ،يَتمعّن مفاتنه ويَتحسّس أعضائه،وقد تَحلّبَ ريقه ، وارتجفت فرائصه، يََهمسُ في أذنيها بأعذبِ كلماتِ الحبّ والغزل ، قبل أن يغيب مأخوذا في قبلٍة طويلة ، يُطوّفيجني فيهامن بساتين روعتها ،تصده حِينا ، وحينا تُغرقه في بحارِ  شهدها حتى يسكر.

لم يستنكف عن أن يجمع في يدها مقاليد الأشياء ، تَتصرّفُ في كل كبيرٍ و صغير من شؤون   البيت ، أغراها الأمر لأن تجد مكانا بين رجالِ العائلة تبت مثلهم برأي .

 استهجن الجميع جرأتها، وكرهوا في ابنهم دعته وخضوعه ، لكنَّه لم يعبأ لتوبيخهم ولم يلتفت ، فَتذرّع بغيرتهم منها وحسدهم له ،لم تُقِّدر تفَانيه في إرضائها ،ولم تكافئ العشق الذي سلبه كُلّ ميزة ،وتركه شَبحا لا يقدر على شيءٍ ،داومت على إهانتِه ؛ليَعجز في الأخيرِ ويستسلم للأمرِ الواقع ، لم تعد فتاته التي عَرفَ ، حتَّى جسدها حرَّمته عليه ، اللهُّم إلاّ لمِاما لتبتزه حِين تشاء ، اكتفى الرجل بمحبةِ أبنائه يلتفوا من حَولهِ يواسونه ،ويعنفون سطوة أمهم واستبدادها ، لم تكترث لكل هذا ، تُبرِّر تَصرفاتها المنفلتة، بأنَّ زوجها قد غَابت شمس شبابه بعدما داهمه العَجز ، واستوطنت جسده العِلل ،ومن الآن لن يستطيع أحد مَنعها أن تستمتع بحياتها ،بالغت في زينتها ،واندفعت كفتاةٍ في العشرين ،تسحرها كلمات الغزل صريحة من أفواهِ الشَّباب ، وترضيها نظرات عيونهم الجائعة تلتهمها ، اعتادت الخروج من البيتِ في أوقاتٍ مَتأخرة ،تناثرت الشائعات من حولها ، وأذاعَ المُغرضون أنَّهم رأوها بصحبِةِ شابٍ يتسكعان في أحدِ الشوارع.

غَالبَ صاحبنا لوعة مكتومة  ، ومن حَولهِ أبنائه لا تكف توسلاتهم؛كي ترتد عن عبثها ،وتَصون ما تَبقّى من كَرامتهم.

أضف تعليق